عليان الهندي[*]

بعد محاولات فلسطينية وعربية، ومجموعة من الاتفاقيات بين حركتي فتح وحماس، التي لم تنفذ على الأرض، نجحت المخابرات المصرية المسؤولة عن الملف الفلسطيني، خاصة عن قطاع غزة، بدفع الطرفين إلى التوقيع على اتفاقية المصالحة في 12/10/2017، والتي تضمنت حل حركة حماس للجنتها الإدارية، واتباع خطوات تُمكن حكومة الوفاق الوطني من ممارسة مهامها، والقيام بمسؤولياتها الكاملة في إدارة شؤون قطاع غزة، كما هو الحال في الضفة الغربية، حتى 30 كانون الأول (ديسمبر) 2017 كحد أقصى من يوم توقيع الاتفاق. كما اتفق الطرفان، على العمل على إزالة كافة المشاكل الناجمة عن الانقسام، وفق اتفاقية الوفاق الوطني الموقعة عام 2011 في العاصمة المصرية القاهرة.

الاتفاق الذي بدأ تنفيذه على أرض الواقع، وسط مخاوف شعبية فلسطينية، خاصة في قطاع غزة من عدم تنفيذه، وتفاؤل قادة الحركتين (حماس وفتح)، أثار ردود فعل عربية ودولية وأميركية مرحبة، حيث سبق وأن طالبت الأطراف المذكورة بعودة السلطة الوطنية للقطاع، الذي يمر بأزمات سياسية واجتماعية واقتصادية خانقة، دفعت بالولايات المتحدة، ليس لمباركة الاتفاق فقط، بل اعتبرت أن من المبكر فرض شروط الرباعية الدولية، على الحكومة القادمة.

أما إسرائيل، التي التزمت حكومتها الصمت في البداية، فقد عادت بعد أسبوع من توقيع الاتفاق، واتخذت قرارات حددت من خلالها مواقفها وسياستها من المصالحة الفلسطينية.

تحاول المقالة الحالية، تتبع تطورات الموقف الإسرائيلي السابق والحالي والمستقبلي من المصالحة الفلسطينية، وانعكاساتها عليها.

سياسات وأهداف   

منذ احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، بحثت إسرائيل عن وسائل وطرق لتهجير الفلسطينيين من القطاع، بهدف ضمه لدولة إسرائيل. وبعد فشلها في تحقيق ذلك، تطلعت إلى الانفصال عن القطاع، وعرضت على جمهورية مصر العربية ضمه إليها، في إطار اتفاقيات السلام الموقعة معها عام 1977 والمعروفة باسم اتفاقيات كامب ديفيد.

وكان الانفصال عن قطاع غزة، هو الهدف الأول لإسرائيل عند التوقيع على اتفاقيات أوسلو.  وبعد التوقيع على إعلان المبادئ عام 1993، وقع اتفاق القاهرة أو الحكم الذاتي لغزة وأريحا أولا، تولت بموجبه السلطة الوطنية الفلسطينية الحكم في القطاع، على تَوَقُع أن يمتد حكمها لكل الضفة الغربية، وأن تقام دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967، وفق منطق وحل دولتين لشعبين.

غير أن عدم وجود استراتيجية إسرائيلية، لحل نهائي مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، دفعها عام 2005 إلى تفكيك المستوطنات الإسرائيلية والانفصال عن القطاع، مكتفية بالسيطرة الجوية والبحرية والبرية- باستثناء معبر رفح، في حين تنفذ سياسة في الضفة الغربية هدفها تقويض السلطة، وإقامة دولة واحدة بنظامين، يسيطر من خلالها اليهود على كل مقدرات فلسطين التاريخية، بينما يُخيَر الفلسطينيون بين ثلاثة خيارات هي: التسليم بوجود دولة إسرائيل، والهجرة، أو القتال[1].

وكان الهدف الأساسي من الانفصال عن قطاع غزة هو إخراجه من الصراع الفلسطيني-اليهودي، وتجميد المسيرة السلمية مع الفلسطينيين في الضفة الغربية لحين توفر ظروف تساعد إسرائيل على تحقيق أطماعها فيها، والمحافظة على ما يسمى بدولة إسرائيل الديمقراطية واليهودية[2].

