تقدير موقف: خطة ترامب لإنهاء الحرب على غزة.. المحتوى والمضامين

 

 خطة ترامب لإنهاء الحرب على غزة.. المحتوى والمضامين

 

أعلن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية مساء الاثنين، 29 أيلول/ سبتمبر 2025، بعد لقائه مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، عن خطته لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، والتي أطلق عليها اسم «خطة إنهاء الحرب على غزة». ووصفها في المؤتمر الصحفي الذي أعقب لقائه بنتنياهو بأنها «أحد أعظم الأيام في تاريخ الحضارات، حيث أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من التوصل إلى حل شامل وتحقيق السلام في الشرق الأوسط وليس في غزة فقط». وأضاف: «تناقشنا في مسائل حيوية تتعلق بإيران، والتجارة، وتوسيع اتفاقات أبراهام، وكيفية إنهاء الحرب القائمة في غزة».

رحبت مجموعة الدول العربية والإقليمية )المملكة العربية السعودية، قطر، الإمارات العربية المتحدة، مصر، الأردن، وتركيا، باكستان، إندونيسيا) التي اجتمعت مع ترامب على هامش اجتماع الجمعية العامة في نيويورك 24 أيلول/سبتمبر 2025 في بيان مشترك لوزراء الخارجية نشر عبر وزارة الخارجية المصرية بالخطة الأمريكية المعلنة، وفي بيان مماثل أصدرته وزارة الخارجية والمغتربين الأردنية. وأعقب ذلك ترحيب فلسطيني ركّز على مجموعة بنود أساسية تتضمن في نهاية المطاف إقامة الدولة الفلسطينية. وعليه، تسعى ورقة تقدير الموقف هذه إلى تحليل محتوى خطة ترامب لإنهاء الحرب على غزة واستكشاف مضامينها التطبيقية.

خطة ترامب

عنون موقع البيت الأبيض على منصة x خطة ترامب بـ «الخطة الشاملة لإنهاء الصراع في غزة»، وقد ورد في مقدمتها: «ستتحول غزة إلى منطقة آمنة وخالية من التطرف والإرهاب.... سيُعاد إعمار غزة لخدمة سكانها الذين عانوا كثيرًا. وإذا وافق الطرفان على المقترح الأمريكي ستنتهي الحرب فورًا». وتضمنت الخطة، وفقًا لما ذكره موقع البيت الأبيض، مجموعة من البنود التي يمكن تبويبها على النحو التالي:

الأسرى والتنظيمات

إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين؛ ستطلق إسرائيل سراح 250 سجينا فلسطينيا محكومين بالسجن المؤبد، بالإضافة إلى إطلاق سراح 1700 من سكان غزة الذين اعتُقلوا بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بمن فيهم جميع النساء والأطفال، وستطلق إسرائيل 15 جثمانا  مقابل كل جثمان أسير إسرائيلي.

منح عناصر حماس الذين يلتزمون بالتعايش السلمي والتخلي عن السلاح عفوًا عامًا، وتوفير ممر آمن للراغبين بمغادرة القطاع.

عدم مشاركة حماس والتنظيمات الأخرى بأي شكل من الأشكال، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر في الحكم.

تدمير كافة المواقع العسكرية بما فيها الانفاق ومصانع الأسلحة، ومنع إعادة بنائها.

المعابر والحدود

إدخال المساعدات الإنسانية وفقًا لما ورد في اتفاق 19 يناير/ كانون الثاني 2025، بما يشمل إعادة تأهيل المياه والكهرباء والصرف الصحي، والمستشفيات والمخابز، وإدخال المعدات اللازمة لإزالة الأنقاض وفتح الطرق. وذلك عبر الأمم المتحدة والهلال الأحمر دون تدخل إسرائيلي- فلسطيني.

معبر رفح يخضع لآلية العمل نفسها التي تم الاتفاق عليها في 19 يناير/ كانون الثاني 2025.

آليات الحكم

ستخضع غزة لحكم انتقالي مؤقت من خلال لجنة فلسطينية غير سياسية تتولى إدارة الخدمات العامة وشؤون البلديات، تضم اللجنة كوادر فلسطينية مؤهلة وخبراء دوليين، وذلك تحت إشراف هيئة دولية انتقالية جديدة تسمى «مجلس السلام» برئاسة دونالد ترامب، وبمشاركة رؤساء دول سابقين سيعلن عنهم لاحقًا، من بينهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.

مهام الهيئة

-    وضع الإطار العام للحكم وإدارة تمويل إعادة الإعمار حتى تتمكّن السلطة الفلسطينية من استكمال برنامجها الإصلاحي، وفقًا لما ورد في المقترحات السابقة (خطة ترامب للسلام عام 2020، المقترح السعودي- الفرنسي)، وتستعيد السيطرة على غزة بشكل كامل وفعّال.

-    سيعتمد المجلس في إنشاء نظام حكم فعّال على المعايير الدولية بما يخدم السكان ويجذب الاستثمارات الدولية.

