
- عن المركز
- دراسات وأبحاث
- متابعات
- مراجعات
- إصدارات المركز
- وثائق
- مركز الإعلام
- مؤتمرات
د. حسين أبو شنب[*]
في يوم الأربعاء الموافق 28/5/2014، تكون منظمة التحرير الفلسطينية قد طّبقت خمسين عاماً منذ نشأت عن المجلس الوطني الأول الذي انعقد في القدس، وسط جدل واسع عن الدوافع والإمكانيات والتحديات، وما يزال هذا الجدل قائماً حتى اليوم، وحتى اكتمال الهدف المنشود في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وبخاصة بعد الاعتراف الدولي الساحق (138) دولة ما يجعلها بحق الدولة رقم (194) في 29/11/2012 أي في يوم القرار الدولي رقم (181) القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين، إحداهما عربية هي دولة فلسطين والثانية دولة "إسرائيل" وليس بالقطع الدولة اليهودية التي رفضها الرئيس الأمريكي "ترومان" وشطب بقلمه ما عرضه الوفد الصهيوني ورفضه العالم كله، وهو الأمر نفسه الذي يحاول "نتنياهو" إحياءه تنفيذاً للمخطط الصهيوني الحالم بالدولة اليهودية العالمية.
هذه المراجعة تجيب عن عدد من التساؤلات نستقيها من واقع المعالجة الميدانية والفكرية والإعلامية ومن هذه الأسئلة:
أولاً: منظمة التحرير الفلسطينية:
جاء في المادة (26) من الميثاق الوطني "منظمة التحرير الفلسطينية، الممثلة لقوى الثورة الفلسطينية، مسؤولة عن حركة الشعب العربي الفلسطيني في نضاله من أجل استرداد وطنه وتحريره، والعودة إليه، وممارسة حق تقرير مصيره في جميع الميادين العسكرية والسياسية والمالية، وسائر ما تتطلبه قضية فلسطين على الصيعدين العربي والدولي".
وجاء في المادة الخامسة من الميثاق الوطني الفلسطيني تعريف الشعب الفلسطيني بأنه "المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى عام 1947، سواء من أُخرج منها أو بقي فيها، وكل من وُلد لأب عربي فلسطيني بعد هذا التاريخ داخل فلسطين أو خارجها هو فلسطيني".
وفي أعقاب اجتماع اللجنة التنفيذية للمنظمة في رام الله بتاريخ 23/3/2006 دافع الرئيس محمود عباس عن منظمة التحرير الفلسطينية بقوله: "لا أحد يستطيع رفض منظمة التحرير الفلسطينية فهي المرجع الرسمي للشعب الفلسطيني، وعنها انبثقت السلطة الوطنية وهو ما اتفقت عليه الأمة العربية بالإجماع في اجتماعها في الرباط عام 1974، باعتبار المنظمة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهو ما أكد عليه بيان الحكومة العاشرة برئاسة الأخ/ إسماعيل هنية بقوله: "إن الحكومة العاشرة ستتعامل مع الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، بمسؤولية وطنية عالية، وبما يخدم مصالح شعبنا وحقوقه الثابتة، وسنعمل معا للحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الإطار المجّسد لآمال شعبنا وتضحياته لنيل حقوقه، والتي تشكل عنوانا نضالياً تراكمياً نعتز به، ونسعى إلى تطويره عبر التشاور والحوار".
ودعا بيان الحكومة العاشرة الفصائل كلها، والقوى الفلسطينية الفاعلة إلى إعادة بناء المنظمة على أسس ديموقراطية سليمة تحقق الشراكة السياسية باعتبارها المظلة الكبيرة التي يستظل بها كل الفلسطينيين في الداخل والخارج، وفي ذلك نفي قاطع لما كان قبل بيان الحكومة العاشرة من أقاويل وتأويل، فالجميع يتفق على أن منظمة التحرير هي الإطار الأوسع، فإنها تحتاج إلى العمل الجاد من أجل الإصلاح والتطوير والتغيير والتحديث وفق آليات جديدة تتفق مع التطوارت السياسية والتكنولوجية.
استطاعت منظمة التحرير الفلسطينية عبر سنواتها الخمسين أن تبني قواعد الدولة الفلسطينية، داخل الوطن وخارجه، وأصبحت هذه المنظمة الإطار الأوسع الذي يجمع كل الاتجاهات والإيديولوجيات، تنظيمات وأحزاباً، وتجمعات، وأعطى هذا الواقع قوة للفلسطينيين في الأرض المحتلة وفي الشتات وكل المواقع، فلم يعد الفلسطيني نكرة أو هامشياً، أو منبوذاً، بل أصبح الفلسطيني عنوان العزة والكرامة العربية، وهو الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه، وهو الشعب الذي وقف العالم تحية لقائده المرحوم ياسر عرفات "أبو عمار" وهو يعتلي منصة الأمم المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1974 ليلقي خطابه التاريخي بقوة وشجاعة بقوله "جئت إليكم أحمل غصن الزيتون بيد والبندقية باليد الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي"، ويذكر العالم بأن "السلم يبدأ من فلسطين، والحرب تندلع من فلسطين".
وتؤكد وثيقة الاستقلال المستندة إلى الحق التاريخي والطبيعي والقانوني للشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين، وانطلاقاً من قرارات القمم العربية، ومن قوة الشرعية الدولية، وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير، والاستقلال الوطني والسيادة، أن دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا، وهي جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، وملتزمة بمبادئ الأمم المتحدة وأهدافها وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومبادئ عدم الانحياز.
تلك إذن منظمة التحرير الفلسطينية، الدولة المعنوية للشعب الفلسطيني وإطاره الأوسع وعنوان صموده وتحدياته وهي دعامة الدولة وعاصمتها القدس، والتي قال عنها القائد المؤسس أبو عمار: "لا يكتمل حلمي إلا بك يا قدس".
ثانياً: دوافع إنشاء منظمة التحرير
شكل وعد بلفور في الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1917 وعياً عالياً لدى الشعب الفلسطيني منذ أدرك الجميع حجم اللعبة وحجم المؤامرة وبخاصة أن حكومة الانتداب قد سمحت بعودة الصحف التي توقفت عام 1914 وحتى عام 1919 وهي فترة الحرب العالمية الأولى، واتسمت المرحلة من عام 1919 إلى عام 1948 بالامتزاج الصحافي العربي والوحدة الفكرية العربية (أحمد خليل العقاد، الصحافة العربية في فلسطين).
أدى انتشار الصحافة إلى انتشار الوعي الحزبي بالاتجاهات والانتماءات السياسية والإيديولوجية المختلفة، كما ساهمت إذاعة "هنا القدس" عام 1936، بقيادة الشاعر الكبير إبراهيم طوقان في تعميق الوعي الوطني والقومي فبدأت محاولات بلورة صيغة النظام السياسي الفلسطيني، وأحس العرب بأهمية الاندماج مع الشعب الفلسطيني في إطار مواجهة تحديات السياسة البريطانية والهجرة اليهودية.