ونتيجة للفصل الجغرافي القائم أصلاً بين الضفة الغربية وقطاع غزة، بوساطة وقف التنقل بين المنطقتين عبر إسرائيل، والانقسام الفلسطيني الذي تسببت به حركة حماس، والذي أدى إلى اختلاف في نظام الحكم بين المنطقتين، تبنت إسرائيل سياسة لم تتخلَّ عنها حتى هذا اليوم، والقاضية بإنشاء كيانين فلسطينيين: الأول، في الضفة الغربية بقيادة السلطة الوطنية الفلسطينية التي تقودها حركة فتح. والثاني، في قطاع غزة الذي تقوده حركة حماس. وذلك وفق التقسيمة التي فرضتها إسرائيل على الشعب الفلسطيني القاضية بتقسيمهم إلى مناطق وطوائف ومِلَل وجنسيات مختلفة منذ عام 1948، لمواجهة ما تعتبره الخطر الديموغرافي الذي يشكلونه على وجودها، وهو التقسيم الذي جعلها تتعامل مع الفلسطينيين كأقليات في مواجهة دولة الأغلبية.

واتبعت بحق المنطقتين سياستين مختلفتين، كان نصيب القطاع منها حروباً عنونتها إسرائيل بـ”جولات قتالية وتهدئة”، أي عدوان إسرائيلي متواصل على القطاع وهدوء من قبل حماس.

ووصلت هذه الاستراتيجية إلى ذروتها في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014 الذي دمرت فيه كل البنى التحتية والاقتصادية وحتى البشرية لقطاع غزة[3].

وفي المقابل، اتبعت بحق السلطة الوطنية الفلسطينية القائمة في الضفة الغربية سياسة من عدة بنود هدفها تجميد المفاوضات معها وعدم البحث في قضايا الحل النهائي، مثل المفاوضات من أجل المفاوضات، وإلهاء الضفة مرة بالفوضى، ومرة ببناء مؤسسات الدولة، وأخرى أن الفوضى في المنطقة (الربيع العربي) تسبب في عدم وضوح لإسرائيل، وأخيراً تنتظر مجيء خليفة للرئيس الفلسطيني. وجاءت تلك السياسة وفق المقولة التلمودية التي تقول “قف ولا تعمل شيئا” وهو جوهر السياسية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين من عام 2000 حتى الآن.

ويمكن تلخيص الأهداف الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين منذ العدوان على قطاع غزة عام 2014 حتى اليوم بالنقاط التالية:

  1. عدم تغيير الحدود القائمة اليوم، بين دولة إسرائيل وقطاع غزة.
  2. عدم تغيير الوضع والحكم القائم في القطاع، أي عدم إسقاط حكم حماس.
  3. عدم إضافة مليوني فلسطيني لدولة إسرائيل.
  4. المحافظة على فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، كأحد أعمدة سياسات إسرائيل الأساسية في التعامل مع الفلسطينيين.
  5. المحافظة على الوضع القائم في الضفة الغربية.
  6. عدم تحويل القطاع إلى نقطة خلاف مع مصر[4].

المشاريع المستقبلية؟

انشغلت النخب الإسرائيلية الحاكمة، في السنوات الأخيرة، بالبحث عن الخيارات المستقبلية لقطاع غزة، بعيدا عن الضفة الغربية التي لم يحدد لها أي مستقبل. ووصلت الاستراتيجية المذكورة إلى منعطف طرق في العام الأخير (2016)، بحيث لم يبق أمام إسرائيل سوى خيارين لا ثالث لهما: إما إيجاد حل سياسي لقطاع غزة يتضمن منحه مكانة شبه دولة، وإقامة جزيرة صناعية وغيرها من مشاريع التنمية، أو إعادة احتلال قطاع غزة، مع ما يحمل ذلك من أبعاد سلبية على إسرائيل تتناقض مع السياسات والاستراتيجيات التي وضعت بخصوص القطاع.

ففي مجال تنفيذ الخيار الأول، الذي وجد له مؤيدين كثيرين في الكنيست والحكومة الإسرائيلية الحالية، وشُكل له لوبي خاص، سمي بلوبي قطاع غزة، وجدت إسرائيل صعوبة في إقناع المجتمع الدولي بحل سياسي لقطاع غزة بمعزل عن حل القضية الفلسطينية ككل. كما رفض المجتمع الدولي، خاصة الاتحاد الأوروبي، دفع أي تكاليف لمشاريع صناعية أو تنموية جديدة في القطاع، خاصة الجزيرة الصناعية التي رفضت كل الجهات تمويل إقامتها، موصلة رسالة لإسرائيل مفادها، أنها لن تبني ميناءً لسكان القطاع المدمر والمحاصر والمكتظ، ليكون محطة انتقال إلى قبرص ومن ثم أوروبا، وإغراقها بمئات آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة، أسوة بملايين اللاجئين السوريين والعراقيين والأفارقة، وغيرهم.

