Israël : Ce pacte de violence qui soude la société


إسرائيل: ميثاق العنف الذي يوحّد المجتمع

Israël : Ce pacte de violence qui soude la société

مجلّة أوريان 21 الفرنسية

بقلم عزرا ناهماد

(20 آب/ أغسطس 2025)

 

ترجمة : يسار ابو خشوم

 

يتناول هذا المقال ظاهرة العنف الإسرائيلي باعتبارها ركيزة أساسية في بناء التماسك الداخلي للمجتمع، حيث تحوّل القمع الممنهج ضد الفلسطينيين إلى ما يشبه «ميثاقا» يربط مكوّنات الدولة ويغطي على أزماتها البنيوية. ويعرض النص مظاهر هذا العنف في الضفة الغربية وقطاع غزة عبر الاجتياحات والتهجير والهدم، إلى جانب توظيفه سياسيا واقتصاديا كأداة لبقاء السلطة. كما يوضح كيف أضحى العنف آلية داخلية لإدارة الانقسامات وتثبيت شرعية النظام، رغم أنّه يزرع بذور التآكل والانهيار في المجتمع الإسرائيلي ذاته. فيما يلي ترجمة تلخيصيّة للمقال:

شهدت القضية الفلسطينية منذ عقود أشكالا متعددة من السيطرة الإسرائيلية، إلا أنّ المرحلة الحالية تمثل ذروة غير مسبوقة في استخدام العنف كأداة سياسية وعسكرية. فبعد هجمات تشرين الأول/ أكتوبر 2023 دخل الاحتلال مرحلة جديدة اتسمت بسياسات تهجير جماعي وهدم للبنى التحتية وتوسيع غير محدود للاستيطان، في ظل تغطية قانونية وعسكرية جعلت هذه الأفعال جزءا من استراتيجية رسمية لا مجرد تجاوزات فردية. تكشف هذه التطورات عن تحوّل جذري في طبيعة الاحتلال، حيث لم يعد الهدف إدارة الفلسطينيين أو احتواؤهم، بل دفعهم إلى الاستنزاف الكامل والاقتلاع التدريجي. لا يمكن فهم هذا النهج في ضوء الطموحات التوسعية الإسرائيلية فحسب، بل ينبغي ربطه أيضا بالأزمة الداخلية التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي، حيث يُستخدم العنف كأداة لفرض تماسك هشّ يقي من الانهيار السياسي والاجتماعي.

في هذا السياق، تبدو العلاقة بين الداخل والخارج متشابكة بصورة كبيرة؛ فكلما زادت حدّة الأزمة السياسية داخل إسرائيل، ازداد ميل الحكومة إلى التصعيد ضد الفلسطينيين، فيما يُحوَّل العنف إلى مورد اقتصادي وسياسي يوحّد المجتمع حول مشروع استيطاني عنيف. بذلك يصبح الاحتلال، فضلا عن كونه ممارسة استعمارية ضد شعب آخر، آلية دفاعية عن نظام داخلي مأزوم يفتقر إلى الإجماع ويعاني من انقسامات عميقة.

التصعيد العسكري في الضفة الغربية وقطاع غزة

دخلت إسرائيل منذ بداية عام 2025 في مرحلة جديدة من الحرب الشاملة ضد الفلسطينيين، عُرفت بما سمّته منظمات حقوقية «عقيدة غزة». هذه العقيدة حدّدت أربعة محاور: تكثيف القصف الجوي، شن اجتياحات واسعة وتدمير شامل للبنى المدنية، تهجير جماعي للسكان، وتوفير حماية قانونية للمستوطنين المسلحين. التطبيق العملي لهذه السياسة بدا جليّا في الضفة الغربية، حيث تعرّضت مخيمات اللاجئين على غرار جنين ونور شمس لهجمات مدمّرة انتهت بتهجير عشرات الآلاف، بينما جرى تهديد قرى بكاملها بالزوال عبر قرارات هدم جماعية. وفي موازاة العمليات العسكرية، تمكّن المستوطنون من توسيع حضورهم مستخدمين أساليب الحرب نفسها: اقتحام القرى، سرقة الممتلكات، وإجبار السكان على الرحيل تحت تهديد السلاح. لم تكن هذه الأحداث خفية أو خارج سيطرة الدولة، بل جرت أمام أعين الجيش الذي غالبا ما وفّر الحماية للمعتدين بدلا من حماية السكان الأصليين.

