[*] كمال قبعه

تمثل محاولة الإحاطة بالأبعاد والمقتضيات الواجبة والمترتبة، على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن رفع درجة تمثيل فلسطين، والذي تنص الفقرة العاملة الثانية منه، على أن الجمعية العامة للأمم المتحدة “تقرر أن تمنح فلسطين مركز دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة”[1]، محور هذه الدراسة التي تتناول التداعيات القانونية الدولية لقرار قبول فلسطين دولة مراقبة غير عضو في منظمة الأمم المتحدة. فما يزال القرار يثير العديد من المسائل والقضايا والإشكاليات التي تطرح رزمة من الأسئلة، ومن أبرزها: هل يشكل رفع التمثيل الدولي لفلسطين أحد عناصر الدولة الضرورية لتكتسب شخصيتها القانونية، مع عناصرها الثلاثة المتمثلة بالشعب والإقليم والسيادة؟ أم أن الاعتراف كاشف وليس مُنشِئاً للدولة؟ وهل التصويت الجماعي الذي ضم 138 دولة في منظومة العلاقات الدولية يشكل خطوة نوعية جديدة، في سياق النضال الفلسطيني الدؤوب لتجسيد إعلان الاستقلال في تشرين الثاني(نوفمبر) عام 1988، وبسط السيادة الوطنية؟ وكيف تطور تمثيل فلسطين في الأمم المتحدة؟ وما هي الحقوق والالتزامات القانونية الدولية لدولة فلسطين، باعتبارها دولة مقيدة وناقصة السيادة؟ وما هي الآليات الدولية ممكنة الاتباع لنيل الاستقلال الناجز وبسط السيادة الوطنية؟ وما هي متطلبات تنفيذ هذا القرار والخطوات الواجبة الاتباع من قبل القيادة الفلسطينية؟ وهل بات التفكير في المطالبة بإدارة دولية مؤقتة وانتقالية لأراضي دولة فلسطين، أمراً ملحاً وضرورياً وممكناً؟ وما هي الفرص الجديدة التي أوجدها القرار؟

 قرار منشئ أم قرار كاشف؟

من الضروري بداية تناول المفهوم والأبعاد القانونية المتعلقة بمسألة الاعتراف بالدول، وبيان ماهيته وطبيعته القانونية وأشكاله والآثار المترتبة عليه.

وقد تناول العديد من الباحثين تعريف الاعتراف بالدول، فيرى البعض منهم بأنه “ينصرف عن الإرادة المنفردة لأي من أشخاص القانون الدولي العام من تصرفات قانونية من جانب واحد، تستهدف الإقرار بقيام وضع دولي معين والتسليم بمشروعيته”[2]. ويرى آخرون وبحق بأن تسليم الدول بهذا الوضع الدولي الجديد والاعتراف به مشروط بأن “التعبير عن إرادة الاعتراف ينبغي ألا يشوبه عيب من العيوب المتعلقة بالرضا، فضلاً عن الخضوع لشروط الصحة من حيث وجود أو إمكانية وجود محل للاعتراف، والمشروعية التي لا تخالف القواعد الآمرة”[3].

وتتباين الاتجاهات الفقهية حيال الآثار القانونية والالتزامات المتأتية عن الاعتراف، حيث دار جدل واسع ونشأت نظريات متعارضة من بينها ما يسمى “النظرية التأسيسية” أو “الإنشائية” التي ترى أن الاعتراف “يرتب أثراً هاماً وهو مُنشئٌ للدولة الجديدة ويمنحها الشخصية القانونية الدولية إذ بدونه تعتبر الدولة ناقصة أو غير كاملة، حتى مع توافر عناصرها الثلاث، إذ يجب اعتراف الدول الموجودة سلفاً بالدولة الجديدة لكي تكتسب وصف الدولة”[4]. ويرى أتباع “النظرية الإقرارية”، أو الاعتراف المقرر أو الكاشف، أنه “باستكمال عناصرها المطلوبة، تصبح الدولة ذات شخصية قانونية دولية وتخاطبها أحكام القانوني الدولي العام ويترتب على ذلك حقوق والتزامات. غير أن ذلك بحاجة، أيضاً، لاعتراف الدول القديمة القائمة بهذا الواقع، وهو عمل قانوني تلتزم به الدول بمجرد استكمال الدولة الجديدة عناصرها ووجودها، دون أن يخولها ذلك المطالبة بأية شروط ولا بوضع أية قيود”[5].

وقد تم توجيه انتقادات عديدة ومتنوعة لهذه النظريات، حيث أن هناك “كيانات سياسية نشأت قبل الاعتراف بها، وأحياناً، وعلى الرغم من عدم الاعتراف بها، اكتسبت صفة الدولة وعوملت لفترة طويلة على هذا الأساس، وعندما تمّ الاعتراف بها، فيما بعد، كان هذا التصرّف تكريساً لأمر واقع، أو إقراراً بحقيقة قائمة، ما يعني تناقض هذه النظرية مع التعامل الدولي السائد”؛ وعليه فإن نظرية “الاعتراف المُنْشِئ” تسرف في “الاعتماد على إرادة الدول في مسألة الاعتراف، وتبالغ في اعتبار إرادة الآخرين الوسيلة الوحيدة لولادة الدولة وبثّ روح الحياة فيها”[6]، باعتبار “الاعتراف هو تصرف أحادي الجانب حر الإرادة. وبالتالي، فالدولة توجد من الناحية الواقعية والسياسية، وأن الاعتراف لا يضفي أي جديد”[7].

ولكن ما يتعين الإشارة إليه هو أن توافر هذه الشروط لا يترتب عليه تلقائياً القبول، بل يتعين إتمام بعض الاجراءات حتى تتم قانوناً عملية القبول. ويتوجب التنويه إلى أن الأمم المتحدة لا تعتبر دولة ولا حكومة، وبالتالي لا تملك أي سلطة للاعتراف بدول أو حكومات. وكمنظمة مكونة من دول مستقلة، فإن الأمم المتحدة تقبل انضمام دولة جديدة إلى عضويتها، أو تقبل وثائق تفويض ممثلي حكومة جديدة. وهذا لا يشكل اعترافاً بالدولة بالمعنى القانوني أو السياسي، بل هو إقرار بالحق في الصفة، حيث إن الاعتراف هو مسألة سيادية خاصة بقرار كل دولة منفردة.

ويستند مركز ووضع دولة بصفة مراقب غير عضو بشكل تام على الممارسة، وليس هناك أي أحكام بهذا الخصوص في ميثاق الأمم المتحدة. الشرط الوحيد لقبول دولة ليس لها صفة عضوية في الأمم المتحدة، أن تكون عضواً في واحدة أو أكثر من وكالات الأمم المتحدة المتخصصة، وتعترف بها دول أخرى. ويتم منح صفة مراقب لدولة بالتصويت بالأغلبية البسيطة في الجمعية العامة. ويملك المراقبون سواء بشكل دولة أو بشكل غير دولة الحق في الكلام في اجتماعات الجمعية العامة، والمشاركة في التصويت الإجرائي، ورعاية وتوقيع القرارات الإجرائية، ولكنهم لا يملكون الحق في التصويت على القرارات وغيرها من المسائل الموضوعية. وعلى سبيل المثال، كانت سويسرا دولة ذات صفة مراقب دائم من الفترة 1948-2002، حتى أصبحت عضواً كاملاً في 10 أيلول (سبتمبر) 2002. وحالياً، يوجد دولة واحدة فقط كدولة غير عضو في الأمم المتحدة لكنها تتمتع بصفة مراقب دائم كدولة، وهي الفاتيكان. والمراقبون الذين ليس لهم صفة دولة، هم المنظمات الدولية والكيانات الأخرى غير المعترف بها كدول. وعلى هذا النحو، لن يحدد قبول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، أو الاعتراف بها بوصفها دولة قانونياً ما إذا كانت ستعامل على أساس أنها دولة، فكل دولة ومنظمة دولية سيكون لها القول الأخير بشأن اختيار ماهية ومستوى التعامل مع فلسطين.

فمثلاً، أكدت المملكة النرويجية أنها ستباشر فوراً اعتماد اسم فلسطين في معظم تعاملاتها الرسمية، بعيد حصول فلسطين على الأغلبية في التصويت ومكانة دولة غير عضو بالأمم المتحدة، وذلك بعد أن كانت تستعمل عدة أسماء لفلسطين، منها مناطق السلطة الفلسطينية أو الأراضي الفلسطينية، وذلك منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993. وقال وزير الخارجية النرويجي[8] “من الطبيعي جداً وعلى ضوء التصويت، ورفع مكانة فلسطين، أصبح لزاماً علينا اعتماد الاسم الجديد، وهذه ستكون سياستنا من الآن فصاعداً”. وعبر وزير خارجية النرويج عن اعتقاده بأن هنالك العديد من الدول التي ستحذو بالتأكيد حذو بلاده، وتعتمد اسم فلسطين بدل مناطق السلطة الفلسطينية، معتبراً أنه لن يتفاجأ إذا ما أقدمت العديد من الدول على هذه الخطوة.

وعليه، فإن رفع درجة تمثيل فلسطين في الأمم المتحدة، يعتبر إجراءً كاشفاً وليس منشئاً، عن حقيقة وجود دولة فلسطين في منظومة العلاقات الدولية بين الدول. وجاء هذا القرار ليفتح المجال أمام دولة فلسطين للانخراط بأعمال وأنشطة الأمم المتحدة بصفتها دولة، بعدما تمكنت من بلورة شخصيتها وأهليتها القانونية اللازمة لذلك.

وقد تضمن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديباجته وحيثيات وأسانيد إقراره، أن منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين عضو كامل العضوية في جامعة الدول العربية وحركة بلدان عدم الانحياز ومنظمة التعاون الإسلامي ومجموعة ال 77 والصين، وكذلك تتمتع فلسطين بالعضوية الكاملة في اليونسكو ولجنة الإسكوا؛ كل هذا إلى جانب أن دولة فلسطين قد حظيت باعتراف 132 دولة. واستناداً إلى كل ذلك فإن الجمعية العامة قد أعربت عن أملها في أن يستجيب مجلس الأمن الدولي للطلب الذي قدمته دولة فلسطين في 23 أيلول/سبتمبر 2011 من أجل الحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة[9]. وقررت أنه وإلى أن يحين قبول دولة فلسطين كعضو كامل العضوية، فإنها “تقرر أن تمنح فلسطين مركز دولة غير عضو لها صفة المراقب في الأمم المتحدة…”.

مراحل تطور الشخصية والأهلية القانونية لدولة فلسطين

تشترط المادة الرابعة في الفصل الثاني من ميثاق الأمم المتحدة، بأن العضوية متاحة لجميع “الدول المحبة للسلام التي تقبل الالتزامات الواردة في هذا الميثاق والتي ترى الهيئة بأنها قادرة وراغبة في تنفيذ تلك الالتزامات”؛ وهذا يعني أن هنالك خمسة شروط للحصول على العضوية الكاملة وهي 1- وجود الدولة 2- أن تكون محبة للسلام 3- أن تقبل الالتزامات المنصوص عليها في الميثاق 4- القدرة على تنفيذ تلك الالتزامات 5- الرغبة في تنفيذ تلك الالتزامات. هذا بالإضافة إلى توصية إيجابية من مجلس الأمن ترفع للجمعية العامة من أجل إقرارها.

وقد مر تطور الشخصية والأهلية القانونية لدولة فلسطين، بمراحل متعددة يمكن اختصارها على النحو الأتي:

  1. الفقرة الرابعة من المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم، التي أقرت صراحة بأن فلسطين “قد بلغت من الرقي والتقدم، بما يمكن الاعتراف باستقلالها، بشرط أن تقدم لها الدولة المنتدبة النصح والمعونة”[10]. وبذلك فإن صك الانتداب” يؤكد الشخصية القانونية الدولية لفلسطين”[11].
  2. قرار الجمعية العامة المعروف بقرار التقسيم، الذي نص على إنشاء دولة يهودية وأخرى عربية ووضع خاص لمدينة القدس[12]، والذي حدد “السيادة الإقليمية لكل من الدولتين بدقة بالغة”، وقام بوضع القواعد الكلية الناظمة لدستور فلسطين وحكومتها، والمواطنة، ووضع الأماكن المقدسة والدينية، وحقوق الأقليات، كل ذلك في الجزء الأول منه. وقد تناول الجزء الثاني وصفاً دقيقاً بإقليم كل من الدولتين، وحدودهما المشتركة. ويظهر مما تقدم بأن قرار التقسيم “قد أعلن قيام دولة فلسطينية عربية واضحة المعالم الدستورية والقانونية، ومحددة المعالم الجغرافية”[13].
  3. قرار الجمعية العامة بشأن منح مركز المراقب لـ م. ت. ف[14].
  4. قرار الجمعية العامة الذي يأخذ علماً بإعلان دولة فلسطين يوم 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 1988، في دورة المجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت في الجزائر، ويؤكد “ضرورة تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة سيادته على أرضه المحتلة منذ 1967”[15]. ويشير هذا القرار إلى قرار الجمعية العامة 3237 الدورة 29 في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1974، بشأن منح مركز المراقب لـ م. ت. ف وإلى القرارات اللاحقة ذات الصلة. وتدرك الجمعية العامة قيام المجلس الوطني الفلسطيني بإعلان دولة فلسطين تمشياً مع قرار الجمعية العامة رقم “181 د2” وممارسة لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وتعترف بإعلان دولة فلسطين الصادر عن المجلس الوطني الفلسطيني في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 1988، وتؤكد الحاجة إلى تمكين. الشعب الفلسطيني من ممارسة سيادته على أرضه المحتلة منذ 1967.
  5. قرار[16] استعمال اسم “فلسطين” بدلاً من م. ت. ف في منظومة الأمم المتحدة.
  6. وبتاريخ السابع من تموز (يوليو) 1998 قررت الجمعية العامة رفع مستوى تمثيل فلسطين في الأمم المتحدة بإضفاء صفة “مراقب ممتاز” عليه، ونص القرار[17] على أن الجمعية العامة للأمم المتحدة” تمنح فلسطين، بما لها من صفة المراقب، حقوقاً وامتيازات إضافية للمشاركة في دورات الجمعية العامة وأعمالها، وفي المؤتمرات الدولية التي تعقد تحت إشراف الجمعية العامة أو هيئات الأمم المتحدة الأخرى، وكذلك في مؤتمرات الأمم المتحدة”. وتم إرفاق القرار بقائمة الحقوق والامتيازات الإضافية، ومنها: حق المشاركة في المناقشات العامة للجمعية العمومية، وحق التسجيل في قائمة المتكلمين في إطار بنود جدول الأعمال، وحق الرد، وحق المشاركة في تقديم مشاريع القرارات المتعلقة بقضية فلسطين وقضايا الشرق الأوسط. وقد استثنى هذا القرار حق التصويت وحق تقديم مرشحين.
  7. طلب الرئيس الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، خلال دورتها السنوية السادسة والستين في أيلول (سبتمبر) عام 2011، لنيل اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية، وحصولها على عضوية كاملة في الأمم المتحدة على أساس الحقوق الطبيعية والقانونية والتاريخية للشعب الفلسطيني، وبالاستناد إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181، وإعلان استقلال دولة فلسطين العام 1988، واعتراف الجمعية العامة بهذا الإعلان في القرار 43/177، أسوة ببقية دول العالم.
  8. منحت منظمة الأمم المتحدة في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 فلسطين صفة دولة “مراقب” غير “عضو”[18].