إضافة لذلك، فإن تقديم تنازلات لحماس التي لا تعترف بإسرائيل، سيدفع المجتمع الدولي إلى الضغط عليها لتقديم تنازلات للطرف الذي يعترف بها في الضفة الغربية (منظمة التحرير الفلسطينية)، وهو ما لا تريده في الوقت الحاضر.

أما الخيار الثاني، المتمثل بإعادة احتلال قطاع غزة، فهو لم يعد خياراً وارداً في الحسابات الإسرائيلية المختلفة حيث يكلفها إعادة احتلاله أكثر من 5 ملايين دولار يوميا، ويعيد القطاع إلى واجهة الصراع مع الفلسطينيين مرة أخرى، بعد أن حاولت لفظه خارجها قبل 12 عاماً، ويحدث خللا بالميزان الديموغرافي في كل فلسطين التاريخية لصالح الفلسطينيين على حد قولها.

أسباب المصالحة

أشغلت الأسباب، التي دفعت مختلف الأطراف للموافقة على المصالحة والاتفاق بين السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة حماس، مختلف الكتاب والجهات في إسرائيل، الذين أجمعوا أن السبب الأول لحركة حماس من المصالحة هو الأزمة الإنسانية الخانقة في قطاع غزة، واحتمال انفجار الأوضاع في وجه الحركة نفسها، وانهيار مشروع الإخوان المسلمين في المنطقة، والضغوط والمشاكل التي تواجهها الدول الداعمة لحركة حماس، إن كانت اقتصادية أو سياسية، مثل قطر وتركيا[5].

أما السبب الثاني للمصالحة فهو رغبة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإفشال التفاهمات التي تم التوصل إليها بين حركة حماس ومحمد دحلان الذي وصفته وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنه الخصم اللدود للرئيس. وأضافت تلك المصادر، أن الرئيس تطلع إلى المصالحة لكي لا يسجل في تاريخه أنه ساهم في تقسيم الشعب الفلسطيني، نظراً لاقتراب نهاية حكمه، إن كان بحكم الطبيعة أو بحكم الانتخابات التي ستعقد في الفترة القادمة وفق اتفاقية المصالحة، التي أعلن أنه لن يشارك فيها. إضافة لذلك، تتملك الرئيس مخاوف عميقة من المعلومات المسربة له حول المشروع الأميركي للسلام في الشرق الأوسط الذي ينص على حكم ذاتي موسع وسلام إقليمي مع الدول العربية، وهو المشروع الذي يتعارض مع رؤيته المطالبة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية[6]. ولتحقيق ذلك رفع شعار “لا دولة في غزة، ولا دولة من دون غزة”. وعليه احتاج إلى حماس وغيرها من الفصائل لرفض المخطط الأميركي المستقبلي، الذي لا يضمن إقامة دولة.

وكانت رغبة مصر بالعودة إلى لعب دور إقليمي في المنطقة، ومعارضتها أي انفصال لقطاع غزة عن الضفة الغربية وعن ساحة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، لأنها ستكون الأكثر تضرراً من مثل هذا الحل، لخشيتها من عودتها للسيطرة بشكل أو بآخر عليه، وهو الذي لا يملك أية مقومات لحياة طبيعية، خاصة في حال نشوء أزمات إنسانية خانقة ستضطرها إلى التدخل باسم العروبة والإسلام، هي السبب الثالث للمصالحة، التي اقنعت الولايات المتحدة بأهمية المصالحة بالنسبة لمسيرة السلام. كذلك ترى مصر، بأن المصالحة وضعت حداً للمحاولات الإسرائيلية الداعية إلى تعميق التدخل المصري في قطاع غزة، وهو الهدف الإسرائيلي الأول من كل الحروب التي شنتها على قطاع غزة خلال العقد الأخير.