في هذه الأثناء بدأت مشاورات تكوين الجامعة العربية، والإحساس بالحاجة الماسة للتمثيل الفلسطيني فانتدبت الأحزاب "موسى العلمي" لتمثيل فلسطين مؤقتاً في هذه المشاورات لتكوين الجامعة العربية، بينما كانت الأهواء العربية غير متوافقة على ذلك مما زاد من التدخلات الحزبية الفلسطينية، وانقسمت القوى الفلسطينية إلى جبهتين حسب (خيرية قاسمية – أوراق شخصية، مركز الأبحاث) كانت الأولى "اللجنة العربية العليا" ويمثلها في ذلك الوقت جمال الحسيني في غياب المفتي الحاج محمد أمين الحسيني، والثانية هي الجبهة العربية المكونة من خمسة أحزاب والمستقلين وأبرزهم أحمد حلمي باشا عبد الباقي، وهو ما دعا أمين عام الجامعة العربية "عبد الرحمن عزام" إلى دعوة الفريقين لحضور اجتماع مجلس الجامعة العربية في بلودان في حزيران (يونيو) عام 1946، وفي ضوء ذلك تشكلت الهيئة العربية العليا لفلسطين، برئاسة الحاج أمين الحسيني العائد من منفاه في أوروبا وجمال الحسيني وإميل الغوري، وأحمد حلمي باشا والدكتور/ حسين الخالدي.
عملت الهيئة العربية العليا على تجسيد الكيان الفلسطيني واتخذت مقرا لها في القاهرة وأنشأت لها مكاتب في القدس ودمشق وبيروت وبغداد ولندن وباريس ونيويورك، وألّفت على الفور لجاناً مختلفة، لجنة الشؤون السياسية، ولجنة الدفاع الوطني، ولجنة الاقتصاد الوطني، وصندوق إنقاذ أراضي فلسطين، ولجنة للتعليم والاسعاف والإصلاح والمساعدة والتنشيط والدعاية والنشر، وذلك على طريق قيام دولة فلسطينية مستقلة مسؤولة أمام جمعية تأسيسية، وزادت هذه الأعمال إصراراً عندما أعلنت بريطانيا نيتها التخلي عن الانتداب تمهيداً للتقسيم بعد تحويل القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة التي اعترفت بالهيئة العربية العليا ممثلاً لفلسطين.
في 29/11/1947 قدم ممثل الهيئة العربيا العليا رجائي الحسيني رؤية الهيئة للدولة الفلسطينية وحكومتها أمام المجتمع الدولي، وتتلخص في إقامة دولة عربية على عموم فلسطين على أسس ديموقراطية تحترم جميع الأقليات وتضمن حرية العبادة، وحقوق الانسان والحريات الأساسية والمساواة بين الجميع أمام القانون، غير أن عدداً من الدول العربية لم توافق على هذه المساعي والأفكار وتكاثرت الطروحات الداعية إلى إدارة قومية أو إدارة مدنية أو حكومة فلسطينية وتقدمت الهيئة العربية العليا بذلك إلى مجلس الجامعة العربية المنعقد في تشرين الأول (أكتوبر) عام 1947 في "عاليه بلبنان" ولم يجد هذا المطلب الوطني الفلسطيني موافقة عربية رغم المحاولات الكثيرة وبالرغم من صدور قرار التقسيم في 29/11/1947، وهو ما دعا الهيئة العربية العليا إلى إعادة طرح مطلبها على الجامعة العربية في شباط (فبراير) عام 1948 لإقامة نظام مؤقت للبلاد باسم الإدارة الفلسطينية العامة، ويتم إعلان فلسطين دولة مستقلة في 15/5/1948 ومع ذلك فإن الجامعة العربية رفضت هذا المطلب وظل مكان دولة فلسطين شاغراً في مقابل قيام الدولة الإسرائيلية، في الوقت الذي كانت الجيوش العربية عاجزة عن تحقيق شيء في مواجهة تقدم العصابات الصهيونية المدعومة من الدولة البريطانية وهو ما وضع الجيوش العربية في مأزق كبير وأمام تساؤلات عديدة انعكست بعد ذلك على الضباط الأحرار الذين قاموا بثورة 23/7/1952 بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر الذي جعل من فلسطين قضيتة الأولى والأكثر أهمية في الأجندة العربية.
في 23/9/1948 انعقد المؤتمر الوطني للهيئة العربية العليا لفلسطين بالتفاهم مع الأمين العام للجامعة العربية وبدعم مباشر من حكومات مصر وسوريا والعربية السعودية، لإنشاء حكومة عموم فلسطين برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي، وكان صدور الإعلان من قطاع غزة بصفته أرضاً فلسطينية، وجاء في الإعلان تشكيل حكومة عموم فلسطين التي قدمت برنامج عمل يتضمن ما يلي حسب (عارف العارف في كتابه النكبة الجزء الثالث):
بصرف النظر عن فاعلية حكومة عموم فلسطين فإن الحركة الوطنية الفلسطينية ظلت في حركة دائبة، نحو تطوير هذه الحكومة وتفعيل دورها ومن أبرز الشخصيات التي نادت بذلك "محمد عزة دروزة" الذي قدم مقترحاً مهماً في حزيران (يونيو) عام 1959 قدمه إلى الجامعة العربية والرئيسين جمال عبد الناصر وشكري القوتلي كما ورد في كتابه (في سبيل قضية فلسطين والوحدة العربية من 1948-1972 وينص المقترح على ما يلي:
ظلت حكومة عموم فلسطين تعمل من القاهرة بالإمكانيات المحدودة وبخاصة بعد أن أصبحت الحاجة ماسّة إلى تمثيل حقيقي لفلسطين في ضوء حالة الانقسام العربي وتعدد النشاط الحزبي القومي الذي يرى في فلسطين قضية قومية وشأناً عربياً خالصاً، ينضوي أهل فلسطين في إطاره، واعتبار الحركة الفلسطينية شأناً قطرياً لا يحقق تحرير فلسطين، كما تزايد النشاط الإسلامي الذي يرى في فلسطين قضية إسلامية مفتوحة الأجل لحين اكتمال الرؤية الإسلامية النظرية التي تؤسس للعمل الجهادي، كما انتشرت الثقافة اليسارية الداعية إلى الأممية التي ترى في فلسطين قضية أممية من شأنها التأليف بين أصحاب هذه الثقافة بصرف النظر عن الجنسية والعرق.
في هذه الأثناء بدأت تتشكل أنوية العمل الوطني الفلسطيني والدعوات الجادة للعمل الفدائي المسلح. ساعد على إبراز حالة الاشتباك المسلح على الحدود في قطاع غزة في إطار إدارة الحاكم العسكري المصري المشرف على قطاع غزة وهو ما استدعى تشكيلات العمل الفدائي بقيادة الضابط المصري الشهيد مصطفى حافظ، والذي أسهم في تعميق الوعي الوطني بضرورة التشكيلات العسكرية التي عبرت عنها بالنشرات الصحافية العسكرية مثل نشرة الثأر ونشرة فلسطيننا نداء الحياة، الأولى عام 1952، والثانية عام 1959 وهو ما زاد من الحركة الشعبية المتعطشة للثورة، بعد ما خاب أمل الفلسطينيين من العودة السريعة الموعودة، والتي تناقلها المواطنون عبر دواوينهم وتجمعاتهم ومدارسهم ومفاهيمهم وأنديتهم.
