
ورقة تقدير موقف
27 آب/ أغسطس 2025
وحدة تقدير الموقف
تشكل خطّة E1الاستيطانية نقطة تحول في المشهد الاستيطاني الإسرائيلي، إذ إنّ المضي في تنفيذ المشروع الذي يربط مستوطنة "معاليه أدوميم" بالقدس الشرقية سيفضي إلى تقسيم الضفة الغربية إلى شطرين متباعدين، وإلى عزل القدس عن محيطها الفلسطيني، وهو ما يقضي فعليّا على إمكانية قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا. في العشرين من آب/أغسطس 2025، أقرّت السلطات الإسرائيلية المخطط بشكل نهائي، حيث صادقت لجنة التخطيط العليا في الإدارة المدنية على بناء أكثر من 3400 وحدة استيطانية في المنطقة[1]. وقد أثار هذا القرار موجة من ردود الفعل الدولية، وعلى رأسها المواقف الأوروبية التي أجمعت على أنّ المشروع يشكّل خرقا خطيرا للقانون الدولي وتهديدا مباشرا لحل الدولتين. ترمي هذه الورقة إلى تقديم قراءة تحليلية لهذه المواقف من خلال استعراض الخلفية القانونية والسياسية التي تستند إليها أوروبا، ورصد أبرز المواقف الوطنية والإجراءات المحتملة، ثم مناقشة الفرص التي يتيحها هذا المشهد للتحرك الفلسطيني على الساحة الدبلوماسية.
الموقف المؤسسي الأوروبي
تصدّرت خدمة العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي (EEAS)،[2] الموقف المبدئي عبر بيان الممثل الأعلى، بتاريخ 14 آب/ أغسطس 2025، الذي أكد بوضوح أنّ المضي في خطة E1يشكّل خرقا للقانون الدولي، وأن البناء في تلك المنطقة سيؤدي إلى قطع "دائم" للتواصل الجغرافي بين القدس الشرقية والضفة الغربية، مع التحذير من اتخاذ خطوات لحماية قابلية حل الدولتين إذا تم المضي قدما بالخطة[3]. ويكشف هذا البيان، في توقيته ولغته، مسعى بروكسل لإرساء خطّ معياري في مواجهة التوسّع الاستيطاني، وذلك من خلال توحيد الخطاب القانوني، وتذكير العواصم والشركات الأوروبية بالتزامات عدم الإعانة وعدم الاعتراف، وإعادة تفعيل سياسة "التمييز" (Distinction) بين إسرائيل والأراضي المحتلة في التجارة والمشتريات العامة وسلاسل التوريد. كما أنّ الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية بتاريخ 19 تموز/يوليو 2024 بات مرجعية مساندة للموقف المؤسسي؛ إذ خَلُص إلى عدم مشروعية الوجود الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة وما يترتب على الدول من واجبات قانونية[4]. بهذا المعنى، لا يقف موقف الاتحاد عند حدود الإدانة الأخلاقية، بل يربطها بسياق قانوني يتيح أدوات متابعة وإنفاذ تدريجية.
على المستوى التنفيذي، يعمل الاتحاد على مراكمة الضغط السياسي والقانوني عبر بيانات مشتركة عابرة للتكتلات، وهو ما ظهر في بيان موسّع لوزراء خارجية من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا وأستراليا ودول أخرى بتاريخ 22 آب/أغسطس 2025، إذ وصف مواصلة مشروع E1بأنها "غير مقبولة" و "مخالِفة للقانون الدولي" مع دعوة إلى التراجع الفوري[5]. لا تُسجّل هذه الصياغة موقفا فحسب، بل تعكس أيضا قابلية التنسيق لاستدعاء أدوات أقسى إذا انتقلت الخطة إلى موضع التنفيذ، بما في ذلك توسيع الجزاءات الفردية وتعزيز تعليمات الامتثال للشركات الأوروبية المتعاملة مع أنشطة في المستوطنات. كما أنّ مجلس الشؤون الخارجية والمجلس الأوروبي أبقيا نقاش "التدابير التقييدية" بحق المستوطنين والمنظّمات الداعمة لهم على جدول الأعمال خلال حزيران/ يونيو 2025 [6]، ما يمنح المؤسّسات قاعدة قرار سابقة يمكن البناء عليها إن استجدّت وقائع على الأرض.
المواقف الوطنية الأوروبية
إلى جانب الموقف المؤسسي للاتحاد الأوروبي، برزت مجموعة من المواقف الوطنية التي عكست تمايزا في اللغة والأدوات، إذ حرصت عدة عواصم أوروبية على إبراز مواقفها المنفردة بما يمنح السياسة الأوروبية تجاه خطة E1 أبعادا إضافية تتجاوز الإدانة الجماعية. تلتقي هذه المواقف جميعها، رغم اختلاف مستوياتها، عند خط أحمر واضح هو رفض المشروع واعتباره تهديدا مباشرا لحل الدولتين.
