كورونا covid -19  أزمات متعددة [1]

منتصر جرّار*

ظهر فيروس كورونا ((Covid-19 في كانون الأول (2020) الماضي في مدينة ووهان الصينية فقط ، ولكن على الرغم من ذلك تفشى الفيروس ليصبح وباءً عالميا يحاول العالم التصدي له.

اليوم في 20 من شهر آذار (2020) تجاوز عدد الاصابات بفيروس كورونا  ((Covid-19 مئتان وأربعون ألف مصاب ، وحالات الوفيات أكثر من عشرة آلاف ضحية ، أغلبها كان في الصين وفي أوروبا (ايطاليا واسبانيا) وايران ، وقد أصبح  عدد الدول التي وقعت فيها اصابات اكثر من 166 دولة وحسب اعلان منظمة الصحة العالمية  الذي صدر في منتصف شهر آذار فإن مرض كورونا (Covid-19) أصبح وباء عالميا .

  • الاجراءات الفلسطينية في مواجهة كورونا

 في 5 آذار2020 أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية حالة الطوارئ  لمدة شهر بناء على المرسوم الرئاسي الصادر عن رئيس دولة فلسطين محمود عباس في نفس التاريخ ، وجاءت هذه الخطوة بعد ظهور العديد من الحالات في محافظة بيت لحم ، وقد أعلن رئيس الحكومة الفلسطينية تعطيل المدارس والجامعات والحضانات ورياض الاطفال كخطوة وقائية هي الأولى على مستوى الشرق الأوسط  والاقليم بشكل عام .

قامت الحكومة الفلسطينية باتخاذ اجراءات صارمة في التعامل من خلال حجر كل القادمين من الخارج في أماكن حجر مخصصة للقادمين من الخارج من جهة ، ومن جهة اخرى قامت بعزل محافظة بيت لحم وفرضت طوقاً أمنياً عليها  بعد صعود في عدد الاصابات والتي كانت أغلبها من المحافظة ، مما ساهم بالحد من انتشار الفيروس وسهولة الوصول لكل الحالات المشتبه بها بأسرع وقت وبأقل الخسائر ، وقد أعلنت الحكومة  يوم الجمعة 20/3/2020 شفاء 17 حالة من المصابين في بيت لحم ليقل عدد المصابين من 48  الى 31 اصابة .

ولعل من أهم عوامل نجاح الاجراءات الفلسطينية في السيطرة على انتشار هذا الوباء ، هو متابعة رأس الهرم السياسي ممثلاً بالرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء محمد اشتية  لكافة التفاصيل والاجراءات المتخذة في كل المحافظات من خلال الاتصال بالمصابين والمسؤولين ورفع معنوياتهم ، وهذا عزز من عزيمة العاملين كل في مكانه وبالتالي نجاعة الاجراءات المتخذة .

  • إشادات عالمية بسرعة الاجراءات الوقائية الفلسطينية

 وقد أشادت منظمة الصحة العالمية على لسان مدير مكتبها في فلسطين جيرالد روكونشواب ، بالاجراءات التي قامت بها الحكومة الفلسطينية  لمواجهة انتشار الفيروس على أراضي الدولة الفلسطينية ، مشيراً أن الحكومة الفلسطينية اتخذت إجراءات متقدمة لمكافحة انتشار فيروس كورونا، حيث تقوم الحكومة ووزارة الصحة بإجراءات تفوق ما هو موصى به دوليا.

وتأتي هذه الاشادة في ظل انتشار هذا الوباء داخل إسرائيل وتضاعف أعداد المصابين بسبب تأخر الاجراءات الوقاية من قبل الحكومة الاسرائيلية ليصل عدد المصابين الى أكثر من 700 مصاب والعدد قابل للزيادة .

  • استخفاف في التعامل من بعض الدول

بعد استخفاف العديد من الدول وعدم اتخاذ قرارات سريعة لمواجهة  سرعة  انتشار هذا الفيروس وعلى رأس هذه الدول  دول الاتحاد الاوروبي (إيطاليا واسبانيا وفرنسا ) والولايات المتحدة الامريكية ، حيث أعلن رئيس وزراء ايطاليا في 9 من آذار(2020) حالة الطوارئ بعد انتشار الفيروس في عدة مقاطعات في ايطاليا لتصبح بؤرة للوباء ، لتلحقها اسبانيا بعد منتصف آذار .  وفي 14 من آذار اعلن أيضا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترمب حالة الطوارئ في بلاده ، من اجل محاولة السيطرة من قبل المؤسسات الحكومية على هذا الوباء . ومن ثم بدأت دول العالم تعلن حالة الطوارئ دولة بعد دولة بعد ظهور العديد من الحالات في أراضيها .