وكان الموقف الإسرائيلي الرافض لوضع القضية الفلسطينية على سلم أولوياته، من ضمنها رغبته في هدوء في منطقة الجنوب، ليتفرغ لما يدعي بأنه التهديد الإيراني، هو السبب الرابع لموافقة إسرائيل على المصالحة، رغم الخسائر الكبيرة التي ستجنيها من توحيد الصف الفلسطيني، لكن الأمل بفشل الطرفين في تنفيذ الاتفاق على الأرض، أسوة بالاتفاقات السابقة ظل هو المسيطر على الموقف الإسرائيلي.

كذلك، لم تعد إسرائيل ترغب في بقاء قطاع غزة، مصدر قلق وإزعاج في العلاقات بين الدولتين الموقعتين على اتفاقيات سلام معها، لأن هذه الاتفاقيات، سمحت لإسرائيل بتقليص ميزانيتها العسكرية من 25% إلى 12%، ووفرت لها بيئة استراتيجية مريحة في المنطقة، مكنتها من شن أكثر من 7 حروب (اثنتين مع لبنان وخمس مع الفلسطينيين) ومواجهة انتفاضتين وقصف جوي لكثير من الدول العربية مثل قصف المفاعلين النوويين العراقي والسوري، وقصف قوافل الأسلحة في السودان، وممارسة الاغتيالات في كل من تونس ولبنان ودبي وسوريا، وغيرها من النشاطات التخريبية بحق الفلسطينيين والعرب.

كما أن الفشل في إخراج قطاع غزة من الصراع الفلسطيني- اليهودي، وتجميد المسيرة السلمية مع الفلسطينيين في الضفة الغربية، دفع إسرائيل للموافقة على عودة السلطة لقطاع غزة بدلاً من عودة الاحتلال أو الحرب التي ستعيد القضية الفلسطينية إلى جدول الأعمال الدولي[7].

رد الفعل الإسرائيلي

إثر توقيع اتفاق المصالحة بين الطرفين (فتح وحماس) الذي أدخل الفلسطينيين في عهد جديد، توالت ردود الأفعال المحلية والإقليمية والدولية والإسرائيلية عليه. ففي المجال المحلي، ورغم الفرحة العارمة من توقيع الاتفاق، إلا أن شكوكاً عميقة تملكت الرأي العام الفلسطيني من إمكانية تنفيذه، نظراً لمسيرة اتفاقيات المصالحة المتنوعة على مدار العقد الماضي.

وفي المجال الإقليمي، اعتبر الاتفاق معبراً عن المصالح الإقليمية لجمهورية مصر العربية، بينما رحبت بقية الدول العربية وإيران وتركيا بالاتفاق، ووعدت بالمساعدة على تحقيق بنوده على الأرض.

وعلى الصعيد الدولي باركت الرباعية الدولية الاتفاق واعتبرته مدخلاً، لبداية مسيرة سلام حقيقية بين إسرائيل وبين الفلسطينيين.

أما الولايات المتحدة، التي طالبت على مدار السنوات الماضية بعودة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى حكم قطاع غزة، خاصة في عهد الرئيس الجديد دونالد ترامب، فقد عبر موقفها عن نوع من الارتباك، ففي الوقت الذي رحب فيها مبعوثها للسلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات بالاتفاق، عاد بعدها إلى المطالبة من الحكومة الفلسطينية القادمة، في حال تشكيلها بالاعتراف بشروط الرباعية الدولية[8]، كشرط للاعتراف والتعامل معها، صدر عن البيت الأبيض بيان ذكر فيه أن الوساطة المصرية بين فتح وحماس، أوجدت فرصة إيجابية ونادرة للحل، رغم موقفها الداعي لتفكيك سلاح حماس[9]. وساهم البيان المذكور في تبديد المخاوف المحلية والإقليمية من إفشال الاتفاق على الأرض، خاصة من قبل إسرائيل، كونه وجه ضربة موجعة لاستراتيجيتها التي بنتها على مدار العقود الماضية، الداعية لفصل جغرافي وسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

أما الموقف الإسرائيلي الرسمي من المصالحة الفلسطينية، فقد كان في الأيام الأولى متفاجئاً من سرعة وقدرة السلطات المصرية على دفع حركتي فتح وحماس للتوقيع على الاتفاق، وفضلت الصمت ومراقبة ما يجري إعلامياً واستخبارياً، لعدم معرفتها تفاصيل الاتفاق.

