خلدون البرغوثي- باحث في الشؤون الإسرائيلية في مركز الأبحاث- م.ت.ف

تستعرض هذه الورقة تأثير نتائج الانتخابات الألمانية العامة على العلاقات الألمانية-الإسرائيلية، بعد ستة عشرة عاما من حكم أنغيلا ميركل، خاصة مع إظهار النتائج غير النهائية حصول الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني بزعامة أولاف شولتز على نحو 25.7٪ من الأصوات مقابل 24.1٪ لتحالف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي الذي كانت تقوده ميركل، وخلفها في قيادته آرمين لاشيت.

وحسب التقديرات فإن “نتائج الانتخابات التشريعية الألمانية، التي لم تحسم اللون السياسي للحكومة المقبلة، ما هي إلا نصف قصة المعركة على السلطة في رابع أكبر اقتصاد في العالم مع ترقب ما سيسفر عنه احتدام المنافسة الحزبية التي قد تطول لأشهر من أجل بناء “أغلبية برلمانية”.[1]

في ظل هذا الوضع تراقب تل أبيب الانتخابات العامة الألمانية وانعكاسات نتائجها على العلاقات الألمانية-الإسرائيلية الخاصة.

تستعرض هذه الورقة وجهات نظر، إسرائيلية وألمانية حول تأثير الانتخابات الألمانية على إسرائيل، من حيث بواعث القلق في إسرائيل مما قد تتمخض عنه هذه الانتخابات، وموقف الأحزاب الألمانية من قضايا تتعلق بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

هل يتوجب على إسرائيل القلق؟

يرى مراسل صحيفة “يسرائيل هيوم” في أوروبا إلداد باك أن على إسرائيل أن تقلق من دخول ألمانيا في وضع غير مستقر من ناحية سياسية، في ظل غياب فوز حاسم للأحزاب المتنافسة، وصعوبة تشكيل ائتلاف حكومي متجانس فيها، لأن مثل هذا الائتلاف سيقوم على مبدأ الابتزاز والتنازلات والانشغال بإدارة الأزمات بدلا من وضع سياسات واضحة تمضي بألمانيا إلى الأمام. وأي ضعف في ألمانيا سينعكس على الاتحاد الأوروبي الذي يواجه أوضاعا داخلية صعبة، وتغيب عنه الرؤى المستقبلية.

بالمقابل يرى باك، أيضا، أن ضعف المانيا والاتحاد الأوروبي قد يحمل أخبارا جيدة لإسرائيل، “فبدلا من دس أنفسهم في الشؤون الإسرائيلية عبر السعي لفرض تسويات سياسية تشكل تهديدا قوميا لإسرائيل مثل حل الدولتين، سيغرق الألمان والأوروبيون في مشاكلهم الداخلية، إلا إذا طلبت الحكومة الإسرائيلية الحالية منهم العودة للتدخل من أجل القضاء على مستقبل دولة اليهود”.

ويضيف باك أن قادة الأحزاب الألمانية الثلاثة الذين قد يتنافسون على منصب المستشارية، المحافظ ارمين لاشت، والاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتز، و”الخضراء” أنالينا بيربوك، يعتبرون أصدقاء لإسرائيل، لكن، مواقفهم هذه لا تعكس رؤية الغالبية داخل أحزابهم وفي المجتمع الألماني ككل.

ويفسر باك ذلك بالإشارة إلى أن إسرائيل أهملت العلاقات مع المجتمع الألماني لأنها كانت تفترض -ودون أي بُعد نظر- أن المانيا دولة حليفة تاريخيا، دون الأخذ بعين الاعتبار أن العلاقات الألمانية-الإسرائيلية كانت حكرا في السنوات الماضية على إسرائيليين يساريين بعضهم مناهض للصهيونية. وإذا شكلت حكومة يسار أو يسار-ويسار متطرف، فسيشكل ذلك دفعة قوية للنشاطات الألمانية المناهضة لإسرائيل، حتى لو كانت الحكومة الألمانية منشغلة بشؤونها الاقتصادية والاجتماعية الداخلية.

فالحزب الاشتراكي الديمقراطي -حسب باك- يستقطب ناخبين مسلمين وعربا، ويعين ألمانيين من أصول فلسطينية في مراكز رفيعة، وسبق أن كان بعض أعضاء في الحزب ناشطين في حملات تجميد صفقات بيع أسلحة المانية لإسرائيل. فيما توجد تيارات في الحزب اليساري المتشدد “دي لينكا” تدفع باتجاه تبني مقاطعة إسرائيل. وفي حزب “الخضر” هناك نواب في البرلمان الألماني “بوندستاج” اعترضوا على قرار البرلمان اعتبار حركة مقاطعة إسرائيل BDS حركة مناهضة للسامية، ومنع بموجب ذلك تقديم دعم من المال العام لأنشطتها.