  • كورونا  Covid-19 وبوادر أزمة اقتصادية عالمية

تتزايد المؤشرات بان التأثيرالاقتصادي الذي سينتج عن هذا الوباء سيكون كارثي على الاقتصاد العالمي  وسيقود الى حالة ركود قوية ستعصف بكل العالم وخصوصاً تراجع الدول المنتجة وعلى رأسها الصين والعديد من دول أوروبا .

وحسب آخر تقريرصادرعن منظمة التجارة والتنمية “الأونكتاد” التابعة للأمم المتحدة والتصريحات الصادرة عن رئيس قسم العولمة واستراتيجيات التنمية  في هذه المنظمة ريتشارد كوزيل فإن الأزمة التي سببها انتشار وباء الكورونا سيعزز الأزمة المالية العالمية الموجودة أصلاً من عام 2008 ، والتي هي موجودة بسبب هشاشة النظام المالي العالمي .

وتشير بعض الدراسات أن تزايد أزمة الديون وقلة الانتاج سيؤدي الى ظهور العديد من حالات الافلاس الاقتصادي وانهيار لقيم واصول العديد من البورصات العالمية ، بسبب الشعور بالذعر وصعوبة التوقعات والتنبؤ لحركة الأسواق .

 ولربما بدأت مؤشرات هذه الأزمة تظهر في الهبوط الحاد في أسعار النفط ،وذلك بهبوط سعر البرميل من 70 دولار الى 33 دولار وبدون سابق انذار ، اضافة الى الارتفاع الذي بدء يظهر على الاسعار العالمية والمحلية ، بسبب انخفاض نسق المشتريات التصنيعية في العالم ،وهذا يعود لضعف الانتاج بسبب انشغال الدول باتخاذ التدابير لمواجهة فيروس الكورونا من جهة ، ومن جهة أخرى بسبب حالة الاغلاقات الحدودية بين الدول بسبب مخاطر انتقال العدوى .

  • كورونا  Covid-19  وبوادر أزمات سياسية عالمية

اتهم ناطقون رسميون صينيون وايرانيون أن هذا الفيروس قد ولد في المختبرات الأمريكية ، كوسيلة من وسائل الولايات المتحدة في حربها البيولوجية على الصين وايران ، وان الولايات المتحدة الأمريكية هي من قامت بنشر هذا الفيروس ، في محاولة للتأثير على الاقتصادات العالمية الصاعدة من جهة  ، ومحاولة فرض الهيمنة الأمريكية كقوة أولى في العالم وهذا ما يظهر في سلوك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب .

من جهتها استدعت الخارجية الأمريكية السفير الصيني لدى واشنطن احتجاجا على تصريحات صينية ألمحت إلى أن الجيش الأمريكي ربما يكون السبب في نشر فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية وسط تصاعد حدة التوترات بين البلدين حول مصدر انتشار الفيروس.

من جهة أخرى يصرّ الرئيس الأمريكي من خلال تصريحاته الصحفية بوصف الوباء  بالفيروس الصيني ، مما أثار حالة من السخط من الجالية الصينية بالولايات المتحدة ، وانتقادات إعلامية في المؤتمرات الصحفية له وبشكل مباشر من الصحفيين .

وأعربت الصين عن بالغ غضبها من تصريح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي وصف فيه سلالة كورونا الجديدة بـ “الفيروس الصيني” وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية، غين شوان، في مؤتمر صحفي: “هذا التعليق يشوه صورة الصين، نحن غاضبون جدا ونرفضه بشدة”.

  • محددات الدول في سرعة التعاطي مع الأوبئة

تتردد بعض الدول في التعامل مع ظهور الأوبئة على أراضيها لعدة أسباب تتمثل بطبيعة الأنظمة السياسية لهذه الدول ومن أهم المحددات التي تفكر بها الدول قبل اتخاذ أي قرار :

