خلدون البرغوثي- باحث في الشأن الإسرائيلي

تذهب معظم المؤشرات إلى أن الاتفاق بين مجموعة (5+1) أي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس أمن الأمم المتحدة، وهي الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين بالإضافة إلى ألمانيا، مع إيران حول برنامجها النووي بات وشيكا (بعد وضع مسودة الاتفاق بين يدي إيران). هذا الاتفاق يقلق إسرائيل التي عبرت دائما عن اعتراضها عليه، وخاضت مواجهة سابقة مع إدارة الرئيس باراك أوباما، ودفعت إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى الانسحاب من الاتفاق فخلقت أزمة دولية جديدة، دفعت المجموعة الدولية إلى العودة للتفاوض مع إيران من جديد سعيا لتجديد الاتفاق السابق أو للتوصل لصيغة اتفاق جديد بعد تولي جو بايدن الرئاسة.

تركت المواجهة التي قادها رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو ضد إدارة باراك أوباما آثارها على سلوك الحكومة الإسرائيلية الحالية في التعامل مع إدارة جو بايدن فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني.

وكان نتنياهو قاد تحالفا مع الحزب الجمهوري في في الكونغرس وشكلا جبهة معارضة لاتفاق 2015 الدولي مع إيران خلقت أزمة بين الحزب الديمقراطي وحكومة نتنياهو.

ألقى نتنياهو خطابا أمام المؤتمر السنوي للوبي الصهيوني أي اللجنة العلاقات الخارجية الأميركية – الإسرائيلية (ايباك)، قبل أيام من إلقائه خطابا ناريا في الكونغرس بدعوة من رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بوينر. وكان واضحا مدى إحباط أعضاء الكونغرس من الحزب الديمقراطي من خطاب نتنياهو الذي قال فيه إن الاتفاق الحالي اتفاق سيئ والبديل هو ليس الحرب بل “انما اتفاق أفضل بكثير لن يسهل الطريق لإيران باتجاه القنبلة النووية” وأضاف أن “الاتفاق المطلوب حتى لو كان أفضل فلن تحبه إسرائيل لكنها قد تتعايش معه”.

رد أوباما.. قرار في مجلس الأمن ضد الاستيطان

ما أن وقع الاتفاق النووي مع إيران عام 2015 حتى شنت إسرائيل هجوما على أوباما متهمة اياه بالتخلي عنها، الأمر الذي دفع أوباما إلى الانتقام من نتنياهو عبر السماح بتمرير مشروع قرار مجلس الأمن 2334 الذي يدين الاستيطان ويطالب إسرائيل بوقف البناء الاستيطاني في الأراضي المحتلة وذلك قبل شهر من انتهاء ولاية أوباما. شكل هذا الموقف صفعة لحكومة نتنياهو، التي اتهمت في مراحل ما أوباما نفسه بأنه كان عراب قرار مجلس الأمن وراء الكواليس، وأنه بادر إليه مع الدول التي قدمت مشروع القرار لمعاقبة إسرائيل على تحالفها مع الجمهوريين ضده وضد الاتفاق النووي مع إيران.

ترامب ونتنياهو.. تحالف أعاد الأزمة مع إيران

بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة في الولايات المتحدة وتوليه الحكم مطل عام 2017، كان واضحا تأثير نتنياهو واللوبي الصهيوني والحزب الجمهوري عليه، وتمخض عنه قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وإعادة العمل بالعقوبات الأمريكية على طهران. وشكل هذا الوضع صدمة للدول الخمس الشريكة في التوقيع على الاتفاق الدولي، كما ساهم في توتير العلاقات الأميركية الأوروبية بشكل خاص. لكنه في الوقت نفسه منح إيران التي بدأت تعاني من أثر العقوبات الاقتصادية الأميركية عليها بالرد على خطوة ترامب عبر اتخاذ إجراءات زادت من قلق إسرائيل تحديدا، وربما دفعت بعض المحللين الإسرائيلين إلى اعتبار دفع نتنياهو ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي خطأ ما كان يجب أن يقع.