وقبل عقد حكومتها اجتماعها الطارئ لبحث ملف المصالحة الفلسطينية، وقبل يومين من توقيع الاتفاق، أرسلت إسرائيل وفداً أمنياً إلى القاهرة، لمعرفة تفاصيل ما يجري، لاتخاذ ما تراه مناسباً من قرارات. لكن ذلك، لم يمنع مصادر سياسية إسرائيلية رسمية، من القول إن أية مصالحة بين السلطة وحماس، يجب أن تتضمن تفكيك حماس عسكريا والاعتراف بإسرائيل والإفراج عن جثث الجنود والمدنيين الإسرائيليين[10]. بينما صرح رئيس البيت اليهودي الوزير نفتالي بينت أن الاتفاق سيؤدي إلى تشكيل حكومة إرهاب وطني، وطالب بقطع العلاقات مع السلطة الفلسطينية، وإعادة العقوبات التي فرضت على الفلسطينيين عام 2014 بعد توقيع اتفاقية الشاطئ للمصالحة بين حركتي فتح وحماس، وطالب بوقف المفاوضات، التي اعتبر مجرد عقدها مع الفلسطينيين تنازلاً إسرائيلياً لهم[11].

وبعد أن اتضحت جدية المصالحة بين حركتي فتح وحماس، وإعادة اللحمة لشطري الوطن سياسياً على الأقل، اجتمع المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن على مدار يومين كاملين. وقبيل الاجتماع، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل لن تعترف بالمصالحة بين فتح وحماس، لكنها لن تقطع العلاقة مع السلطة الفلسطينية، ولن تمنع تنفيذ الاتفاق، وستعمل مع الحكومة الفلسطينية في معابر غزة بالقضايا الإنسانية المتعلقة بالقطاع[12]. وخلال الاجتماع اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً بعدم التعامل مع الحكومة الفلسطينية، إلى حين تنفيذ الشروط التالية:

  1. الاعتراف بإسرائيل ووقف الإرهاب.
  2. الموافقة على شروط الرباعية الدولية.
  3. تفكيك سلاح حماس.
  4. إعادة جثث الجنود والمدنيين الإسرائيليين لدولة إسرائيل.
  5. سيطرة السلطة الفلسطينية كاملاً على قطاع غزة من ناحية أمنية، بما في ذلك المعابر ومنع التهريب.
  6. استمرار محاربة البنى التحتية لحماس في “يهودا والسامرة”.
  7. قطع حماس علاقاتها مع إيران.
  8. تزويد قطاع غزة بالاحتياجات الإنسانية من خلال السلطة الفلسطينية، والأجهزة التي أقيمت لتحقيق هذا الهدف[13].

وإثر انتهاء الاجتماع صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأنه لن يوافق على مصالحة مزورة، يتصالح فيها الفلسطينيون على حساب وجود دولة إسرائيل. وصرح أحد الوزراء بأن المصالحة الفلسطينية تعيد الرواية الفلسطينية الموحدة، بينما صرح آخر رفض ذكر اسمه، بأن مصر، ومن خلال ضغطها على فتح وحماس لتوقيع الاتفاق، تعيد قطاع غزة إلى أحضان إسرائيل.[14]

وإثر ذلك، تسابق كتاب الرأي في وسائل الإعلام المختلفة في تحليل القرارات الإسرائيلية، واحتمال نجاح المصالحة من عدمها، أسوة بالاتفاقيات السابقة الموقعة بين الطرفين منذ عام 2007 حتى اليوم، واعتبر الجميع أن الاتفاق يحمل في طياته عوامل التفجير، مثل مواضيع السلاح الواحد والقانون الواحد.

واعتبر بعض الكتاب أن قرارات الحكومة، ليست قرارات قوية كتلك التي اتخذت عام 2014، وأنها جاءت لإرضاء “البيت اليهودي” للمحافظة على الائتلاف الحكومي من الانهيار. وأضاف هؤلاء الكتاب أن موافقة رئيس الحكومة على قرار وقف المفاوضات مع الحكومة الفلسطينية لا يعني شيئاً لاعتبارين أساسيين هما: أن المفاوضات متوقفة أصلاً، والمفاوضات لا تُجرى مع الحكومة الفلسطينية، بل مع منظمة التحرير[15].

بينما صرح بعض الكتاب، أن الموقف الإسرائيلي المتساهل مع المصالحة هذه المرة، جاء لرغبة إسرائيل بعدم إغضاب مصر التي تقيم معها علاقات سلام، وموافقة الولايات المتحدة عليها التي أجرى رئيسها محادثات بهذا الشان مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر تشرين الأول (أكتوبر) عام 2017[16].

