
مسيانيو ترامب يتقدّمون الصفوف في مواجهة غزة
Les messianiques de Trump en première ligne contre Gaza
صحيفة لوموند الفرنسية
بقلم جان بيير فيليو، مؤرّخ فرنسي وبروفيسور في جامعة Sciences Po الفرنسية
(15 حزيران/ يونيو 2025)
ترجمة: يسار ابو خشوم
يتناول هذا المقال تصاعد نفوذ التيار المسيحي الإنجيلي داخل إدارة دونالد ترامب، وتأثيره المباشر في تشكيل السياسات الأمريكية تجاه العدوان على غزة. ويسلط الضوء على كيف بات هذا التيار، الذي يرى في قيام دولة يهودية موحدة تحقيقا لنبوءات دينية، في طليعة الداعمين للحرب الإسرائيلية على القطاع، متجاوزا المواقف التقليدية للوبي اليهودي الأميركي. ويكشف المقال كيف أسهمت هذه العقيدة في الدفع نحو تبنّي سياسات أكثر تطرفا، سواء من خلال تعيينات رمزية في مناصب حساسة، أو عبر مشاريع استعمارية تتجاوز الأعراف الدبلوماسية والإنسانية. فيما يلي ترجمة كاملة للمقال:
أحاط دونالد ترامب نفسه بأشدّ إدارة أمريكية عبّرت عن عداء صريح للفلسطينيين، في سابقة لم يشهدها تاريخ الولايات المتحدة. فقد جاءت هذه الإدارة أكثر تطرّفا من سابقتها بين عامي 2017 و2021، من حيث عدائها الصريح للحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، ويُعزى ذلك إلى صعود «الصهاينة المسيحيين» من التيار الإنجيلي المسياني، الذين يؤمنون إيمانا راسخا بأن خلاصهم الروحي مرهون بتحقيق النبوءات، والتي تتمثّل لديهم في إقامة دولة يهودية واحدة على كامل ما يعتبرونها «الأرض المقدسة».
وفي حين لا تخفي الجالية اليهودية في الولايات المتحدة انتقاداتها المتكررة لبنيامين نتنياهو، وتميل في أغلبيتها الساحقة إلى التصويت للحزب الديمقراطي، تُبدي هذه الحركة المسيحية الأصولية دعما مطلقا لحكومة نتنياهو في حربها ضد غزة. ولم تنتظر هذه التيارات إعادة انتخاب ترامب، بل سارعت إلى الضغط على الكونغرس لتكثيف الدعم العسكري الأمريكي للهجوم على غزة، في الوقت الذي جرى فيه تعليق المساعدات الموجّهة إلى المقاومة الأوكرانية لأشهر عدة خلال عام 2024.
قسٌّ بلا رحمة ولا إنسانية
اختار ترامب رجل الأعمال ورفيق ملعب الجولف، ستيف ويتكوف، ليكون مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط، ثم كلّفه أيضا بمهمة الموفد الشخصي إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مما شتّت انتباهه عن الملف الإسرائيلي الفلسطيني. وعلى الرغم من دخول هدنة حيز التنفيذ في غزة يوم 19 كانون الثاني/ يناير، عشية عودة ترامب إلى البيت الأبيض، عجز ويتكوف عن الحيلولة دون استئناف إسرائيل للأعمال العدائية في الثاني من آذار/ مارس، وفشل بعدها في التوصل إلى أيّ وقف جديد لإطلاق النار.
وفتحت هذه الإخفاقات المتكررة من المستشار اليهودي الأول لدى ترامب الباب واسعا أمام الصهاينة المسيحيين، الذين تقرّبهم قناعاتهم المسيانية من حلفاء نتنياهو اليمينيين المتطرفين أكثر من قربهم من نتنياهو نفسه. هكذا تمكن ترامب من فرض بيت هيغسث على رأس وزارة الدفاع (البنتاغون)، وهو الذي سبق أن تحدث عن «معجزة إعادة بناء الهيكل»، منسجما بذلك مع طموحات الإنجيليين الإسرائيليين الذين يحلمون بهدم المقدسات الإسلامية في الجزء المحتل من القدس وبناء «الهيكل الثالث» على أنقاضها.
