إقرار الجمعية العامة بإقامة الدولة الفلسطينية... الدوافع والدلالات

إعداد: وحدة تقدير الموقف

 

اعتمدت الجمعية العامة في دورتها الـ 80 يوم الجمعة 12 سبتمبر/ أيلول 2025قرار أممي "إعلان نيويورك بشأن تسوية قضية فلسطين وحل الدولتين". جاء الإعلان بعد الوقائع الاحتلالية التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، ففي قطاع غزة ترتكب إبادة صلبة، وفي الضفة الغربية إبادة ناعمة نستهدف السيطرة على الأرض، ما يعكس توجهات حكومة الحرب الإسرائيلية منع إقامة الدولة الفلسطينية بدعم ومساندة الولايات المتحدة الأمريكية. 

في ذات السياق، تزامن هذا مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفض إقامة الدولة الفلسطينية في حفل تدشين مستوطنات جديدة في القدس 12 سبتمبر/ أيلول 2025 التي تقسم الضفة الغربية إلى جزئين "لن تكون هناك دولة فلسطينية بأي شكل". ما يثير تساؤلات حول قدرة المجتمع الدولي لحماية الشعب الفلسطيني وأرضه أمام الذرائع الاحتلالية للاستمرار في الإبادة والاستيطان بدعم الأمريكي. 

دلالات التوقيت والإقرار

قبيل اجتماع قادة العالم ورؤساء الدول الجمعية العامة السنوية في 22 سبتمبر/ أيلول، تبنت الجمعية العامة في اجتماعاتها رفيعة المستوى مشروع قرار يقر إعلان "نيويورك بشأن تسوية القضية الفلسطينية بالوسائل السلمية وتنفيذ حل الدولتين" بتأييد 142 صوتاً ومعارضة 10 أصوات بينها إسرائيل والولايات المتحدة، بينما امتنعت 12 دولة عن التصويت[1]. واعتمد مشروع القرار على المؤتمر الدولي عقد في الأمم المتحدة لدعم حل الدولتين في نيويورك يوليو/ تموز الماضي برئاسة السعودية وفرنسا ومشاركة دولية واسعة ومقاطعة إسرائيل والولايات المتحدة.

أقر المؤتمر الدولي خطوات عمل مشتركة وملموسة في اتفاق مكتوب مكون من سبع صفحات لإنهاء الصراع، ورفض أي أعمال تؤدي إلى تغيير ديمغرافي وسكاني يتعلق بالأراضي الفلسطينية بما في ذلك التهجير القسري للمدنيين، ودعا إلى التوصل لتسوية عادلة ودائمة للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني عبر خطوات ملموسة محددة بإطار زمني وتجسيد دولة فلسطينية مستقلة. 

من جانب أخر، ندد إعلان نيويورك بالهجمات العسكرية على المدنيين والبنى التحتية في غزة، بالإضافة إلى التجويع والحصار، وأدان عملية حركة (حماس) في 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023، ودعا الحركة للإفراج الفوري عن الرهائن المحتجزين بغزة وطالبها بإلقاء سلاحها وتسليمه للسلطة الفلسطينية فهي الطرف المخول بإدارة الحكم والأمن في الأراضي الفلسطينية[2]. ويدعم المشروع نشر بعثة دولية في قطاع غزة بتكليف من مجلس الأمن لتحقيق الاستقرار وإنهاء العنف. وهو ما يدفعنا إلى رصد دلالات القرار الأممي في ضوء تعقيدات البيئة الدولية والتي تتمحور في:

 

دلالات سياسية: 

  • القوة الاحتلالية تقوض حل الدولتين وتهدم أركان الدولة الفلسطينية، إدراك المجتمع الدولي للذرائع الاحتلالية وادعائها محاربة "الإرهاب" كمسار فعلي يستهدف هدم الدولة الفلسطينية وأركانها الأساسية "الشعب، الأرض، النظام السياسي"، بالقوة المادية الفائقة، بجانب الإقرار والتصريح السياسي بمنع إقامة الدولة الفلسطينية.
  • انكشاف الموقف الأمريكي الذي يدعم التطلعات الإسرائيلية واشتراطاتها الفعلية، بمنعها وصول الوفد الفلسطيني لمقر الأمم المتحدة في نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة، ومن جانب أخر، تدعم الولايات المتحدة العمليات العسكرية الاحتلالية في فلسطين وخارجها التي تستهدف القضاء علي الشعب الفلسطيني ودولته. وبالرغم من ذلك، القضية الفلسطينية حاضرة في أروقة الأمم المتحدة كقضية رئيسية.

