ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم

No One Would Win a Long War in Ukraine

مجلة فورين أفيرز الأمريكية

بقلم فلاديسلاف زوبوك أستاذ التاريخ الدولي بكلية لندن للاقتصاد. وهو مؤلف كتاب “الانهيار: سقوط الاتحاد السوفيتي”

٢١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٢

في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة الأوكرانيّة ويشاطرها هذا المسعى العديد من الدول الأوروبيّة، إلى تحقيق نصر ناجز ضد روسيا، يورد الكاتب تصريحات رئيس هيئة الأركان الأمريكيّة المشتركة، المثيرة للجدل والتي أدلى بها في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، معلنًا أنّ الحرب في أوكرانيا لا يمكن الانتصار فيها بالوسائل العسكرية البحتة، مشيرًا إلى أنّ أوكرانيا الآن في موقع قوّة وأن هذا الشتاء قد يكون الوقت المناسب للنظر في محادثات السلام مع روسيا. كما نوّه إلى الحرب العالمية الأولى، عندما أدّى رفض الخصوم للتفاوض إلى مقتل ملايين آخرين، مما يشير إلى أنّ الفشل في “اغتنام” اللحظة قد يؤدي إلى المزيد من المعاناة الإنسانية.

يحاجج الكاتب بأنّ الحلّ الأمثل يتجسّد في وضع خطة سياسية متماسكة لإنهاء المعاناة، وطمأنة الأوكرانيين بأنّ روسيا لن تبدأ حربًّا جديدة في أقرب فرصة، حتى لو ظل بوتين في السلطة. سيتطلّب ذلك من الروس قبول الهزيمة، لكنّه يتطلّب أيضًا قبول الأوكرانيين بأنّ النصر الكامل قد لا يمكن تحقيقه. ولكن لتحقيق هذه الأهداف، فإنّ السكّان الغربيين، ولا سيّما في ظلّ أزمة الطاقة المتفاقمة، سيحتاجون إلى قبول إنهاء وضع روسيا المنبوذ و “عودتها إلى أوروبا” مع تقديم ضمانات أمنيّة موثوقة إلى كييف. بعبارة أخرى، يجب على الغرب صياغة رؤية سياسيّة رئيسيّة تتجنب رغبة أوكرانيا وأشدّ مؤيديها في تحطيم روسيا وتحييدها. إذا فشلت الولايات المتحدة وشركاؤها في وضع مثل هذه الخطة، فإن فرص سيناريو ميلي سوف تزداد: حرب استنزاف، وخطر التصعيد والكارثة، والعواقب المضطّربة للحرب.

الصمود الروسي

يحاجج الكاتب بأنّه رغم الدعم الغربي الكبير المقدّم من الغرب لأوكرانيا، أظهرت روسيا صمودًا أكبر بكثير مما توقّعه الكثيرون، وأنّ جيشها وقادتها ما زالوا مستقرّين. وينطبق الأمر ذاته على الاقتصاد الروسي، فقد توقع الكثيرون بثقة بأنّ التجارة والصناعة الروسيّة سوف تُسحق بفعل ثقل العقوبات التي تفرضها الحكومات الغربيّة، وقيل إنّ مثل هذا الضغط الاقتصادي الشديد قد يكون كافيًّا لإجبار موسكو على الانسحاب من أوكرانيا. لكنّ الضغوط الاقتصاديّة نادرًا ما تكون كافية لإنهاء الحرب. وتقلّص الاقتصاد الروسي في عام ٢٠٢٢، ولكن بنسبة ثلاثة في المائة فقط، أقل بكثير مما توقعه البعض، وأثبت نظامها المالي استدامته واستقراره من الناحية الاقتصاديّة الكليّة. مشيرًا إلى أنّه خلال الحرب الباردة، لم تجبر العقوبات موسكو على الانسحاب من أوروبا الشرقية، واليوم من غير المرجّح أن تجبر روسيا على الانسحاب من أوكرانيا.

ويوضّح أنّه في الوقت الحالي، يواصل غالبية الروس دعم الحكومة الروسية وليسوا مستعدين لقبول الهزيمة. ينظر الكثيرون إلى شبه جزيرة القرم ومعقلها في سيفاستوبول على أنّهما يستحقان القتال من أجلهما. وبالنسبة إلى الكثيرين، يظل بوتين ضامنًا لسيادة روسيا واستقرارها. بالنسبة إلى النخبة وحتى العديد من الروس العاديين، فإنّ النتيجة التي يحلم بها الأوكرانيون وداعموهم – هزيمة الجيش الروسي وسقوط بوتين – هي كابوس سياسي يهدّد بالفوضى الاقتصادية وانعدام القانون. بالنظر إلى هذه الديناميكية المعقّدة داخل روسيا، فمن غير المرجّح أن تكون الهزائم العسكريّة كافية لجعل الكرملين يقاضي من أجل السلام. لكن النهج الغربي الحالي المتمثّل في السماح باستمرار الحرب، على الرغم من أنّه مُرضٍ أخلاقيًّا وشعبيًّا وسياسيًّا، هو نهج محفوف بالمخاطر ويعرّض الأوكرانيين لأهوال الصراع المستمرة. سيستمر ارتفاع عدد القتلى والتكلفة الماليّة للقتال، كما تغذّي رواية بوتين بأنّ روسيا تخوض معركة وجودية مع الغرب، وتشجّع اعتقاد القوميين الروس بأنّ روسيا يجب أن تفوز أو تهلك. لن تكون الإدانات الغربية لجرائم الحرب الروسية كافية لتغيير رأي الروس. على الرغم من أنّ أعدادًا متزايدة من الروس لم تعد تثق في حكومتهم ووسائل الإعلام الخاصة بهم، إلّا أنهم لا يثقون بنظرائهم الغربيين أيضًا.

