تتعمق الأزمة السياسية الإسرائيلية كل يوم، وبلغت هذه الأزمة ذروتها مع فشل حكومة “بينيت-لبيد-عباس- في تمرير مشروع قانون تمديد مفعول أنظمة الطوارئ لعام 1967. فقد تمرد عضوا كنيست هما مازن غنايم عن القائمة العربية الموحدة، وغيداء ريناوي-زعبي عن حركة ميرتس وصوتا ضد مشروع القانون ما تسبب في خسارة الائتلاف التصويت بعد حصوله على تأييد 52 عضوا، مقابل معارضة 58 عضوا.

وكانت المعارضة اليمينية (الليكود مع يهدوت هتوراه وشاس والصهيونية الدينية) قرر التصويت ضد أي مشروع قانون يقدمه الائتلاف الحكومي بغض النظر عن طبيعة هذا القانون، بهدف شل الائتلاف الحكومي والتسبب بانهياره.

ورغم أن تمرير القانون هو هدف لكافة الأحزاب الصهيونية إلا أن المناكفات السياسية بين الائتلاف والمعارضة وضعت النظام السياسي الإسرائيلي أمام معضلة كبيرة خاصة إذا عجزت الحكومة الحالية عن إقرار القانون هذا.

ما هو “قانون يهودا والسامرة”؟*

قانون تمديد مفعول أنظمة الطوارئ لعام 1967 المعروف باللغة العبرية باسم “قانون يهودا والسامرة”، أقر قبل خمسة وخمسين عاما، أي بعد حرب 1967، وأقر في بداياته في إطار “أنظمة الطوارئ” التي قررتها الحكومة الإسرائيلية، وبات في النهاية تمديد هذه الأنظمة مطلوبا كل خمس سنوات.

ويهدف القانون إلى التعامل مع الوضع غير الطبيعي الذي احتلت فيه إسرائيل أراضي لكنها لا تطبق فيها قوانينها الرسمية، ما جعل إسرائيل تقيم نظامين قضائيين منفصلين واحد خاصة بها وآخر في الأراضي المحتلة. وحسب القانون الإسرائيلية فإن الأراضي المحتلة هي أراض “خارج الحدود”، مع ذلك فإن الإسرائيليين والفلسطينيين قادرون على التنقل بين المنطقتين.

يهدف القانون إلى تنظيم الصلاحيات الجنائية للتعامل مع الإسرائيلي الذي يرتكب جناية في الأراضي المحتلة، وينص على إمكانية محاكمة هذا الإسرائيلي أمام محكمة إسرائيلية وحسب القانون الجنائي الإسرائيلي، بالمقابل يتيح القانون أيضا محاكمة الفلسطيني الذي يخالف القانون في إسرائيل أمام محكمة عسكرية في الأراضي المحتلة وكأنه ارتكب المخالفة في الأراضي المحتلة نفسها. كذلك يسمح القانون بنقل الفلسطيني الصادر ضده حكم بالسجن أمام محكمة عسكرية في الضفة لقضاء فترة محكوميته في سجون داخل إسرائيل.

ومع مرور الوقت أقيمت مستوطنات في الأراضي المحتلة ليتبلور وضع يكون في مستوطنون مقيمين بشكل دائم فيها، ومن ناحية قانونية فإن هؤلاء لا يقيمون داخل إسرائيل، لكن المشرع الإسرائيلي أراد التعامل معهم وكأنهم مقيمون في إسرائيل. لذلك تم توسيع القانون ليعتبر أن الإسرائيلي الذي يسكن في المناطق المحتلة يعتبر “ساكنا” ضمن سلسلة من القوانين المتعلقة بالديون -مثل الضرائب- أو الخدمة العسكرية، وقيود ترخيص التخصصات المهنية مثل المحاماة والطب، وأيضا في مجال الحقوق مثل التأمين الوطني والتأمين الصحي الحكومي.

عمليا دون إقرار القانون فإن إدارة حياة المستوطنين في الضفة قد تصبح غير ممكنة، فلن يكون ممكنا محاكمة مستوطن ارتكب جريمة في الضفة أمام محاكم داخل إسرائيل. كذلك سيمنعون من إمكانية تبني أطفال مثلا أو العمل كاطباء نفسيين أو محامين مرخصين.

“قانون يهودا والسامرة” والقانون الدولي

من وجهة نظر إسرائيلية، فإن طريقة تطبيق إجراءات الطوارات تهدف إلى تطبيق بعض القوانين بشكل شخصي على الإسرائيليين كأشخاص، دون تطبيق القانون على الأراضي -لأن ذلك قد يتعارض مع أحكام القانون الدولي-. من ناحية رسمية تتعامل إسرائيل مع الأراضي الفلسطينية على أنها “أراض متنازع عليها” تسيطر عليها لفترة مؤقتة حتى تتم تسوية الصراع (الفلسطيني-الإسرائيلي)، وفي اتفاقية أوسلو تعهدت إسرائيل بإجراء مفاوضات للتوصل لحل دائم للصراع، وحاليا تم الاتفاق على ترتيبات مؤقتة.