إيران ترد بتعزيز عمليات تخصيب اليورانيوم

أقدمت إيران على زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم لديها بشكل تجاوز ما تم الاتفاق عليه، وقامت بزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي والإعلان بين الحين والآخر عن رفع جديد لنسبة تخصيب اليورانيوم. هذا الإعلان كان في نظر إسرائيل تحديد يعني اقتراب إيران من إمكانية تصنيع قنبلة نووية، وبالتالي باتت نتائج انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عكسية. هذا الأمر دفع إدارة ترامب عدة مرات للتلويح بالخيار العسكري ضد إيران، وبضغط مكثف من إسرائيل، التي أرادت توريط الولايات المتحدة بهذه الحرب لإدراكها أنها –أي إسرائيل- ليست قادرة على توجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيران. أثارت تهديدات ترامب العسكرية حفيظة القادة الأمنيين والعسكريين في واشنطن، وكشف مجلة “ذي نيويوركر” أن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارك ميلي انخرط في جهود حثيثة لضمان عدم دخول ترامب في صراع عسكري مع إيران كجزء من حملته الهادفة لإلغاء نتائج انتخابات 2020 والبقاء في السلطة. وخشي رئيس الأركان من أن يصر ترامب على توجيه ضربة للمصالح الإيرانية يمكن أن تؤدي إلى حرب شاملة. وكانت مخاوف ميلي جدية خاصة بعد فوز جو بايدن بالرئاسة، والقلق من إمكانية أدخال ترامب الولايات المتحدة في حرب لمنع نقل السلطة للحزب الجمهوري.

انسحاب واشنطن خطأ.. والمستوى الأمني في إسرائيل نادم

أدى انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي إلى تحرير إيران من القيود التي فرضها الاتفاق عليها بتحديد نسبة وكميات اليورانيوم المخصب لديها. حاليا تخوض إيران المفاوضات على اتفاق جديد قد لا يختلف في جوهره عن السابق، لكن هناك اختلافا مهما بالنسبة لإسرائيل، هو أن قدرات إيران النووية في الأعوام الأربعة السابقة تحسنت كثيرا بسبب عدم وجود اتفاق يقيدها نوويا. هذا الأمر دفع مسؤولين أمنيين إسرائيليين إلى التعبير عن ندمهم على الدور الإسرائيلي الذي في دفع ترامب إلى الانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018. ويبدو أن تقديرات نتنياهو لم تكن في محلها، فقد فاز بايدن بالرئاسة، فيما خرج نتنياهو من رئاسة الحكومة في إسرائيل. وجاءت إدارة أميركية لم ينس رئيسها بايدن الإهانة التي وجهتها إسرائيل للرئيس السابق أوباما وله عندما كان نائبا للرئيس. بالمقابل تحكم إسرائيل حكومة ضعيفة منبثقة عن ائتلاف حكومي هش يجمع أطرافا غير متوافقة فكريا وسياسية واقتصاديا واجتماعيا، وهي الآن حكومة تسيير أعمال تمهيدا للانتخابات المقبلة، أي أنها في أضعف حالاتها.

القناة 11 التابعة لهيئة البث الإسرائيلية نقلت عن قيادات أمنية اسرائيلية انتقادها للضغوط التي مارسها نتنياهو على ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي. وقال هؤلاء إن إيران والقوى العظمى في الطريق الآن إلى الاتفاق نفسه، لكن بعد أن حققت إيران تطوراً كبيراً في برنامجها النووي، خاصة في مجال تخصيب اليورانيوم، وهو أمر كان يمكن تجنبه لو لم يقرر ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق.[1]

ولخص ذلك الصحفي والمحلل الإسرائيلي بن كسبيت الذي قال: ” أصابعه العشرة ولسانه السليط، نتياهو أوصل إيران إلى العتبة النووية “.[2]

حكومة ضعيفة وارتباك في الموقف

تباينت مواقف المسؤولين الإسرائيليين الحاليين من التوجهات الأميركية نحو اتفاق نووي دولي جديد مع إيران. فرئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لبيد الذي عبر عن معارضته للاتفاق، لم يلجأ إلى خوض معركة كالتي خاضها نتنياهو ضد أوباما، بل استمر في النهج الذي أعلن عنه سابقه نفتالي بينيت عندما قال إن الخلافات مع واشنطن حول الاتفاق النووي مع إيران قائمة وإسرائيل لن تكون ملزمة بالاتفاق، وستمنح نفسها حرية التصرف، لكنها في الوقت نفسه ستركز على على العمل وراء الأبواب الموصدة، بحيث تتجنب الحكومتان الانتقادات العلنية بحيث يتم تجنب إخراج الخلافات إلى الملأ.[3]

وتجلى ضعف الحكومة الإسرائيلية في تباين المواقف بين قادتها، ففي لقاء صحفي جمع رئيس جهاز الموساد دافيد برنياع بعدد من الصحفيين، هاجم برنياع الاتفاق والولايات المتحدة بشدة، ووصف الاتفاق النووي المتبلور مع إيران بأنه “كارثة استراتيجية” وأنه قائم فقط على مصالح الولايات المتحدة وإيران، وهو اتفاق سيئ جدا بالنسبة لإسرائيل، قائم على الأكاذيب وسيمكن إيران من الحصول على الأموال للخروج من وضعها الاقتصادي الصعب وتقديم المزيد من الدعم للمنظمات “الإرهابية” التي تعمل ضد إسرائيل. [4]