ولعل من الضرورة بمكان، تبيان أن قرار الجمعية العامة برفع درجة تمثيل فلسطين، قد استند من بين ما استند عليه في ديباجته، بالنص “وإذ تشير إلى قرارها 181 (د- 2) المؤرخ 29 تشرين ثاني (نوفمبر) 1947″؛ الأمر الذي يشير أن الجمعية العامة للأمم المتحدة لا تزال تعتمد هذا القرار كأساس للقضية الفلسطينية. ولعل ما هو ملفت للانتباه، أن هذا النص قد أتبع مباشرة بالنص، على أن الجمعية العامة “تؤكد من جديد مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة المنصوص عليه في الميثاق”؛ أي أنها لا تعترف لإسرائيل بما احتلته بالقوة من إقليم دولة فلسطين محدد المعالم والحدود في قرار التقسيم. ويمكن فهم وتفسير الفقرة الخامسة العاملة في القرار والتي تذكر القضايا “القضايا الأساسية العالقة، أي قضايا اللاجئين الفلسطينيين، والقدس، والمستوطنات، والحدود، والأمن، والمياه”، بأنها تتعلق بكل ما تجاوزته واحتلته واغتصبته إسرائيل خارج ما حدده لها قرار 181 باعتباره قراراً منشئاً لها، ولا يجيز القانون الدولي الاعتراف بمكاسب الغزو الحربي والاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، سواء حدث ذلك إبان فترة 1947-1948 أو إبان فترة 1967 حتى الآن.

 حقوق وواجبات الدول

يحمل التطور في المركز القانوني الدولي لفلسطين، آثاراً قانونية محلية ودولية يتوجب الانتباه إليها، وخاصة في جوانب الحقوق والواجبات التي باتت فلسطين تتمتع بها وتلتزم بها. ولعل ترسيخ الشخصية القانونية لدولة فلسطين عبر تلك المراحل، والإقرار بأن لها شخصية الدولة بما يعنيه ذلك من حقوق وواجبات بموجب القانون الدولي الناظم للعلاقات الدولية المعاصرة. ويكشف وضع فلسطين في كل تلك المنظمات الإقليمية والدولية، عن أن دولة فلسطين باتت تتمتع بالشخصية والذاتية والأهلية القانونية الدولية؛ أي أنها قد أضحت شخصاً من أشخاص القانون الدولي وتملك “أهلية إتيان التصرفات القانونية”، لاعتبار أن “الأهلية في نطاق القانون الدولي إنما يجري بين أشخاص معنوية هي الدولة والمنتظم الدولي”، والانضواء لمبادئ وقواعد القانون الدولي “واكتساب ما يقره من حقوق والالتزام بما يفرضه من واجبات”[19].

حقوق وواجبات دولة فلسطين ما بعد القرار

تتمتع الدولة بعد اكتسابها صفة الشخصية القانونية الدولية بجملة من الحقوق، وتلقى عليها جملة من الالتزامات. وليس من السهل حصر تلك الحقوق، حيث أن هناك حقوقاً أساسية وحقوقاً قانونية وأخرى فرعية وأدبية. ولعل أبرز تلك الحقوق تتمثل في[20]: احترام الحقوق الأساسية المقررة لكل منها، ومراعاة قواعد القانون الدولي العام والسير على مقتضاها، واحترام العهود التي ارتبطت بها وتنفيذ تعهداتها الدولية بحسن نية، وحق البقاء‏، وحق تقرير المصير، وحق الدفاع الشرعي، وحق الحرية والاستقلال والسيادة، وحق المساواة،‏ وحق الاحترام المتبادل.‏

وتتعدد واجبات والتزامات الدول بعد حصولها على الشخصية القانونية الدولية، إذ أن هناك واجبات قانونية ملزمة وواجبات أخلاقية وأدبية، يمكن إجمالها بالواجبات الرئيسية التالية[21]: واجب عدم التدخل،‏ وواجب احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وواجب الامتناع عن إثارة الاضطرابات الداخلية،‏ وواجب عدم تهديد السلم والنظام الدوليين والاقليميين، وواجب تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية،‏ وواجب الامتناع عن اللجوء إلى الحرب، وواجب الامتناع عن مساعدة الدولة المعتدية والتعاون مع الأمم المتحدة في نظام الأمن الجماعي، وواجب الامتناع عن الاعتراف بالتوسع الإقليمي واجب تنفيذ الالتزامات الدولية بحسن نية، وواجب التقيد بالقانون الدولي، وواجب الحيلولة دون التلوث البيئي،‏ وواجب مكافحة الإرهاب وغيرها.

وتعتبر الحقوق والواجبات هذه، حقوقاً وواجبات لصيقة وطبيعية تكتسبها الدول، بعد بلورة الشخصية القانونية الدولية لها، إلا أن الدول من حيث وضعها القانوني الدولي، إما أن تكون ذات سيادة كاملة أو ذات سيادة ناقصة أو ذات سيادة مقيدة[22].  والقاعدة العامة هنا هي “أن الدول كاملة السيادة تُسأل مسؤولية دولية كاملة، أما الدول ناقصة السيادة كالدول الموضوعة تحت الحماية أو تحت الوصاية فلا يمكن مساءلتها، وذلك لأن الدول الحامية أو التي تمارس الوصاية هي التي تدير العلاقات الدولية للإقليم ومن ثم تنصرف المسؤولية الدولية إلى الدول الحامية أو صاحبة الوصاية. وإذا كانت الدول ناقصة السيادة تملك ممارسة بعض أنواع العلاقات الدولية، فإنه تمكن مساءلتها في حدود المسائل التي تملك حرية التصرف بشأنها”[23].

ولذلك فإن الدول ناقصة السيادة بسسب الاحتلال أو الاستعمار، لها حقوق وواجبات يمكن اعتبارها ذات صفة خاصة. وينطبق هذا الحال على دولة فلسطين بسسب كونها تقع تحت الاحتلال والاستعمار الاستيطاني الصهيوني، الذي يحول وبالقوة الغاشمة دون أن تبسط وتمارس دولة فلسطين سيادتها الوطنية، على الرغم من أن أراضي الدولة الفلسطينية وفق مبادئ وقواعد وأحكام القانون الدولي العام، تخضع لقواعد وأحكام اتفاقيات لاهاي لعام 1899 و1907 واتفاقية جنيف الرابعة الصادرة في آب (أغسطس) عام 1949، وكذلك الاتفاقيات الدولية المنضوية في القانون الإنساني الدولي. وعلى الرغم من الرفض المنهجي والصَلَف الإسرائيلي، ومراوغته وتفسيراته وتبريراته الهشة، وأسانيده وحججه المتقادمة بشأن الإقليم المباح res nellius وحق الحرب jus in bello والسيادات المتعارضة المتقابلة  heterogenes والفراغ السيادي vacuum juris وأن لكلٍ ما حاز Utte possiditiom؛ وهي كلها مبادئ متقادمة وبالية من القانون الدولي القديم، وأصبحت محظورة ومُجرَّمة بموجب القانون الدولي العام المعاصر[24]؛ فإن الأراضي الفلسطينية أراضٍ محتلة، تعود لشعب فلسطين الذي حجبت عنه السيادة والاستقلال بفعل الاحتلال الإسرائيلي. والسيادة تبقى كامنة في شعبنا، ومحجوبة محتجزة عنه بسبب الاحتلال. ومن ضمن مكونات السيادة، أنها مصطلح كلي لجملة الحقوق السيادية للمواطنين الذين يشكلون شعباً، أي أن مصطلح السيادة يعود للشعب وللأمة ولأفرادها المواطنين، ولذلك فإن السيادة الوطنية الكامنة والمحتجزة، هي جملة الحقوق العائدة للمواطنين ولإطارهم التمثيلي المتمثل بالدولة الوطنية، فهي سيادة دائمة للشعب الفلسطيني.

وتقرر محكمة العدل الدولية في فتواها بشأن الجدار، بأن كافة الإجراءات والتدابير الإسرائيلية التشريعية والإدارية، لا يمكن أن تلغي أن “جميع الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية ما زالت أراضيَ محتلة، وما زالت إسرائيل لها وضع السلطة القائمة بالاحتلال[25]“، وترى أن اتفاقية جنيف الرابعة تسري على الأراضي الفلسطينية[26].

ولما كانت تدابير إسرائيل الهادفة لتغيير البنى الديمغرافية والجغرافية والتاريخية في أراضي الدولة الفلسطينية، وإجراءاتها التشريعية والإدارية فيها، تضرب عرض الحائط بالقسم الأكبر من مبادئ وقواعد القانون الدولية وتهدد السلام والأمن الإقليمي والدولي، فإن حماية تلك المبادئ والقواعد الناظمة للأمم المعاصرة، يمكن اعتبار أن لجميع الدول مصلحة في حمايتها، فهي التزامات من قبل الكافة orga omnes. ولقد “ارتكبت إسرائيل انتهاكات خطيرة لقواعد القانون الدولي القطعية، التي تفرض التزامات من قبل الكافة[27]“. ولذا فإن على الدول قاطبة واجب التعاون لفرض وضمان إلزام إسرائيل بهذه المبادئ والقواعد، وهو الأمر الذي أكدت عليه محكمة العدل الدولية في فتواها بشأن الجدار[28].

وتعتبر كافة الإجراءات والتدابير الاستيطانية والإلحاقية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، باطلة invalids وغير شرعية illegales، ولا ترتب حقوقاً لإسرائيل ولا تفرض التزامات على الطرف الفلسطيني والأطراف الأخرى. ومن هنا فإن القانون الدولي يقضي بعدم الاعتراف بكافة التغييرات والإجراءات الإسرائيلية، الامر الذي نصت عليه عشرات بل ومئات قرارات المنظمات الدولية[29]. وتقول لجنة القانون الدولية في الأمم المتحدة، بشأن مسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دولياً، وفي المادة 40 منها[30]، أن عدم الاعتراف واجب في “مثل محاولة فرض السيادة على إقليم عن طريق إنكار حق الشعوب في تقرير المصير”. وقد دأبت الدول على الالتزام بعدم الاعتراف بأي اكتساب للأراضي بالقوة. وجاء الرأي الإفتائي لمحكمة العدل الدولية بشأن الجدار ليؤكد ضرورة تفعيل مبدأ عدم الاعتراف بالتغييرات في المركز القانوني للأراضي الفلسطينية بما فيها القدس، بنصها أن المحكمة ترى “أن جميع الدول ملزمة بعدم الاعتراف بالوضع غير القانوني، الناتج عن تشييد جدارٍ في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس وما حولها. وجميعها ملزمة أيضاً بعدم تقديم العون أو المساعدة في الإبقاء على الوضع الناتج عن هذا”[31].

وعليه، فإن لدولة فلسطين ناقصة ومقيدة السيادة الوطنية بسبب الاحتلال والاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، حقوقاً والتزامات قانونية دولية من نوع خاص، تختلف جوهرياً عن تلك التي تتمتع بها الدول كاملة السيادة.

 حقوق الدول ناقصة السيادة والسيادة المقيدة

لعل أبرز حقوق الدول ناقصة السيادة والسيادة المقيدة تتمثل في حق تقرير المصير للشعوب، والذي يعتبر أحد أبرز مبادئ القانون الدولي والأمم المتحدة، تذكره بوضوح المادة الأولى الفقرة الأولى في العهدين الدوليين واللذين يؤلفان الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. ويعتبر حق تقرير المصير للشعوب المصدر والروح والأساس الضروري للحقوق الأساسية للشعوب، وغدا منذ نحو قرن من الزمان أحد أبرز مبادئ القانون الدولي. فقد عرفته المادة الأولى الموحدة من عهدي حقوق الإنسان لعام 1966، بأنه “حرية الشعوب في تقرير مركزها السياسي وحرية تأمين نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي”.أما الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 2625 الصادر في 24/11/1970، فقد عرفته بموجب مبدأ التساوي في الحقوق وتقرير المصير للشعوب المعلنين في ميثاق الأمم المتحدة، بأن “لكل الشعوب الحق في أن تقرر، دون تدخل أجنبي، مركزها السياسي وأن تسعى لتأمين نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وعلى كل دولة واجب احترام هذا الحق وفق نصوص الميثاق”. وحق الشعوب في تقرير المصير، يعني حريتهم في حق الاختيار، وبالتالي الحق في الديمقراطية والمشاركة السياسية، والحق في الرأي فيما يهم الجماعة وتطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

وتضمن القرار 3103 الصادر في 12 كانون الأول (ديسمبر) 1973، تأكيداً على أن للشعوب المستعمرة “حقاً طبيعياً في النضال بكل الوسائل اللازمة والمتوفرة لديها ضد الدول الاستعمارية والسيطرة الأجنبية، ممارسة بذلك حقها في تقرير المصير”. وعلى أن نضال الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية الأجنبية والأنظمة العنصرية من أجل تحقيق حقها في تقرير المصير والاستقلال هو “نضال شرعي ويتفق تماماً مع مبادىء القانون الدولي”.

ولما كان الاستعمار والاحتلال أبرز موانع ومهددات حق تقرير المصير للشعوب، فقد أقرت دول العالم عبر الجمعية العامة[32] “ضرورة القيام، سريعاً ودون أي شرط، بوضع حد للاستعمار بجميع صوره ومظاهره”، واعتمدت إعلان الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة. وفي “د- 24” كانون الأول (ديسمبر) 1969، لاحظت الجمعية العامة أولاً أن “مشكلة اللاجئين العرب الفلسطينيين ناشئة عن إنكار حقوقهم غير القابلة للتصرف، المقررة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان”. وقد تكررت هذه الآراء في قرارات الجمعية العامة “د- 25” في تشرين الثاني (نوفمبر) 1970 و “د- 25” في كانون الأول (ديسمبر) 1970، و “د- 26” في كانون الأول (ديسمبر) 1971 و “د- 27” في كانون الأول (ديسمبر) 1972 وغيرها الكثير من القرارات المتعاقبة سنوياً وفي كل دورة من دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي “د- 29” في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1974، اعترفت الجمعية العامة بأن “للشعب الفلسطيني الحق في تقرير المصير وفقاً لميثاق الأمم المتحدة”، وأعربت عن “بالغ قلقها لكون الشعب الفلسطيني قد منع من التمتع بحقوقه غير القابلة للتصرف، ولا سيما حقه في تقرير مصيره”. وأشارت الجمعية العامة إلى قراراتها السابقة التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وأكدت من جديد “حقوق الشعب الفلسطيني في فلسطين غير القابلة للتصرف” بما في ذلك:

أ-     الحق في تقرير مصيره دون تدخل خارجي.