 واعتبر هؤلاء الكتاب أن الموقفين (الأميركي والمصري) لم يبقيا أمام إسرائيل سوى الآمال بانهيار المصالحة رغم امتلاكها أدوات الضغط لإفشالها، لكنها لن تفعل نتيجة الموقفين[17].

بينما اعتبر بعضهم أن عودة السلطة لغزة مصلحة إسرائيلية وتخدم مصالحها الأمنية. وأضاف هؤلاء أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيفي ليبني حاولت خلال حرب عام 2014 تمرير قرار في مجلس الأمن يقضي بعودة السلطة الفلسطينية تدريجياً إلى حكم غزة من خلال البدء بالسيطرة على المعابر، لكن التحرك فشل لرفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس المقترح، وعدم اهتمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وفي المقابل، اهتمت مراكز الأبحاث باتفاق المصالحة، حيث أجمع الباحثون في مراكز الأبحاث أن المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية ما زالت بعيدة، رغم جدية النوايا هذه المرة. لكن، ما زالت أمام طريق المصالحة الكثير من القضايا التي تتطلب علاجاً وحلّاً، حيث صرح رئيس مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب عاموس يادلين أن معوقات الاتفاق هي: سلاح حماس والقسام، والاعتراف بشروط اللجنة الرباعية، ورفض السلطة عمليات عسكرية لحركة حماس من الضفة الغربية[18].

ولم يغب عن بال الجهات الإسرائيلية المختلفة، حساب الربح والخسارة في المعادلة الجديدة، حيث أشارت جميعها أن الرابح الوحيد من المصالحة الحالية هو الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إن كان ذلك في الساحة الفلسطينية الداخلية أو في مواجهة إسرائيل، لكن المصادر نفسها أشارت إلى المشاكل العميقة التي سيواجهها، فغزة التي خرج منها قبل عشرة أعوام، لم تعد غزة التي عاد إليها بعد تلك السنوات.

وبالنسبة للعلاقة بين حركة حماس وإسرائيل، ذُكر بأن على إسرائيل المحافظة على هذه العلاقة، بشكل غير رسمي، وهي علاقة تراكمت على مدار السنوات السابقة، أي منذ سيطرة حماس على قطاع غزة عام 2007[19].

الخلاصة

وجهت المصالحة الفلسطينية، ضربة موجعة لاستراتيجية إسرائيل القائمة على فصل قطاع غزة سياسياً وجغرافياً عن الضفة الغربية، أو دفعه نحو جمهورية مصر العربية، وهي السياسة التي صاغتها ونفذتها وعملت على حراستها طوال العقد الماضي. الآن، وبعد التوقيع على الاتفاق، لم يبق أمام إسرائيل، سوى البحث عن وسائل وطرق جديدة، لتنفيذ استراتيجيتها وسياستها القائمة على استمرار الانقسام والانفصال بين المنطقتين.

الضربة الموجعة لسياسات إسرائيل تجاه قطاع غزة والضفة الغربية، الداعية إلى دفع القطاع نحو مصر، أو إقامة كيان سياسي مستقل، دفع مختلف الأطراف الإقليمية، خاصة جمهورية مصر العربية إلى الضغط على حركتي فتح وحماس للتوصل إلى اتفاق، ما اضطر إسرائيل إلى تقبل المصالحة كأمر واقع، وفق منطق أهون الشرين.

كذلك كشف الانقسام والخصام في صفوف الفلسطينيين، عدم قدرة حركة حماس على تقديم قراءة سليمة وصحيحة للأهداف الإسرائيلية، التي حصرتها في إسقاط حكم حركة حماس في قطاع غزة كأول تجربة حكم إسلامي في المنطقة، ولو نجحت في تقديم قراءة سليمة، لوفرت الكثير من الخسائر، في البشر والحجر، التي قدمها الشعب الفلسطيني في القطاع على مدار السنوات العشر الماضية، أو قللت من الخسائر على الأقل.

