عبير النجار

مع اعتماد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كثيراً على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، لتوصيل رسائل سياسية، استخدم أفرادٌ في هذه الإدارة الموقع لانتقاد الفلسطينيين، والدخول في مساجلات معهم. هذا المقال يعرض هذه “الظاهرة”، ويكشف أنّ أهميّة “تغريدات” هذه الإدارة أنها تستقطب الإعلام، أما قيمتها الإعلامية المباشرة الحقيقية فمحدودة. في الحالة الفلسطينية، يزداد الاهتمام بالتغريدات بسبب الرد الفلسطيني عليها. تُعبر سياسة التغريدات هذه، عن حالة قصور في الدبلوماسية الأميركية، وعن فشل في كسب ثقة الفلسطينيين، أو دفعهم للتساوق مع السياسات الأميركية لدخول مفاوضات عبثية، فتجري محاولة إظهار وجود دبلوماسية على الانترنت.

من التوصيات للرد على هذه الحملات، توحيد رسائل فلسطينية متفق عليها لإطلاقها عبر الإنترنت.

انشغل عدد من كبريات وسائل الإعلام الدولية بتغطية جولات السجال وأحياناً التلاسن في التغريدات على موقع “تويتر” (Twitter)، التي جرت مطلع العام الجاري بين جيسون غرينبلات، الممثل الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب، لشؤون التفاوض، وعدد من السياسيين الفلسطينيين، من ضمنهم حنان عشراوي؛ عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، ونبيل أبو ردينة (الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية)، وصائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح). فقد شرع غرينبلات، على سبيل المثال، في شباط (فبراير) 2019 بجولة تغريدات ظهرت وكأنها موجهة للفلسطينيين وأحياناً لبعض قياداتهم، بشكل محدد. تضمنت التغريدات انتقادات صريحة ومبطنة للفلسطينيين وعبرت عن مواقف لا تبتعد كثيراً عن المواقف اليمينية المتشددة والرؤية الصهيونية للفلسطينيين وللصّراع وللسلام.

تغريدات غرينبلات كانت “مغلفة بالسكر”، أحياناً، حيث أشار في أكثر من مرة، إلى أن “مكتبه مفتوح للفلسطينيين ممن يريدون الحوار”، إلا أن تغريداته غالباً ما نقلت وجهة النظر الصهيونية في التعقيب على عمليات المقاومة الفلسطينية أو على السياسيين الفلسطينيين. والأهم أن هذه السجالات “التويترية” استخدمت للإمعان في توجيه الإعلام الدولي نحو تغطية مصبوغة بالرّؤية الصهيونية للفلسطينيين وللصّراع الفلسطيني الإسرائيلي وللسّلام، حيث وقع الإعلام مُجدداً في فخ السيطرة الأميركية على الرواية الإخبارية، وهذه المرة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

لقد كانت تغطية الإعلام وإحتفاؤه بتبادل التغريدات بين القيادات الفلسطينية وغرينبلات استجابة متوقعة ومرغوبة من قبل الرجل، لإضفاء جدية ووزن لا تستحقه “تغريداته”، وتسجيل موقف لخدمة الإدارة الأميركية في كسب الوقت وتغيير أجندة الحوار وصورة الأطراف في المجال العام، والظهور بمظهر المنهمك في صنع السلام والتحاور مع جميع الأطراف، فقد نجح غرينبلات في نقل الحوار من التركيز على السياسات الأميركية ضد الفلسطينيين، إلى السجال وإلى اتهاماته حول عدم رغبة الفلسطينيين في الحوار وعدم كفاءتهم للشراكة في صنع السلام وتغيير مستقبلهم.