ب-   الحق في الاستقلال والسيادة الوطنيين.

وشددت على أن “الاحترام الكلي لهذه الحقوق غير القابلة للتصرف وتطبيقها، أمران لا غنى عنهما لحل قضية فلسطين”. وفي “د- 30” تشرين الثاني (نوفمبر) 1975، أكدت الجمعية العامة من جديد “د- 29” وأعربت عن قلقها الشديد لعدم إحراز تقدم نحو:

أ-ممارسة شعب فلسطين لحقوقه، غير القابلة للتصرف، في فلسطين، بما فيها حق تقرير المصير بدون تدخل خارجي، والحق في الاستقلال القومي والسيادة القومية.

ب-ممارسة الفلسطينيين لحقهم، غير القابل للتصرف، في العودة إلى دورهم وممتلكاتهم التي أُجلوا عنها واقتلعوا منها.

وقررت الجمعية العامة في “د- 30″، “إنشاء لجنة معنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف تتكون من 20 دولة عضواً”. ورجت من اللجنة أن تنظر في برنامج للتنفيذ “وأن توصي به الجمعية العامة، يكون القصد منه تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة الحقوق المعترف بها في “د- 29”. ورجت الجمعية في القرار ذاته مجلس الأمن “أن ينظر، في أقرب موعد بعد 1 حزيران(يونيو) 1976، في مسألة ممارسة شعب فلسطين للحقوق غير القابلة للتصرف المعترف بها في الفقرتين 1 و2.

ولعل في إعلان الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، الكثير من الحقوق الواجبة لدولة فلسطين كدولة ناقصة السيادة، بسبب مانع الاحتلال والاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، الذي يحول ويمنع بسط وممارسة سيادتها الوطنية الفلسطينية. فقد نص الإعلان على:

  1. “أن إخضاع الشعوب لاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله يشكل إنكاراً لحقوق الإنسان الأساسية، ويناقض ميثاق الأمم المتحدة، ويعيق قضية تعزيز السلم والتعاون العالميين.
  2. لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعى بحرية إلى تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
  3. لا يجوز أبداً أن يتخذ نقص الاستعداد في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو التعليمي ذريعة لتأخير الاستقلال.
  4. يوضع حد لجميع أنواع الأعمال المسلحة أو التدابير القمعية، الموجهة ضد الشعوب التابعة، لتمكينها من الممارسة الحرة والسلمية لحقها في الاستقلال التام، وتحترم سلامة ترابها الوطني.
  5. تتخذ فوراً التدابير اللازمة، في الأقاليم المشمولة بالوصاية أو الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، أو جميع الأقاليم الأخرى التي لم تنل بعد استقلالها، لنقل جميع السلطات إلى شعوب تلك الأقاليم، دون أية شروط أو تحفظات، ووفقاً لإرادتها ورغباتها المُعرَب عنهما بحرية، دون تمييز بسبب العرق أو المعتقد أو اللون، لتمكينها من التمتع بالاستقلال والحرية.
  6. كل محاولة تستهدف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة القومية والسلامة الإقليمية لبلد ما تكون متنافية ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه.
  7. تلتزم جميع الدول بأمانة ودقة بأحكام ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهذا الإعلان على أساس المساواة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لجميع الدول، واحترام حقوق السيادة والسلامة الإقليمية لجميع الشعوب.

وأعلنت الجمعية العامة[33] الفترة 2011/2020 عقداً دولياً ثالثاً للقضاء على الاستعمار، ويهيب بالدول القائمة بالإدارة أن تتخذ جميع الخطوات اللازمة لتمكين شعوب الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي المعنية من ممارسة حقها في تقرير المصير، بما فيه الاستقلال، بصورة كاملة في أقرب وقت ممكن؛ وتعيد مرة أخرى تأكيد أن وجود الاستعمار بأي شكل أو مظهر، بما في ذلك الاستغلال الاقتصادي، أمر يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة وإعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وكذلك تعيد تأكيد تصميمها على مواصلة اتخاذ جميع الخطوات اللازمة من أجل التعجيل بالقضاء تماماً على الاستعمار وكفالة تقيد جميع الدول بدقة بالأحكام ذات الصلة بالموضوع من الميثاق وإعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ وتؤكد مرة أخرى دعمها لتطلعات الشعوب الواقعة تحت الحكم الاستعماري لممارسة حقها في تقرير المصير.

وقد تضمن إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة[34]، الكثير من الحقوق للدول ناقصة ومقيدة السيادة الوطنية، باعتبار أن مبادئ الميثاق التي يتضمنها هذا الإعلان تشكل المبادئ الأساسية للقانون الدولي. وفيما يتعلق بمبدأ تساوي الشعوب في حقوقها وحقها في تقرير مصيرها بنفسها، ينص الإعلان على ما يلي: “لجميع الشعوب، بمقتضى مبدأ تساوي الشعوب في حقوقها وحقها في تقرير مصيرها بنفسها المكرس في ميثاق الأمم المتحدة، الحق في أن تحدد، بحرية ودون تدخل خارجي، مركزها السياسي، وفي أن تسعى بحرية إلى تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعلى كل دولة واجب احترام هذا الحق وفقاً لأحكام الميثاق”. ويقضي الإعلان أيضاً أن “على كل دولة واجب العمل، مشتركة مع غيرها أو منفردة، على تحقيق مبدأ تساوي الشعوب في حقوقها وحقها في تقرير مصيرها بنفسها، وفقاً لأحكام الميثاق، وتقديم المساعدة إلى الأمم المتحدة في الاضطلاع بالمسؤوليات التي ألقاها الميثاق على عاتقها فيما يتعلق بتطبيق هذا المبدأ، وذلك في سبيل:

أ-تعزيز العلاقات الودية والتعاون بين الدول.

ب-إنهاء الاستعمار على وجه السرعة وفقاً لرغبة الشعوب المعنية بالأمر المعرب عنها بحرية، وعلى كل دولة واجب الامتناع عن إتيان أي عمل قسري، يحرم الشعوب المشار إليها أعلاه في صياغة هذا المبدأ من حقها في تقرير مصيرها بنفسها ومن حريتها واستقلالها. ويحق لهذه الشعوب، مناهضتها لمثل هذه الأعمال القسرية ومقاومتها لها، سعياً إلى ممارسة حقها في تقرير مصيرها بنفسها، وأن تتلقى المساندة وفقاً لمقاصد الميثاق ومبادئه. وبذلك فقد ضمن إعلان المبادئ هذا حقوقاً للدول ناقصة ومقيدة السيادة، وأوجب التزامات عل كافة الدول بالعمل على إنهاء الاستعمار على وجه السرعة، وتقديم المساعدة إلى الأمم المتحدة في الاضطلاع بمسؤوليات إنهاء الاستعمار.

وعادة ما يترافق الاحتلال والاستعمار بكافة أشكاله، وخاصة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني الإسرائيليين باستغلال واستنزاف الموارد والمصادر الطبيعية للشعوب، وحرمان الشعب المحتل من الاستفادة من تلك الموارد والمصادر الطبيعية. ولذا يعتبر مبدأ السيادة الدائمة على الثروات والموارد الطبيعية للشعوب[35]، أحد المبادئ الرئيسة للقانون الدولي عموماً وللشعوب المستعمرة  والدول ناقصة السيادة. وبشكل مختصر فإن “مبدأ السيادة الدائمة على الثروات والموارد الطبيعية”، يعني  أن الثروات والموارد الطبيعية هي ملك لشعوب الأقاليم التي توجد فيها هذه الموارد، سواء كانت هذه الشعوب تشكل دولاً مستقلة أم لا، فإنه ينبغي أن تستغل تلك الثروات والموارد الطبيعية لمصلحتهم، وأن يتم وضع النظام القانوني اللازم لهذا الاستغلال بما يتفق مع إرادتهم من قبل دولتهم المستقلة إذا كانوا مستقلين، أو من قبل السلطة الوطنية التي تتولى إدارتهم إذا لم يكونوا كذلك.

وتضمن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المتضمن “برنامج عمل بشأن إقامة نظام اقتصادي دولي جديد”[36]، قواعد ناظمة بشأن حقوق الشعوب المحتلة والمستعمرة في استرداد ثرواتها والتعويض عن استنزافها بنصه:

وــ “حق جميع الدول والأقاليم والشعوب الواقعة تحت الاحتلال الأجنبي أو السيطرة الأجنبية والاستعمارية أو الفصل العنصري، في رد مواردها الطبيعية وجميع مواردها الأخرى إليها، والحصول على تعويض كامل عن استغلالها واستنزافها وإلحاق الضرر بها”.‏

ح ـ حق البلدان النامية وشعوب الأقاليم الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية والعنصرية والاحتلال الأجنبي، في تحقيق تحررها وفي استعادة السيطرة على مواردها الطبيعية وأنشطتها الاقتصادية”.‏

ط ــ مد يد المساعدة للبلدان النامية والشعوب والأقاليم الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية والأجنبية أو الاحتلال الأجنبي أو التمييز العنصري أو الفصل العنصري، أو التي تتعرض لتدابير الإكراه الاقتصادية أو السياسية أو غيرها، بغية الحصول منها على ما يؤدي إلى الإقلال من شأن ممارسة حقوقها السيادية وعلى أية مزايا أخرى، والتي تتعرض للاستعمار الجديد بكافة أشكاله، والتي فرضت أو هي تسعى إلى فرض السيطرة الفعلية على مواردها الطبيعية، والأنشطة الاقتصادية التي كانت، وهي لا تزال خاضعة للسيطرة الأجنبية”.‏

وجاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن، ميثاق حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية”[37]، والذي تنص الفقرة الأولى من مادته الثانية، على مايلي” لكل دولة سيادة كاملة دائمة، تمارسها بحرية، على جميع ثرواتها ومواردها الطبيعية، وأنشطتها الاقتصادية، بما في ذلك امتلاكها واستخدامها والتصرف فيها”.‏ وقد تضمن ميثاق حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية حقوقاً وواجبات للدول ناقصة ومقيدة السيادة، كما نصت عليها المادة 16 منه على النحو التالي:‏

“(1) من حق جميع الدول وواجبها، منفردة ومجتمعة، إزالة الاستعمار والفصل العنصري والتمييز العنصري والاستعمار الجديد وكافة أشكال العدوان الأجنبي والاحتلال والسيطرة والعواقب الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عنها، باعتبار ذلك شرطاً لازماً للإنماء والدول التي تمارس مثل هذه السياسات القسرية مسؤولة اقتصادياً، أمام البلدان والأقاليم والشعوب المتضررة، عن إعادة الأمور إلى نصابها والتعويض الكامل عن استغلال واستنزاف وإعطاب الموارد الطبيعية وجميع الموارد الأخرى لتلك البلدان والأقاليم والشعوب، وعلى جميع الدول واجب تقديم المساعدة لتلك البلدان والأقاليم والشعوب.‏

((2 ما من دولة تملك حق حفز أو تشجيع أي استثمار يمكن أن يشكل عقبة أمام تحرير إقليم محتل بالقوة.‏

تنطبق الحقوق والواجبات الاقتصادية للدول على دولة فلسطين، وتصوت اللجنة الثانية التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة والمعنية بالمسائل الاقتصادية والمالية، في قرارت متعاقبة وبأغلبية ساحقة، على قرار بعنوان “السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وللسكان العرب في الجولان السوري المحتل على مواردهم الطبيعية”[38]. واشار القرار الصادر بتاريخ 18 تشرين ثاني(نوفمبر) 2010، إلى الدمار الشامل الذي ألحقته إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بالأرض الزراعية والبساتين في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، واقتلاع العديد من الأشجار المثمرة وتدمير المزارع. ويعيد القرار التأكيد على الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني على مواردهم الطبيعية، بما فيها الأرض والمياه، ويعترف بحقه في المطالبة بالتعويض نتيجة لاستغلال موارده الطبيعية وإتلافها أو ضياعها أو استنفادها أو تعريضها للخطر بأي شكل من الأشكال، بسبب التدابير غير المشروعة التي تتخذها إسرائيل والسلطة القائمة بالاحتلال في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، من خلال بناء المستوطنات وتشييد الجدار، والتي تشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي وفتوى محكمة العدل الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. ويطالب القرار إسرائيل أن تتقيد تقيداً دقيقاً بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي، وألا تستغل الموارد الطبيعية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، أو إتلافها أو التسبب في ضياعها أو استنفادها وعن تعريضها للخطر، وأن تتوقف عن تدمير الهياكل الأساسية الحيوية للشعب الفلسطيني. كما يطالب القرار إسرائيل بالكف عن اتخاذ أي اجراءات تضر بالبيئة، بما في ذلك إلقاء النفايات بجميع أنواعها في الأرض الفلسطينية المحتلة.

وفي أحدث قرار للجمعية العامة بتاريخ 14/1/2013، والمعنون: الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية[39]، “تكرر تأكيد أن جميع التدابير والإجراءات التي اتخذتها إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، انتهاك للأحكام ذات الصلة بالموضوع من اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة 12 آب/أغسطس 1949 وبما يتعارض مع قرارات مجلس الأمن المتخذة في هذا الصدد، تدابير وإجراءات غير قانونية وليس لها أي شرعية؛ وتطالب إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بالكف عن جميع الممارسات والإجراءات التي تنتهك حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني، بما في ذلك قتل وإصابة المدنيين واحتجاز المدنيين وسجنهم بشكل تعسفي ومصادرة وتدمير ممتلكات المدنيين، وبالاحترام التام لقانون حقوق الإنسان والتقيد بالتزاماتها القانونية في هذا الصدد، وفقا لأمور منها قرارات الأمم المتحدة المتخذة في هذا الصدد؛ وتطالب أيضا إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بالامتثال على نحو تام لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وبوقف العمل بجميع التدابير والإجراءات المتخذة انتهاكا للاتفاقية وخرقا لها على الفور”.