زاد من ذلك حجم الصلف الصهيوني في مواجهة الحركة العربية الناشطة نحو الوحدة العربية وبخاصة بعد الثورات العربية الأهم، المصرية والعراقية والسورية، وإعلان الوحدة بين القطرين الشمالي (سوريا) والجنوبي (مصر) وتشكيل حلف بغداد المعادي للأمة العربية، مما جعل الدولة الإسرائيلية تستغل ذلك للمطالبة بتحويل مياه نهر الأردن.
أواخر عام 1962 غادر أحمد حلمي باشا القاهرة إلى لبنان حتى توفاه الله في 29/6/1963 حيث نعاه الأمين العام لجامعة الدول العربية محمد عبد الخالق حسونة في دورة الانعقاد الأربعين لمجلس الجامعة، وهو ما دعا إلى التفكير الجاد في شخصية جديدة لتمثيل فلسطين في الجامعة العربية وكان أبرز المرشحين، أحمد الشقيري، وإميل الغوري واسحاق درويش بتزكية من الهيئة العربية العليا لفلسطين، وكان الاختيار للأستاذ أحمد الشقيري في 19/9/1963 في الدورة الأربعين لمجلس الجامعة العربية فكان ذلك تأسيساً لمرحلة جديدة من رحلة التمثيل الفلسطيني في المحافل العربية والدولية.
ثالثاً: المحطات الأساسية لمنظمة التحرير:
بعد حالة المخاض المتعسّرة الممتدة من وعد بلفور عام 1917 وحتى النكبة عام 1948، والتي أنتجت في النهاية عنوانا للكيان الفلسطيني هو "حكومة عموم فلسطين" التي ولدت ميتة فلا حول لها ولا قوة، ولكنها بالرغم من ذلك قللت من حجم التباينات العربية والتدخلات العربية، والاختلافات الحزبية الفلسطينية وسجلت في المواثيق الدولية في الأمم المتحدة حضوراً فلسطينياً، كما أوجدت مقعداً لفلسطين في جامعة الدول العربية المرتبكة منذ تأسيسها وحتى اليوم إزاء القضية الفلسطينية والتي بلغت أوجها في التحديات الإسرائيلية المتواصلة السياسية والعسكرية والمشاريع العدوانية وأبرزها تحويل مياه نهر الأردن، بالإضافة إلى سلسلة العدوانات العسكرية على قطاع غزة وبخاصة بعد التشكيلات الفدائية التي زلزلت كيان العدو وأوجدت حالة جديدة تنبئ عن حركة وطنية فلسطينية ميدانية، وكان فارس هذه الحالة الرائد المصري الشهيد "مصطفى حافظ" وكان العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة وهو الذي أربك القيادات العربية ودون استثناء فكان لا بد من وضع فلسطيني جديد في مواجهة العدوان وعلى طريق التحرير الذي أصبح مطلباً شعبياً عارماً في كل أنحاء فلسطين وبخاصة في قطاع غزة الذي التهبت مشاعر أبنائه وتشكلت أنوية الحركة الوطنية الفلسطينية باتجاهاتها الفكرية المتعددة، القومية واليسارية والإسلامية والوطنية الفلسطينية، بالإضافة إلى حالة الوعي الأدبي والثقافي والإعلامي فكانت نشرة الثأر لحركة القوميين العرب، وفلسطيننا نداء الحياة لصوت العاصفة (حركة فتح)، وغير ذلك من المنشورات والبيانات الحزبية المختلفة مما أوجد رؤية عربية لكيان فلسطيني هو بعد ذلك منظمة التحرير الفلسطينية التي مرت بعدد من المراحل لكل مرحلة سماتها وخصائصها ونلخصها على النحو التالي:
انتهى المخاض الفلسطيني والعربي باختيار السيد/ أحمد الشقيري ممثلاً لفلسطين في جامعة الدول العربية والذي عمل على الاتصال بقطاعات الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية ومواقع الشتات والتواجد الفلسطيني، وكانت السمة الأساسية المحركة لهذه الاتصالات سمة العائلية والشخصيات التقليدية التي مارست النضال السياسي في إطار الكيانات العربية المحيطة وبخاصة الأردن ومصر وسوريا ولبنان فكان مؤتمر المجلس الوطني الأول الذي انعقد في القدس في 28/5/1964 الذي انتخب قيادة وطنية فلسطينية برئاسة أحمد الشقيري والتي رفعت شعارها "وحدة وطنية، تعئبة قومية، تحرير" واستمرت هذه المرحلة التي شهدت حرب النكسة في 5/6/1967 وانعكست سلباً على الحالة الفلسطينية، وانتهت باستقالة أحمد الشقيري في 24/2/1967 وتمتاز هذه المرحلة بإنشاء قواعد المنظمة، والجيش، والاتحادات الشعبية، والصندوق القومي، والمؤسسات الإعلامية، الصحافية والإذاعية مثل صحيفة أخبار فلسطين وإذاعة صوت فلسطين – صوت منظمة التحرير الفلسطينية، واتسمت ببناء علاقات واسعة مع قطاعات الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وكان للمنظمة تأثير واسع بين الجماهير خلخل الأنظمة العربية التي رأت في المنظمة بديلاً وفي غير الأوان المناسب.
شهدت هذه المرحلة تدخلات عربية واسعة مع عدد من الشخصيات الوطنية الفاعلة أبرزها المحامي يحيى حمودة، ونمر المصري وعبد الخالق يغمور وبهجت أبو غربية، بالإضافة إلى اللقاء المهم الذي استقبل فيه الرئيس جمال عبد الناصر بوساطة الأستاذ محمد حسنين هيكل وفداً من حركة فتح برئاسة ياسر عرفات وعضوية كل من صلاح خلف "أبو اياد" وخالد الحسن وفاروق قدومي، وكان الهدف من اللقاء دعم البندقية الفلسطينية والعمليات الفدائية ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي سيطر على الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء، والجولان وأجزاء من لبنان، وهو ما ساعد على اتساع الفجوة بين منظمة التحرير والمملكة الأردنية الهاشمية، واتسعت دائرة الاتصال مع لبنان وسوريا وهذا بدوره أوجد قواعد مهمة للعمل الفدائي الذي يعزز دور التنظيمات الفلسطينية المسلحة، ولعل أبرز المواقف السياسية لهذه المرحلة ما صرح به يحيى حمودة لصحيفة النهار البيروتية في 21/1/1968 في الدعوة إلى الوحدة الوطنية ووحدة المنظمات الفلسطينية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية في مواجهة العدو والاستعمار، ومؤكداً على أن للقضية الفلسطينية وجهين، الأول أنها قضية فلسطينية يكون الشعب الفلسطيني في طليعة النضال والثاني أنها قضية عربية باعتبار فلسطين جزءاً من الوطن العربي وليست قضية قطرية. (سميح حمودة، شؤون فلسطينية – خريف 2013).
هذه المرحلة الانتقالية بوجه عام مرحلة يغلب عليها البطء وعدم الحركة والتفكير الواسع في إعادة هيكلة المنظمة إلا أن معركة الكرامة في 21/3/1968 جذبت الانظار إلى المقاومة والتلاحم بين الجيش الأردني والمقاتلين الفلسطينيين من كل التنظيمات بقيادة حركة فتح وهو المطلوب لمرحلة جديدة للمنظمة.
