مادلين الحلبي*


أعلنت وزارة الدفاع الإيرانية اغتيال العالم النووي ومسؤول مركز الأبحاث العلمية فيها، محسن خيري زادة في العاصمة الإيرانية طهران يوم الجمعة 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، ووجهت إيران عبر وزير خارجيتها محمد جواد ظريف وعدد من المسؤولين الإيرانيين الاتهام بشكل مباشر وواضح إلى إسرائيل في حادثة الاغتيال.

تأتي هذه الحادثة إلى جانب حوادث أخرى متكررة في الأشهر الماضية، كان أبرزها الهجوم السيبراني على عدة منشآت حيوية إيرانية، وتفجير محطة نطنز النووية.

انتهجت إسرائيل سياسة ردع استباقية، للحفاظ على التفوق النوعي في المنطقة ولا سيما التفوق النووي الذي تنافسها فيه ايران وترى أنه تهديد وجودي لها، وهذا ما يفسر السياسة الإسرائيلية المتخذة لإبطاء البرنامج النووي الإيراني وتعطيله عن طريق الهجمات المتكررة عليه بأشكال متعددة.
وما يثير التساؤل الآن حول الرد الإيراني المتحمل بما يضمن الحفاظ على البرنامج النووي ومع وصول إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن؟

إسرائيل والبرنامج النووي

وقعت ايران مع الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقًا برعاية ألمانيا وفرنسا وروسيا والصين وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، في تموز(يوليو) 2015 بمدينة فيينا بالنمسا، بالإضافة إلى ورقة حقائق توضح كل ما يتعلق بالأمور الفنية والتقنية حول البرنامج النووي الإيراني، حمل الاتفاق في مجمله سلمية البرنامج مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران من المجتمع الدولي.

وكانت إسرائيل من أشد المعارضين للمفاوضات النووية مع ايران حتى قبل توقيع الاتفاق، وكان الاعتراض الإسرائيلي لشروط الاتفاق الذي يضمن استمرارية البرنامج وليس تفكيكه وانهائه على المدى الطويل وأيضاً تقوية ايران في المجالات الأخرى مثل دعم الجماعات المسلحة التي تشكل تهديداً لإسرائيل وتطوير القدرات الصاروخية لإيران، وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن توقيع الاتفاق كان “خطأً فادحاً، وإسرائيل غير ملزمة بالاتفاق”.

وفي آذار/مارس 2015 وجه نتنياهو خطاباً للكونغرس الأمريكي في محاولة لإقناعه بمعارضة الاتفاق، لكن رئيس المجلس جون بينر اعتبر أن خطاب منحاز للغاية.

وفي يوليو/تموز 2015 قبل التوقيع النهائي سعت إسرائيل للضغط داخل الكونجرس الأمريكي من خلال لجنة “الشؤون العامة الامريكية الإسرائيلية ايباك” لتعطيل الاتفاق من خلال مراجعة مدتها 60 يوماً، لكن الجهود الإسرائيلية فشلت.

وتم بدء العمل بموجب الاتفاق الموقع مع ايران في 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2015، بعد مصادقة وكالة الطاقة الذرية عليه.

وفي نيسان(ابريل) 2018 عرض نتنياهو الأرشيف النووي الإيراني الذي تمت سرقته من طهران، وهدف نتنياهو من خلال عرضه لإثبات أن ايران كذبت بشأن برنامجها النووي الإيراني، وأكد أنه تم اطلاع دونالد ترامب الرئيس الأمريكي على كافة التفاصيل التي تؤكد ادعاءات ايران.

التصعيد الأمريكي الإسرائيلي ضد إيران

أعلن ترامب الانسحاب من الاتفاق، في أيار(مايو) 2018، وجاء في خطاب انسحاب ترامب من الاتفاق تأكيد بان ايران كذبت بشأن برنامجها النووي وأنها على بعد وقت قصير من الوصول إلى العتبة لإنتاج سلاح نووي، ليتبنى بذلك نفس المقاربة الإسرائيلية حول البرنامج النووي الإيراني.
وبدأت الإدارة الامريكية بفرض عقوبات اقتصادية مشددة على كافة القطاعات الحيوية الإيرانية بشكل تدريجي للضغط على إيران في التخلي عن برنامجها من خلال سياسة “الضغط القصوى”، لكن إيران اتخذت موقفاً ثابتاً في حقها في امتلاك السلاح النووي، وبدأت باختراق بنود الاتفاق بشكل تدريجي بالتزامن مع تصعيد في منطقة الخليج، ومن خلال حلفائها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
وفي 3 كانون الأول (يناير) اغتالت الطائرات الأمريكية بالقرب من مطار بغداد قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني والذي يعد رجل إيران الإقليمي في المنطقة.