مما تقدم، فإن من أحد أبرز استحقاقاتنا الوطنية، وفقاً للقواعد الناظمة بشأن حقوق الشعوب المحتلة والمستعمرة في استرداد ثرواتها والتعويض عن استنزافها، المباشرة بطلب ممارسة حقوق الاسترداد في القانون الدولي للحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني على موارده الطبيعية، بما فيها الأرض والمياه، والمطالبة بالتعويض نتيجة لاستغلال موارده الطبيعية وإتلافها أو ضياعها أو استنفادها أو تعريضها للخطر بأي شكل من الأشكال، بسبب التدابير غير المشروعة التي تتخذها إسرائيل. والمطالبة باستعادة السيطرة على الموارد الطبيعية والأنشطة الاقتصادية على اختلاف أنواعها. والمطالبة أيضاً من دول العالم ومحافله ومنظماته الدولية على اختلاف أنواعها وتخصصاتها مد يد المساعدة لدولة فلسطين الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية والاحتلال الإسرائيلي، والتي تتعرض لتدابير الإكراه الاقتصادية والمالية والحياتية وغيرها، بغية الحصول منها على المساعدة لممارسة حق الاسترداد وفقاً لمبادئ وقواعد القانون الدولي[40] والسوابق الدولية بهذا الشأن.‏

ويظهر أيضاً مما تقدم، أن لدى دولة فلسطين آليات قانونية دولية تستند على مرجعيات ومبادئ وقواعد القانون الدولي، والتي بات من الممكن تفعيل العمل بها واستخدامها بفعالية، تجاه أطراف العلاقات الدولية المعاصرة ودول العالم، لتقديم كافة أشكال المساعدة والمساندة لدولة فلسطين، حتى تستطيع ممارسة حقها في إزالة الاحتلال ونظامه الاستعماري الاستيطاني، الذي يحول ويمنع دولة وشعب فلسطين من بسط وممارسة سيادته الوطنية. وفي حالة التمسك بهذه المبادئ والقواعد الدولية الشارعة لمنظومة العلاقات الدولية المعاصرة، وإشهارها تجاه الكافة، سيساهم هذا في ملاحقة دولة الاحتلال ومطالبتها بالانصياع لإرادة وقرارات الشرعية الدولية، وسيتم بموجبها النظر من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى الاحتلال على أنه احتلال لدولة من قبل دولة أخرى عضو في الأمم المتحدة؛ مما سيخلق ديناميكية قانونية وخطاباً سياسياً مختلفين بين إسرائيل وباقي الدول الأعضاء، وسيرفع الاعتراف من وضع فلسطين السياسي في المنابر الدولية، ويؤهلها لمواجهة ممارسات الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني بشكل أفضل، ويساعد في ترسيخ الإجماع الدولي المتزايد حول ضرورة حل القضية الفلسطينية وفقاً لمبادئ وقواعد وأحكام الشرعية الدولية، وسيضع بقية أعضاء المجتمع الدولي أمام واجبات تمليها عليهم مبادئ وقواعد القانون الدولي، كما أنه سيعزز قدرة القيادة الفلسطينية على إلزام إسرائيل بتحمل مسؤولياتها وواجباتها كقوة احتلال، باستخدام أدوات وآليات قانونية دولية قديمة وجديدة أصبحت متوفرة وممكنة بأيدي الفلسطينيين، وستتركز مقارعة الاحتلال وتجريده من المشروعية ليس بين دولة وشعب فلسطين بل ومع كافة الدول قاطبة، في كافة المنابر الدولية وخاصة في منظمة الأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية المتخصصة. وعلى الرغم من أن “الإنجاز السياسي الذي تحقق، لا يزال نظرياً، لكن أبعاده السياسية والقانونية والإستراتيجية مهمة إلى حد كبير، حيث توفرت لمنظمة التحرير الفلسطينية فرص حقيقية، لتوسيع أدوات وأطر الاشتباك مع السياسات الإسرائيلية”[41].

ولعل توسيع شبكة الاشتباك القانوني والسياسي، والذي باتت إسرائيل تعتبره بمثابة “إرهاب سياسي” و”نزع الشرعية” عن دولة الاحتلال، يعتبر تفعيلاً لأحد الشروط التكميلية لإظهار التنظيم السياسي الفلسطيني المطالب بتجسيد الدولة وبسط السيادة الوطنية على دولة فلسطين. ويرى الفقه القانوني الدولي المعاصر بأنه “يمكن في حالة الاستعمار والاحتلال، أن يستعاض عن السيادة والسيطرة على الإقليم، بفعالية حركة التحرير”[42]. وبهذا فإن توسيع أطر وأشكال النضال الوطني الفلسطيني بأشكاله المشروعة، يعزز من تطوير مفهوم الفعالية لدولة فلسطين والذي “مؤداه أن فعاليتها لا تتمثل في سيطرتها الفعالة على الإقليم بالضرورة، وإنما يكتفى منها أن تكون سعياً فعالاً إلى استخلاص الإقليم من سيطرة المحتل أو المستعمِر”[43].

 الانضمام  للمعاهدات وللمنظمات الدولية

بالإضافة إلى المكاسب الدولية والقانونية الهامة، التي تترتب على قرار رفع مستوى تمثيل فلسطين في الأمم المتحدة، ستزول عوائق محاولات الانضمام إلى العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية كاتفاقيات جنيف الأربع ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وسيصبح بالمستطاع والممكن الانضمام إلى نحو أكثر من ستين منظمة وهيئة ولجنة دولية، كمنظمة الطيران المدني الدولي لبسط السيادة والسيطرة القانونية على المجال الجوي، والاتحاد الدولي للاتصالات «ITU» للسيطرة السيادية على موجات الأثير القانونية الخاصة بدولة فلسطين، ومنظمة الأغذية والزراعة« FAO»، والوكالة الدولية للطاقة الذرية «IAEA»، والبنك الدولي، ومنظمة السياحة الدولية«WTO» ، ومنظمة العمل الدولية، «ILO» والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، «IFAD»، ومنظمة الطيران المدني الدولية «ICAO»، وصندوق النقد الدولي«IMF» ، ومنظمة الملاحة الدولية«IMO »، ومنظمة التنمية الصناعية للأمم المتحدة«UNIDO»، واتحاد البريد العالمي«UPU»، ومنظمة الصحة العالمية«WHO» ، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية«WIPO»، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية«WMO».

وقد جرت محاولات حثيثة وجادة من قبل منظمة التحرير،[44] للانضمام لتلك المنظمات الدولية المتخصصة بعد إعلان قيام دولة فلسطين في 15 تشرين ثاني(نوفمبر) عام 1988، لكن تلك المحاولات اصطدمت بالرفض والتهديد والوعيد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية. إن الانضمام لهذه المنظمات الدولية سيتطلب جهوداً مكثفة وزمناً طويلاً، ويحتاج مزيداً من الدعم الدولي الذي يجب أن لا نتوانى لحظة عن مواصلة حشده لصالح قضيتنا ومستقبل وطننا، وهذا يجب أن يكون من أولويات عملنا نحن كفلسطينيين، ومن خلفنا يأتي الدور العربي ثم الأممي.

ويجب اختيار المنظمات التي ينبغي الانضمام لها وفق حاجاتنا المرحلية والضرورية لكل مرحلة، حتى لا نبدد جهودنا وندفع أثماناً باهظة لا تعود علينا بفوائد واضحة ومباشرة. كما يجب أن نضع نصب أعيننا أن الهدف من الانضمام لهذه المنظمات هو الدفاع عن شعبنا وتأهيله لبلوغ مرحلة الحصول على دولة كاملة العضوية. فكلما انضممنا إلى إحدى هذه المؤسسات كدولة مراقبة غير كاملة العضوية، سنحصل على مزيد من الدعم الدولي الرسمي والشعبي الذي قد يبلغ مرحلة المقاطعة والعقوبات الدولية، إضافة إلى الاستفادة من المساعدات المختلفة التي تقدمها تلك المنظمات. ولذا، يتوجب المسارعة إلى استكمال ذلك الاعتراف والبناء عليه، وذلك بتقديم الطلبات الضرورية، للانضمام إلى المؤسسات الدولية، التي يسمح وضع فلسطين الجديد بها. وهي على سبيل المثال فقط، لا الحصر[45]، التالية:

  • المحكمة الجنائية الدولية، حيث يمكن مقاضاة المسؤولين الإسرائيليين عن الاستيطان أو المستوطنين الذين يقومون بالاعتداء على سيادة فلسطين ومصالح سكانها.
  • محكمة العدل الدولية، حيث يمكن مقاضاة إسرائيل وإجبارها على رفع حصارها الجائر عن غزة.
  • معاهدة قوانين البحار، حيث يمكن أن تحصل فلسطين على حصتها العادلة من حقول الغاز المقابلة لشواطئ غزة، بحيث تضمن بالتالي دخلاً قد يكفيها لإدارة شؤونها المالية ذاتياً، دون الحاجة إلى استجداء المساعدات من أحد.
  • اتفاقية جنيف الرابعة بشأن قوانين الحرب وأعرافها، التي تضمن للمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وضع أسرى حرب على ما لذلك من مزايا، بدلاً من اعتبارهم سجناء جنائيين.
  • المنظمة العالمية للطيران المدني، حيث يمكن استعادة السيادة والسيطرة القانونية على المجال الجوي الفلسطيني.
  • الاتحاد العالمي للمواصلات اللاسلكية، حيث يمكن استعادة السيطرة على الموجات الإذاعية، بما في ذلك تلك المخصصة للهواتف النقالة.

إن للانضمام إلى المؤسسات الدولية المذكورة وغيرها، كما هو واضح، فوائد عملية جمة على أكثر من صعيد، تصب كلها في خانة تثبيت استقلال فلسطين وتقويته. ويشرف المجلس الاقتصادى والاجتماعى على عدد ضخم من هذه الفروع التي نشأت بقرارات من الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن أهم هذه الفروع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR)، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)، ومجلس الغذاء العالمي (WFC)، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، والمجلس الدولى لمراقبة المخدرات (INCP)، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (UNCEF)، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP)، وصندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، وجامعة الأمم المتحدة (UNU)، وبرنامج الغذاء العالمى (WFP)، وغيرها من الفروع التي تعمل كل منها بشكل شبه مستقل وله مجلس إدارة خاص به. كما يعتبر المجلس الاقتصادى مركز التنسيق الرئيسي لأنشطة الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، والتي ترتبط بالأمم المتحدة “باتفاقيات وصل” وهذه الوكالات هي مجموعة “يريتون وودز” وهى البنك الدولى (IBRD)، ومجموعة المؤسسات التابعة له مثل هيئة التنمية الدولية (IDA)، والمؤسسة المالية الدولية (IFC)، وصندوق النقد الدولى (IMF). وكذلك أربع عشرة منظمة دولية أخرى هي اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية…الخ.

ويعد المجلس الاقتصادي والاجتماعي، حسب ميثاق الأمم المتحدة، الجهاز الرئيسي لتنسيق الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالمؤسسات المختصة لدى الأمم المتحدة، المنظمة العالمية للأغذية والزراعة، والمنظمة الدولية للصناعة، وبرنامج الأغذية العالمي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي) وباللجان الفنية (لجنة السكان والتنمية، ولجنة التنمية الاجتماعية…) وبخمسة لجان إقليمية (اللجنة الاقتصادية لإفريقيا واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا.. ويتلقى بالإضافة إلى ذلك تقارير من أحد عشر صندوقاً وبرنامجاً تابعاً للأمم المتحدة: صندوق الأمم المتحدة الإنمائي، صندوق الأمم المتحدة للسكان، اليونيسيف… كما يعتبر أيضا هيئة رئيسية لدراسة القضايا الاقتصادية والاجتماعية الدولية، وإعداد التوصيات التطبيقية لهذه القضايا لفائدة الدول الأعضاء ومنظومة الأمم المتحدة.

ولعل في المهام المنوطة بلجان وهيئات المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، ما يستوجب العمل على اكتساب العضوية الكاملة فيها، إذ أن تلك المهام تتركز في تشجيع تقييم مستويات المعيشة والعمالة الكاملة والتقدم الاقتصادي والاجتماعي؛ وإيجاد الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والصحية الدولية؛ وتيسير التعاون الدولي في المجالات الثقافية والتعليمية؛ وتشجيع الاحترام الشامل لحقوق الإنسان والحريات الأساسية. والعضوية في المنظمات الدولية اختياريةّ، أي أن العضوية لا تفرض على الدول، بل إن الدول هي التي تسعى لاكتسابها. ومن حقوق العضوية في المنظمات الدولية:[46] المشاركة في التصويت وتقديم الاقتراحات، وحضور أجهزة المنظمة ولجانها، والتمتع بالامتيازات والحصانات، والاستفادة من الخدمات التي تقدمها المنظمة لأعضائها. وفي المقابل تفرض العضوية التزامات منها: المساهمة في نفقات المنظمة، والمساعدة في تحقيق أهداف المنظمة وعدم إعاقة نشاطها، واحترام الدول الأعضاء لاستقلالية موظفي المنظمة وخاصة الموظفين الذين هم رعايا هذه الدول.

ويمكن حصر أشكال العضوية في تلك المنظمات الدولي في ثلاثة: العضوية الأصلية، والعضوية بالانضمام والعضوية بالانتساب. إن الانتساب لعضوية تلك المنظمات الدولية المتفرعة عن الأمم المتحدة، تحتاج إلى دراسة هادئة ومتمعنة، كون عضوية تلك المنظمات الدولية تتطلب المرور بإجراءات قبول العضوية واستيفاء الشروط اللازمة؛ علماً أن تلك الإجراءات والشروط تختلف لدى منظمة وأخرى، إذ أن لكل منها شروطاً موضوعية وإجراءات معينة لاكتساب العضوية فيها[47]. وعلى الرغم من وجود أوجه التقاء وتشابه بين تلك المنظمات الدولية، إلا أن هناك العديد من أوجه الاختلاف في ما بينها أيضاً[48]. فالمؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية هو الذي يقرر القبول بأغلبية ثلثي الحاضرين، ويجيز دستور المنظمة للدول الأعضاء حق الانسحاب منها بشرط أن يتم إخطار المنظمة بذلك قبل سنتين، وأن يكون العضو قد أوفى جميع التزاماته تجاه المنظمة خلال هذه المدة .بينما تنص الفقرة الثانية من المادة السادسة والثلاثين (2/36) من النظام الأساسي لكل من محكمة العدل الدولية الدائمة ومحكمة العدل الدولية على أن “الدول التي هي أطراف في هذا النظام الأساسي، لها أن تصرح في أي وقت بأنها بذات تصريحها هذا وبدون الحاجة الى اتفاق خاص، تقر للمحكمة بولايتها الجبرية في نظر جميع المنازعات القانونية التي تقوم بينها وبين دولة تقبل الالتزام نفسه، متى كانت هذه المنازعات القانونية “تقع ضمن اختصاصها”.