السمة الأبرز لهذه المرحلة التي بدأت مع الدورة الخامسة للمجلس الوطني الفلسطيني (شباط (فبراير) 1969) أنها شهدت تقدماً ملحوظاً للتنظيمات الفلسطينية بقيادة حركة فتح وتحالفها مع الجبهة الشعبية وبقية الفصائل التي انتخبت ياسر عرفات رئيساً للجنة التنفيذية للمنظمة وقائداً عاماً لقوات الثورة الفسطينية وقد غلب على هذه المرحلة مسمى الثورة الفلسطينية على حساب منظمة التحرير الفلسطينية، واستطاعت الثورة الفلسطينية في هذه المرحلة أن تحقق إنجازات ملحوظة أبرزها قرار القمة العربية في الرباط باعتبار المنظمة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفسطيني، وخطاب الرئيس ياسر عرفات في الأمم المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1974، والاعترافات الدولية المتوالية بمنظمة التحرير والإنجازات الفكرية والثقافية والإعلامية مثل الإعلام الموحد، ومركز الأبحاث، ومركز التخطيط، والمؤسسات الإعلامية، والصحافية، والإذاعية، والسينما والمسرح والفنون الشعبية، وانطلاق الإعلام الخارجي وفق الساحات المهمة شرقاً وغرباً، والتدفق الشعبي الوطني الفلسطيني والعربي، والأنصار من بلاد العالم المؤيدين للقضية الفلسطينية والتحالف المهم مع القوى الوطنية اللبنانية التي سجلت أروع تحالف وطني مع قوى الثورة الفلسطينية، ومن هذه الإنجازات إعلان وثيقة الاستقلال في 15/11/1988 والتي بشرت بالمرحلة القادمة مرحلة الاستقلال فقد زاد عدد الدول التي تعترف بفلسطين ومنظمة التحرير في هذه المرحلة عن ثمانين دولة بينما كان عدد المعترفين بالدولة الإسرائيلية حوالي ستين دولة، فقد غلب على هذه المرحلة تطابق الأقوال مع الأفعال وبخاصة في معارك الجنوب اللبناني، ومواجهة القوات الإسرائيلية عام 1982.
شهدت هذه المرحلة تحديات كبيرة أثرت سلباً على حركة منظمة التحرير بعد خروجها من لبنان إلى المواقع النضالية الجديدة، في الجزائر وتونس وليبيا واليمن وغيرها من المواقع المنتشرة في البلاد العربية والأجنبية بحكم الانتقال المفاجئ الذي أربك المؤسسات السياسية والإعلامية وكان مكتب الإعلام الفلسطيني بالكويت من أهم مراكز الإحياء والمتابعة بحكم الجالية الفلسطينية واسعة التأثير والاستقطاب، وبحكم المساحة الممنوحة لحرية التعبير والرأي بعامة ولفلسطين بخاصة، وهو ما يجب أن يسجل لدولة الكويت في تأييدها لفلسطين ولمنظمة التحرير الفلسطينية وللجالية الفلسطينية بوجه عام.
ومن أبرز سمات هذه المرحلة الانتفاضة المباركة عام (1987)، وانتفاضة الأقصى عام (2000)، وبهما علا صوت منظمة التحرير الفلسطينية، وصوت أهلنا في الأرض المحتلة، واهتزت صورة الاحتلال الإسرائيلي، وانفتحت الآفاق أمام الحركة السياسية الفلسطينية، والحركة الإعلامية لإنضاج فلسفة ورؤية وطنية، صلبة ومتحركة وجاذبة، وهي التي أوقفت الكثير من التدخلات العربية والإقليمية لصالح القرار الوطني المستقل الذي حاولت بعض الأنظمة مصادرته أو الالتفاف عليه بالإضافة إلى محاولات الاحتواء من خلال بعض المحاولات غير الناجحة وغير المقبولة.
تأتي هذه المحطة بعد الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي المعروف باتفاق أوسلو، 13/9/1993 وتمتد حتى 11/11/2004 حين وفاة الشهيد ياسر عرفات.
في هذه المرحلة ارتفع صوت المجلس التشريعي وغاب صوت المجلس الوطني بالرغم من تداعي القوى والفصائل إلى المطالبة الدائمة بالاجتماع للتجديد والتفكير والتأمل وتشكلت اللجان المختلفة من أجل الإحياء والعمل من أجل صيغة تعزيز المجلس الوطني وتجديد أعضائه وما يزال صوت المطالبة بالتفعيل والتجديد والإحياء قائماً وبخاصة بعد رحيل القائد المؤسس ياسر عرفات.
تأتي مرحلة السلطة بعد أزمتين بالغتين في التأثير، أزمة الكويت والعراق حين اجتاح الجيش العراقي دولة الكويت أرضاً وشعباً ومقومات، في 22/8/1990 انعكست سلباً على القضية الفلسطينية بعامة والجالية الفلسطينية بوجه خاص وتضررت منظمة التحرير مالياً وسياسياً وتوحدت أقطار مجلس التعاون الخليجي في موقفها من منظمة التحرير والشعب الفلسطيني.
أما الأزمة الثانية فكانت تتعلق بانهيار الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية والذي أدى إلى تراجع الموقف السوفيتي، كما تراجعت دعوات انعقاد المؤتمر الدولي للسلام الذي رفضته الولايات المتحدة فكانت مفاوضات مدريد عام 1991 التي أنتجت اتفاق السلام "أوسلو" عام 1993 بسلبياته وإيجابياته وتأثيراته على الحالة الفلسطينية، وعلاقاتها العربية التي اهتزت كثيراً، وضاقت السبل بالمنظمة وكان لا بد من مغادرة التواجد الفلسطيني الرسمي في تونس والجزائر وليبيا واليمن وغيرها وهي المواقع الحاضنة لقوات الثورة الفلسطينية في أعقاب حرب "الردّة" في طرابلس على أثر حالة الانشقاق المدعومة من بعض الأنظمة العربية.
هذه الحالة ظلت في حالة اختلال مستمرة بعد انتفاضة الأقصى في 28/9/2000 بعد جريمة شارون في اقتحام المسجد الأقصى وتدنيسه، والذي ترتب عليه مواجهات حادة أنتج حالة نضالية أعادت الأضواء إلى الانتفاضة المباركة عام 1987، بالإضافة إلى مبالغة القوات العدوانية في تدمير مقرات السلطة ومرافقها العامة إلى حد تدمير البنية التحتية للسلطة الوطنية التي لم يعد لها كيان وبخاصة بعد الحصار المجرم للرئيس الراحل ياسر عرفات الذي رسم صورة رائعة للصمود والتحدي أذهل البعيد قبل القريب، وانكشفت الأنظمة العربية وهاجت الجماهير العربية تضامناً مع المقاتلين والمجاهد ياسر عرفات حتى توفاه الله في 11/11/2004 فانطلقت الجماهير العربية والفلسطينية في كل مكان في العالم فكان له ثلاث جنازات في باريس والقاهرة ورام الله وهو ما لم يحدث لقائد من قبل.
ترك ياسر عرفات فراغاً سياسياً وجهادياً وإعلامياً، وقد وصفه خليفته محمود عباس بقوله "ليس كمثله مثل" ورثاه العالم، رؤساؤه وقادته وكتابه وشعراؤه.