 

دلالات قانونية

  • إقرار أممي بالدولة الفلسطينية، يمثل القرار رافعة لإقامة الدولة الفلسطينية وتعزيز مكانة مؤسساتها التي تتعرض إلي خطر الإبادة وأزمات سياسية ومالية متلاحقة تستهدف إلى إضعاف النظام السياسي. والذي عبرت عنه إرادة الدول الكبرى بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في الدورة الحالية للجمعية العامة كفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وأستراليا وكندا وغيرها من الدول. ما يعد تحولًا في الموقف الدولي، تحديداً الغربي الذي دعم الاحتلال في بداية عمليته لمحاربة "الإرهاب واستعادة الرهائن"، وتباينه مع الموقف الأمريكي الداعم للاحتلال ومخططاته.
  • وضع إسرائيل أمام التزاماتها القانونية، رغم أن القرار صادر عن "الجمعية العمومية" للأمم المتحدة إلا أنه يضع إسرائيل أمام انتهاكها للقانون الدولي وحقوق الإنسان، كما يمهد الطريق أمام دعم أوسع للتوجه الفلسطيني المستقبلي للمحاكم الدولية ويعزز القضايا القانونية المرفوعة في المحاكم الدولية كمحاكمة قادة الاحتلال بعد إصدار مذكرتي اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت. ودعوى الإبادة الجماعية لدى محكمة العدل الدولية. بالإضافة إلى الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية بتاريخ 19 يوليو 2024 والذي يعتبر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير قانوني ما يتطلب إنهاء إسرائيل للاحتلال غير القانوني.

 

التوجه الأممي ورد الفعل الدولي

جاءت ردود الفعل الدولية بحجم تأييد القرار في الجمعية العمومية مقابل رفض وتعنت الاحتلال الإسرائيلي الذي يستند على القوة الأمريكية. حيث أعرب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في تغريدة على منصة (X) حفاوته بالقرار مؤكداً بأن "فرنسا والمملكة ستكونان حاضرتين في نيويورك لتحويل خطة السلام إلى واقع في مؤتمر حل الدولتين"[3]. أما وزارة الخارجية السعودية أعربت عن ترحيبها بالقرار لتسوية القضية الفلسطينية بالوسائل السلمية[4].

من جانب أخر، رحب نائب رئيس دولة فلسطين حسين الشيخ بالقرار الأممي الذي يعبر عن الإرادة الدولية الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني مشكلًا خطوة أساسية نحو إنهاء الاحتلال، مؤكدًا أن الاعترافات الدولية المتزايدة ترسخ حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وضمانه لتنفيذ حل الدولتين[5].

أما الرفض تمحور في كلمة مندوبة الولايات المتحدة مورغان أورتاغوس بعد إقرار الجمعية "خدعة دعائية مضللة تقوض الجهود الدبلوماسية الجادة لإنهاء الصراع". أما المندوب الإسرائيلي داني دانون قال: "إقرار ما يسمى بالإعلان ليس محاولة جادة لصنع السلام". وهو ما يوضح ضعف الذرائع الاحتلالية أمام القانون الدولي والشرعية الدولية. واعتبار نهج المجتمع الدولي في إحلال السلام في الشرق الأوسط وإقامة الدولة الفلسطينية "خدعة دعائية" معتبرتان القرار الأممي هدية لحركة (حماس)[6].