 الإجراءات التنفيذية لإنفاذ قرار الدولة

في أول اجتماع للقيادة الفلسطينية، في أعقاب صدور قرار رفع تمثيل فلسطين إلى دولة مراقبة غير عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تضمن بيان القيادة[49] مساء الرابع من كانون أول(ديسمبر) 2012 القرارات التنفيذية التالية :

  1. التوجه إلى مجلس الأمن الدولي باسم دولة فلسطين للمطالبة بإصدار قرار ملزم لإسرائيل من أجل وقف القرارات الاستيطانية التوسعية المدمرة وجميع أشكال النشاط الاستيطاني.
  2. تواصل العمل على الساحة الدولية ومع جميع الهيئات المعنية من اجل ترسيخ مكانة دولة فلسطين، وتفعيل عملية سياسية حقيقية وفعالة لإنجاز رحيل الاحتلال عن كامل أراضي دولة فلسطين، وتأمين بناء مؤسسات وطنية راسخة للدولة ولجميع تجمعات شعبنا الفلسطيني.
  3. التطبيق العاجل للقرار الذي أصدرته لجنة المتابعة العربية بتوفير شبكة أمان مالية للسلطة بما لا يقل عن مئة مليون دولار شهرياً، من أجل معالجة الآثار المترتبة على سياسة العقوبات الجماعية الإسرائيلية.
  4. المسارعة في تنفيذ خطوات المصالحة التي جرى الاتفاق عليها في الماضي، وإزالة جميع العقبات أمامها.
  5. تشكيل لجنة عليا من بين أعضائها لمتابعة العملية السياسية والتنظيمية الخاصة بتطبيق قرار الأمم المتحدة بشأن عضوية دولة فلسطين، وتحديد الخطوات المطلوبة على جميع الصعد من أجل قطع كل المراحل الكفيلة بتحقيق أغراض هذا القرار.
  6. سوف تواجه بحزم وتصميم القرارات الاستيطانية الأخيرة في القدس ومحيطها بما فيه مشروع (E1)، لأن مصير حل الدولتين ومستقبل العملية السياسية، سوف يعتمد على إحباط هذا المشروع الأخطر في تاريخ التوسع الاستيطاني والعنصري.
  7. المتابعة الحثيثة لمواجهة سياسة العقوبات الجماعية بما فيها تجميد استحقاقات السلطة المالية، باعتبارها انتهاكاً يعاقب عليه القانون الدولي.

وأشار د.نبيل شعث[50] أنه قبل التقدم لطلب عضوية المنظمات الدولية يجب إنهاء الانقسام وإتمام المصالحة، وأن هذا القرار تم اتخاذه من قبل اللجنة الوطنية التي شكلت للتحضير للعضوية في المنظمات والاتفاقيات الدولية[51]، بتجهيز البروتوكولات المطلوبة من تقديم الطلبات والشروط الواجب تنفيذها. ودرست القيادة الفلسطينية خلال اجتماعها بتاريخ الثالث من كانون ثاني (يناير) 2013[52]، تقريراً مفصلاً عن تنفيذ قرار الأمم المتحدة وما سوف يترتب عليه من نتائج وخطوات ملموسة، وخاصة:

  • الانضمام إلى المعاهدات والاتفاقات الدولية أو إلى المنظمات والهيئات والوكالات الدولية. وأقرت القيادة الفلسطينية عدداً من الخطوات بهذا الصدد.
  • ترسيخ مكانة دولة فلسطين على الصعيد الوطني والإقليمي وكذلك على المستوى الدولي، انطلاقاً من التزام دولة فلسطين بميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان، وجميع المواثيق التي تؤكد على أن دولة فلسطين كدولة ديمقراطية، تقوم على أساس كونها دولة تحمل قيم السلام والعدالة والمساواة بين المرأة والرجل وبين جميع الشعوب والدول بدون استثناء.
  • إعداد وثيقة وطنية تحدد الخطوات المطلوبة، لكي يرتقي الكفاح السياسي والشعبي إلى مستويات تكفل إنجاز هدف الاستقلال، وفي سبيل تأمين أوسع إجماع وطني حول سبل إنجاز هذا الهدف.
  • الدعوة السريعة لعقد اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
  • التوجه العاجل إلى مجلس الأمن الدولي، من أجل اصدار قرار ملزم ضد جميع قرارات وإجراءات الاستيطان الاسرائيلية في القدس ومحيطها وفي جميع أرجاء الضفة الغربية، حيث أن سياسة حكومة نتنياهو وجميع قوى التطرف اليميني والعنصري في إسرائيل تسعى إلى تقويض حل الدولتين.
  • التحرك مع المجتمع الدولي لتأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وخصوصاً في مواجهة جرائم واعتداءات عصابات المستوطنين الإرهابية ضد المواطنين وممتلكاتهم في أنحاء متعددة في الضفة الغربية، بتنسيق وحماية من قبل قوات الاحتلال وأجهزته المختلفة.

وصرحت الناطقة باسم الحكومة الفلسطينية[53] “أن الحكومة شكلت بالتزامن من القيادة في منظمة التحرير الفلسطينية، لجنة قانونية واستشارية لدراسة كيفية ترقية وضع الحكومة بما ينسجم ووضع فلسطين الجديد بعد أن حصلت على عضوية دولة مراقب في الأمم المتحدة”. وقال وزير العدل أن “وزارة العدل شكّلت لجاناً من مجموعة من القانونيين وخبراء أجانب في القانون الدولي، إضافة إلى قانونيي الوزارة وخبراء قانونيين في منظمة التحرير، تدرس استحقاقات حصول فلسطين على دولة غير عضو في الأمم المتحدة، وما ترتبه هذه العضوية من انعكاسات على السلطة، والتقدم بطلب الانضمام لمؤسسات ووكالات الأمم المتحدة.

ووقع رئيس دولة فلسطين محمود عباس، المراسيم الرئاسية[54] التي تقضي باعتماد اسم “دولة فلسطين” وشعارها على جميع الأوراق والمعاملات الرسمية. وتأتي هذه المراسيم الرئاسية في سياق تجسيد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر بتاريخ 29-11-2012، القاضي برفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقب في الأمم المتحدة. وتقضي المادة الأولى من المرسوم الأول بأن “يتم التعديل في الأوراق الرسمية والأختام واليافطات والمعاملات الخاصة بمؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية الرسمية والوطنية، باستبدال اسم “السلطة الوطنية الفلسطينية” حيثما يرد باسم “دولة فلسطين”، واعتماد شعار دولة فلسطين فيها، وتكلف الجهات المعنية بمتابعة تطبيق هذا المرسوم، مع مراعاة مقتضيات الاستخدام. وتقضي المادة الثانية بأن “يتم تعديل الأوراق الرسمية والأختام واليافطات والمعاملات في سفارات دولة فلسطين وبعثاتها بالخارج، بإبقاء اسم “دولة فلسطين” وشعارها دون غيره ثم اسم “البعثة”، وتكليف وزارة الخارجية بتطبيق ذلك، ويراعى كيفية معالجة ذلك مع الدول غير المعترفة بدولة فلسطين”.

وفي السادس من كانون ثاني (يناير) عام 2013 كلف الرئيس محمود عباس مجلس الوزراء بمرسوم رئاسي[55]، بأن يعد في فترة أقصاها شهران تعديلات على القوانين والنظم النافذة، وإعداد نماذج جديدة مقترحة لكل من: جواز السفر وبطاقة الهوية والرقم الوطني ومستندات تسجيل السكان والأحوال الشخصية ورخص المركبات ورخص القيادة وطوابع الإيرادات بأنواعها وطوابع البريد لدولة فلسطين. وقد نصت المادة الأولى من هذا المرسوم الرئاسي على أن:

“يكلف مجلس الوزراء في فترة أقصاها شهران بإعداد تعديلات على القوانين والنظم النافذة وإعداد نماذج جديدة مقترحة لكل من: جواز السفر وبطاقة الهوية والرقم الوطني ومستندات تسجيل السكان والأحوال الشخصية ورخص المركبات ورخص القيادة وطوابع الإيرادات بأنواعها وطوابع البريد لدولة فلسطين، وذلك على النحو التالي:

أولاً: يتم إعداد نماذج جديدة لجواز السفر لدولة فلسطين على أن يكون من ثلاثة أنواع: الدبلوماسي والخاص والعادي، وذلك وفق النظم الدولية المعتمدة وطبقا لأحدث المواصفات العالمية. حيث سيصار لاستخدامه في الوقت المناسب ليشمل كل فلسطيني داخل فلسطين وفي الشتات، مع الحفاظ على جميع حقوق الفلسطينيين في الدول المقيمين بها.

ثانياً: يتم إعداد نظام خاص بالرقم الوطني لكل فلسطيني حيثما تواجد وذلك بهدف استخدامه في التعريف بجنسيته ولتضمينه في وثائق التعريف الرسمية ولأغراض الإحصاء الوطني.

ثالثاً: يتم إعداد نماذج جديدة لبطاقة الهوية ومستندات تسجيل السكان ووثائق الأحوال المدنية كافة لمواطني دولة فلسطين، وذلك وفق النظم الدولية المعتمدة، وطبقا لأحدث المواصفات العالمية. حيث سيصار لاستخدامه في الوقت المناسب ليشمل كل فلسطيني داخل فلسطين وفي الشتات.

رابعاً: يتم إعداد نماذج جديدة لرخص المركبات ورخصة القيادة الوطنية والدولية، وذلك وفق النظم الدولية المعتمدة وطبقاً لأحدث المواصفات العالمية. حيث سيصار لاستخدامه في الوقت المناسب، ويراعى في ذلك مقتضيات الاستخدام.
خامساً: يتم إعداد نماذج جديدة لطوابع الإيرادات والطوابع البريدية، وذلك وفق النظم الدولية المعتمدة وطبقاً لأحدث المواصفات العالمية. حيث سيصار لاستخدامها في الوقت المناسب. ويراعى في ذلك مقتضيات الاستخدام.

وبدأت وزارة الخارجية الفلسطينية تغيير صفتها الدبلوماسية من “السلطة الفلسطينية إلى “دولة فلسطين”، لكن وزارة الداخلية تواجه صعوبة في الاقتداء بها لأن غالبية المعاملات المتعلقة بتسيير شؤون الفلسطينيين في الداخل يجب أن تمر بإسرائيل. وقال وزير الخارجية الفلسطيني[56] إن “كل المراسلات التي تصدرها الوزارة اليوم، تم تغيير ترويستها من السلطة الفلسطينية إلى “دولة فلسطين”. وأضاف: “قمنا أيضاً بالتعميم على كافة السفارات الفلسطينية في الخارج باستعمال ترويسة، دولة فلسطين، بدل، السلطة الفلسطينية، على كافة الأوراق والأختام الرسمية”. وأكد أن “كافة معاملات وزارة الخارجية تتم اليوم باسم، دولة فلسطين”، وسيتم إبلاغ ممثلي كافة البعثات الدبلوماسية في الأراضي الفلسطينية، بتغيير المعاملات الدبلوماسية معنا على أساس دولة فلسطين”. وتابع: “نعلم أن بعض الدول لديها أنظمة وقوانين خاصة بها، وسنتعامل مع كل دولة على حدة وفق أنظمتها وقوانينها”.

وأعلنت وزيرة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطينية، عن إصدار أول طابع مالي بمسمى “دولة فلسطين” بدلاً من “السلطة الوطنية الفلسطينية”، وذلك لصالح وزارة الخارجية التي ستوزعه وتعمل به من خلال سفارات وممثليات دولة فلسطين في أنحاء العالم. وأكد وزير الخارجية أن “وزارة الخارجية سترفق هذا الطابع بكل المعاملات الرسمية التي تتعامل بها مع مختلف دول العالم”. وقال: “نعم سيتم توزيع هذا الطابع على كافة الممثليات والسفارات الفلسطينية، حيث سيتم وضع هذا الطابع على كافة المعاملات الرسمية”. وأشار إلى أن “وزارته لا تجد صعوبات في التعامل تحت اسم دولة فلسطين على الصعيد الخارجي رغم معارضة إسرائيل”.

مرجعية المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية

رفع مكانة التمثيل الفلسطيني إلى دولة مراقب، لن يمس بمكانة وحقوق منظمة التحرير الفلسطينية المكتسبة وامتيازاتها ودورها في الأمم المتحدة بصفتها ممثل الشعب الفلسطيني، وفقا للقرارات والممارسة ذات الصلة، ووفقا لنص قرار انضمام فلسطين للأمم المتحدة كدولة مراقب؛ فاعتراف الأمم المتحدة بإعلان الاستقلال الفلسطيني عبر جمعيتها العامة بقرار حمل رقم (177- الدورة 43) بتاريخ 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988، وقراراها بعد ذلك استخدام اسم فلسطين في منظمة الأمم المتحدة، دون المساس بمركز صفة المراقب لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقيام الجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ قرار يمنح المنظمة امتيازات إضافية للمشاركة في أعمالها، وأعمال مجلس الأمن والمنظمات الدولية الأخرى، مما جعل المنظمة أقرب إلى وضع الدولة، وذلك بتاريخ 7 تموز (يوليو) 1988، لهو دليل قوي على أن مكانة منظمة التحرير قد تعززت بمزيد من الصلاحيات وبمزيد من الشرعية الدولية التي منحتها القدرة في تعزيز الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني وحمايتها. وبتاريخ السابع من تموز (يوليو) 1998 قررت الجمعية العامة رفع مستوى تمثيل فلسطين في الأمم المتحدى بإضفاء صفة “مراقب ممتاز” عليه، ونص القرار[57] على أن الجمعية العامة للأمم المتحدة” تمنح فلسطين، بما لها من صفة المراقب، حقوقاً وامتيازات إضافية للمشاركة في دورات الجمعية العامة وأعمالها، وفي المؤتمرات الدولية التي تعقد تحت إشراف الجمعية العامة أو هيئات الأمم المتحدة الأخرى، وكذلك في مؤتمرات الأمم المتحدة”. وتم إرفاق القرار بقائمة الحقوق والامتيازات الإضافية، ومنها: حق المشاركة في المناقشات العامة للجمعية العمومية، وحق التسجيل في قائمة المتكلمين في إطار بنود جدول الأعمال، وحق الرد، وحق المشاركة في تقديم مشاريع القرارات المتعلقة بقضية فلسطين وقضايا الشرق الأوسط. وقد استثنى هذا القرار حق التصويت وحق تقديم مرشحين. ومنحت الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 فلسطين صفة دولة “مراقب” غير “عضو”، “دون المساس بحقوق منظمة التحرير الفلسطينية المكتسبة وامتيازاتها ودورها في الأمم المتحدة، بصفتها ممثل الشعب الفلسطيني، وفقاً للقرارت والممارسة ذات الصلة” – حسب نص الفقرة الثانية العاملة في القرار.