جرت العادة عقد المفاوضات في المكاتب وقاعات الاجتماعات، وعادةً تكون هذه القاعات مُتفَقاً عليها بين الأطراف، ويتم اختيار مكان محايد لإجرائها. حتى إن جرى صرف النظر عن الانحياز السافر من قبل الإدارة الأميركية للرؤية اليمينية المتطرفة للصراع والحل بين الاسرائيليين والفلسطينيين، فهل تتصف هذه “التراشقات” القصيرة والمختزلة لأطول الصراعات عمراً في المنطقة بالمفاوضات، وهل تتسع أحرف التغريدات الـ280، لحوار بهذا العمق والتعقيد وتشعب الملفات؟ وما هو تأثير هذه المناورة السيبرانية على مصالح الفلسطينيين وصورتهم ومستقبل قضيتهم في “تويتر”؛ المجال العام المفضل للإدارة الأميركية الحالية؟

الانتقال من الصحافة إلى تويتر

غردت حنان عشراوي في 20 كانون الثاني (يناير) 2019 حول التسريبات المتعلقة بتفاصيل خطة السلام المزعومة بين الاسرائيليين والفلسطينيين، وأشارت في تغريدتها الى أننا نحتاج للكثير من “خداع النفس” لتصديق هذه التسريبات التي لا تعدو كونها “فرضيات للتضليل وتشتيت الانتباه”، وأضافت: “على كل الأحوال الإدارة الأميركية ليست لديها أية مصداقية”. وجاء رد غرينبلات على تغريدة عشراوي بأن “الوقائع تدحض كلامها وبأن الرئيس ترامب وعد بنقل السفارة الإسرائيلية للقدس وقام بذلك، وبأنه وعد بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ووفى بوعده”.

وتابع تغريداته موجهاً انتقاداً لعشراوي والفلسطينيين بشكل عام قائلاً إن “ترامب قام بالتعهد بالتزام آخر وهو محاولة تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ونحن نقوم بذلك، لكن ليست هناك دولة أو عدد من الدول أو مؤسسة دولية يستطيعون الوعد بالقيام بذلك”، ويتابع مخاطباً عشراوي دون استخدام اسمها على تويتر “من حقك انتقاد سياساتنا، لكن دعينا لا نتجاهل أن الامتناع عن الانخراط في المفاوضات يضر بمصالح الفلسطينيين”، وأضاف “حان الوقت لتكونوا أنت والقيادات الفلسطينية الأخرى قيادات ذات مصداقية وتعملوا بجد لإحراز السلام” وحصد ثماره، وردت عشراوي بالإشارة الى أن “انعدام المصداقية” هو “تعبير مهذب من طرفي للقول بأنكم بتصرفاتكم غير القانونية، أحادية الجانب، دمرتم فرص السلام”، لكن غرينبلات تجاهل ردها في محاولة لتجنب الخوض في السياسات الأميركية وأثرها على فرص السلام. (تويتر 20 يناير 2019.

في تبادل مشابه، في الأول من شباط (فبراير)، علق نبيل أبو ردينة بأن “إيقاف الدعم عن الفلسطينيين سيضر بقطاعات حرجة مثل الصحة والتعليم؛ وسيكون له تأثير سلبي على الجميع ويخلق الأجواء السلبية ويؤدي إلى انعدام الاستقرار”.

غرينبلات رد بتغريدة ووصف حديث أبو ردينة “بالمخادع”، وأضاف أن “الدعم الأميركي لم يتوقف ولكنه انقطع بناءً على طلب من السلطة الفلسطينية، لأنها لا تريد الخضوع للمحاكم الأميركية التي ستطلب منهم تعويض ضحايا الإرهاب الفلسطيني من الأميركان”. وتابع في تغريدة أخرى أن “الفلسطينيين يحصلون على الدعم الأميركي لقطاعي الصحة والتعليم، لكن يتوجب عليهم استخدام هذا الدعم بحكمة، على سبيل المثال، أن يتوقفوا عن دعم الإرهابيين الذين يقتلون الإسرائيليين”.