برحيل القائد المؤسس ازدادت صيحات الإحياء والتجديد والتفعيل وغاب معه رفقاء درب ظلت مواقعهم شاغرة لفترات طويلة وهو ما يدعو إلى العمل وبسرعة لإعادة الحياة لمنظمة التحرير بالقدر الذي يؤهل للمواجهة القادمة مع شريك لا يحترم العهود ولا المواثيق وليس له في أخلاقيات الشراكة موقع يذكر بالخير.
يمكن أن نطلق على هذه المحطة "منظمة التحرير الفلسطينية بعد ياسر عرفات"، وهي المرحلة الأشدّ عصبية وانفعالاً وحيرة وتردداً، فالفراق لم يكن سهلاً ولا متوقعاً، والجميع يلقي بالمسؤولية على القائد، والنظام الداخلي لا يحدد نائباً للرئيس ومن الطبيعي أن يحل محله رئيس المجلس التشريعي الأخ/ روحي فتوح من غير أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، وكان لا بد من الانتخابات ودون تأخير.
الثابت أن الرئيس تختص به حركة فتح منذ تولي الراحل ياسر عرفات عام 1969، وحركة فتح في ذلك الوقت منقسمة وهي تبحث عن الرئيس القادم بالمواصفات الفتحوية والوطنية والميدانية فقد انتقل القرار إلى ساحة الداخل ولم يعد للقائد خارج الوطن تأثير وليس مسموحاً أن يعود القرار إلى خارج الوطن بالرغم من التراجع والانحسار الذي فرضه العدوان الإسرائيلي في سلوكه الهمجي غير المحدود، وكان لا بد من السرعة في اتخاذ القرار قبل أن يحدث الفراغ الدستوري وتنفلت الأمور، فأجمعت اللجنة المركزية لحركة فتح في أرض الوطن على ترشيح الأخ/ أبو مازن وهو الأعلى رتبة في منظمة التحرير الفلسطينية بصفته أمين سر اللجنة التنفيذية والمسؤول الأول عن المفاوضات وبالتالي فهو الأكثر قبولاً والأكثر توافقاً مع الواقع فكانت الانتخابات الرئاسية في 9/5/2005 التي جاءت بالرئيس محمود عباس رئيساً للسلطة الوطنية، ورئيساً للجنة التنفيذية ثم من بعد ذلك رئيساً لحركة فتح في مؤتمرها السادس 4/8/2008.
شهدت هذه المرحلة أكبر التحديات وأطولها وأشدّها قسوة، وعملية التفاوض بعد تدمير البنية التحتية للسلطة وظهور الصراعات الداخلية والتي زادها قسوة فشل حركة فتح في الانتخابات التشريعية الثانية ونجاح حركة حماس فيها وانبهار الآخرين الذين فقدوا الحائط العريض الذي يجمعهم فيما شارون يوالي تحدياته وعدوانه ويّصر على الكانتونات في الضفة بعد الانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة الذي زاد البناء خلخلة وضعفاً، في الوقت الذي يدعو فيه الرئيس الأمريكي إلى حل الدولتين ولذلك كانت رسالة الرئيس المنتخب محمود عباس في 28/5/2005 إلى "شارون" بعنوان "حرر شعبي" يقول فيها نصاً: "إن انتخابي رئيساً يظهر بأن الشعب الفلسطيني يشاركني قناعاتي الراسخة، وأنه على استعداد لتقديم التضحيات المؤلمة الضرورية لجعلها قناعات مثمرة وأن مقاييس رؤيتي للسلام الدائم معروفة جداً، عودة إسرائيل إلى حدود ما قبل سنة 1967، وتقاسم القدس كعاصمة للدولتين، وحل عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ومعاهدة سلام دائم بين دولة إسرائيل وفلسطين اعتماداً على المساواة والمصالح المتبادلة".
وبالرغم من هذه الشفافية في الرؤية والممارسة فقد اختل ميزان العمل الفلسطيني، واختلت العلاقة بين القيادة والجماهير، واسودّت صورة السلطة فيما لا حديث عن منظمة التحرير التي لم تعد شيئاً للتداول، وعندما اعتلت حركة حماس السلطة أصبح الحديث عن أهمية تفعيل منظمة التحرير وإحيائها وإصلاحها وبدأت الحوارات تتوالى عن الحوار الوطني الشامل لكنّ الأمر طال وطالت اللقاءات والحوارات وزاد الأمر أسفاً حالة الانقسام في 14/6/2007 وأصبح البلد بلدين، والدار دارين، وبالرغم من هذه الشدائد وفشل حوارات المصالحة وتزايد التدخلات الإقليمية والأجنبية والتشرذمات الفصائلية، إلا أن خطوة الاعتراف الدولي بفلسطين والحملة الإعلامية والسياسية الفلسطينية والعربية والدول الصديقة، أعادت الثقة إلى منظمة التحرير وأهمية البحث الجاد والصادق للوحدة الوطنية الفلسطينية الهادفة بعيداً عن الاختلاف في الرأي، واقتراباً من الانتصار للقضية وللوطن في مواجهة الصلف الإسرائيلي في الاستيطان وتجاوز كل الحدود والخطوط، ومعاودة العدوان على غزة وبكل الأساليب والإمكانيات والقسوة، وما تزال هذه المرحلة بحاجة إلى مراجعة دقيقة وبحاجة إلى خطوات جريئة، وأن تكون النية صادقة، والإرادة صادقة، والاستقلال الحقيقي بعيداً عن التدخلات، ويزيد الأمر خللاً ما يعرف بثورات الربيع العربي الذي شغل العرب بحالهم الخاصة، وتباعد العرب عن القضية المركزية التي اعتادوا عليها أزماناً طويلة.
هذه المحطات الأساسية لمشوار منظمة التحرير الفلسطينية التي حققت للشعب الفلسطيني وجوداً كان مرفوضاً، وأفسدت محاولات الاحتواء والمصادرة والالتفاف وظل القرار الوطني مستقلاً وإن اختلت أركانه أحياناً، وما تزال الدعوات متوالية تطالب بالتطوير والإحياء والتجديد والإصلاح، وما يزال الصوت عالياً في عصر عنوانه التقنيات وأساليبه المفتوحة بلا حدود وبلا رقابة ولا قيود، وما تزال التحديات كبيرة، نجاحاً ونكوصاً وما يزال الأمل غير منقطع والإمكانية متوفرة والإرداة بحق صادقة وتحتاج إلى أمر التنفيذ، وهو ما يجعلنا نسأل..
رابعاً: التحديات التي واجهت منظمة التحرير الفلسطينية:
في مراجعنا التاريخية ظهر الكثير من المحاولات لطمس فلسطين، أرضاً وتاريخاً منذ ابتلاء فلسطين وأهلها بوعد بلفور عام 1917 الذي أدى إلى انتشار الوعي المضاد فتشكلت الأحزاب الفلسطينية باتجاهاتها المختلفة وارتباطاتها الإقليمية والدولية، فقد برزت ثقافتان مركزيتان، إحداهما ثقافة تركية مرتبطة بالواقع المعيش خلال حكم العثمانيين، ونشأت مقابلها ثقافة بريطانية استقطبت الكثير من المثقفين والمفكرين والشخصيات البارزة وانتشرت بانتشار الانتداب البريطاني وسياساته وبخاصة تقسيمات المنطقة العربية إلى وحدات جغرافية، وحدة المغرب العربي، وحدة مصر والسودان، وحدة الهلال الخصيب، وظهر في هذا السياق الثقافة الداعية إلى سوريا الكبرى (سوريا، لبنان، وفلسطين وشرق الأردن) يقابلها ثقافة (مصر للمصرين) وأبرز المفكرين في هذه الثقافة ما يعرف بأستاذ الأجيال "لطفي السيد".