ومع رفع مكانة فلسطين إلى الدولة المراقبة، لم يعد يتلاءم النظام السياسي في الأراضي الفلسطينية بالمعنى القانوني مع الوضع القانوني الدولي لدولة فلسطين، الأمر الذي يوجب بالتالي وضع نهاية للسلطة الوطنية الفلسطينية كنظام سياسي أفرزته المرحلة السابقة، مما يستدعي ذلك بدء العمل على إقامة نظام الدولة السياسي لإقامة حكومة دولة فلسطين. ولأن منظمة التحرير الفلسطينية هي صاحبة الولاية القانونية والمرجعية الوطنية العليا، حيث يعتبر المجلس الوطني الفلسطيني الهيئة التمثيلية التشريعية العليا للشعب الفلسطيني بأسره داخل فلسطين وخارجها، ويستمد المجلس المركزي شرعيته من شرعية المجلس الوطني الفلسطيني، فإن للمجلس المركزي علاقة قانونية إنشائية بالسلطة الفلسطينية، فهو من أصدر قرار إنشاء السلطة الفلسطينية وهو من يمتلك قرار حلها، حيث أصدر المجلس المركزي في دورته المنعقدة من 10-12/10/1993 في تونس القرار التالي:

  1. تكلف اللجنة التنفيذية بمنظمة التحرير الفلسطينية بتشكيل مجلس السلطة الوطنية الفلسطينية في المرحلة الانتقالية، من عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية، وعدد من الداخل والخارج.
  2. يكون السيد ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيساً لمجلس السلطة الوطنية الفلسطينية[58].

ولم تشهد تلك الفترة التي أعقبت نشوء السلطة الفلسطينية، أي نقاش أو تداول جوهري لتوضيح شكل العلاقة ما بين السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، لأن السلطة الفلسطينية وجدت آنذاك لمرحلة انتقالية مدتها خمس سنوات وعند انتهائها ستتم إقامة الدولة الفلسطينية، ولأن توقيت هذه المرحلة لا يحتمل الدخول في جدل ونقاش جدي لتوضيح شكل العلاقة ما بين السلطة والمنظمة. ومع انتهاء الفترة الانتقالية عام 1999 وتعثر المفاوضات ما بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل، بقي جسم السلطة الفلسطينية الانتقالي قائماً حتى لا يحدث أي فراغ على الساحة الفلسطينية، واحتد الصراع على الأرض مع انسداد الأفق السياسي واندلاع انتفاضة الأقصى؛ الأمر الذي أوجب قيام منظمة التحرير الفلسطينية بإصدار عدة قرارات بشأن السلطة الوطنية الفلسطينية تحدد بمقتضاها علاقة منظمة التحرير الفلسطينية بالسلطة الوطنية الفلسطينية، إضافة الى شكل السلطة ومهامها وعلاقاتها الداخلية والخارجية، خاصة بعد انتهاء الفترة الانتقالية التي وجدت من أجلها السلطة الوطنية والتي انتهت عام 1999.

وفي ظل رفع مكانة فلسطين إلى دولة، فإن الحال بات يقتضي الإسراع في دعوة المجلس المركزي لمنظمة التحرير، لإعادة النظر بقرار إنشاء السلطة الوطنية التي استنفدت وقتها ومهماتها، وإحالة كافة الحقوق والالتزامات التي كانت للسلطة وعليها، إلى دولة فلسطين بموجب مبدأ الاستخلاف في القانون الدولي الناظم لهكذا حالات. ولا أحد يستطيع إجراء هكذا تغيير بنيوي إلا المجلس المركزي الذي أنشأ السلطة الوطنية أو المجلس الوطني الفلسطيني صاحب الولاية القانونية والمرجعية الوطنية العليا. ويرى الكثيرون أنه “لم يعد من المناسب الحديث عن إنهاء السلطة، أو حلّها، لأن هذا إنجاز ينبغي البناء عليه، لا تصريفه بطريقة خاطئة، وهذا يعني أن البناء على ما جرى في الأمم المتحدة يفترض إعادة تعريف الكيان الفلسطيني المتمثل في السلطة، لا حلّ السلطة، وهذا يشمل حصر مهمتها في إدارة أوضاع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، والتعبير عنهم، وتأمين الخدمات لهم، من مختلف النواحي، وتعزيز مقومات صمودهم، بمختلف الأشكال”[59].

ويرى آخرون أنه “لا خلاف على أهمية مراجعة مفهوم السلطة الفلسطينية ودورها ووظيفتها في ظل الدولة الفلسطينية، وكيفية العمل على تحررها من قيود اتفاقات أوسلو المنشئة لها، وبقدر تحرر السلطة بقدر تجسيده لدولة أكثر اقتراباً من الدولة الكاملة، وهنا يجب أن يتركز التفكير على كيفية إنهاء الاحتلال، وليس حل السلطة الفلسطينية، وبدلا من ذلك التفكير في إعادة بناء منظومة السلطة الفلسطينية التي تنطلق من مفهوم الدولة الفلسطينية في ظل الاحتلال، المطلوب سلطة تقوم بدور فاعل في إنهاء الاحتلال [..] وقبل التفكير في حل السلطة الفلسطينية علينا أن نفكر في الخيار البديل، وأي خيار فلسطيني فاعل مرهون بقدرته على التسريع في إنهاء الاحتلال”[60].

ولعل هذا الرأي على وجاهته السياسية، إلا أن المقتضيات القانونية الدولية لما بعد رفع التمثيل الدولي لفلسطين، تستوجب إعمال مبدأ الاستخلاف في القانون الدولي. وتقوم نظرية الاستخلاف في القانون الدولي على حقيقة أن “دولة تكف عن أن تمارس اختصاصات داخل إقليم بعينه، وتحل أخرى محلها، وينجم عن هذه الحقيقة أن تتعرض العلاقات الداخلية والخارجية للإقليم لتغيرات مفاجئة تمس البناء الاقتصادي والاجتماعي والقانوني”[61]. ويتناول الاستخلاف الدولي ما للشخص القانوني الدولي من حقوق – أي أنه ينظم وضعاً من أوضاع الأهلية القانونية الدولية[..] ويتناول حق الشخص الدولي في أن يكون له منفرداً، أهلية اكتساب الحقوق والالتزام بالواجبات في داخل نطاق إقليمي محدد”[62]. وقد تناولت معاهدة فينا لعام 1978 في شأن أثر الاستخلاف الدولي على المعاهدات، لكون أنّ الاستخلاف الدولي يعني من بين ما يعنيه “حلول دولة محل أخرى في المسؤولية عن العلاقات الدولية الخاصة بإقليم بعينه”، واعتمدت المعاهدة في شأن الدول حديثة النشأة والاستقلال مبدأ حرية تقرير المصير بشأن المعاهدات والاتفاقيات التي سبقت استقلالها وتتعلق بإقليمها، أي يتوقف التعامل مع تلك المعاهدات والاتفاقيات على ما تراه مناسباً لها، وتبعاً لذلك تملك الدولة حديثة الاستقلال أن تتحلل من معاهدات السلف أو أن تلتزم بها، بل وإن شاءت أن تكمل الإجراءات التي بدأتها الدولة السلف، بالرضى والاتفاق ما بين أطراف تلك المعاهدات والاتفاقيات[63]؛ وهو الأمر الذي يتوجب إمعان التفكير به بشأن الاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل بما فيها اتفاق باريس الخاص ببروتوكول العلاقات الاقتصادية، والتي يتوجب العمل على إعادة النظر بها ومراجعته وإعادة تصويبها وفقاً لاستحقاقات ما بعد رفع التمثيل الفلسطيني إلى دولة مراقبة غير عضو.

وقد يذهب المجلس المركزي إلى حد تشكيل مجلس انتقالي بهدف إدارة أراضي الدولة الفلسطينية بشكل مؤقت، وهذا المجلس المؤقت يحضر لانتخابات عامة، على الرغم من أن هذه الخطوة سوف تصطدم برفض إسرائيل التي أعلنت رفضها لهذا التحول ولا تعترف به، معتبرة أن شيئاً لم يكن، ولن تفسح المجال أمام الفلسطينيين لإجراء انتخابات. وقد يكون من الصواب اعتماد ما تضمنه اتفاقاً القاهرة والدوحة بشأن الإطار القيادي كإطار مؤقت وانتقالي في هذا المجال.

وقد يكون من الواجب، أن يقرر المجلس المركزي تفعيل العمل على تشكيل جمعية تأسيسية، لإعداد مشروع دستور دولة فلسطين بشكله النهائي، ليصار من ثم إلى إحالته للاستفتاء الشعبي. علماً أنه قد تم تقديم المسودة الثالثة المنقحة لدستور فلسطين للمجلس المركزي الفلسطيني بتاريخ 9 آذار (مارس) 2003 وشرحت بشكل واف، وأصدر المجلس قراراً يرحب بالمسودة ويثمن الدور الذي قامت به اللجنة وخبراؤها ومستشاروها في إعدادها، كما وجه الشكر للشخصيات والدول التي ساهمت في دعم هذا الجهد، وأوصت اللجنة باستكمال عملها وبالالتقاء باللجنة القانونية للمجلس المركزي وغيره من اللجان لمناقشة هذه المسودة، بحيث يمكن البدء في مناقشة شكلها الأخير في الاجتماع القادم للمجلس المركزي. وتكون مهمة الجمعية التأسيسية تنقيح وتجديد النصوص الواردة في المسودة الثالثة لمشروع الدستور، وإدماج القواعد الدولية الواجبة فيه، وفقاً للمتغيرات التي طرأت ووفقاً لوجهات النظر والاقتراحات التصويبية والتجديدية المفيدة، التي ظهرت وقد تفصح عن نفسها أيضاً من قبل أعضاء الجمعية التأسيسية. ولعل من الجدير بالذكر، وجوب تحديد فترة زمنية لاستكمال عمل تلك الجمعية التأسيسية، وعلى أن تشمل كافة أطياف الشعب الفلسطيني وتوجهاته، وعلى أن يكون للخبراء القانونيين وخاصة المتخصصين بالقانون الدستوري نصيب وافر من أعضاء الجمعية التأسيسية.

ومع رفع تمثيل دولة فلسطين يتوجب الإقرار بأن ثمة مرحلة جديدة ونوعية في تاريخ الصراع قد بدأت، إذ “إن للاعتراف الدولي بفلسطين أسنانه وأظافره، التي يمكن أن تعض و”تخرمش” وتؤلم؛ ولا يستحسن التردد كثيراً في اللجوء إليها”- كما يكتب الباحث المخضرم في الشؤون الإسرائيلية صبري جريس، ويقترح خطوات واجبة في هذا السياق، أبرزها[64]: أن تختلف المفاوضات بعد اليوم، بصورة واضحة، عما عهدناه حتى الآن، وينبغي أن ترتكز، من الآن فصاعداً، على تنفيذ قرار الاعتراف، وإقامة دولة فلسطين فعلاً على الأرض، دون الدخول في متاهات أخرى. وأن يتم انتهاج تصرفات تليق بالدولة والقائمين على شؤونها سوية، من حيث التصرف على الصعيد الدولي من جهة والتعامل مع الاحتلال الصهيوني من جهة أخرى. فلم تعد هناك “مناطق متنازع عليها” ولا “سلطة” ذات صلاحيات محدودة ولا شعب لا حول له ولا قوة، بل إن هناك دولة، وإن كانت تحت الاحتلال، معترفاً بها دولياً، رسمياً وقانونياً. ويتوجب تعليق التنسيق الأمني أو إيقافه مؤقتاً، التنسيق، يفترض، على الأقل، أن يكون متبادلاً. فلا يجوز، مثلاً، الحفاظ على أمن إسرائيل ومواطنيها فيما تغض هي الطرف عن عربدة مستوطنيها وتغولهم. ويتوجب السعي إلى إيجاد آليات وأجهزة دولية أخرى غير الرباعية، لتتولى تنفيذ قرار الاعتراف والمساهمة في إقامة دولة فلسطين فعلاً على الأرض. ولا يقل أهمية العمل على إحداث تغيير جذري في الإستراتيجية الفلسطينية الأساسية، وذلك بالسعي إلى تحجيم الدور الأميركي بأكبر قدر ممكن وصولاً إلى الاستغناء عنه واستبداله بالدور الأوروبي، خصوصاً وأن أوروبا تبدي تفهماً وتعاطفاً ملحوظين مع قضايا الفلسطينيين ولا تعترف بالممارسات الإسرائيلية العدائية ولا تقرها، كما أنها ساحة مفتوحة للنشاط الشعبي المؤيد للفلسطينيين. وعلى عكس الاعتقاد أن أميركا قادرة على الضغط على إسرائيل، من المناسب الانتباه إلى أن أوروبا تزيد عنها قدرة في هذا المجال. فالمصالح الإسرائيلية الرئيسية، الاقتصادية والمالية والسياسية والعلمية والثقافية وغيرها موجودة في أوروبا، وهي ما لا تستطيع إسرائيل الاستغناء عنه. ويكفي أن تبدأ، مثلاً، إجراءات لمقاطعة إٍسرائيل، ولو بالحد الأدنى، من جهة أو فرض العقوبات الأوروبية عليها من جهة ثانية، ولو بالحد الأدنى أيضاً، لكي يهتز توازن الكيان الصهيوني. وكذلك مجابهة المحتل وخططه، عالمياً وإقليمياً ومحلياً – شعبياً، في معركة سياسية شاملة لم نشهد مثلها حتى الآن. ومثل هذا التوجه ضروري، بل قد لا يكون هناك غيره، لدحر الاحتلال واحتوائه ونيل الحرية، وصولاً إلى الاستقلال الحقيقي. ومن الضروري، ضمان مشاركة أكبر عدد من الفلسطينيين فيها، ليس فقط من بين من يعرفون باسم القوى الشعبية ونشطائها وإنما أيضاً من المختصين والعلماء والمفكرين وأمثالهم.

نحو إدارة دولية مؤقتة وانتقالية

وقد يكون موضوع وضع الأراضي الفلسطينية تحت الوصاية الدولية، أو إدارة دولية مؤقتة لفترة انتقالية محددة المعالم والفترة الزمنية[65]، وكذلك المهام المتمثلة في تسلم إدارة أراضي دولة فلسطين بعد فرض انسحاب الاحتلال، أحد البدائل والخيارات المطروحة فلسطينياً في المرحلة القادمة، والتي يتوجب دراستها من كافة جوانبها. وتستند فكرة الوصاية الدولية على نص المادة 75 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على أن “تنشئ الأمم المتحدة، تحت إشرافها، نظاماً دولياً للوصاية، وذلك لإدارة الأقاليم التي تخضع لهذا النظام بمقتضى اتفاقات فردية لاحقة وللإشراف عليها. ويطلق على هذه الأقاليم اسم الأقاليم المشمولة بالوصاية”؛ مع الوضع في الاعتبار أن الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، ولا ينطبق عليها نظام الوصاية، تخضع لمجموعة من الحقوق والالتزامات، التي تقع على كاهل الدول المنوطة بها إدارتها، طبقا لنص المادة 73، وفيها: ” يقــر أعضاء الأمم المتحدة الذين يضطلعون في الحال، أو في الاستقبال بتبعات عن إدارة أقاليم لم تنل شعوبها قسطاً كاملاً من الحكم الذاتي، بالمبدأ القاضي بأن مصالح أهل هذه الأقاليم لها المقام الأول ويقبلون أمانة مقدسة في عنقـهم، والالتزام بالعمل على تنمية رفاهية أهل هذه الأقاليم إلى أقصى حد مستطاع في نطاق نظام السلم والأمن الدولييْن الذي رسمه الميثاق. كما نصت المادة 77 من الميثاق، على أن تكون تلك الأقاليم من: أ) الأقاليم التي كانت مشمولة بالانتداب. ويشمل اتفاق الوصاية، طبقاً للمادة 81 من الميثاق، الشروط التي يدار بمقتضاها الإقليم المشمول بالوصاية، وتعيين السلطة التي تباشر إدارة الإقليم. ويجوز أن تكون هذه السلطة دولة أو أكثر، أو منظمة الأمم المتحدة ذاتها.