إلى جانب هذا العنف المباشر، لجأت السلطات الإسرائيلية إلى أدوات قانونية وإدارية لتحقيق أهداف التهجير. ففي منطقة مسافر يطا مثلا، سعت الحكومة إلى توسيع منطقة عسكرية مغلقة عُرفت باسم «918»، وهو ما يعني فعليا طرد آلاف السكان وحرمانهم من أراضيهم. كما جرى وقف جميع طلبات البناء الفلسطينية وإعلان معظم البيوت «غير قانونية» تمهيدا لهدمها. ترافق ذلك مع موجة اغتيالات استهدفت ناشطين سلميين، مثل المعلم عودة الهذالين الذي قُتل بدم بارد على يد مستوطن معروف، في مشهد يلخّص تواطؤ السلطة مع العنف الأهلي. شكّلت هذه السياسات مجتمعة استراتيجية استنزاف تهدف إلى جعل الحياة الفلسطينية غير ممكنة، حيث يتحوّل القتل والتهجير والهدم إلى سلسلة متكاملة تؤدي في النهاية إلى إفراغ الأرض من سكانها الأصليين.

العنف كمصدر للتماسك الداخلي الإسرائيلي

لا يمكن تفسير هذا التصعيد العسكري من منظور السيطرة على الفلسطينيين فقط، بل يجب النظر إليه أيضا بوصفه وسيلة لحماية النظام السياسي الإسرائيلي من الانهيار. منذ هجمات تشرين الأول/ أكتوبر 2023 واجهت إسرائيل أزمة عميقة تمثّلت في احتجاجات واسعة ضد حكومة نتنياهو، وتراجع ثقة الجمهور بالمؤسسات، وانقسام اجتماعي وثقافي وديني حاد. في هذا السياق، تحوّلت الحرب إلى أداة للهروب إلى الأمام: فهي توفر «عدوّا خارجيا» يوحّد المجتمع، وتمنح النخب السياسية فرصة للبقاء في السلطة. بهذا المعنى يصبح استمرار الحرب ضرورة داخلية قبل أن يكون خيارا عسكريا. يرتبط هذا الاستخدام للعنف بمصالح اقتصادية هائلة، إذ إن الصناعات العسكرية والعقارية في المستوطنات باتت تمثل مصادر ربح ضخم، مما يجعل الحرب مشروعا استثماريا بقدر ما هي مشروع سياسي.

لكن هذا التوظيف للعنف يترك أثرا عميقا على بنية المجتمع نفسه. فقد تبلور مع الوقت نوع من «العقد الاجتماعي» القائم على التواطؤ الجماعي: يغمض المجتمع عينيه عن الجرائم ويستفيد في المقابل من ثمارها الاقتصادية أو من شعور الوحدة في مواجهة «عدو خارجي». ومع أنّ إسرائيل تبدو قوية عسكريا وتكنولوجيا، إلا أنها في العمق أسيرة منطق دموي يضعها في مسار مرضي قائم على إعادة إنتاج الخوف التاريخي من الاضطهاد وتحويله إلى ممارسة استعمارية ضد الفلسطينيين. فقد أضحت ثلاثيّة (الحرب والمال والاستيطان) حجر الأساس في النظام الإسرائيلي، لكنها أيضا بذرة تفككه، لأنها تغذي الانقسام وتحوّل المجتمع إلى كتلة متأزمة، عاجزة عن إيجاد مخرج سياسي أو أخلاقي. وفي حين يوحّد العنف المجتمع مؤقتا، فإنه يعمّق في الوقت ذاته الشرخ الداخلي ويجعل أي تغيير مستقبلي شبه مستحيل.

خاتمة

تُظهر التطورات الأخيرة أنّ إسرائيل تعتمد في بقائها على حلقة جهنميّة من العنف والتهجير والاستيطان. لا تهدف هذه الحلقة إلى اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم فحسب، بل تؤدي أيضا وظيفة داخلية تتمثل في توحيد مجتمع ممزق وتغطية أزماته البنيوية. إلا أنّ هذه الاستراتيجية تحمل في طياتها عوامل انهيارها: فبقدر ما تنجح في فرض السيطرة العسكرية، فإنها تكشف هشاشة السلطة وانقسام المجتمع، وتربط مستقبل الدولة بمنطق دموي لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية. إن تحويل الحرب إلى أداة للتماسك الداخلي، والربط بين الاستيطان والاقتصاد، واستخدام العنف كوسيلة هوية، كلها عناصر قد تمنح إسرائيل صلابة آنية، لكنها تزرع بذور التآكل من الداخل. وفي النهاية، قد يصبح هذا العنف الذي تم تصويره كشرط للبقاء، هو ذاته طريق الهاوية.

 

Israël : Ce pacte de violence qui soude la société