 

تداعيات ومآلات القرار 

يبدو واضحًا أن أداة الضغط الناجعة لدى المجتمع الدولي هي دعم حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية. ومع تطور الأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية بدءا من الإبادة المستمرة في قطاع غزة، وصولًا إلى القرارات الإسرائيلية المتعلقة بالاستيطان في الضفة الغربية وفرض السيادة الإسرائيلية فيها، تطور الأمر لدى فواعل عدة في المجتمع الدولي للبدء بخطوات عملية نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية في ظل إصرار إسرائيل على المضي قدمًا في حرب الإبادة.

لذا تتأتى قرارات المجتمع الدولي الداعية إلي إقامة الدولة الفلسطينية ردًا على التوجهات والإجراءات الإسرائيلية المتلاحقة، معبرة عن موقف المجتمع الدولي من المستجدات التي تفرضها القوة العسكرية الاحتلالية لهدم الدولة الفلسطينية وأركانها الأساسية. وتصطدم الإرادة الدولية بالقوة الأمريكية الداعمة للتطلعات الإسرائيلية بالرغم من إدانتها لحركة (حماس) وتأكيد خروجها من المشهد السياسي الفلسطيني. لذا تبدو هذه الخطوات كتحدّ واضح لدبلوماسية الحرب الأمريكية التي سخرت قدراتها لتقييد التحرك الدولي لوقف إطلاق النار وإنقاذ ما تبقى من غزة جرّاء الإبادة الإسرائيلية لشعبها وأرضها، تخلل ذلك خطوات أمريكية أرجأت وساهمت في مماطلة التوصل إلى حلول دائمة وعادلة للقضية الفلسطينية تستند على قرارات الشرعية الدولية، منها ميناء غزة العائم، والمساعدات الغذائية المقدمة التي عرفت إعلاميًا بـ "مصائد الموت" بإدارة مؤسس غزة الإنسانية. 

 

خاتمة

يعد الإقرار الأممي بالحق الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته أمام الرفض الاحتلالي والدعم الأمريكي انعكاسا للسياسة الدولية التي تعبر عن اتساع حجم الدعم والتأييد الأممي لمبدأ التسوية السلمية وحل الدولتين، وتعاظم الاعتراف بالدولة الفلسطينية وإقرار المجتمع الدولي بالتزامه بالقانون الدولي والشرعية الدولية.

إلا أن هذا القرار يصطدم بالمصالح الدولية والاصطفاف الأمريكي- القوة العالمية الأولى- بجانب الاحتلال الذي يستمر في الإبادة الاحتلالية الصلبة- بقوة النار في قطاع غرة، والناعمة بقوة منظومات السيطرة والاستيطان في الضفة الغربية والقدس. وهو ما يفرض على المجتمع الدولي البحث عن حماية قراراته وتنفيذها من خلال اتخاذ إجراءات عملية تجبر القوة الاحتلالية بالالتزام والانصياع لقرارات الشرعية الدولية.

 

المصادر

 

[1] الأمم المتحدة، لجمعية العامة تعتمد قرارا يقر إعلان نيويورك بشأن تسوية قضية فلسطين وحل الدولتين، 12 سبتمبر/ أيلول 2025.  https://2u.pw/iiNcm 

[2] عربي BBC، ما هو "إعلان نيويورك" الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؟، 12 سبتمبر/ أيلول 2025، https://2u.pw/V51Rg  

[3] صفحة الرئيس الفرنسي على منصة x,  12 سبتمبر/ أيلول 2025، https://2u.pw/qyN75  

[4] صفحة وزارة الخارجية السعودية على منصة X، 12 سبتمبر/ أيلول 2025، https://2u.pw/oTNiwx  

[5] وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، الشيخ يرحب باعتماد الجمعية العامة مشروع قرار يؤيد إعلان نيويورك بشأن حل الدولتين، 12 سبتمبر/ أيلول 2025، https://2u.pw/jvGqa  

[6] Reuters, UN overwhelmingly endorses two-state solution declaration that condemns Hamas, September 13, 2025, https://2u.pw/ByTL8