من التحديات التاريخية انعقاد المؤتمر القومي السوري في دمشق الذي حضره عدد من الأحزاب الفلسطينية عام 1919، وكان أول قرار صدر عن هذا المؤتمر تسميته فلسطين، جنوب سوريا، وانتشر هذا المصطلح تحت غطاء قومي بعيداً عن القطرية لأن فلسطين جزء من سوريا الكبرى، وظل النقاش محتدماً مع نشأة منظمة التحرير عام 1964، وانعكس ذلك بوضوح على المرحلة الانتقالية التي رأسها المرحوم يحيى حمودة مع السادة نمر المصري وعبد الخالق يغمور وبهجت أبو غريبة وغيرهم وهم أقرب إلى التفكير القومي السوري الذي أخرجهم منه المرحوم أحمد الشقيري الذي يرى في فلسطين قضية وتاريخاً ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وانكشف هذا المصطلح بوضوح حين تصدى لذلك المرحوم ياسر عرفات بقوله: (سوريا شمال فلسطين)، غير أن هذا النقاش ظل يحتل مساحة من الزمن، والعمل، أثر تأثيراً مباشراً على مسيرة منظمة التحرير التي رفعت شعارها الثابت على مدار المسيرة (القرار الوطني المستقل) في مواجهة دعوات الجدل البيزنطي غير المفيد حول فلسطين وقضيتها بين القطرية والقومية والأممية، ولذلك أعلنت حركة فتح في أدبياتها المبكرة أنها حركة فلسطينية الوجه عربية العمق عالمية الامتداد والجذور.
في ضوء هذه الخلفية التاريخية عن التحديات التي تواجه فلسطين بعامة وقضيتها بخاصة يمكن أن نتوقف عند عدد من التحديات بإيجاز يكفي لإلقاء الضوء بعيداً عن التفصيلات التي تحتاج إلى دراسات أخرى ومن أهم التحديات:
التحدي الثالث: ظاهرة الانشقاق المتكرر منذ منتصف السبعينات والتي بلغت أوجها في 8/5/1983 والمعروفة بظاهرة "أبو موسى والعملة: والتي اختصت بها حركة فتح التي تقود منظمة التحرير الفلسطينية وقد لاقت هذه الظاهرة الانشقاقية دعماً مباشراً وواسعاً من النظام السوري الذي ساهم في عملية التفكير بالبديل، فكانت جبهة الانقاذ من منشقي حركة فتح، وبعض القوى العاملة في سوريا ولبنان غير أن ذلك لم يكتب له النجاح وانفسخ العقد، وبخاصة بعد انتقال المنشقين بقوات مدعومة إلى مخيماتنا في طرابلس لبنان في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1983.
وفي هذا السياق كان انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في الأردن في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1984 وكان الرهان على فشل الانعقاد وعدم اكتمال النصاب، وهنا نذكر باحترام موقف الجبهتين الشعبية والديموقراطية، المساند للحق الفلسطيني في نجاح المؤتمر بصرف النظر عن اختلاف الرأي الذي لا يتعارض مع الروح الوطنية واستقلال القرار الوطني وحتى انعقاد المجلس الوطني التوحيدي عام 1987.
من التحديات الخطيرة التي واجهت منظمة التحرير الفلسطينية قمة الوفاق والاتفاق في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1987 وهي التي تعكس حجم الضغوط العربية والدولية والتهديدات الإسرائيلية بعد أن نجحت منظمة التحرير الفلسطينية في لملمة صفوفها بعد العدوان الإسرائيلي واسع النطاق على قوات الثورة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية المتحالفة معها التي أربكت حسابات بعض الأنظمة العربية التي كانت تنتظر هزيمة حركة فتح ومنظمة التحرير وتسليم الراية والقيادة للبديل الذي تم إعداده لمثل هذا اليوم غير أن القائد ياسر عرفات قال للجميع بعد مغادرة لبنان وطرابلس في 23/12/1983 في طريقه إلى تونس، "أنا قلبت الطاولة" واتجه إلى القاهرة قبل تونس فزادت الحيرة والتساؤلات وهو الأمر الذي دعا إلى قمة الوفاق والاتفاق "في الأردن في 8/11/1987، وكانت الضغوط بالغة الشدة على ياسر عرفات ومنظمة التحرير الذي صدق في قوله فكانت الانتفاضة المباركة في 8/12/1987 والتي قلبت الطاولة والطاولات المجاورة فكانت هذه الانتفاضة الردّ الحاسم والقاتل للتدخلات العربية غير البريئة، والتي اتضحت في الحرب على المخيمات الفلسطنية في لبنان عام 1985 وعام 1986 وأبرز المخيمات التي تضررت شاتيلا، وصبرا، وعين الحلوة وغيرها.
انتفض ياسر عرفات شامخاً في هذه القمة العربية، رافضاً هذه الضغوط محافظاً على القرار الوطني المستقل، ومتحدياً محاولات الاحتواء والالتفاف والبديل، وكانت دورة المجلس الوطني، دورة الشهيد القائد أبو جهاد الذي اغتالته يد الغدر في 16/4/1988، وهي دورة إعلان الاستقلال في 15/11/1988، فكانت هذه الدورة انتصاراً للحرية والاستقلال وعنوانا للصمود والاستمرار والتحدي وكان المشهد في الجزائر حاضنة هذه الدورة أكثر روعة وتأثيراً، فالرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد رحمه الله يمسك بيد الرئيس ياسر عرفات ملوحين بالعلم الفلسطيني والجزائري من على المنصة مقابل جميع القيادات الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتهم الحكيم جورج حبش ونايف حواتمة ومن ورائهم أعضاء المجلس الوطني والضيوف والمراقبون وآلاف من الإعلاميين من كل أنحاء العالم والجميع يهتف نعم للإستقلال والحرية وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ولا للانشقاق والمنشقين، ونعم للوحدة الوطنية، لا لمحاولات الاحتواء والالتفاف ومصادرة القرار، ونعم للتعددية السياسية والفكرية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الخيمة التي نستظل بها، والساحة التي نتحرك في إطارها، والعنوان الذي يوحدنا، نختلف في الرأي، ويعلو الصوت ولا نختلف عليها لأنها منظمة التحرير الفلسطينية للكل الوطني والكل الفلسطيني والكل الحر عربياً كان أو صديقاً.
من التحديات التي واجهت منظمة التحرير الفلسطينية، أزمة الكويت والعراق، واجتياح الجيش العراقي لدولة الكويت في 2/8/1990 إثر أزمة حدودية أدت إلى انقسام الأمة العربية، حكومات وشعوباً، انعكس سلباً على الساحة الفلسطينية التي أصابها في العمق مرض الانقسام العربي بالرغم من الجهود التي بذلها الرئيس ياسر عرفات من أجل المصالحة والعودة إلى ما كان بعيداً عن التدخلات الأجنبية وحفظاً للدم العربي، مدركاً خطورة هذه الأزمة على فلسطين قضية وشعباً واقعاً ومستقبلاً، مقدرا حجم التراجع العربي والدولي عن الاهتمام بفلسطين وشؤونها، سياسياً وإعلامياً ومالياً ونضالياً واجتماعياً، فأصبحت الدعاية السياسية تنصب سوءاً وعدواناً على الفلسطينيين وعلى منظمة التحرير الفلسطينية من طرفي الأزمة ومن المؤيدين لكل طرف بالإضافة إلى حالة التشقق التي أصابت بعض القيادات الفلسطينية التي اعتقدت خطأ بالطبع بأن التحرير قادم وفق أوهام وأساطير اختلقوها، أساءت إلى الجالية الفلسطينية، المهمة، وذات التأثير والدعم، أدت إلى التشتيت والاختباء والانحسار فتحولت قوة الدعم والنفوذ التي تملكها إلى البحث عن النجاة من الموت أو الطرد أو الاعتقال أو العزل، ومن المؤسف أن بعض قيادات حركة فتح أصابها هذا الوهم في القدرة القتالية لتدمير أميركا ومن بعدها العدو الصهيوني، غير مدركة حجم الخلل في المجتمع العراقي وتناقضاته العرقية والطائفية ولا حجم الخلل في التناقضات العربية والإسلامية، وساقهم هذا الوهم إلى توجيه الاتهامات للجالية الفلسطينية مطالبين بإعادة تثقيفها وفق هواهم تماماً كما يحدث هذه الأيام في قطاع غزة في ظل حالة الانقسام.
لم يكن الانقسام في الساحة الفلسطينية طارئاً ولا مستحدثاُ بل هو نمط من أنماط التفكير في الساحة الفلسطينية وأسلوب من أساليب التنافس والرغبة في السلطة وأحياناً الرغبة في الإصلاح والتجديد، وقد عرفت منظمة التحرير الفلسطينية أشكالاً مختلفة من الانشقاق والانقسام بدءاً من الاتفاق والاختلاف على الانطلاقة وإطلاق الرصاصة الأولى التي تمت بالفعل في الأول من كانون الثاني (يناير) عام 1965، ومن بعد ذلك الحالة الانتقالية بعد حرب النكسة عام 1967 وحتى انتقال قيادة منظمة التحرير إلى التنظيمات المسلحة بقيادة حركة فتح التي اختارت ياسر عرفات رئيساً للمنظمة وغلبة الممارسة الميدانية والقتالية إلى جانب النضال السياسي والإعلامي بوجه عام، وحدثت حالات من الانقسام وفي الميدان لكن البيت الفلسطيني لم يهتز وإن أصابه الخلل واستمرت المسيرة وفق الصواب ورؤية قيادة منظمة التحرير، ويبقى الاختلاف قائماً ولكن داخل البيت الفلسطيني.
أما حالة الانقسام المقصودة فهي القائمة هذه الأيام والتي بدأت في 14/6/2007 حين سيطرت حركة حماس على قطاع غزة بقوة السلاح وفشل عناصر السلطة في الدفاع عن أنفسهم ودوائرهم وممتلكاتهم واستحبوا التخلي عن مواقفهم دون مسؤولية وتحت ذرائع مختلفة غير قابلة للتصديق بالرغم من حقيقة الواقع المنفلت سياسياً وعسكرياً وإعلامياً والانزواء في دائرة المصالح والمكاسب بعيداً عن الوطن والقضية، وهي الحالة التي جاءت بالحصار وأخرجت العمل الفلسطيني عن الطريق لصالح تعميق الفرقة والانقسام واستخدام المفردات الغليظة وأساليب القمع بشدة دون مراعاة لنظام أو علاقات نضالية.
ما تزال الحالة الفلسطينية المنقسمة بلا وعي ولا إدراك ولا مسؤولية وعند كل الأطراف ودون تمييز، تغذيها وسائل الإعلام الفلسطينية العاجزة أو مفردات الناطقين الإعلاميين وغير الإعلاميين وما أكثرهم ودون تخصص أو تجربة، وبالرغم من الفترة الزمنية الممتدة من عام 2007 وحتى اليوم، وبالرغم من الدعوات المتكررة للمصالحة، والتدخلات العربية وغير العربية فإن الماكينة الإعلامية غير سوية وغير قادرة على تجاوز الحالة، والانضباط للمنطق، ومنطق الاختلاف في الرأي، والخاسر في ذلك بالطبع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني بالإضافة إلى الصورة غير الحسنة للشعب الفلسطيني في مرآة الإعلام العربي والدولي والذي للأسف سهل التراجع عن تأييد القضية الفلسطينية وتذرع بحالة الانقسام أي (وحدوا أنفسكم أولاً) تماما كما كانت لغة الشارع العربي بعد النكبة والتي نالت من الشعب الفلسطيني وقضيته، وهو ما يجري هذه الأيام ويتداوله الإعلام العربي بوجه عام وبدرجات متفاوته.
لقد انعكست حالة الانقسام سلباً على الحملة الإعلامية المساندة للقيادة الفلسطينية في معركتها من أجل الحرية والاستقلال ومعركة التصويت على العضوية في الأمم المتحدة والتي حصلت فيها فلسطين على العضوية بصفة مراقب على طريق الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس والحق في الانضمام إلى المنظمات الدولية المختلفة وفي مقدمتها "اليونسكو".
واليوم ونحن نخوض معركة التحدي مع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة وأساليبها في تجاوز الخطوط وبخاصة الاستيطان وتهديد المقدسات الإسلامية والمسيحية، فإن حالة الانقسام تبدو عوناً للحكومة الإسرائيلية وسنداً للمواقف الدولية المنحازة لإسرائيل، ونموذجاً سلبياً للثورات العربية التي خرجت عن الهدف المنشود بحثاً عن حصة في السلطة من أجل المكاسب.
خامساً: تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية
الحديث عن تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وإجراء عمليات الإصلاح والتغيير والتطوير، قديم جديد، وهو في القديم سريع الاستجابة، قليل التدخل الخارجي، بفضل الفعل الميداني المعمّد بالدم والاشتباك المتواصل مع العدو، والتحدي الفاعل لمحالاوت الالتفاف والاحتواء وهو اليوم كلام في كلام في كلام، مليء بالبلاغة في غير مضمون، بلا عزيمة، تلوكه الألسن وتأباه الإرادة، وهو قول بلا فعل، وصمت لا مبرر له، وابتعاد عن الوعي العميق، غير قادر على التوازن مع الإعلام الجيد الذي يعتمد العلوم والتكنولوجيا والذي استفادت منه الهبّات الشبابية، المتعانقة مع "الميديا" الجديدة بلا وسيط، وتتدفق بلا حواجز ولا موانع، فالعالم اليوم متغير متجدد وبين أصابعك، وتحتاج عملية التفاعل إلى ادراك عميق للاستخدام الصحيح الذي يؤتي ثماره ولا يعيق مساره.