رفعت ايران شعار الخروج الأمريكي من المنطقة كرد استراتيجي على حادثة الاغتيال، وتزامن هذا مع تكرار الهجمات من الجماعات الشيعية في العراق على القواعد العسكرية الامريكية والسفارة الامريكية في بغداد تزامن ذلك مع قصف إسرائيلي متكرر في سوريا واستهداف عناصر من الحرس الثوري الإيراني، إلى جانب سلسلة من الهجمات المتكررة على البنى التحتية للبرنامج النووي كان أبرزها بتفجير محطة نطنز النووية التي كانت أضرارها متمثلة بإبطاء وتعطيل تطوير أجهزة الطرد المركزية على المدى المتوسط.

سبق حادثة الاغتيال، ارسال الولايات المتحدة إلى المنطقة طائرات من طراز بي 52 في 21 تشرين الثاني(نوفمبر) التي تزامن ارسالها مع عملية الانسحاب الامريكي من العراق وافغانستان ومن ثم الاعلان عن لقاء نتنياهو مع وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في المملكة العربية السعودية، هذا ما يدلل أن هناك ملفات يريد ترامب مع حلفائه في المنطقة انهائها.

وعلى الرغم من كل هذه الضغوطات الامريكية والاسرائيلية على ايران وفي ظل انتشار فيروس كورونا في البلاد وتوقيع اتفاق تحالف بين دولة الإمارات واسرائيل، إلا أن إيران ما زالت تصر على كسب أكبر تنازلات وفوائد من المجتمع الدولي بشكل دبلوماسي، مثل ما حدث في قرار رفع الحظر عن الأسلحة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، في ظل انتهاء فترة ولاية ترامب ووصول بايدن إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي سيكون هناك سياسة جديدة مع ايران والجلوس على طاولة المفاوضات لعقد اتفاق جديد.

وهنا تأتي المخاوف الاسرائيلية في الرجوع إلى الاتفاق النووي القديم، فاختارت القيام بعملية اغتيال محسن خيري زادة لتعثير الطريق أو الحل السياسي المحتمل بين ادارة بايدن وايران، إلى جانب المخاوف الاسرائيلية من اقتراب الانتخابات الرئاسية الايرانية ووصول بيئة سياسية متشددة أكثر في ملف المفاوضات بشأن البرنامج النووي والعمل على تعويض الخسائر بعد فرض العقوبات طيلة السنوات، وتنامي قوة الردع الايرانية اقليمياً.

يمكن القول أن الرد الإيراني على حادثة الاغتيال سيكون محدود عن طريق أحد حلفاءها في المنطقة، والابتعاد عن سيناريو الحرب حتى وصول جو بايدن وبدء التفاوض حول اتفاق نووي جديد بمطالب جديدة، ومن هنا يمكن ترجيح سيناريوهات  الرد الإيراني كالتالي:

السيناريو الأول: رد عن طريق أحد حلفائها في المنطقة وعلى الأغلب سيكون الرد من جماعة أنصار الله الحوثي بإطلاق صواريخ دقيقة تجاه السعودية، أو استهداف في منطقة الخليج العربي، أو من خلال حليفه في لبنان حزب الله على الجبهة الشمالية لإسرائيل.
السيناريو الثاني: رد يكون داخل دولة اسرائيل من خلال استخدام الطائرات بدون طيار، أو اللجوء إلى هجوم سيبراني على منشآت حيوية اسرائيلية.

السيناريو الثالث: اختيار عدم الرد في الوقت الحالي، حتى فتح صفحة جديدة مع جو بايدن ورفع العقوبات عن الاقتصاد الايراني المنهار، وتحسين شروط الاتفاق الجديد.

 

للتحميل اضغط هنا

 

*   باحثة في برنامج الزمالة البحثية في الشأن الفلسطيني- مركز الأبحاث