هذه التصريحات أثارت حفيظة رئيس الحكومة الإسرائيلية لبيد بسبب هجوم برنياع العنيف على الولايات المتحدة، من ناحية وبسبب عدم تمريره الرسائل التي كان يفترض أن يمررها حسبما كان يتوقع منه لبيد. إذ كان من المفترض أن يقول برنياع إن الولايات المتحدة تشددت في موقفها تجاه البرنامج النووي الإيراني. كما تتناقض تصريحات برنياع بمضمون محادثات رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي أيال حولاتا الذي توجه لواشنطن لبحث الاتفاق المتبلور. [5]

ومن الواضح أن لبيد يسعى لتجنب الصدام مع إدارة بايدن، وسعى إلى الاتصال به، لكن البيت الأبيض قال إن بايدن في إجازة، وتم الترتيب على أن يتم الاتصال بينهما الشهر المقبل، ربما بعد توقيع الاتفاق، ليتجنب بايدن بذلك أية محاولة للضغط عليه من قبل إسرائيل حتى لو كانت محاولة هادئة.

عسكريا أيضا، أبدت إسرائيل ليونة واضحة تجاه ذهاب واشنطن إلى الاتفاق النووي، وقال وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس في محادثات مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إن إسرائيل تعارض الاتفاق وتطور قدراتها العسكرية لتكون قادرة على اللجوء للخيار العسكري عندما يتطلب الوضع ذلك، وطلب من واشنطن الإبقاء على الخيار العسكري الأميركي ضد إيران حاضرا. ونقلت القناة 13 العبرية عن مصدر أسرائيلي اطلع على محادثات غانتس-سوليفان قوله إن واشنطن استمعت إلى الموقف الإسرائيلي ونقلته إلى إيران، وإن على إيران أن تدرك أن هناك خيارا آخر قائم”.[6]

من الواضح أن غانتس أيضا يتبنى نهج لبيد في تجنب الصدام المباشر والتصعيد مع الإدارة الأميركية، وأنه يكتفي على الأقل حاليا بنقل واشنطن رسائل لإيران حول بقاء الخيار العسكري ضدها قائما.

أمل إسرائيل فقط في رفض إيران للاتفاق

يرى المحلل الإسرائيلي ايتمار ايخنر أن تأثير إسرائيل على الاتفاق بات محدودا جدا، وذلك إثر الموقف الغربي السلبي لدورها في دفع إدارة ترامب للانسحاب منه. وهذا الأمر انعكس على عدم قدرتها على الضغط على دول 5+1 في المفاوضات الحالية. الرهان الباقي أمام إسرائيل هو أن ترفض إيران التوقيع على الاتفاق. وينقل ايخنر عن مسؤول أمني إسرائيلي قوله إنه في حالة قبول إيران الاتفاق وكانت بنوده مشابهة لبنود الاتفاق الذي انسحبت واشنطن منه عام 2018، فإن هذا سيكون دليلا أن الانسحاب من الاتفاق دون خطة احتياطية كان خطأ، وبالتالي سنحصل على اتفاق أسوأ بكثير”. [7]

 

للتحميل اضغط هنا

 

[1]– “إسرائيل نادمة على دورها في انهيار الاتفاق النووي عام 2018″، العربي الجديد، 20 آب/أغسطس :2022 https://bit.ly/3PQK2V

[2]– “بأصابعه العشرة ولسانه السليط، نتياهو أوصل إيران إلى العتبة النووية”، معاريف، 28 آب/أغسطس 2022: https://bit.ly/3Q0fFwe

[3]– “بينيت يلتقي بايدن: تغيير اللهجة ومناقشة الخلافات”، معهد واشنطن للشرق الأدنى، 28 آب/أغسطس 2021: https://bit.ly/3wxUqLy

[4]– “رئيس الموساد يحذر: الاتفاق النووي المتبلور مع إيران سيئ جدا لإسرائيل”، معاريف، 25 آب/أغسطس 2022: https://bit.ly/3AwIDho

[5]– “إحراج أمام الولايات المتحدة: في مكتب لبيد فوجئوا من تصريحات رئيس الموساد حول الاتفاق النووي وطلبوا توضيحات”، معاريف، 26 آب/أغسطس 2022: https://bit.ly/3wAfNMc

[6]– “مسؤول أمني: غانتس أكد على ضرورة بقاء الخيار العسكري الأميركي الحقيقي”، قناة 13، 26 آب/أغسطس 2022: https://bit.ly/3pOxX91

[7]– “مسؤول عن الاتفاق النووي مع إيران: لم تقع الواقعة بعد.. ونأمل أن يحدث عكس ذلك”، واي نت، 20 آب/أغسطس 2022:  https://bit.ly/3TqNFET