كما أن اليسار الألماني في المستويات الأكاديمية والفنية والإعلامية والسياسية وبالتعاون مع اليسار الإسرائيلي يحاربون التعريف الدولي لمناهضة السامية لأنه يساوي بين مناهضة الصهيونية ومناهضة السامية.[2]

مواقف الأحزاب الألمانية من إسرائيل

تستعرض الباحثة الرئيسة في “شبكة القيادة الأوروبية” European Leadership Network (ELNET) جوليا ليزيكا مواقف أبرز الأحزاب الألمانية من قضايا تتعلق بإسرائيل واليهود، من خلال البرامج الانتخابية لهذه الأحزاب، وهي كما يلي:

التعاون مع إسرائيل

“تحالف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي”: يسعى إلى تعزيز التعاون “الوثيق والودي” مع إسرائيل “خاصة في مجال التبادل الشبابي، والتكنولوجيا المتطورة، وتعزيز الشركات الناشئة.

“الخضر”: يرون في استمرار العلاقات الوثيقة مع إسرائيل “مصلحة مركزية”.

“الديمقراطيين الأحرار”: يسعى إلى إرسال “سفراء الابتكار” إلى مدن “تكنولوجيا المعلومات” والتكنولوجيا المتطورة، مثل تل أبيب”.

حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي

“تحالف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي”: يدعم حل الدولتين والمبادرات “التي تعزز التعايش السلمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين”.

“الخضر”: يرون أن الإجراءات أحادية الجانب مثل ضم الأراضي المحتلة والاستمرار في بناء المستوطنات التي تنتهك القانون الدولي” عقبة أمام السلام

“الديمقراطيين الأحرار”: يسعى إلى إرسال “سفراء الابتكار” إلى مدن “تكنولوجيا المعلومات” والتكنولوجيا المتطورة، مثل تل أبيب”.

“الحزب الاشتراكي الديمقراطي”: يدعو إلى إنهاء كل أشكال الإرهاب ويدين “بناء المستوطنات التي تشكل انتهاكا للقانون الدولي”.

مناهضة الصهيونية

“الخضر”: يرى أن “وجود وأمن إسرائيل” بصفتها وطنا للشعب اليهودي أمر “غير قابل للمساومة عليه”.

“تحالف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي” و”الحزب الاشتراكي الديمقراطي”: تعلن أن وجود إسرائيل وضمان أمنها هي أمن أسباب وجود ألمانيا، وترفض هذه الأحزاب أولئك “الذين يرفضون حق إسرائيل في الوجود”، كما اتفق الحزبان على “حظر رايات حركة حماس التي تسعى إلى تدمير دولة اليهود”.

“الديمقراطيين الأحرار”: يدعو إلى اعتبار تعريف مناهضة السامية الخاص بـ”التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست”، مرجعا لمكافحة “مناهضة السامية والممارسات المناهضة للشركات الإسرائيلية، مثل التي تجري خلال الرحلات الجوية.

“الحزب الليبرالي”: يعارض بشكل واضح حركة مقاطعة إسرائيل BDS.

مناهضة السامية

“الاتحاد الديمقراطي المسيحي”: رفض مطلق لمناهضة السامية وتأكيد ضرورة محاربتها بغض النظر عن مصدرها سواء اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف، أو أوساط المهاجرين.

“الخضر”: يرون في محاربة مناهضة السامية “مسؤولية مشتركة بكل إصرار.

“الحزب الليبرالي”: يطالب بـ”إجراءات حاسمة” ضد “كل أشكال مناهضة السامية”.

“الاشتراكي الديمقراطي”: يدعم تأسيس مكتب مدعي عام متخصص في مناهضة السامية والعنصرية.

“حزب اليسار”: يدعو لاستبدال “مكتب حماية الدستور” بهيئة رقابة مستقلة لمناهضة السامية والتمييز العنصري.[3]

أي تغيير سيكون طفيفا في علاقات المانيا بإسرائيل

وبالمجمل يتوقع شمعون شتاين، زميل بحث رئيس في معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، وسفير إسرائيل السابق في برلين، أن لا تطرأ أية تغيرات جوهرية في العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل. ويرى شتاين أنه “حتى إذا شكل شولتز الحكومة المقبلة، فإن الأمور ستبقى بشكل عام كما هي”. ويضيف أنه قد يطرأ تغيير طفيف في حالة انضمام حزب الخضر للائتلاف الحكومي، لأن هذا الحزب أكثر انتقادا لسياسات إسرائيل في الضفة الغربية، كما أن هناك أصواتا في صفوف الحزب الاشتراكي الديمقراطي أكثرا انتقادا لإسرائيل. [4]

الهوامش:

[1] أحمد عبد الحكيم. “نتائج انتخابات البوندستاغ تضع ألمانيا في مفترق طرق”، اندبندنت العربية، 27 أيلول 2021، متاح: https://bit.ly/2XWSoG3

[2] الداد باك، “علاقات المانيا وإسرائيل: أسباب كثيرة للقلق”. يسرائيل هيوم، 23 أيلول 2021. متاح:

[3] Julia Lisiecka, “German Elections: Implications for Israel”, The European Leadership Network (ELNET), August 2021. Available at:

[4] Daniel Sonnenfeld, “Israel’s Relations With Germany To Remain Strong After Merkel”, themedialine, 27 September 2012. Available at: