
- عن المركز
- دراسات وأبحاث
- متابعات
- مراجعات
- إصدارات المركز
- وثائق
- مركز الإعلام
- مؤتمرات
مقدمة
يأتي وقف إطلاق النار في لبنان، الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الثلاثاء (26 تشرين الثاني/نوفمبر 2024)، في ظل التوتر الإقليمي، إذ باتت الحرب على غزة منذ أكتوبر 2023 جزءًا من صراع إقليمي أوسع في المنطقة. في هذا السياق، يشكّل وقف إطلاق النار في لبنان تطورًا مهمًا تتعدد انعكاساته على الأوضاع في غزة. ومع ترحيب العالم بوقف إطلاق النار “الهش” بين إسرائيل ولبنان، إلا أن تحقيق اتفاق مماثل في قطاع غزة يبدو بعيد المنال في المرحلة الآنية في قطاع غزة، بسبب تعقيدات سياسية كبيرة.
أولاً: الأثر العسكري المباشر
نجاح وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان يهدف الى تخفيف الضغط العسكري على إسرائيل، ومنحها فرصة لإعادة تركيز جهودها ومواردها على غزة. وتشير معظم التقديرات إلى أن الهدف من إنهاء الحرب الإسرائيلية في لبنان هدفه تحقيق فصل تام بين الجبهة الشمالية وما يحدث في قطاع غزة، وهو ما وقع بالفعل في ضوء الالتزامات التي وقع عليها لبنان. ومع إنهاء التوتر على جبهة الشمال، بات بإمكان المستوطنين العودة إلى منازلهم، بعد أن غادروها بفعل ضربات حزب الله، إذ أن استراتيجية حزب الله في الحرب كان هدفها منع عودة سكان شمال إسرائيل إلى حين إنتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
يشكل انخراط حزب الله أو أي فصائل لبنانية في مواجهات مع إسرائيل تهديدًا متعدد الجبهات، ويعتبر وقف إطلاق النار مع لبنان فرصة لإسرائيل لإعادة تنظيم خططها وحصر المواجهة في غزة. هذا التطور يثير التساؤل حول قدرة إسرائيل على مواصلة هذا الخيار الحربي في ظل الحاجة المستمرة الى إمدادات السلاح من الولايات المتحدة وحلفائها. علاوة على ذلك، فإن إسرائيل تجد نفسها مجبرة على توقيع هذا الاتفاق، كما يشرح ديفيد خلفا، لعدة اعتبارات منها إرهاق الجنود وأهمية الجبهة الجنوبية مع عامل سياسي محوري مرتبط بنتائج الانتخابات الأميركية. تخشى إسرائيل من تكرار سيناريو إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن المنتهية ولايتها على غرار إدارة سلفها باراك أوباما التي سمحت بتمرير القرار 2334 الملزم في مجلس الأمن، وهو قرار يدين الاستيطان في الضفة الغربية. هذا التخوف يلعب دوراً محورياً في حسابات صناع القرار الإسرائيلي،ويُناقش على أعلى المستويات.
ورغم أن هذه الحرب مع لبنان تنتهي بموجب اتفاق هش، إلا أن إسرائيل تجد نفسها عالقة في ما يسمى “عملية غير مكتملة” في غزة، وفقاً للواء احتياط إيتان بن إلياهو، القائد السابق لسلاح الجو الإسرائيلي (موقع القناة 12 الإسرائيلية، 21/9/2024)، فلا تزال الحكومة الاسرئايلية عاجزة عن تحقيق أهدافها المعلنة بإنهاء حكم حماس واستعادة المخطوفين، ما يزيد المشهد تعقيدا.
ثانيًا: الأثر السياسي
يرى البعض أن وقف إطلاق النار في لبنان قد يزيد الضغوط الدولية على إسرائيل بشأن عملياتها في غزة. إذ يمكن اعتبار تهدئة الجبهة اللبنانية فرصة للدبلوماسية الدولية للتركيز على تحقيق وقف إطلاق نار شامل في القطاع. ما قد يُعزز الجهود لتهدئة الأوضاع الإنسانية المتدهورة في غزة، ورغم أن الاتفاق مع لبنان يُنظر إليه كخطوة إيجابية ساهمت في تهدئة التوترات على الحدود الشمالية، إلا أنه أثار انتقادات عديدة بسبب غياب إرادة سياسية مماثلة لإنهاء الحرب المستمرة في غزة.
في هذا السياق، كتب المحلل السياسي يوسي فيرتر في صحيفة هآرتس مقالًا انتقد فيه بشدة تناقض مواقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في إدارة الحربين. وأشار فيرتر إلى أن نتنياهو أبدى استعدادًا سريعًا لإنهاء التصعيد في لبنان عبر اتفاق وصفه بـ”الهش”، لكنه يظهر عنادًا في مواصلة القتال في غزة، متجاهلًا التكاليف البشرية والمادية للحرب.
ورغم من الضغوط المتزايده المطالبة بوقف الحرب أو على الأقل إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، إلا أن احتمالية التوصل إلى وقف إطلاق نار شامل في غزة لا تزال تواجه تحديات كبيرة. إذ يتمسك نتنياهو بموقفه الرافض لتقديم أي تنازلات، ذلك أن تخطيطه للحرب يخضع لحسابات سياسية معقدة أكثر من كونها عسكرية بحتة، ما يجعل تحقيق تهدئة شاملة ومستدامة في غزة أمرًا بعيد المنال في الوقت الراهن.
ثالثًا: : الانعكاسات الميدانية على غزة
مع توقيع وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، يعود تركيز العمليات العسكرية مجددا بشكل أساسي على غزة، هذا الروتين الدموي لم يتوقف منذ أكثر من 423 يوم من الحرب على غزة، وهي الحرب التي أعلن أن أحد أهم أهدافها الرئيسية القضاء على حركة حماس، استهدفت في معظمها المدنيين الذين وُصفوا بأنهم “أضرار جانبية”. وحتى اليوم ، تستمر الحرب في قتل عشرات الغزيين يوميا، مع كامل للآلة العسكرية الإسرائيلية مرة أخرى على القطاع.
في هذا السياق يغدو توقيع إتفاق وقف إطلاق النار مع غزة وإنهاء معاناة سكانها بعيد المنال. يأتي ذلك رغم إعلان حركة حماس استعدادها للتعاون مع أي مبادرات تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار في قطاع غزة .
خامسًا: الخلاصة والتوصيات