وتمثل منظمة الأمم المتحدة الإطار الجامع لدول العالم، وتشكل منبراً رحباً للعلاقات الدولية، وتناط بها مهمات ضبط إيقاعات العلاقات الدولية وفقاً لمبادئ وقواعد القانون الدولي، وبهذا فإن لها دورأ حاسماً في السعي الفلسطيني لانتزاع حقوقه الوطنية المشروعة وغير القابلة للتصرف، حسب منطوق قراراتها المتعاقبة. وترى محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري بشأن جدار الفصل والضم والتوسع العنصري، بأن “مسؤولية الأمم المتحدة في هذه المسألة ناشئة أيضاً عن الانتداب وعن قرار التقسيم المتعلق بفلسطين”[66]. وقد وضحت الجمعية العامة نفسها هذه المسؤولية بأنها “مسؤولية دائمة إزاء قضية فلسطين، إلى أن تّحل القضية من جميع جوانبها، على نحو مرضٍ للشرعية الدولية[67]“. وتضيف محكمة العدل الدولية أن القضية الفلسطينية “قضية ذات أهمية فائقة بالنسبة للأمم المتحدة، قضية ذات أبعاد أوسع بكثير من مجرد نزاع ثنائي[68]“. ولذا، فإننا مطالبون بالعمل وفق هذا الرأي الإفتائي، والتمسك بآلية الأمم المتحدة ومرجعية الشرعية الدولية، بما في ذلك المطالبة بوضع أراضي الدولة الفلسطينية تحت الوصاية أو إدارة دولية مؤقتة لفترة انتقالية محددة المعالم والمهام والفترة الزمنية، وذلك “في اتجاه وضع الدولة الفلسطينية بكل مؤسساتها ومسؤولياتها تحت وصاية الأمم المتحدة، لتقوم الأخيرة بدورها في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي بكل الوسائل الشرعية التي تتوفر”[69]. ويقترح كاتب آخر[70] تحديد “مهلة ستة أشهر، مثلا ً، تعلنها القيادة الفلسطينية تدعو فيها الأمم المتحدة لتولي الإشراف على أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة، وتطبيق المواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بالاحتلال على هذه الأراضي، إلى أن يتم إجلاء الاحتلال عنها.

وتقع على عاتق الجانب الفلسطيني التزامات، وتتمثل أساساً في رفض كافة الإجراءات والتدابير الإلحاقية الإسرائيلية للقدس وللأراضي الفلسطينية الأخرى، والإصرار على النضال من أجل إزالة الاحتلال وممارسة حق تقرير المصير والاستقلال ونيل السيادة الوطنية الناجزة. ولعل أهم ما يمكن التسلح به في مواجهة تلك التدابير والإجراءات والضغوطات والابتزازات، يتمثل في التمسك بالشرعية الدولية، وفي مقدمتها اتفاقية جنيف الرابعة، التي حددت وحفظت لنا حقوقاً وأوجبت على إسرائيل كسلطة احتلال الالتزام بها، وتعهدت دول العالم باحترامها وفرض تطبيقها.

والحقوق الواردة في اتفاقية جنيف الرابعة تعتبر محمية دولياً. ومن بين تلك الحقوق ما تنص عليه المادة الثامنة، والتي تؤكد بأنه “لا يجوز للأشخاص المحميين، التنازل في أي حالٍ من الأحوال جزئياً أو كلية” عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى هذه الاتفاقية”؛ أي أن الشعب الفلسطيني لا يملك أن يتنازل عن حقوقه بموجب مبادئ وقواعد اتفاقية جنيف الرابعة. وتضيف المادة السابعة، أن أي اتفاق قد يحصل ما بين الأطراف المتعاقدة السامية في الاتفاقية، لا يؤثر تأثيراً ضاراً على وضع الأشخاص المحميين كما نظمته هذه الاتفاقية، أو يُقيد الحقوق الممنوحة لهم بمقتضاها”. وتعتبر رزمة المبادئ والقواعد والأحكام التي تتضمنها اتفاقية جنيف الرابعة ملزمة ولا يجوز الخروج عنها، وفقاً للمادة الحادية عشرة التي تقول بأنه “في أي اتفاق خاص، يعقد بين دول تكون إحداها مُقيدة الحرية في التفاوض، مع الدولة الأخرى أو حلفائها بسبب أحداث الحرب، ولو بصفة مؤقتة، وعلى الأخص في حالة احتلال كل أراضيها أو جزء هام منها”. وهو ذات الأمر الذي نصت عليه المادة 47 بتأكيدها عدم جواز التنازل أو حرمان الذين يخضعون للاحتلال من تلك الحقوق المحمية “بسبب أي تغيير يطرأ نتيجة لاحتلال الأراضي على مؤسسات الإقليم أو حكومته، أو بسبب أي اتفاقية تُعقد بين سلطات الإقليم المحتل ودولة الاحتلال، أو كذلك بسبب قيام هذه الدولة بضم كل أو جزء من الأراضي المحتلة”.

ويبدو أن القيادة الفلسطينية تمارس ذلك فعلاً، وخاصة بعدما تسربت للصحافة الأنباء المتعلقة برفض الرئيس الفلسطيني مقايضة دخول اللاجئين الفلسطينيين من سوريا، مقابل التنازل عن حق عودتهم لديارهم وممتلكاتهم الأصلية. وكذلك ما تسرب من معلومات عن رفض الرئيس الفلسطيني لعروض أمريكية- أوروبية، لمقايضة التعهد بعدم الانضمام لميثاق روما الناظم لمحكمة الجنايات الدولية مقابل مليار دولار، رغم الأزمة المالية المستفحلة لدى دولة فلسطين.

فرص ضاعت وأخرى واعدة

ويبدو من الحركة والنشاط الذي تقوم به القيادة الفلسطينية، وخاصة إصدار المراسيم الرئاسية لبسط بعض مظاهر ووظائف السيادة الوطنية في التطبيق العملي، تطبيقا وإعمالاً للقرار الدولي برفع صفة ودرجة التمثيل الفلسطيني في منظومة الأمم المتحدة، أن القيادة الفلسطينية ماضية في تطبيق مقتضيات ومتطلبات تنفيذ هذا القرار التاريخي. وقد مرت القضية الفلسطينية ببعض المحطات التي كانت تحمل في طياتها فرصاً لتحقيق المطالب الوطنية، إلا أن المراجعة الأمينة لتلك المحطات، تشير إلى ضرورة “دراسة السبب الأساسي الذي كان يحرمنا من الاستفادة بالحدود القصوى من القرارات الدولية، وهو قلة المتابعة أو انعدامها [..] كنا نكتفي حين الحصول على قرار هام بالاحتفال واستخدامه لإثبات حضورنا، وما إن تمر أيام حتى نكون نحن أول من ينسى، وتذكروا قرارات الجدار وتصويت غولدستون وأشياء كثيرة من هذا القبيل”[71]. فقد توفرت للسلطة فرص سابقة للقيام بذلك، ويبدو أن أسباباً عدة حالت دون استخدامهما وتوظيفهما كما كان متوقعاً. ويمكن في هذا السياق التوقف عند ثلاثة محطات رئيسة:

الأولى: الاستحقاقات القانونية التي كان يجب أن تترتب عن انتهاء الفترة الانتقالية في الرابع من أيار (مايو) عام 1999، والتي أرغمت إبانه القيادة الفلسطينية رغم كافة الجهود التي بذلتها قبيل وبعيد ذلك التاريخ، على تجاوز استحقاقاته القانونية في الاتفاقية المبرمة مع الدولة القائمة بالاحتلال بتوقيع الدول الراعية؛ الأمر الذي أدى إلى فتح الفترة الانتقالية المحددة بخمسة سنوات لتصبح وكأنها دائمة، بدليل بقائها سارية طوال الفترة السابقة التي تتجاوز الأربعة عشرَ عاماً، ولا يوجد ما يشير إلى قرب انتهائها. وطوال تلك السنوات تم وضع القضية في متاهة المفاوضات، التي تبين بأنها عبثية ولا جدوى منها، وشكلت غطاءً لفرض الأمر الواقع عن طريق التغول بالإجراءات الاستعمارية الاستيطانية. وقد شهدت تلك الفترة عصفاً سياسياً وفكرياً وقانونياً، كان لكاتب هذه السطور مساهمة متواضعة فيه[72]، مؤداها أن يسبق الرابع من أيار (مايو) 1999 “إعلان واضح وصريح، ببسط السيادة وتجسيد الدولة، يصدر عن م. ت. ف. باعتبارها المرجعية القانونية للسلطة [..] وأحبذ أن تعلن السيادة من الأمم المتحدة ومن قبلها، الأمر الذي يقتضي دعوة الجمعية العامة لدورة استثنائية”

[73]. وهو الأمر والسيناريو الذي تحقق في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، أي بفترة فاصلة تمتد لنحو أربعة عشر عاماً.

وثاني تلك الفرص: الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في لاهاي في قضية جدار الفصل العنصري في العام 2004، وهو القرار المهم، الذي يؤكد على المركز القانوني للأراضي الفلسطينية كأرض محتلة ويعتبر الجدار فعلاً غير قانوني، وبقي القرار حبيس الأدراج ولم يتم حسن استخدامه في الدفاع عن جملة الحقوق الفلسطينية، رغم كافة المحاولات لمتابعته من قبل القيادة الفلسطينية التي أخضعت لضغوط وتهديدات مهولة.

وثالث تلك الفرص: تقرير غولدستون المتعلق بالتحقيق في ما ارتكب من جرائم أثناء العدوان على قطاع غزة في العام 2008-2009، والذي اعتبر أن كثيراً مما قامت به قوات الاحتلال الاسرائيلي يرقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وهو التقرير الذي لم تنفذ توصياته حتى اليوم.

ويجئ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القاضي برفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقب في الأمم المتحدة، ليطرح مهمات وواجبات متعددة لمتابعة تنفيذ مضامينه، إذ و”على رغم أهمية القرار، وحتى يحقق الغاية المرجوة منه، فإنه يحتاج إلى تحصين سياسي وقانوني من جانب النظام السياسي الفلسطيني، وهو ما يتطلب توفر الإرادة السياسية للقيام بذلك، كي لا يصبح القرار هدفاً بذاته، أو جزءاً من معركة في العلاقات العامة[74]. ولعل حسن تفعيل متابعة هذا القرار من جوانبه المتعددة، يعتبر اختباراً جديداً لمدى الجدية التي انطلقت منها المساعي الحثيثة والجادة التي بذلت بغية الوصول إليه، والتي رافقتها محاولات للتهديد والوعيد والعقوبات التي لا نزال نعاني من وطأتها، على الأصعدة المالية والديبلوماسية والتدابير الاستيطانية غير المسبوقة. ولعل الشروع في اتخاذ الخطوات الواجبة لما بعد القرار، تعتبر خطوة هامة في تشجيع الدول المساندة للحقوق الفلسطينية، والتي دعمت القرار رغم التهديدات التي واجهتها من قبل دولة باغية، وسيشجعها على تبني وإقرار تقرير دولي في غاية الأهمية يجري إعداده بشأن الاستيطان، تنفيذاّ لقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يقضي بتشكيل لجنة دولية، لتقصي الحقائق بشأن تأثيرات المستوطنات على حقوق الفلسطينيين وحياتهم في الأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية، والذي دعا إسرائيل إلى اتخاذ إجراءات جدية للتصدي لعنف المستوطنين بما في ذلك مصادرة الأسلحة وتطبيق عقوبات جنائية، وحماية المدنيين الفلسطينيين والممتلكات في الأراضي المحتلة، وأدان اعتزام إسرائيل بناء وحدات سكنية جديدة للمستوطنين في الضفة الفلسطينية والقدس الشرقية، مؤكداً أن ذلك يقوض عملية السلام ويشكل تهديدا لحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ومتصلة الأجزاء[75]. ولا يقل أهمية عن التقرير الموعود بشأن الاستيطان ما قد يتمخض عنه التحقيق الفرنسي الجنائي الجاري بشأن ملابسات استشهاد الرئيس الخالد ياسر عرفات، والذي قد تترتب عليه نتائج يتوجب أخذها بالحسبان على المدى المنظور.

ويمكن في الختام القول، بأن قرار الجمعية العامة برفع درجة تمثيل فلسطين إلى دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة، يتطلب القيام بجملة من المقتضيات والواجبات لتطبيق ما تضمنه صراحة، وما يتضمنه من مضامين وآليات قانونية دولية في غاية الأهمية، ستشكل نقلة نوعية جديدة في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني من أجل إنهاء الاحتلال والاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي وتجسيد الدولة الوطنية وبسط السيادة الوطنية.

الهوامش

[*] باحث ومستشار قانوني.

[1] قرار الجمعية العامة، القرار رقم 67/19، بتاريخ 29 تشرين ثاني (نوفمبر) 2012، بعنوان: مركز فلسطين في الأمم المتحدة.

[2] غازي حسن صباريني، الوجيز في مبادئ القانون الدولي العام، عمان: دار الثقافة والنشر والتوزيع، 2009 ص121.

[3] مصطفى أحمد فؤاد، النظرية العامة للتصرفات الدولية الصادرة عن الإرادة المنفردة، مصر، المحلة الكبرى: دار الكتب القانونية، 2004، ص206_ 207.

[4] د. محمد المجذوب، القانون الدولي العام، بيروت: منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة السادسة 2007، ص232.

[5] د. سهيل الفتلاوي، في القانون العام، عمان: دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2009، ص132.

[6] د. محمد المجذوب، مصدر سبق ذكره، ص 234.

[7] د. أحمد أبو الوفا، القانون الدولي العام، القاهرة: دار النهضة العربية، الطبعة الرابعة 2004، ص430.

[8] صحيفة الحياة الجديدة (رام الله)، 2 كانون الأول (ديسمبر) 2012، العدد 6134.

[9] في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الخميس 23 أيلول (سبتمبر) 2010، حذر الرئيس الأميركي باراك أوباما من أن قدر الأرض المقدسة هو استمرار سفك الدماء، إلا إذا اتحد العالم خلف خطته من أجل دولة فلسطين، وإسرائيل آمنة خلال عام. وتابع أوباما قائلاً: “عندما نعود في العام القادم إلى هنا (الأمم المتحدة)، باستطاعتنا أن تكون لدينا اتفاقية تؤدي إلى انضمام عضو جديد في الأمم المتحدة، دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة، تعيش في سلام مع اسرائيل”. وعند طلب الرئيس الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، خلال دورتها السنوية السادسة والستين في العام التالي، لنيل اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية، وحصولها على عضوية كاملة في الأمم المتحدة على أساس الحقوق الطبيعية والقانونية والتاريخية للشعب الفلسطيني، وبالاستناد إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181، وإعلان استقلال دولة فلسطين العام 1988، واعتراف الجمعية العامة بهذا الإعلان في القرار 43/177، أسوة ببقية دول العالم، كانت الولايات المتحدة أشد المعارضين؟!