وكذلك يضيف الكثير من الإشارات إلى تقصير الإدارة الفلسطينية وعدم دعمها للشعب الفلسطيني وتنمية اقتصاده وتحويله إلى شعب يعتمد على الدعم، والتوقف عن لوم الآخرين على محن ومصائب الفلسطينيين.

في تعليق آخر في ذات اليوم حول انقطاع المساعدات الأميركية، يستنكر ما قاله صائب عريقات بأن “الفلسطينيين لا يرغبون في تلقي المال الأميركي إن كان ذلك يعني أن يخضعوا للمثول أمام المحاكم الأميركية”، فأجاب غرينبلات بقوله “دعني أفهم ما تعنيه، أنت تود الحصول على المساعدات دون تحمل أية مسؤولية”.

في 7 شباط (فبراير) 2019، كتب غرينبلات تعليقاً على مقابلة أبو ردينة قائلاً “لقد تمكن السيد أبو ردينة الناطق الرسمي باسم السلطة الوطنية من أن يكون معادياً للسامية وللمسيحية في مقابلة قصيرة”، في تعليق على مقابلة لنبيل أبو ردينة مع وكالة أنباء “بلومبيرغ”، في 7 شباط (فبراير) 2019.

من الواضح من تفحص نشاط غرينبلانت على تويتر أن خطابه المباشر وغير المباشر للفلسطينيين هو منحصر بدعوات عامة فضفاضة ودفاعية للقاء، أو بشجب وإدانة تصريحات القيادات الفلسطينية، (أبو ردينة مثلاً)، ونقد لعريقات واتهامه بالسعي وراء المال وإهمال واجباته بالتفاوض والتصدي لعشراوي للدفاع عن الإدارة الأميركية. وجميعها تصب في رسالة مفادها أن مشكلة الفلسطينيين ليست في الاحتلال الإسرائيلي أو السياسات الأميركية وإنما في قياداتهم التي تكرر خطاباً قديماً، وتستمر في تضليلهم دون أن تسعى لتحسين أحوالهم.

في هذا السياق، يبدو عدد تغريداته أكثر عندما يرغب في التعبير عن أسفه على الضحايا الإسرائيليين “لإرهاب حماس” وأحياناً “الفلسطينيين” أو إعادة نشر لتقارير حول نشاطاته الإعلامية وتغريداته، غالباً من عدد محدد من الصحف الإسرائيلية.

العلاقة بين الإعلام والتغريدات

دخلت هذه التغريدات المتبادلة المجال العام عندما نشر عدد من التقارير الإخبارية عن التغريدات في كبرى المطبوعات الدولية بما فيها في نيوزويك (4 شباط (فبراير) 2019)، وذا إندبندنت الإنجليزية (3 شباط (فبراير) 2019)، وواشنطن بوست (3 شباط (فبراير) 2019) وغيرها. وغرينبلات بدوره أعاد نشر هذه التقارير على حسابه على تويتر، وبالرغم من أن انتشار تغريدات غرينبلات لم يكن كبيراً على تويتر، إلا أن تأثيره على أجندة الإعلام الدولي كان كبيراً، أكبر أثراً من الوزن الكمي لشبكته الاجتماعية، ومن عدد التفضيلات وإعادة التغريدات والإجابات التي تسببت بها تغريداته حول القضية الفلسطينية، فغرينبلات -بالرغم من نشاطه على تويتر- إلا أن لديه عدداً محدوداً من المتابعين إذا ما قورن بغيره من أعضاء الإدارة الأميركية، فبالنظر إلى عدد متابعيه (29 ألفاً)، فإنه لا يقارب واحداً على عشرة من متابعي زملائه في الإدارة الأميركية. نيكي هايلي، الممثلة السابقة للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، على سبيل المثال، التي لديها 390 ألف متابع على تويتر، أو مايك بومبيو، وزير الخارجية، 567 ألفاً.