ودعا هؤلاء المتطرفون، بصراحة لا لبس فيها، إلى إعادة استعمار قطاع غزة بعد تهجير سكانه الفلسطينيين، وهو طرح ينسجم مع الانتهازية السياسية لبنيامين نتنياهو، الذي يرى في استمرار الحرب الوسيلة الأنجع للتشبث بالسلطة. ومع تصاعد الهجمات العسكرية، ازداد خنق المدنيين في غزة ضمن رقعة جغرافية آخذة بالتقلّص، بينما طُرحت فكرة تأسيس «مؤسسة إنسانية لغزة» لتحلّ محل الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية في تقديم المساعدات.
لكن سرعات ما تحوّلت المؤسسة التي توزّع المساعدات تحت حماية مرتزقة أمريكيين بمساعدة عصابات محلّية، إلى مسرح لمجازر دموية ومشاهد من الفوضى العارمة. وقد أجبر هذا الفشل الذريع رئيسها على الاستقالة، ليخلفه بسرعة القس الإنجيلي جونّي مور، المعروف بدعمه لمشروع ترامب الذي يهدف إلى تحويل غزة إلى «ريفييرا الشرق الأوسط». ولم يجد مور، شأنه شأن سائر الصهاينة المسيحيين، أي حرج في هذا المشروع، حتى وإن اقتضى تهجير سكان القطاع قسرا، إذ يؤمن بأن «من يبارك إسرائيل، تباركه السماء».
سفير لا يفقه من الدبلوماسية شيئا
برز جونّي مور، البالغ من العمر 41 عاما، كأحد أصغر الدعاة الإنجيليين الذين تمت دعوتهم إلى الصلاة في البيت الأبيض خلال الولاية الأولى لترامب، حيث التقى هناك رموز التيار التليفزيوني الإنجيلي على غرار جيري فالويل الابن وروبرت جيفريس، ونشط معهم للدفع نحو الاعتراف بالقدس، بما فيها الجزء الشرقي المحتل منذ عام 1967، عاصمة لإسرائيل.
وكان القس جيفريس هو من تولّى مباركة افتتاح السفارة الأمريكية الجديدة في القدس في أيّار/مايو 2018، بعد نقلها من تل أبيب، وهي خطوة لم تتبعها إلا دول معدودة مثل غواتيمالا وهندوراس وباراغواي وبابوا غينيا الجديدة وكوسوفو، في حين حافظت باقي الدول على مقارها الدبلوماسية في تل أبيب. أما جونّي مور، فقد أيّد بشدّة تعيين ترامب لمايك هوكابي، الصهيوني المسيحي الآخر، سفيرا لدى إسرائيل، وهو في منصبه منذ نيسان/ أبريل.
ويرى هوكابي أن مهمته في إسرائيل تستند إلى «دعوة إلهية»، ويُخفي تأييده للاستيطان وضمّ الضفة الغربية، التي يصرّ على تسميتها بـ»يهودا والسامرة»، انسجاما تاما مع الرواية الدعائية الإسرائيلية. وأكّد بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية المتطرف والداعم لتهجير سكان غزة، أن هوكابي سيساهم في «ترسيخ قبضة إسرائيل على كافة أراضيها»، في إشارة صريحة إلى الضفة الغربية وغزة على حدّ سواء.
وسبق لهوكابي أن أنكر وجود الشعب الفلسطيني برمّته، واقترح – في سابقة استفزازية – أن تُقام الدولة الفلسطينية المستقبلية في مصر أو سوريا أو الأردن. ومؤخّرا، تجاوز كل الأعراف الدبلوماسية حين دعا فرنسا إلى اقتطاع جزء من الريفييرا الفرنسية لإنشاء دولة فلسطينية عليها. ولم يلبث أن استقبل في السفارة الأمريكية بالقدس الوزيرين المتطرفين سموتريتش وبن غفير، دعما لهما، رغم فرض عقوبات عليهما من قبل بريطانيا وكندا والنرويج وأستراليا ونيوزيلندا.
ولا تُعدّ هذه التصريحات الشاذة مجرّد انزلاقات فردية، بل تعبّر عن العداء الواضح الذي باتت إدارة ترامب تكنّه لفكرة حل الدولتين بين إسرائيل ودولة فلسطينية مستقبلية، حتى وإن كانت هذه الدولة سلمية ومنزوعة السلاح.