ترجمات: وعد الاعتراف بفلسطين ومخاطره: هل ما زال حلّ الدولتين ممكنا في ظل واقع الدولة الواحدة؟


وعد الاعتراف بفلسطين ومخاطره: هل ما زال حلّ الدولتين ممكنا في ظل واقع الدولة الواحدة؟

The Promise and Peril of Recognizing Palestine: Can a Two-State Solution Still Emerge From a One-State Reality?

مجلة Foreign Affairs الأمريكية

بقلم الباحثين مارك لينش وشيبلي تلحمي

(15 تموز/ يوليو 2025)

 

ترجمة : يسار ابو خشوم

يتناول هذا المقال جدلية الاعتراف بدولة فلسطين في سياق التوتر الإقليمي المتصاعد وغياب أفق سياسي حقيقي. ويسلط الضوء على المبادرات الدولية، خصوصا الأوروبية والخليجية، التي تدفع نحو هذا الاعتراف كمدخل محتمل لإحياء حل الدولتين. كما يناقش المقال حدود هذه الخطوة في ظل واقع ميداني يتجه نحو ترسيخ نظام الدولة الواحدة. ويطرح تساؤلات جوهرية حول ما إذا كان الاعتراف الرمزي قادرا على إحداث تغيير فعلي، أم أنه مجرّد محاولة لتجميل الانسداد التاريخي المستمر. فيما يلي ترجمة تلخيصية للمقال:

في خضم التصعيد غير المسبوق في الحرب الإسرائيلية على غزة، ومع تزايد الشعور العالمي بالعجز حيال الكلفة البشرية الباهظة للصراع، عادت فكرة الاعتراف بدولة فلسطينية إلى الواجهة، مدفوعة بمبادرة تقودها فرنسا والسعودية لعقد مؤتمر أممي كان من المزمع أن يعلن عن هذا الاعتراف ويدعو إلى تجديد عملية السلام. استندت المبادرة إلى مبادئ مبادرة السلام العربية لعام 2002، التي ربطت بين السلام الشامل مع إسرائيل وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة. غير أن توقيت المؤتمر تزامن مع تصعيد عسكري إسرائيلي استهدف إيران، ما فجّر حربا إقليمية استمرت اثني عشر يوما وشاركت فيها الولايات المتحدة، الأمر الذي أدّى إلى تأجيل المؤتمر لأسباب لوجستية وسياسية. رغم ذلك، شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أن التأجيل لا يُغيّر شيئا من عزمه على المضي نحو الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية، معتبرا أن الظرف الإقليمي المعقّد لا يلغي الحاجة الملحّة إلى حلّ سياسي دائم.

قوبلت المبادرة الأممية برفض معلن من إسرائيل، وبتحفظ كبير من واشنطن، حيث اعتبرت إدارة ترامب أن أي اعتراف من هذا النوع يمثّل «خطوة أحادية» تعرقل التسوية وتقوّض موقف إسرائيل خلال الحرب. بل إن السفير الأميركي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، ذهب أبعد من ذلك حين قال إن قيام دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة غير وارد، مقترحا إقامة هذه الدولة في «دولة مسلمة» أخرى. يكشف هذا الموقف بوضوح أن واشنطن في عهد ترامب لا تعارض الاعتراف فحسب، بل تشكك من الأساس في مشروعية الدولة الفلسطينية. في المقابل، هناك زخم دولي متنامٍ يدفع نحو الاعتراف، مدفوعا بتحوّل ميداني خطير: تصعيد غير مسبوق في الضفة الغربية من قبل المستوطنين بدعم من الجيش، وتسارع وتيرة التهجير القسري، وتكريس نظام تفرقة قانونية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الأرض ذاتها. ولعلّ هذا الواقع هو ما يجعل بعض الدول تفكر بأن الاعتراف، حتى وإن جاء متأخرا، قد يشكل صدمة سياسية توقف مسار الضم والتفريغ الجاري على الأرض.

الاعتراف كأداة ضغط أم لفتة رمزية؟

يرى مؤيدو الاعتراف الجماعي بدولة فلسطين أن هذه الخطوة، إذا ما تمت من قبل مجموعة وازنة من الدول، يمكن أن تُحدث أثرا سياسيا حقيقيا. ذلك أنها ستشكّل تحديا مباشرا للممانعة الإسرائيلية المتصاعدة، وستربك الخطاب الغربي الذي لا يزال متمسكا بخطاب حل الدولتين دون ترجمة عملية. كما أن الاعتراف، في حال اقترن بخطوات قانونية ملموسة، مثل إحالة جرائم الحرب إلى المحكمة الجنائية الدولية أو فرض قيود على التجارة مع المستوطنات، يمكن أن يعيد الاعتبار للقانون الدولي، ويضع حدا للحصانة التي تمتّعت بها إسرائيل لعقود. من جانب آخر، فإن هذه الخطوة قد تعيد ترتيب أولويات السياسة الإقليمية، خاصة لدى قوى مثل السعودية، التي تجد نفسها بحاجة لإعادة التوازن إلى خطابها بعد فشل مسار التطبيع الذي كانت تتبناه قبل حرب غزة؛ فالربط بين الاعتراف ومبادرة 2002 قد يمنح الرياض دورا قياديا جديدا يعوّض التراجع الرمزي الذي أصاب المبادرة العربية بفعل اتفاقات أبراهام.