في المقابل، يعتقد الكاتب بأنّه يمكن للتغيير السياسي في نظام استبدادي أن يكون سريعًا وكاملًا. إذ تعتمد قوة “الديكتاتور الروسي المسنّ” على زرع الخوف واللامبالاة والسخرية وانعدام الثقة بين النخب في البلاد والحفاظ عليها. ومع المزيد من الهزائم الروسية والمزيد من التعبئة، قد يبدأ ملايين الروس في إلقاء اللوم على بوتين، تماما كما ألقى أسلافهم باللوم على القيصر نيكولاس وغورباتشوف. إلى جانب أزمة الروح المعنوية واللامبالاة والإرهاق لدى القوات، يمكن أن يؤدي مثل هذا التحول في الرأي العام إلى أزمة سياسيّة. ستكون هذه هي اللحظة التي سيتعيّن على النخب السياسية الروسية أن تقرر ما إذا كانت ستتوافق مع الغرب أو ستقاتل حتى النهاية.

الخارطة والجزرة

يوضّح الكاتب بأنّه حتى الآن لم يستخدم الغرب سوى العصا لإكراه روسيا على وقف الحرب، مقترحًا اللجوء إلى خارطة طريق تتضمن بعض “الجزرات”، في ظلّ الهزيمة العسكريّة الروسيّة الحاليّة وضعف جيشها، مستلهما النقاط الأربعة عشر التي طرحها رئيس الولايات المتحدة وودرو ويلسون، في تشرين الثاني ١٩١٨، على القيادة الألمانية بأنّه سيتم التعامل معهم بشكل عادل وأقنعهم بقبول الهدنة، إذ أنهى هذا الحل الوسط الحرب العالمية الأولى.

تتضمن خارطة الطريق المقترحة أربعة نقاط رئيسيّة. أوّلًا، التعهد باحترام سيادة روسيا وسلامتها بعد التوصل إلى تسوية سلمية مع أوكرانيا، على الرغم من أنّ الأمر غير مرجح كما قد يبدو اليوم، ويجب عقد إطار عمل، بعيدًا عن الناتو، لضمان مكانة روسيا في الهندسة الأمنية في أوروبا. ثانيًا، تعهّد الحكومات الغربية بالاعتراف بقيادة روسيا واحترامها، شريطة أن تلتزم موسكو بصرامة بميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وكذلك احترام المعاهدات والاتفاقيات والتعهدات الدولية لروسيا. ثالثًا، يتعيّن على الغرب وضع جدول زمني لإعادة الأصول المالية الروسية المجمّدة بعد تلبية مطالب نزع السلاح والانسحاب. رابعًا، يجب أن تعلن الخارطة أنّه بعد انتهاء الحرب ستتم إزالة جميع العوائق الاقتصادية الدولية.

خاتمة

يتطرّق الكاتب في نهاية المقال إلى مسألة شبه جزيرة القرم الأوكرانيّة التي ضمتها روسيا عام ٢٠١٤، إذ تعدّ أكبر عقبة أمام أيّة محادثات بين موسكو وكييف، ويرى أنّ المطالبة الغربية الصريحة بإعادة شبه جزيرة القرم كشرط مسبق لمحادثات السلام لن تؤدّي إلّا إلى حشد المزيد من الروس إلى جانب الحرب، مقترحًا ترك موضوع مستعصٍ على الحل للمفاوضات المستقبلية. ويحذّر بأنه كلما طال أمد هذه الحرب، زادت عواقبها سوءً. فقد أطاحت الحرب العالمية الأولى بالإمبراطوريات والسلالات العظيمة في جميع أنحاء أوروبا، وزرعت بذور الحرب العالمية الثانية، وأدّت مباشرة إلى صعود موسوليني وهتلر. وأدّت الخلافات التاريخيّة بين ألمانيا وفرنسا حول الألزاس واللورين، وبين صربيا وكرواتيا حول البوسنة، إلى عواقب مميتة لكلا الجانبين، واستغرقت جراح هذه الصراعات أجيالا لتلتئم.

ويختم مقاله بالقول بأنّه لا يمكن التنبؤ بالآثار طويلة المدى للحرب في أوكرانيا، لكن الوعي بالآثار المزعزعة للاستقرار للحروب الطويلة والمدمرة للغاية يجب أن يدفع إلى التفكير في الحاجة إلى استراتيجية أكثر شمولًا يمكن أن توفّر لأوكرانيا أمنها ولروسيا مستقبلها، بدلًا من انتظار الرد على تصرفات موسكو وكييف الأخيرة أو الأمل في سقوط بوتين الوشيك.

للتحميل اضغط هنا