الانقسام في صفوف الفلسطينيين يجب أن يكون درساً لا ينسى، لأنه وفر لإسرائيل فرصة ذهبية لم تتوفر لها منذ عام 1948، في تنفيذ سياساتها العدوانية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، ومكنها من التهرب من الاستحقاقات المترتبة على احتلالها للمنطقتين لعقد من الزمن على الأقل، وسط صمت إقليمي وتجاهل دولي وتعاون أميركي مع الطرف المعتدي. المصالحة الحالية يجب أن لا تتوقف عند النقاط المذكورة في الاتفاق بين حركتي فتح وحماس فقط، بل يجب أن تتعداها باتجاه تبني مشروع سياسي وكفاحي لكل الفلسطينيين، فالصراع مع دولة إسرائيل لم يحسم بعد لصالحها، ليس فقط في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، بل في كل فلسطين التاريخية، رغم محاولاتها حسمه لصالحها منذ أكثر من قرن حتى اليوم.

الهوامش:

[*] باحث في الشؤون الإسرائيلية ومترجم لغة عبرية- فلسطين. 

[1]. عضو الكنيست عن البيت اليهودي بتسلال ستواريتش، خطة الحسم- القومية الفلسطينية ليست على حسابنا، طرحها مع العديد من أعضاء الكنيست، وتتضمن الخطة ثلاثة عناصر هي: التسليم بوجود دولة إسرائيل، الهجرة، أو القتال، الموقع الإلكتروني لصحيفة معاريف www.nrg.co.il.

[2]. محاضرة الجنرال عاموس يادلين في اليوم الدراسي الذي عقد بالتعاون بين مركز أبحاث الأمن القومي وبين مركز إرث غوش قطيف في جامعة تل أبيب، تحت عنوان “هل يمكن الانتصار على قطاع غزة؟”، 2016.

[3]. الهندي، عليان، قراءة أولية في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ص 6، جامعة الاستقلال- أريحا، 2014.

[4]. مصدر سبق ذكره، محاضرة العميد أساف أوريفين، “هل يمكن الانتصار على قطاع غزة؟”، 2016.

[5]. عاموس هرئيل، ضائقة السكان في غزة تدفع حماس للمرونة، موقع هآرتس الإلكتروني، www.haartez.co.il، 13/10/2017.

[6]. يوني بن مناحيم، قضايا في المصالحة الفلسطينية، المركز المقدسي لشؤون الجمهور والدولة، 20/10/2017.

[7]. الجنرال عاموس يادلين، “هل يمكن الانتصار على قطاع غزة؟”، مصدر سبق ذكره.

[8].الموقع الإلكتروني الرسمي لحركة فتح في لبنان www.falestinona.com، أميركا تدعم المصالحة وتشترط نزع سلاح حماس لدخولها الحكومة، 19/10/2017.

[9]. براك ربيد، موظفون كبار في البيت الأبيض: الوساطة المصرية بين فتح وحماس أوجدت فرصة إيجابية ونادرة، الموقع الإلكتروني لصحيفة هآرتسwww.haartez.co.il ، 22/10/2017.

[10]. محطة الجيش الإسرائيلي “غالي تساهل” النشرة الإخبارية المسائية، الساعة السادسة والنصف،         12/10/2017.

[11]. إسرائيل اليوم، بينت يطالب بإعادة عقوبات 2014 على الفلسطينيين، الموقع الإلكتروني للصحيفة،       www.israelhayom.co.il، 14/10/2017.

[12]. براك ربيد، نتنياهو: لن نعترف بالمصالحة بين فتح وحماس، موقع هآرتس الإلكتروني، www.haartez.co.il، 17/10/2017.

[13]. موران أزولاي وايتمار أييخنر، قرارات الحكومة الإسرائيلية بعد المصالحة بين حركتي فتح وحماس، الموقع الإلكتروني لصحيفة يديعوت أحرنوت www.ynet.co.il، 17/10/2017.

[14]. المصدر نفسه.

[15]. إيليئور ليفي، من دون قذائف وأنفاق وسلاح: ثقوب في المصالحة الفلسطينية، صحيفة يديعوت أحرنوت، ص 5، 12/10/2017.

[16]. قضايا في المصالحة الفلسطينية، مصدر سبق ذكره.

[17]. المواقف المختلفة تم تلخيصها من مجموعة مقالات نشرت في الصحف الإسرائيلية.

[18]. تصريح للجنرال احتياط عاموس يادلين لراديو “غاليه تساهل” الخاص بالجيش الإسرائيلي، النشرة الصباحية، 14/10/2017.

[19]. ليران أوفك وكوبي ميخال وغلعاد شير، حماس في الطريق إلى مصالحة فلسطينية أم هروب من المسؤوليات عن قطاع غزة، مركز أبحاث الأمن القومي، مجلة نظرة من أعلى، 19/10/2017.