تميّزت فرنسا عن بقية الدول الأوروبية بإضافة بعد سياسي ورمزي لموقفها من خطة E1؛ فإلى جانب مشاركتها في الإدانة الأوروبية، أعلن الرئيس الفرنسي في أواخر تموز/يوليو 2025 أنّ باريس ستعترف رسميا بدولة فلسطين في أيلول/سبتمبر المقبل[7]. لم يكن هذا الإعلان مجرد خطوة رمزية، بل رسالة سياسية قوية لإسرائيل وللشركاء الأوروبيين على حد سواء، تؤكد أن استمرار المشاريع الاستيطانية سيقابل بإجراءات ملموسة تزيد من الكلفة الدبلوماسية. ويتكامل هذا التوجّه مع سياسة فرنسية أوسع في عام 2025 شملت فرض عقوبات فردية على بعض المستوطنين المتطرفين، ما يعكس استعداد باريس لاستخدام أدوات عملية تتجاوز حدود البيانات التقليدية. في المقابل، تبنّت ألمانيا خطابا قانونيا متماسكا ومتسقا مع تقاليد سياستها الخارجية، إذ حذّرت وزارة خارجيتها من أن مشروع البناء في منطقة E1 سيؤدي إلى تقسيم الضفة الغربية وعزل القدس الشرقية، مؤكدة أنّ برلين لا تعترف سوى بتغييرات متفق عليها في حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967[8]. بهذا الموقف، تواصل ألمانيا تثبيت دورها كمرجعية قانونية داخل الاتحاد الأوروبي، مقدّمة غطاء صلبا للموقف الجماعي ومانحة له مصداقية إضافية.
أما المملكة المتحدة، فرغم خروجها من الاتحاد الأوروبي، فقد اختارت أن تتقاطع مع الموقف الأوروبي القاري عبر خطوات دبلوماسية مباشرة، إذ استدعت وزارة الخارجية البريطانية السفيرة الإسرائيلية في لندن ووصفت خطة E1بأنها "خرق فاضح للقانون الدولي" يستدعي التراجع الفوري[9]. أبرز هذا التحرك رغبة بريطانيا في التمايز عن الموقف الأميركي الأكثر ليونة، وإعادة تأكيد التزامها بالقانون الدولي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وعلى المنوال ذاته، برزت مواقف دول على غرار إسبانيا وإيرلندا وإيطاليا التي شددت، في بياناتها الوطنية المنسجمة مع الموقف الأوروبي، على أن المشروع يقوّض إمكانية قيام دولة فلسطينية متواصلة ويهدد بصورة مباشرة حل الدولتين. عكست هذه المواقف الوطنية، وإن اختلفت في درجتها وحدّتها، اصطفافا متزايدا خلف المرجعية القانونية الدولية، وأسهمت في تعزيز الخطاب الأوروبي العام وإكسابه وزنا سياسيا إضافيا في مواجهة المخطط الإسرائيلي.
الأدوات والسياسات المحتملة
في حال انتقلت الخطة من طور الموافقات التخطيطية إلى موضع التنفيذ، يُرجَّح أن تتّجه أوروبا إلى تصعيد متدرّج على ثلاثة مسارات: أوّلها توسيع الجزاءات الفردية بحقّ المستوطنين والمنظمات المحرِّضة أو المنخرطة في العنف بالضفة الغربية، علما بأنّ الاتحاد الأوروبي فرض بالفعل جزاءات على عديد المستوطنين في عامي 2024 و 2025، وتزايدت نقاشات توسيعها خلال حزيران/ يونيو 2025[10]؛ وثانيها تعميق سياسة "التمييز" عبر تشديد وسم منتجات المستوطنات وإصدار تحذيرات امتثال لسلاسل التوريد الأوروبية المتداخلة في مشاريعٍ ذات صلة؛ وثالثها التصعيد الرمزي السياسي مثل الاعتراف بدولة فلسطين ورفع التمثيل، كما ألمحت إليه باريس. ويُلاحظ هنا أنّ الاعتماد على الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية 2024 يوفر غطاء قانونيا قويا لقرارات الامتناع عن "الإعانة" أو "الاعتراف" بأي نتاج للمخططات الاستيطانية، بما في ذلك E1.