إذن كيف يكون التفعيل؟
في اعتقادي ومن خلال المعايشة الميدانية لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها وحتى اليوم مروراً بكل تحدياتها وإنجازاتها وكبواتها، فإن قضية الإصلاح والتغيير والتطوير والتجديد تشغل حيزاً واسعاً في إطار منظمة التحرير والساحة الفلسطينية، ولم تعد هذه العملية تحتمل المجاملات ولا حديث الصالونات وكذلك القبول بالكوتا الفصائلية المتعارف عليها وفق التحالفات والتدخلات، ولا التطورات المتعلقة بالقضية، وهذا يقتضي السرعة في وضع برامج التفعيل والسرعة في التنفيذ وفق مقتضيات الواقع الجديد والتحولات السياسية الجديدة في العالم وفي إطار الالتزام بأن منظمة التحرير الفلسطينية، هي البيت، والخيمة والكيان والبناء والدولة المعنوية، والعنوان والصمود والتحدي، والقرار الوطني المستقل، في مواجهة تحديات الانقسام الداخلي، والتدخلات الإقليمية والدولية والإسرائيلية.
لا يختلف اثنان على أن تبعات اتفاق أوسلو عام 1993 ثقيلة وشاقة ومتعبة للجميع ولم تحقق ما تم الاتفاق عليه ولم تفلح كل الجهود في إلزام الطرف الإسرائيلي باحترام هذا الاتفاق، لا زمنياً ولا موضوعياً وأصبح الحديث عن اتفاق أوسلو بعد أكثر من عشرين عاماً مثيراً للألم ومحبطاً لمن اعتقد بانتاج يؤدي إلى السلم والسلام والحرية والاستقلال، بل وأدى هذا الاتفاق إلى حالة فلسطينية حائرة وتائهة وليس لها عنوان ولا برنامج ولذلك كانت حالة الانفلات السياسي والتنظيمي والاجتماعي والوطني، وسادت الفوضى وعدم الانضباط والذي أنتج حالة الانقسام الحالية بالغة الألم والسوء، وأصبح السؤال متكرراً، متعدد الاتجاهات والأبعاد ويتلخص بوجه عام بالسؤال متى يتم تفعيل منظمة التحرير، وإصلاح هيكلها وتجديد قياداتها الهرمة التي لم يعد جائزاً أن تبقى طوال هذه السنين دون أن تفتح طريقاً للشباب ولا الكفاءات لتداول الرأي ولا الحق في التدريب والتأهيل وتدافع الأجيال وفق نظرية الراحل ياسر عرفات.
إذن.. منظمة التحرير الفلسطينية للجميع داخل وخارج الوطن وهي المرجعية الوطنية والنضالية والسياسية، ومن حق الجميع أن يشارك في فعالياتها وأن يسهم في تطويرها.
في الدورة الرابعة والعشرين، دورة استحقاق الدولة، المنعقدة في رام الله، يوم الأربعاء الموافق 16/3/2007 أي في اليوم التالي لهبة شباب الحراك الشعبي في الخامس عشر من آذار (مارس) 2011، أصدر المجلس المركزي في منظمة التحرير الفلسطينية بيانه الختامي متضمناً غير الديباجة ست عشرة نقطة أو قضية، جميعها في مركز الاهتمام والأهمية، ويهمنا في ذلك البند السادس الذي يقول: (دعا المجلس المركزي انطلاقاً من قراراته السابقة إلى تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية وأطرها، ومؤسساتها ودوائرها، انطلاقا من إجراء انتخابات المجلس الوطني الجديد بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية والتشريعية خلال ستة أشهر على أساس النسبية الكاملة، وإجراء الانتخابات في الوطن ومخيمات اللجوء والشتات وحيثما أمكن ذلك).
وكان الأخ أبو الأديب "سليم الزعنون" رئيس المجلس الوطني دعا إلى ذلك في لقاء بغزة جمع أعضاء المجلس التشريعي الفائزين في الانتخابات التشريعية الثانية حضره أعضاء من المجلس الوطني إلى إحياء لجان المجلس الوطني، وتم بالفعل عقد لقاءات وورشات عمل لتعميق هذه الروح وقدمت الفصائل والقوى الفاعلة أوراق عمل ايجابية تضمنت اقتراحات مفيدة يمكن البناء عليها لانجاح عملية التفعيل، غير أن حالة الانقسام التالية لهذه الجهود أبقت العمل في جمود ودون لقاء، وهذا يتطلب وضع أجندة وبرامج للتجديد والتطوير والتغيير في ضوء الواقع السياسي والتغيرات السياسية المحلية والعربية والإسرائيلية والدولية، بحيث يؤدي ذلك إلى تعزيز مكانة منظمة التحرير الفلسطينية لتبقى إنجازاً وطنياً شامخاً يقود إلى الدولة الفلسطينية الواعدة وعاصمتها القدس الشريف، وهي وطن الجميع ودون استثناء.
سادساً: متطلبات عملية التفعيل
حسب القراءات النقدية والإنتاجية فإن عملية التفعيل لا تحتاج إلى الكثير من الأقوال، وعقد الجلسات بدون برامج وإنما في ضوء التجارب الميدانية فإن التفعيل يتطلب ما يلي:
وأخيراً..
ما دور الإعلام في تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية؟
إن ثورة الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي والسياسي والثقافي، وما أحدثته من تغيرات صارخة، وما ستحدثه، تحتاج إلى وقفة تأمل واستدراك واستيعاب وقراءة وتفسير وانفتاح وتواضع وإخلاص وترحيب بالأفكار، فقد ثبت باليقين أن الانغلاق والتعالي لا يخدم المواطن ولا الوطن ولا القضية... وإنما الذي يخدم ويفيد روح المبادرة والانفتاح والإنتاج.
من خلال المتابعة الميدانية لواقع منظمة التحرير الفلسطينية في وسائط الإعلام العربية والفلسطينية، لا نلاحظ حضوراً أو حضوراً فاعلاً وقد طغت حالات السلطة ومتعلقاتها على صورة منظمة التحرير التي تكاد لا تكون واضحة مباحة ولدى الشباب بخاصة وهذا يقتضي التفكير الجدي في تطوير الماكينة الإعلامية لدى منظمة التحرير، والتطوير يحتاج إلى مختصين ومؤهلين وعاملين بحق وفق المعايير الإعلامية، ولم يعد جائزاً في عالم الإعلام الجديد وأدواته المختلفة أن تظل منظمة التحرير الفلسطينية غائبة وأن تتحول مؤسساتها العلمية والبحثية والإعلامية إلى شيء من الماضي، وإذا كانت مجلة شؤون فلسطينية قد عادت إلى الميدان لتسهم في عملية الإحياء، فإن مجلساً إعلامياً متخصصاً ومتنوعاً أصبح ضرورة وحاجة ملحة وبخاصة أن الساحة الفلسطينية تكتظ بالكفايات غير المستغلة وغير المتاح لها للمشاركة، ولعل ما أوردناه في متطلبات عملية التفعيل يفتح مجالاً للتأمل والتفكير في وضع أساس لدور إعلامي فاعل، يعيد لمنظمة التحرير شخصيتها ودورها ويلقى أضواء على المدرسة الإعلامية الفلسطينية التي أنضجتها منظمة التحرير الفلسطينية في الحقب التاريخية المختلفة منذ نشأتها في 28/5/1964 وحتى السلطة الوطنية الفلسطينية، ونقول دائماً بالقول المأثور الألف ميل تبدأ بخطوة.
[*] عميد كلية الإعلام– جامعة الأزهر (غزة).