لكن من ناحية القانون الدولي فإن الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل هي “أراض محتلة” وهناك قيود على من يسيطر على هذه الأراضي، أبرزها أن قوة الاحتلال ملزمة بالحفاظ على الأمن والنظام العام عبر احترام التشريعات القائمة قدر الإمكان، وفي حالة الضفة الغربية فإن القوانين القائمة هي القوانين الأردنية التي كانت مطبقة حتى حرب 1967. فرض القانون الإسرائيلي على هذه الأراضي قد يعتبر ضما وقد يؤدي إلى انتقادات مثل اتهام إسرائيل بانتهاك القانون الدولي، لكن يمكن لإسرائيل أن تقر قوانين معينة تطبق على مواطنيها الإسرائيليين خارج أراضيها، وتطبيق هذه القوانين لا يثير كما يبدو إشكالية كتلك المتعلقة بتطبيق القانون الإسرائيلي على هذه الأراضي.

وتصاعدت الانتقادات مع كل توسيع للإجراءات التي تفرض بها قوانين إسرائيلية على المستوطنين في الأراضي الفلسطينية. وكل خطوة مكملة يقوم بها القائد العسكري في المناطق ويصدر بموجبها أوامر عسكرية لتطبيق قوانين إسرائيلية معينة على المناطق القائمة عليها المستوطنات في الضفة، تعمق الانتقادات التي تقول إن إسرائيل تمؤسس على أرض الواقع عملية يكون فيها هناك مجموعتان سكانيتان تعيشان في المنطقة ذاتها -فلسطينية وإسرائيلية- تخضع كل واحدة منهما لنظام قضائي مختلف، يمنح الأفضلية للإسرائيليين.

فمثلا، فترات التوقيف الممكنة حتى يتم عرض الشخص أمام القاضي، وحتى انتهاء الإجراءات القضائية، هي أطول بكثير في المحاكم العسكرية، التي يحاكم فيها فلسطينيون، مقارنة بالإجراءات في القانون الجنائي الإسرائيلي المطبق على المستوطنين (رغم تقليص الفجوة مؤخرا). كذلك تختلف إجراءات محاكمة القاصرين، وهناك فروق في قوانين العمل (رغم أن المحكمة العليا قررت ان الفلسطيني الذي يعمل في مستوطنات إسرائيلية يطبق عليه قانون العملي الإسرائيلي).

بعد أوسلو

منذ اتفاقيات أوسلو، ينظم القانون المشار إليه التعاون القضائي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، فمثلا، هو ينظم الآلية التي بموجبها تعترف فيها محاكم إسرائيلية بالشهادات الصادرة عن محاكم فلسطينية في قضايا الميراث مثلا، خاصة عندما يتعلق الأمر بمواطنين إسرائيليين (من فلسطينيين الداخل) لهم أقارب في الضفة.

ماذا سيحدث إذا لم يتم تمديد صلاحية القانون؟

تنتهي صلاحية القانون نهاية شهر حزيران الجاري، وفي حالة عدم تمديده قبل هذا الموعد، فقد يؤدي ذلك إلى سلسلة من المشاكل في الحياة اليومية للمستوطنين في الضفة، فمثلا ستنتهي صلاحية المحاكم الإسرائيلية في النظر في قضايا الميراث الخاصة بالمستوطنين، إلا إذا كانت لهم أملاك في إسرائيل. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن صلاحيات إنفاذ القوانين في الضفة فيما يتعلق مثلا بإسرائيلي عليه ديون أو فيما يتعلق بممتلكاته ستصبح غير سارية عليه.

كذلك فإن القانون ينظم إمكانية نقل الفلسطيني الصادر ضده حكم بالسجن أمام محكمة عسكرية في الضفة لقضاء فترة محكوميته في سجون داخل إسرائيل. وعدم تمديد القانون سيلغي الأساس الذي يسمح بسجن الأسرى الفلسطينيين المدانين أمام محاكم عسكرية داخل سجون في إسرائيل (باستثناء سجن عوفر لكونه في داخل الضفة)، وهذا الوضع سينشئ مشكلة كبيرة خاصة لإدارة سجون الاحتلال.

فرصة لتمرير القانون

أمام الحكومة الحالية أقل من شهر حاليا لتمرير مشروع القانون، ولتوفير غالبية للتصويت عليه، فعلى الائتلاف الحكومي إقناع أعضاء الكنيست غنايم وريناوي-زعبي بالتراجع عن معارضة القانون، أو إقناعهم بالاستقالة من الكنيست لضم عضوين جديدين بدلا عنهما يصوتان لصالح تمديد القانون، او أن يعلن عن غنايم وريناوي-زعبي بأنهما متمردان في الكنيست وهذا ستكون له تبعات عقابية ضدهما، قد يكون لها صدى سلبي داخل الحزبين.

لذلك من الصعب استشراف حل هذه القضية، التي تصب في النهاية لمصلحة المعارضة بقيادة نتنياهو إلى حد ما، لأنها قد تؤدي إلى انهيار الائتلاف الحكومي، ما يتيح لنتنياهو الحصول على فرصة جديدة لتشكيل الحكومة داخل الكنيست الحالي، ربما عبر الاتفاق مع جدعون ساعر للانشقاق عن الائتلاف الحالي والانضمام للمعارضة، أو بالذهاب لانتخابات جديدة تشير معظم الاستطلاعات إلى أنها لن تحل الأزمة السياسية في نظام الحكم الإسرائيلي، لأن طرفي الأزمة لن يحصلا عن الأغلبية البرلمانية التي ستمكن أحدهما من تشكيل حكومة مستقرة.

 

للتحميل اضغط هنا

 

——-

* المصدر الرئيسي للمعلومات الواردة في النص تقرير للقناة 12 العبرية عبر الرابط التالي:

https://www.mako.co.il/news-politics/2022_q2/Article-03a1e59fcfa3181027.htm