مع ذلك، يظلّ التوافق الداخلي في الاتحاد الأوروبي العامل الحاكم لسرعة وحدّة التصعيد؛ فبعض العواصم تتحفظ على إجراءات اقتصادية واسعة بحق إسرائيل، بينما تميل أخرى إلى استخدام أدوات أقوى إذا تحرّك التنفيذ ميدانيا. في هذا الفراغ النسبي، تتبدّى فرص العمل الدبلوماسي الفلسطيني وذلك من خلال البناء على البيان الأوروبي الموسّع (22 آب/أغسطس) لدفع عواصم رئيسية إلى ربط أي تحرك في E1 بخطوات ملموسة (كتوسيع قوائم الجزاءات الفردية، ونشر إرشادات امتثال للشركات بشأن المشاريع والسلع المرتبطة)، ومخاطبة خدمة العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي (EEAS) بطلب تفعيل صارم لسياسات "التمييز"، وإسناد ذلك بمرجعية محكمة العدل الدولية. كما يمكن استثمار الزخم السياسي في باريس حول الاعتراف، ومثله توجهات في عواصم أوروبية أخرى، كأداة ضغط وقائية تُظهِر أنّ الكلفة السياسية والدبلوماسية ستتصاعد إذا دخلت خطة E1 حيز التنفيذ.
خاتمة
عكست المواقف الأوروبية إزاء خطة E1إجماعا نادرا على رفض المشروع واعتباره تهديدا وجوديا لحل الدولتين، وخرقا خطيرا للقانون الدولي. ورغم أن هذه المواقف لا تزال تتموضع بشكل رئيسي في خانة البيانات السياسية والتحركات الدبلوماسية، إلا أنها تحمل في طياتها بوادر استعداد أوروبي لاستخدام أدوات أكثر صرامة مثل العقوبات الفردية وسياسات التمييز الاقتصادية، ولا سيما إذا انتقل المشروع إلى طور التنفيذ. من هنا، تبدو أمام الجانب الفلسطيني فرصة حقيقية لتفعيل قنواته الدبلوماسية مع العواصم الأوروبية، والبناء على الزخم الذي وفرته الإدانات الأخيرة، وربط أي تحرك إسرائيلي في خطة E1بمطالبات ملموسة مثل الاعتراف بدولة فلسطين أو تفعيل العقوبات على الكيانات الاستيطانية. كما يتطلّب استثمار اللحظة الأوروبية الراهنة خطابا فلسطينيا يستند إلى الشرعية الدولية والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، ويقدّم نفسه كشريك سياسي وقانوني جاد يسعى إلى حماية فرص السلام ومنع انهيار أسس النظام الدولي القائم على القانون.
[1] "Israel Approves Settlement Plan to Erase Idea of Palestinian State," Reuters, August 20, 2025, accessed August 25, 2025, https://tinyurl.com/yhkmwjtd
[2] تُعدّ خدمة العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي (EEAS)، التي أُنشئت عام 2010، بمثابة وزارة خارجية للاتحاد، إذ توحّد وتنسّق مواقفه في السياسة الخارجية والأمنية. وهي تدير وفوده الدبلوماسية حول العالم وتعمل تحت إشراف الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية.
[3] “Statement by the High Representative on Israel’s E1 West Bank settlement plan,” EEAS, August 14, 2025, accessed August 25, 2025, https://tinyurl.com/5e29yk57
[4]Legal Consequences of the Occupation of the Palestinian Territory, including East Jerusalem, Advisory Opinion, International Court of Justice, 19 July 2024, accessed 25 August 2025, https://tinyurl.com/5a4buc9c
[5] Joint statement by the High Representative, Vice-President of the Commission and the Foreign Ministers of Canada and Australia on the renewed Israeli settlement plan in E1, EEAS, August 22, 2025, accessed August 26, 2025, https://tinyurl.com/3pc58cjj
[6] European Council conclusions on the Middle East, European Council (Council of the European Union), June 26, 2025, accessed August 26, 2025, https://tinyurl.com/yf24auub
[7] Announcement of the recognition of Palestine (France Diplomacy – Ministry for Europe and Foreign Affairs), July 25, 2025, accessed August 26, 2025, https://tinyurl.com/38xdemb5
[8] “Germany Warns Illegal Israeli Settlement in West Bank Threatens Prospects for 2-State Solution,” Anadolu Agency, August 21, 2025, accessed August 27, 2025, https://tinyurl.com/mryest4e
[9] “UK Summons Israeli Ambassador following Approval of E1 Settlement Plan,” Foreign, Commonwealth & Development Office, August 21, 2025, accessed August 27, 2025, https://tinyurl.com/33k4ejme
[10]European Council conclusions on the Middle East, European Council (Council of the European Union), June 26, 2025, accessed August 27, 2025, https://tinyurl.com/yf24auub