تنبع الأهمية الإخبارية لتغريدات غرينبلات من عنصرين أساسيين، الأول هو موقع غرينبلات في إدارة الرئيس ترامب، فهو مساعد الرئيس الأميركي ومبعوثه الخاص للمفاوضات، وممثل الولايات المتحدة للعملية السلمية في الشرق الأوسط، والعنصر الثاني هو توقيت تغريداته التي حظيت بقيمة إخبارية أعلى بين الصحفيين ووسائل الإعلام عند مقارنتها بتويتر.

وقد جاءت التغريدات في وقت تتعطش فيه وسائل الإعلام الأميركية والعالمية والشعوب كذلك لأية تفاصيل حول ما تسمى “صفقة القرن”، فالمعلومات المتداولة الموثقة نادرة، وبانتظار الإفصاح عنها، بعد أن أجلت الإدارة الأميركية نشر فحواها أكثر من مرة.

مصدر آخر للقيمة الإخبارية لتغريداته هي اعتياد الإعلام على سياسة الرئيس ترامب وإدارته باستخدام تويتر كبديل للتفاعل مع الإعلام الرصين، فتويتر يتيح لإدارة ترامب التفاعل مع عينة مختارة من وسائل الإعلام والإعلاميين، عوضاً عن التفاعل المباشر مع الصحافة العالمية عبر مواجيز البيت الأبيض الإخبارية اليومية وغيرها من القنوات المعتادة.

 ليس حواراً

يبدو غرينبلات على تويتر منهمكاً فيما يشبه الحوار مع عدد من القيادات والشخصيات البارزة فلسطينيّاً. ويعبر في هذه التغريدات عن مواقفه أو يستجيب لما يقوله الإعلام حول الموضوع (ردوده على دافيد باراك مراسل القناة 13 الإسرائيلية) وإيمي سبيرو من جيروزالم بوست الإسرائيلية، كما يرد بشكل مباشر على مقال الكاتب داوود كتاب، في الجوردان تايمز الأردنية حول “صفقة القرن” (14 مارس 2019) وتغريدات من جيمس زغبي، الأكاديمي ومدير المعهد العربي الأميركي، في الولايات المتحدة (13 مارس 2019). معظم ردوده على الفلسطينيين تأتي على تغريدات أو تصريحات لم تكن موجهة له، وهو بدوره يوجهها للعامة دون استخدام الاسم التويتري للشخص ذي العلاقة، ما يدل على أنه يستخدم التصريحات ليس للحوار وإنما للتوسع في وجهة نظره وتعزيزها. وتظهر كذلك على حسابه على تويتر إشارات لما هو مكتوب في الصحافة حوله أو حول نشاطه التغريدي أو حول ما يسميه “التطرف والإرهاب الفلسطيني”، أكثر الصحف التي تتكرر الإشارة إليها هما الاسرائيليتان تايمز أوف إسرائيل وجيروزالم بوست.

بداية السجال التغريدي كانت هآرتس

سجال غرينبلات الإعلامي مع الفلسطينيين لم يبدأ في فبراير 2019 ولم يقتصر على التغريد على تويتر، فقد رد غرينبلات على مقال لعريقات في 2018 في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، اتهم فيه الرئيس ترامب بـ”الشراكة في الاحتلال” مع بنيامين نتنياهو (17 مايو 2018(. ووصف ما كتبه عريقات بالادعاءات والخطاب غير الدقيق وغير البناء (هآرتس 2018 يونيو 10). كان مقال غرينبلات، بعنوان “يستحق الفلسطينيون أكثر بكثير من صائب عريقات”، وتحدث عن عريقات كمثال على القيادات الفلسطينية التي “لم تأتِ بالسلام”.