نزع سلاح غزة تحت إشراف مراقبين دوليين، وإعادة تأهيل وتسليح المؤهلين لحمل السلاح وفق برنامج دولي.

تعهد سكان غزة ببذل قصارى جهدهم لبناء اقتصاد مزدهر وتعزيز التعايش السلمي مع جيرانهم (إسرائيل)

يضمن الشركاء الإقليميون التزام حماس والتنظيمات الأخرى بكل البنود الواردة وأنها لن تشكل تهديدا مستقبليا لجيرانها أو لشعبها.

إنشاء قوة دولية مؤقتة مع الشركاء العرب لتنفيذ كافة المهام في غزة، وستكون مهمتها تدريب قوات الأمن الفلسطينية وتقديم الدعم لها بالتشاور مع الأردن ومصر للعمل مع إسرائيل على الحدود لتسهيل تدفق السلع وتسريع إعادة الإعمار.

لن تقوم إسرائيل باحتلال أو ضم قطاع غزة، وسينسحب الجيش الإسرائيلي وفقًا لبرنامج زمني بالاتفاق مع القوات الفلسطينية التي تتسلّم الأمن وتوفر بيئة آمنة وفق اتفاقية يتم التوصل إليها مع السلطة الانتقالية (مجلس السلام).


الحياة الاقتصادية

ستعتمد خطة ترامب في إعادة إعمار القطاع على خطة تنموية لتحسين أوضاعه من خلال فريق من الخبراء الذين ساهموا في بناء مدن مزدهرة.

قراءة كافة المشاريع الاستثمارية المقترحة سابقًا والاستفادة منها لجذب الاستثمارات وتوفير فرص العمل والازدهار في قطاع غزة.

إنشاء منطقة اقتصادية ذات مزايا تجارية وجمركية، وبمشاركة مجموعة من الدول.

الحياة الاجتماعية

لن يُجبر أحد على مغادرة غزة أو العودة إليها، مع ضمان حرية التنقل وتشجيع السكان على البقاء.

بناء مستقبل أفضل لقطاع غزة.

اشتراطات نهائية

في حال تأخرت أو رفضت حماس كل ما ورد، سيتم تنفيذه في المناطق التي تم تسليمها من الجيش الإسرائيلي لقوات الأمن الفلسطينية.

إطلاق حوار بين الأديان وقيم التسامح والتعايش السلمي بهدف تغيير المفاهيم والنظرة السائدة لدى الفلسطينيين والإسرائيليين للتأكيد على الفوائد التي يمكن تحقيقها بالسلام.

مع استمرار عملية إعادة الإعمار ونجاح برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية، قد تتوفر الشروط اللازمة لبلوغ هدف حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية، وهو طموح الشعب الفلسطيني المشروع، وستعمل الولايات المتحدة على وضع تصور سياسي للتعايش السلمي والازدهار المشترك.

يبدو واضحًا استخدامُ العديد من المفردات السياسية التي تحمل معاني إيجابية لمستقبل أفضل مع وقف القتل والتدمير في نص الخطة التي وردت على موقع البيت الأبيض. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل التهديدات والخفايا التي تضمنها المؤتمر الصحفي المشترك بين ترامب ونتنياهو عند الإعلان عن الخطة، حيث هدّد ترامب، خلال المؤتمر، بأنه في حال رفضت حماس، ستنهي إسرائيل المهمة وحدها. بالإضافة إلى ذلك، فإن السلطة الفلسطينية ستواجه تحدياتٍ في حال عدم استكمال الإصلاحات التي حدّدتها خطة السلام لعام 2020، التي أُطلق عليها إعلاميًا «صفقة القرن» ومنحت الاحتلالَ ضمَّ أجزاء من الضفة الغربية تصل نسبتها إلى 28% من المساحة الإجمالية للضفة الغربية.
في ذات السياق، اعتمدت الخطة الحالية كمرجعية للسلام مع الإشارة الواضحة إلى عدم ضمّ قطاع غزة إلى إسرائيل، بينما لم تُشِرْ مطلقًا إلى عدم ضمّ الضفة الغربية، على عكس ما تضمَّنه البيانُ المشتركُ لوزراء الخارجية العرب، والذي ورد فيه نصًّا: «كذلك إعلانه بأنه لن يسمح بضمّ الضفة الغربية.» ويُظهر ذلك تبرئةَ ترامب للإجراءات الإسرائيلية وما ترتكبه بحقّ الفلسطينيين بسبب انتخابِهم حماسَ وسيطرتها على قطاع غزة، حيث استُخدمت المواردُ المالية والمكانية لبناء الأنفاق.

من جانبٍ آخر، تحدث نتنياهو بوضوحٍ أكبر، معلنًا موافقتَه، رغم أن نصَّ الخطة يمنح إسرائيل صفةَ الطرفِ الموافق لا شريكًا في وضعها مع ترامب. وقال: «اليوم نخطو خطواتٍ كبيرة نحو إنهاء الحرب على غزة، وأنا أدعم خطتَك التي تحقق أهدافَنا في الحرب»، وأضاف: «غزة لن تحكمها السلطة الفلسطينية ولا حماس…».