لكن في المقابل، يخشى كثيرون من أن يتحوّل الاعتراف إلى غاية بحد ذاته، بدل أن يكون أداة لتغيير الواقع. ففي ظل غياب خطوات عملية على الأرض، على غرار وقف الاستيطان، وتفكيك البنى الاحتلالية، أو دعم بناء مؤسسات فلسطينية مستقلة، يبقى الاعتراف في دائرة الرمزية. بل إن هناك مخاوف من أن يستخدم كستار لإخفاء العجز الدولي، أو كمخرج سياسي للأنظمة الغربية والعربية التي تواجه ضغوطا شعبية، دون أن يكون هناك نية حقيقية لتغيير موازين القوى. يتغذّى هذا التوجس على تجارب سابقة، ولا سيما تجربة منح فلسطين صفة عضو مراقب في الأمم المتحدة عام 2012، التي لم تؤدِّ إلى تغيّر ملموس في الوضع الميداني، رغم أنها فتحت الباب أمام الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية.

حدود الواقعية السياسية في ظل واقع الدولة الواحدة

منذ سنوات، لم تعد فكرة حلّ الدولتين قابلة للتطبيق الواقعي في نظر كثير من المحللين، بل إن التحوّلات الأخيرة على الأرض جعلتها أقرب إلى الوهم السياسي منها إلى مشروع قابل للتحقق. فإسرائيل تفرض سيطرتها الكاملة على الأرض الممتدة من البحر إلى النهر، وتُخضِع الفلسطينيين لنظام قانوني وإداري يكرّس التمييز المنهجي، وهو ما وصفته عدة تقارير حقوقية، حتى في الغرب، بأنه أقرب إلى نموذج الأبارتهايد. ومع أن هذه السيطرة لا تزال تُلبَس أحيانا عباءة «الإدارة المؤقتة»، إلا أن سلوك الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وتصريحات نتنياهو العلنية، تؤكد أن لا نية لديهم للانسحاب أو منح الفلسطينيين حق تقرير المصير. بل إن الضم التدريجي، سواء عبر توسيع المستوطنات أو تفريغ التجمعات الفلسطينية، بات هو المسار الفعلي الذي تتحرك عليه الدولة العبرية.

في هذا السياق، يصير الاعتراف بدولة فلسطينية، ما لم يقترن بتغيير جذري في السياسات الدولية، مجرّد خطاب هروبي من مواجهة واقع الدولة الواحدة. فبدل أن يكون الاعتراف أداة لدعم مشروع استقلال فعلي، قد يتحوّل إلى اعتراف رمزي بكيان غير قائم على الأرض، أو أسوأ من ذلك، إلى إقرار غير مباشر باستحالة الحل وإنهاء الصراع عبر إعادة توصيفه فقط لا غير. ولعلّ الخطر الأكبر يكمن في أن تُستخدم هذه الخطوة لإعادة إنتاج الوضع القائم بمصطلحات جديدة، لا لزعزعته.

خاتمة

في ظل هذا السياق المركّب، يحمل الاعتراف بدولة فلسطين في طيّاته وعودا رمزية واستراتيجية، لكنه يبقى سلاحا ذا حدين. فهو من جهة يعكس صحوة متأخرة أمام استعصاء سياسي طويل، ويُعيد تذكير العالم بأن الشعب الفلسطيني ما زال يستحق دولة وكرامة وسيادة. لكنه من جهة أخرى قد يتحوّل، من دون إرادة سياسية حازمة، إلى لفتة شكلية تضاف إلى أرشيف القرارات غير المنفذة. ولا يكمن التحدّي الحقيقي في «إعلان» الدولة، بل في القدرة على ترجمة هذا الإعلان إلى تحوّل في موازين القوى، وفي إعادة تموضع للمجتمع الدولي تجاه الاحتلال. فالاعتراف، لكي يكون ذا معنى، يجب أن يكون بوابة لفعل حقيقي، لا ستارا للخذلان المتواصل. وفي عالم يشهد تحولا في موازين القوى، فإن اختبار الإرادة الدولية يبدأ من فلسطين، لكنه لا يتوقف عندها.

ترجمات: وعد الاعتراف بفلسطين ومخاطره: هل ما زال حلّ الدولتين ممكنا في ظل واقع الدولة الواحدة؟