سجالات أخرى بين الرجلين حصلت قبل ذلك في نيسان (إبريل) 2018، بعد أن وصف عريقات غرينبلات بأنه أصبح لسان حال إسرائيل منذ بداية مسيرات العودة في غزة في نفس العام (فورتشون 16 نيسان (أبريل) 2018)، حيث أشار عريقات إلى أن غرينبلات يعيد محاور الخطاب الاسرائيلي كما هي، لكن غرينبلات اختار الرد عليه عبر تويتر واصفاً رسالته بـ”فورة” الغضب التي تساعده “على التهرب من العمل الذي ينتظرنا”، وفي تغريدة ثانية يطلب منه “أن يشمر عن ساعديه” ويبدأ العمل عوضاً عن أن يستمر في “الدوران في دوائر مفرغة لا يصل منها لأي مكان .”

سجال وليس حواراً أو مفاوضات

من يتابع تغريدات غرينبلات على تويتر، يلحظ التقارب في لغته ومواقفه إزاء الفلسطينيين من المواقف اليمينية الإسرائيلية التي يشير لصحافتها بشكل متكرر. تغريدات غرينبلات بالعموم تندرج تحت ثلاث فئات من الرسائل، منها الموجهة للقيادة الفلسطينية بالشكل، لكنها مضموناً إعادة لموقف ورؤية ترامب وإدارته للقيادات الفلسطينية، النوع الثاني من التغريدات موجه للتعاطف مع الاسرائيليين وإظهار التقارب مع الحكومة الإسرائيلية. أما النوع الثالث، فمتعلّق بنشاطاته وخطاباته أو مواقفه وما ينشر عنها في الإعلام، فنراه على سبيل المثال يثني على إعلاميين في محطة فوكس الأميركية  للأخبار، وينتقد نيويورك تايمز.

يظهر الفلسطينيون على حسابه على تويتر إما كقيادة فاشلة تعيد تكرار الأخطاء التاريخية وتركز على “خطاب مكرور” متجاهلة حاجات الشعب الفلسطيني ورفاهه و”متسبّبة بمعاناته وأذيته”، أو “جماعات إرهابية” تهدد إسرائيل وتؤذي الشعب الفلسطيني، فأغلبية الشعب الفلسطيني مجني عليه من قبل السلطة الوطنية ويعاني بسبب فشلها وتخبطها. وفي المقابل، تظهر إسرائيل في تغريدات غرينبلات كالطفل المدلل الذي يحتاج الحماية والحفاظ على المشاعر والتحفيز والمؤازرة.

في تغريداته، تبدو القيادة الفلسطينية في أحسن حالاتها “عنيدة” وتكرر خطاباً سياسيّاً قديماً، حيث يستخدم غرينبلات تعبير “Tired Lines” أي ما يترجم حرفيّاً، إلى أسطر متعبة، أو ما معناه (كلام مكرور)، فقد استخدم هذا التعبير للرد على تغريدة لرئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في 18 نيسان (إبريل) 2019. واستخدم كذلك تعبير “موضوعات نقاش قديمة” مع مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، ويقول في تغريدة أخرى إن مشكلة الفلسطينيين أنهم يعتبرون “القتلة شهداء” وتُسمي قياداتهم المدارس والشوارع على أسماء “الإرهابيين” (9 أيار (مايو)، 2019).

كيف يمكن فهم هذه الجولات من التغريدات، وهل يمكن اعتبارها فعلاً حواراً واسعاً أمام الرأي العام، وما هي قيمة هذه الجولات من التغريدات على صعيد التأثير بالرأي العام؟

يجدر بداية أخذ سياق هذه التغريدات التي اعتبرها غرينبلات جهداً دبلوماسيّاً من قبله، غرينبلات ليس الوحيد في استخدام تويتر لأغراض “دبلوماسية” أو بشكل أدق دعائية. فالرئيس ترامب ومنذ ترشحه للرئاسة الأميركية، استخدم تويتر كأداته الرئيسية للاتصال بالناخبين وإدخال رسائله الحيز العام، وكان ذلك ضمن حملة شنها لتقويض أهمية الإعلام الرصين كمرجع أساسي ومهم للأخبار ولشن الحملات الانتخابية، وكذلك للتحكم في خطابه. فقد عمل ترامب وإدارته على استبدال الإعلام الرصين بتويتر- “تحييد الصحافة الرصينة ونشر رسائل تختزل الوقائع وتعريها من أي سياق يساعد على فهمها” (عشراوي)، ما يسعفه في التخلص من الأسئلة التي لا يرغب بالإجابة عنها.