وفي سياق تفهُّم الموقف الإسرائيلي، أشار ترامب في المؤتمر الصحفي إلى معارضةِ نتنياهو لإقامةِ الدولة الفلسطينية وتفهُّمِه هذا الرفض، واصفًا اعترافَ بعض الدول بالدولة الفلسطينية بـ»الغباء»، على أنه جاء نتيجةَ صراعٍ مستمر منذ عقود. واتضح أيضًا، في الخطة المنشورة وفي المؤتمر الصحفي لترامب ونتنياهو، التركيزُ على سلاحِ التنظيماتِ الفلسطينية، كما لو أنها تمتلك ترسانةً عسكريةً تُضاهي الجيوشَ النظامية. وليس هذا التركيزُ محضَ إضافةٍ عابرة، وإنما هو تحميلٌ لمسؤوليةِ كلِّ ما حدث ويحدث لحماس وسائرِ التنظيمات الفلسطينية.

في المحصلة النهائية، تضمّنت الخطةُ جميعَ متطلباتِ الاحتلال الإسرائيلي الذي يمثل «القوةَ المنتصرة: التي تفرض شروطَها لوقف القتل والتدمير. وتُعَدّ هذه قاعدةً أساسيةً للمنتصرين في الحروب والصراعات، وفقًا لبعض نظريات العلاقات الدولية: «فرض إرادة المنتصر في الحروب».

أيدت الدولُ العربيةُ والإقليميةُ التي اجتمعت مع دونالد ترامب في نيويورك، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخطةَ في بيانٍ مشتركٍ لوزراء الخارجية، وشدّدت في بيانها على أهمية الشراكة مع الولايات المتحدة في ترسيخ السلام في المنطقة، وعلى الخطة المقترحة التي تضمن إنهاء الحرب وإعادة إعمار غزة ومنع تهجير الشعب الفلسطيني ودفع عجلة السلام الشامل، وكذلك إعلانِه أنه لن يسمحَ بضمّ الضفة الغربية. وقد أكد الوزراء استعدادهم للتعاون بشكلٍ إيجابي لإتمام الخطة وضمان تنفيذها بما يضمن السلامَ والأمنَ والاستقرارَ لشعوب المنطقة.

وفيما يخص حماس والتنظيماتِ الفلسطينيةِ في قطاع غزة، لا تُوجد أمام حماس خياراتٌ للرفض أو أيُّ مسارٍ للمناورة السياسية، خاصةً أن الخطة الأمريكية تمنح الاحتلالَ تفويضًا بفرضها بالقوة إن لم تَحْظَ بالقبول والموافقة.

وهو ما دفع الرئاسةَ الفلسطينية إلى الترحيب بجهود ترامب لإنهاء الحرب على غزة، وجدّدت التزامَها بالعمل والشراكة لإنهاء الحرب والتوصلِ إلى اتفاقٍ شاملٍ يقودُ إلى إنهاءِ الاحتلال ويفتحُ الطريقَ لبناء سلامٍ عادلٍ وإقامةِ الدولةِ الفلسطينية وفق مبدأ حلّ الدولتين، كما جدّدت التزامَها بإجراءِ الإصلاحات التي أُقِرّت في مؤتمر نيويورك، بما فيها تطويرُ المناهجِ الدراسية وفق معاييرِ اليونسكو التي جرت مناقشتُها خلال العامين المنصرمين، وكذلك التوجّهُ إلى انتخاباتٍ برلمانيةٍ ورئاسية.

الخلاصة

تمثل خطة ترامب، التي تضمنت كافة تطلعات إسرائيل صاحبةِ القوة المادية الفائقة، مسارًا إجباريًا يتيح خيارين: إما الموافقة، أو الاستمرار في سياسة الإبادة التي تنفذها إسرائيل. كما تتيح الخطة للاحتلال أفضلية في عدة جوانب:

مدة التنفيذ الطويلة: تمنح الخطةُ الاحتلالَ فرصًا لتطبيق البنود التي يرغب فيها، مع إمكانية إسقاط البنود التي لا تتماشى مع أهدافه وتطلعاته.

اللغة الإلزامية: تفرض الخطةُ قيودًا صارمةً على الفلسطينيين، وتفتقر إلى ضماناتٍ شاملةٍ للتطبيق وفق جدولٍ زمنيّ محدد.

ومع كل ذلك، حظيت الخطةُ بالتأييد والترحيب العربي والإقليمي، ما دفع القيادةَ الفلسطينية إلى الترحيب بجهود ترمب وليس بالخطة ومحاولةِ تحقيق الأهداف والتطلعات الفلسطينية المتمثلة في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية.

 

 

تقدير موقف: خطة ترامب لإنهاء الحرب على غزة.. المحتوى والمضامين