  • اعلان حالات التمرد على الحكم وخصوصا من قبل المعارضة بسبب تشتت أجهزة الدولة وانشغالها في مواجهة الوباء على أراضيها ، وهنا يجب الموازنة في مواجهة أي وباء مع اتخاذ اجراءات تضمن عدم حدوث أي انقلابات أو أحداث داخلية . وربما لاحظنا هذا في تعاطي الحكومة الصينية في تأخير اعلان الحالات لديها واجراءاتها بعض فرض حالة الطوارئ . وأيضا مصر لم تقوم باخذ خطوات الا بعد مطالبة المعارضة بذلك .
  • المخاطر الاقتصادية المتمثلة بمصاريف الدولة الغير متوقعة في التعامل مع الوباء من خلال الحالات الانسانية وركود الاقتصاد وتوقف الانتاج وتباطؤ في معدلات النمو وغيرها من المؤثرات الاقتصادية . وهناك بعض الدول تقدم الحالة الاقتصادية على الحالة الانسانية وتؤخر الاجراءات وهناك بعض التقديرات ان ما حدث في الصين وايطاليا وبريطانيا وايران وهذا انعكس على مدى سرعة انتشاره مما اضطرهم الى الاهتمام في الحالات الانسانية بعد حجم الاصابات والوفيات في بلدانهم .
  • قدرات أجهزة الدولة في التعامل مع الوباء ، وهذا يعود لقدرة الدول في محاولة استكشاف الأمراض وطرق العلاج والتجهيزات اللوجستية من مستشفيات وفرق طبية وغيرها في سرعة مواجهة هذه الأمراض الوبائية .وربما ظهرت هذه القدرات في ألمانيا حيث بلغت نسبة الوفيات واحد بالألف وهذا يعود لمدى تطور وجهوزية الجهاز الصحي الألماني ومدى كفاءته . بالمقابل يرى البعض ان عدد الوفيات في ايران وايطاليا يعود لمدى ضعف الجهاز الصحي والخدمات الصحية في هذه الدول .

 

  • نحو نظام صحي عالمي جديد

لقد أثبتت هذه التجربة التي أظهرت ضعف العالم من خلال التعامل مع هذا الوباء العالمي ان العالم بحاجة لنظام صحي عالمي جديد وبحاجة بشكل رئيسي لدعم المنظمات ذات العلاقة وأهمها منظمة الصحة العالمية والمؤسسات الشريكة ، وان يكون لمثل هذه المنظمات السيطرة الكاملة على الأنظمة  في المجالات الطبية في كل دول العالم لكي تستطيع معرفة بداية انتشار الأمراض قبل ان تتحول الى أوبئة .  فلا يمكن لأي دولة ان تكون خارج نظام الرقابي الصحي ، فلو اعتبرنا ان الفيروس سببه الولايات المتحدة من أجل التأثير على الصين وبعض الدول فإن هذا سيجعلنا نقف لنلقي نظرة غير مطمئنةعلى مستقبل البشرية في ظل الصراعات  على مصالح الدول .

  • عن كورونا (Covid- 19) ؟

فيروسات الكورونا هي مجموعة كبيرة من الفيروسات المعروفة بتسببها بالأمراض لدى الحيوانات ومن الممكن أن تؤدي كذلك إلى الإصابة بالأمراض لدى البشر. حصلوا على اسمهم بسبب شكلهم في الميكروسكوب الإلكتروني الذي يُشبه التاج (كورونا باللاتينية).

درجة الإصابة لدى البشر تختلف بين الفيروسات المختلفة من العائلة ومن الممكن أن تكون خفيفة مثل الزكام, ومن الممكن أن تصل لأمراض مع أعراض سريرية صعبة التي تُصيب الرئتين وتؤدي إلى قصور متعدد الأجهزة مثل المتلازمة الشرق أوسطية (MERS) والمتلازمة التنفسية الصعبة (SARS).  يؤكد العلماء أن فيروس كورونا يحتاج إلى خمسة أيام في المتوسط لتظهر أعراضه التي ​​تبدأ بحمى، متبوعة بسعال جاف، وبعد نحو أسبوع، يشعر المصاب بضيق في التنفس، ما يستدعي العلاج في المستشفى .

بصورة عامة، يتماثل حوالي 80 بالمئة من المصابين بالفيروس للشفاء بدون الحاجة لدعم طبي. وهناك  العشرين بالمئة الآخرين تتفاوت درجات المرض بين الأعراض شديدة الوطأة، والحاجة لرعاية طبية فائقة، والموت.

وإن وضعت درجة الانتشارالسريعة في الاعتبار، وبقي العلاج مجهول ، فلابد أن تمثل هذه الأرقام تحديًا هائلًا للمجتمع الإنساني، ولمؤسسة الدولة على السواء.

[1]  أعدت هذه الدراسة يوم الجمعة 20/3/2020 وقام باعدادها

د.منتصر جرار – مدير عام مركز الأبحاث م ت ف

 

للتحميل اضغط هنا