الأخبار المستقاة من التغريدات تزداد في الصحف الأميركية والإسرائيلية

في السياق الموازي، فإن هذه السجالات تأتي عقب قرار الولايات المتحدة إغلاق ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية، في وقت سابق، والكشف عن سلسلة قرارات أظهرت انحياز الإدارة الأميركية الكامل للجانب الإسرائيلي، وفي جو من التقارب الخليجي الأميركي والخليجي الإسرائيلي، والتمدد الإسرائيلي في المنطقة العربية، وإمعان الولايات المتحدة في إضعاف القيادة الفلسطينية وازدراء الفلسطينيين واستخدام الإرهاب بشكل متزايد عند ذكرهم، وازدياد الحساسية وحدّة الجدل حول ما يعتبر لاسامية والإمعان في توسيع المصطلح وتعميم هذا التوسيع وتجريمه قانونيّاً.

قصور وهرب وتضليل

يبدو غرينبلات في هذه التغريدات منهمكاً في التعويض عن قصور الدبلوماسية الأميركية في نيل ثقة الفلسطينيين -وإشراكهم في خطة السلام أو حتى إطلاعهم عليها- بالتغريد على تويتر، ومن جهة أخرى، يبدو التغريد المستمر طريقة لتجنب الحديث مع الصحافة العالمية، وذلك كي لا يضطر للرد عن الأسئلة أو يسمح للصحفيين بتفسير أو وضع سياق للرسائل التي يرغب بتوجيهها، ويبدو غرينبلات في استخدامه السياسي لتويتر متتبعاً لخطى الرئيس ترامب الذي سعى منذ حملته الانتخابية إلى الاستعاضة عن  الصحافة الرصينة بتويتر، حيث يتحدث بشكل مباشر مع متابعيه ويتجنب أن يتم تفسير تغريداته بشكل لا يرضيه أو أن يتم “تنظيفها” أو تقديمها بشكل لا يحبه الرئيس، فتويتر يعطيه مجالاً أكبر لإرسال الرسائل التي يريد ويتجنب تدخل الصحفيين في رسائله.

على المستوى العملي، إن الاستخدام السياسي لتويتر للهيمنة على المجال العام، والتحكم بأجندة الحوار وحصرها فيما يريدون الحديث عنه؛ عوضاً عن فتح باب الحوار عبر القنوات الإعلامية، هي إحدى الخطوات التي يتبعها مضلّلو الإعلام بحسب وصف دانا بويد، مؤسسة مركز التكنولوجيا والمجتمع في نيويورك، فعمل المضللين يرتكز على ثلاث إستراتيجيات، أولاً، تصميم المشهد واستخدام الإعلام الاجتماعي لحشد التغطية الإعلامية، والعمل على ابتكار استخدام مفردات في توصيف العرض/ المشهدية للوصول لجمهور أكبر عبر محركات البحث، ومن ثم اتخاذ وضعية الشهيد، حيث يصبح المضلل “شهيداً إلكترونيّاً” لتعظيم رواج أفكاره وتوسيع محيط التطرف (2018 أكتوبر 30).