[10] د.كمال قبعه، نحو تجسيد دولة فلسطين وبسط السيادة الوطنية، في كتاب: الدولة الفلسطينية: واقع وآفاق ممارسة الاستقلال والسيادة. عمان: م ت ف، المجلس الوطني الفلسطيني، دار الكرمل، 2000، ص204.

[11] محمد شوقي عبد العال حافظ، الدولة الفلسطينية: دراسة سياسية قانونية في ضوء أحكام القانون الدولي. القاهرة: الهيئة المصرية للكتاب، 1992، ص 237.

[12] قرار الجمعية العامة رقم 181 في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947.

[13] د.كمال قبعه، نحو تجسيد دولة فلسطين وبسط السيادة الوطنية، مصدر سبق ذكره، ص 206.

[14] قرار الجمعية العامة رقم  3237 د29 في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1974.

[15] قرار الجمعية العامة رقم 177/43 الصادر في 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988. ومن الجدير بالذكر أن 104 دول صوتت لصالح القرار وعارضته إسرائيل والولايات المتحدة، أي تم اعتماده بنسبة 98 % من الأصوات بينما يتطلب تمريره أغلبية بسيطة أي 54 صوتاً فقط.

[16]قرار الجمعية العامة 43/177 د43 في 15 ديسمبر 1988.

[17]قرار الجمعية العامة رقم 52/250 بتاريخ 7 تموز 1998. وقد اتخذ القرار بأكثرية 124 صوتاً، في حين صوتت ضد القرار أربعة دول وهي: الولايات المتحدة وإسرائيل وميكرونيزيا وجزر مارشال. ويمكن مراجعة القرار في مجلة الدراسات الفلسطينية. العدد 36، خريف 1998، ص 223- 224.

[18]قرار الجمعية العامة، القرار رقم 67/19، بتاريخ 29 تشرين ثاني (نوفمبر) 2012، بعنوان: مركز فلسطين في الأمم المتحدة، القاضي برفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقب في الأمم المتحدة. وصوتت بنعم 138 دولة فيما عارضته 9 دول، ومن بينها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، بينما امتنعت عن التصويت “41” دولة. وفي اليوم التالي الذي خلا من التدخلات والضغوط الأمريكية، صوتت الجمعية العامة على قرار بعنوان “تسوية قضية فلسطين بالطرق السلمية” بتأييد 163 دولة، وهو عدد الدول الفعلي الذي يؤيد الاعتراف بعضوية المراقب من غير الضغوط الأميركية. وبذلك قفز عدد الدول المؤيدة من 138 دولة إلى 163 دولة. ويتناول هذا القرار ضرورة الوقف التام لجميع أنشطة الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية. ودعا إلى التوقف الفوري عن تشييد الجدار، والوقف الكامل لكافة الأعمال الإسرائيلية الاستفزازية، وضرورة الانسحاب الإسرائيلي من أراضي الـ 67 بما في ذلك مدينة القدس، وإعمال حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف. وجاء القرار الثاني بعنوان قرار القدس صوتت عليه 162 دولة بما فيها جميع دول الاتحاد الأوروبي، وينص على أن: “أي إجراءات تتخذها إسرائيل لفرض قوانينها وولايتها وإدارتها على مدينة القدس باطلة ولاغية”.

[19]د. محمد طلعت الغنيمي، الوسيط في قانون السلام، الإسكندرية: منشأة المعارف، 1982، ص 310-315.

[20]د. سهيل الفتلاوي، الوجيز في القانون الدولي العام، عمان: دار الثقافة، 2011، ص 180-187. د. إحسان الهندي،  مبادئ القانون الدولي العام في السلم والحرب. دمشق: دار الجليل، 1984، ص 211- 218. د. محمد طلعت الغنيمي، قانون السلام، مصدر سابق، ص277- 309.

[21] المصدر نفسه، ص 193-2001.

[22]د. محمد عزيز شكري، المدخل إلى القانون الدولي العام وقت السلم، الطبعة الثانية، دمشق: دار الفكر، 1973، ص148.

[23]د. محمد حافظ غانم، المسؤولية الدولية، القاهرة: مطبعة نهضة مصر، 1962، ص22.‏

[24]د.كمال قبعه، الآليات القانونية لحماية القدس وفقاً للقانون الدولي العام، دراسة غير منشورة، مقدمة للمؤتمر الدولي الذي انعقد في قطر حول حماية مدينة القدس، الدوحة 2-3/2/ 2011.

[25] فتوى محكمة العدل الدولية بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة. شؤون عربية، خريف 2004، العدد 119،  الفقرة 78.

[26]  المصدر نفسه، الفقرة 101.

[27]  البيان الخطي لفلسطين لدى محكمة العدل الدولية، إجراءات إفتاء بشأن الآثار القانونية لبناء جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة. القدس: إصدار ونشر “بكدار”، بلا تاريخ، ص229.

[28] فتوى محكمة العدل الدولية، مصدر سبق ذكره، الفقرة 155.

[29] للتفصيل، يمكن مراجعة: د. محمد السعيد الدقاق، عدم الاعتراف بالأوضاع الإقليمية غير المشروعة: دراسة لنظرية الجزاء في القانون الدولي. الإسكندرية: دار المطبوعات الجامعية، 1991.

[30] المادة الأولى من مواد لجنة القانون الدولية المتعلقة بمسؤولية الدول لعام 2001، وفقاً لقرار الجمعية العامة رقم 56/83 الصادر في 12 كانون الأول (ديسمبر) 2001.

[31] فتوى محكمة العدل الدولية، مصدر سبق ذكره، الفقرة 159.

[32] قرار الجمعية العامة رقم 1514 “د- 15″، الصادر في 14 كانون الأول (ديسمبر) 1960، بشـأن” منح الاستقلال للبلدان والشعـوب المستعمرة”.

[33] قرار الجمعية العامة، رقم 134/67 بتاريخ 14 كانون ثاني (يناير) 2013، بعنوان: تنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة.

[34] قرار الجمعية العامة رقم 2625 (دورة 25) الصادر في 24 /10/ 1970، أنظر المحاضر الرسمية للجمعية العامة، الدورة 25، ملحق رقم 28(A/8028)، ص (121 – 124). تحت عنوان، إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الدولية والتعاون فيما بين الدول.

[35] قرار الجمعية العامة رقم 1803 (د17)، بتاريخ 14 كانون الأول (ديسمبر)، (9)1962، الخاص بالسيادة الدائمة للدول على مواردها وثرواتها الطبيعية.

[36]قرار الجمعية العامة رقم 3202 (الدورة السادسة الخاصة)، بتاريخ /7/ أيار (مايو) 1974 المتضمن”برنامج عمل بشأن إقامة نظام اقتصادي دولي جديد”. والقرار رقم 3201 (الدورة السادسة الخاصة)، وتاريخ /6/ أيار (مايو) 1974 المتضمن “إعلان بشأن إقامة نظام اقتصادي دولي جديد”.

[37]قرار الجمعية العامة رقم 3281 (29) وتاريخ 12 كانون الأول (ديسمبر) 1974 المتضمن، “ميثاق حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية”.

[38] صوتت 162 دولة لصالح القرار، بزيادة 10 أصوات عن العام 2010، بينما عارضته  7  دول من بينها إسرائيل والولايات المتحدة وكندا واستراليا، وامتنعت 3  دول عن التصويت…

[39]قرار الجمعية العامة رقم 121 /67، بتاريخ 14/1/2013، والمعنون: الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.

[40] للتفصيل بهذا الشأن يمكن مراجعة: د. صلاح عبد البديع شلبي، حق الاسترداد في القانون الدولي. القاهرة: بلا دار نشر، الطبعة الأولى، 1983. وكذلك، د. رشاد السيد، المسؤولية الدولية عن أضرار الحروب العربية الإسرائيلية. القسم الأول والثاني، عمان: دار الفرقان، 1984.

[41] طلال عوكل، متى نبدأ بمحاسبة إسرائيل، صحيفة الأيام (رام الله) 24/12/2012.

[42] د. منى محمود مصطفى، الاعتراف بالدول الجديدة بين النظرية والممارسة. القاهرة: دار النهضة العربية، 1989، ص 193- 194.

[43] محمد شوقي عبد العال حافظ، مصدر سبق ذكره، ص 277- 288.

[44] للتفصيل حول ذلك يمكن مراجعة: أحمد عبد الحق، بين السياسي والقانوني: مسألة عضوية دولة فلسطين في منظومة الأمم المتحدة. الإعلام الموحد الفلسطيني: منظمة التحرير الفلسطينية، نيقوسيا: مؤسسة بيسان للصحافة والنشر، 1990. وكذلك، د. خالد عريقات،  منظمة التحرير والمنظمات الدولية. موسكو: دار التقدم، 1992، ص 107- 146.

[45]صبري جريس، نحو إستراتيجية فلسطينية أخرى (في ظل الاعتراف بدولة فلسطين) jiryis.com/، تاريخ المشاهدة 6 كانون الثاني (يناير) 2013.

[46] عبد الكريم علوان خضير، الوسيط في القانون الدولي، الكتاب الرابع: المنظمات الدولية عمان: دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2002.

[47] د. محمد المجذوب، التنظيم الدولي: النظرية والمنظمات العالمية والإقليمية والمتخصصة. بيروت: منشورات الحلبي القانونية، 2002، ص 80 وما بعدها. د.مفيد شهاب، المنظمات الدولية، دار النهضة العربية: القاهرة، الطبعة العاشرة، 1990.

[48]  المصدر نفسه، ص571-574. د. أحمد أبو الوفا، منظمة الأمم المتحدة والمنظمات المتخصصة والإقليمية. القاهرة: دار النهضة العربية، 1997. د. محمد عزيز شكري.(1973). التنظيم الدولي. دمشق: دار الفكر، ص 316- 322.

[49] صحيفة القدس (القدس) 4/12/2012.

[50] صحيفة القدس (القدس) 9 كانون أول(ديسمبر) 2012.

[51]  أعضاء هذه اللجنة هم: أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه، والأعضاء صائب عريقات، وحنان عشراوي، ونائب الأمين العام للجبهة الشعبية عبد الرحيم ملوح؛ والأمين العام للمبادرة الوطنية مصطفى البرغوِثي وعضوا اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتية ونبيل شعث وعضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية قيس عبد الكريم.

[52] صحيفة القدس (القدس) 4 كانون الثاني (يناير) 2013.

[53] الصحف الفلسطينية ( رام الله) 17/12/2012.

[54]  وكالة الأنباء الفلسطينية وفا، بتاريخ 3-1-2013 .

[55] صحيفة القدس(القدس) 7/1/2013.

[56] صحيفة القدس (القدس) 14/1/2013.

[57] يمكن مراجعة القرار في مجلة الدراسات الفلسطينية. العدد 36، خريف 1998، ص 223- 224. وقد اتخذ القرار بأكثرية 124 صوتا، في حين صوتت ضد القرار أربع دول وهي: الولايات المتحدة وإسرائيل وميكرونيزيا وجزر مارشال.

[58] قرار منشور على الصفحة الالكترونية للمجلس الوطني الفلسطيني www.palestinepnc.org

[59] ماجد الكيالي، ما هي الخطوة الأولى بعد الدولة؟ وما هو مصير منظمة التحرير؟، صحيفة القدس (القدس) 17/12/2012. موقع عرب 1948، www.arabs48.com تاريخ المشاهدة 13/12/2012.

[60] د. ناجي شراب، الدولة الفلسطينية.. وخيار حل السلطة!، صحيفة القدس 30/12/2012.

[61] د. محمد طلعت الغنيمي، قانون السلام، الإسكندرية: منشأة المعارف، 1982، ص 480.

[62] المصدر نفسه، ص 490.

[63] المصدر نفسه، ص 492- 497.

[64] صبري جريس، نحو إستراتيجية فلسطينية أخرى (في ظل الاعتراف بدولة فلسطين)، jiryis.com، تاريخ المشاهدة 6 كانون الثاني (يناير) 2013.

[65] د.كمال قبعة، الآليات القانونية لحماية القدس وفقاً للقانون الدولي العام، دراسة غير منشورة، مقدمة للمؤتمر الدولي الذي انعقد في قطر حول حماية مدينة القدس، الدوحة 2-3/2/ 2011، ص 13.

[66]  فتوى محكمة العدل الدولية بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة. شؤون عربية، خريف 2004، العدد 119، الفقرة 49.

[67]  قرار الجمعية العامة رقم 57/107 المؤرخ في 3 كانون الأول (ديسمبر) 2002.

[68]  الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن الجدار، مصدر سبق ذكره، الفقرة 50.

[69] د. ناجي شراب، الدولة الفلسطينية.. وخيار حل السلطة!، صحيفة القدس 30/12/2012.

[70]زياد أبو زياد، صحيفة القدس 30/12/2012.

[71]نبيل عمرو، الأمم المتحدة..ماذا حدث بالضبط؟، صحيفة القدس 3/12/2012.

[72]د.كمال قبعه، نحو تجسيد دولة فلسطين وبسط السيادة الوطنية، مصدر سابق، ص203- 221.

[73]المصدر نفسه، ص 230، حيث تم تدوين تعقيبي الشفوي على أسئلة المشاركين، ومن هنا تظهر ركاكة النص؛ علماً أن الدراسة التي تقدمت بها ألحقت بما أسميته بدل الخاتمة، والتي ارتأى القائمون على ورشة العمل عدم توزيعها على المشاركين، كونها قد تكشف التكتيك الفلسطيني في السيناريوهات المطروحة، ولكوني كنت قد بعثتها للقائد الرمز الخالد ياسر عرفات قبيل الندوة. وقد علمت لاحقاً بأن رئاسة المجلس الوطني قد أرفقت الدراسة كاملة في الملف الذي قدم لاجتماع المجلس المركزي في تلك الفترة.

[74]عصام يونس، الدولة غير العضو: ملاحظات قانونية وسياسية، المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات “ملف”  www.malaf.info، تاريخ المشاهدة 2/1/2013.

[75] تبنى مجلس حقوق الإنسان الذي يضم 47 عضواً، بتاريخ 23 آذار (مارس) 2012، قرار تشكيل لجنة التحقيق الدولية  بأغلبية 36 صوتا بينها روسيا والصين، مقابل رفض الولايات المتحدة وحدها، في حين امتنعت عشر دول عن التصويت بينها إيطاليا وإسبانيا.