وهذه هي مدرسة إدارة ترامب والقادة السلطويين الجدد في افتعال فوضى تويتر ونشر التطرف السياسي، واعادة احتلال المجال العام وشحنه. الهيمنة بلغة تويتر تعني بالضرورة التفاعل مع التغريدات ووصولها للشرائح المرغوبة عبر شعبوية الخطاب وتطرفه، وعبر الإعلان عن أفكار عامة ومواقف فضفاضة مثل “سياسة الأبواب المفتوحة” للفلسطينيين، في الوقت الذي قامت به الإدارة بإغلاق ممثّليتهم في واشنطن، ودعم حقوق الفلسطينيين، لكن فقط عندما يكون المعتدى عليها السلطة الوطنية أو “حماس”، والمبالغة في اللعب على الرّهاب من معاداة السامية وتضخيمه، وتضخيم أي تهديدات تتعلق بأمن اسرائيل.

واستخدام تويتر من قبل إدارة ترامب المنحازة ضد الفلسطينيين أبعد ما يكون عن الدبلوماسية وأقرب إلى البروباغندا أو الدعاية والترويج السياسي لأجندة معينة، واستخدام التكرار لحشد المجال العام بعدد من العبارات التي يتم ترديدها ليس بغرض الحوار، وإنما بغرض التأثير في أوسع شريحة ممكنة، بعيداً عن أصول الحوار والاستماع.

توصيف الحملة التي يقوم بها ممثل الرئيس الأميركي على تويتر بالدبلوماسية التويترية هو توصيف غير دقيق، فمتابعة الحملة منذ مطلع العام والاتجاه العام للتغريدات، تشير بوضوح إلى أن الحملة موجهة للإسرائيليين والشركاء الأقوى في اللعبة، فمعظم الإشارات الثقافية، التاريخية والسياسية، في التغريدات المنشورة، فيها تمجيد للرواية الصهيونية المتطرفة وتعاطف عميق معها مقابل إدانة لكل ما يقوم به الشعب الفلسطيني وتشكيك في نوايا الشعب والقيادة وإدانة الفلسطينيين بغض النظر عن الحدث.

كيفية الرد

كيف يتوجب على الفلسطينيين الرد على تلك التغريدات؟ ربما أفضل طريقة هي عبر الردود الهادئة والمتزنة، والأهم من ذلك أن يتفق الفلسطينيون ومناصروهم على عدد من الرسائل الرئيسية التي ينبغي أن يستمروا في طرحها ضمن أي نقاش سبراني. وهذا ما يبدو أنه يقوم به عدد من الشخصيات الفلسطينية والناشطين على الإنترنت. ومن هذه الرسائل التركيز على الانحياز الأميركي الرسمي، على سبيل المثال، حنان عشراوي، ويوسف منير (محامٍ فلسطيني أميركي)، وعدد من الصحفيين والناشطين الذين يستجيبون باستخدام عدد من الرسائل التي تتعلق بالاحتلال الإسرائيلي والعنف ضد الفلسطينيين. إن التركيز على المطالب المشروعة للفلسطينيين ووضع أجندتهم الخاصة للتعامل مع الرأي العام أساسي بدل التشتت في دائرة رد الفعل.

إنه من المجدي كذلك، ومن المفيد، رصد الحسابات المضادة، والرد على المعلومات الخاطئة أو التناقضات، وليس الدخول في سجالات لا تغير من مسار الأحداث أو الفهم العام لها.

من المهم فهم أن القيمة الإخبارية لهذه المساجلات تزيد إن تواجد رد فلسطيني عليها، وتجعل فرصة تصديق المتابعين أنها نوع من المفاوضات، أكبر. يجب أن يكون الرد على هذه الرسائل محدوداً ومحسوباً، لعدم إعطائها شرعية الوجود الفلسطيني.

مصادر

– P. Boczkowski, & Z. Papacharissi, (eds.) Trump and the Media  (Cambridge, MA: MIT Press, 2018).

– R. Eglash, Palestinians Refuse to Meet with Trump’s Adviser, So he’s Tweeting Them. The Washington Post, 3 February 2019.

 

للتحميل اضغط هنا