ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم

 

مع بلوغها ٧٥ عاما، تهديدات إسرائيل الأكبر قادمة من الداخل

As Israel turns 75, its biggest threats now come from within

مجلّة “The Economist” البريطانيّة

٢٧ نيسان/ أبريل ٢٠٢٣

في هذا المقال المنحاز لإسرائيل، تسرد المجلّة البريطانيّة بإيجاز كيف تغلّبت إسرائيل “برشاقة وبراعة” على الصعّاب في مراحل تاريخها المختلفة، ومن ثمّ تجادل بأنّ التحديات الوجوديّة القادمة مصدرها من الداخل، متناولة بالتحليل ثلاثة محاور رئيسيّة: الديموغرافيا، وتهميش الفلسطينيين، والتعددية القطبيّة للنظام الدوليّ. فيما يلي الترجمة الكاملة للمقال:

في الوقت الذي تحتفل فيه إسرائيل بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيسها، فلنتوقف برهة لنرى كيف انتصرت بأعجوبة على الصعاب. قبل إعلان الاستقلال في عام ١٩٤٨ حذّر جنرالاتها من أنّ فرصة بقائها لا تتعدى الخمسين عاما. إسرائيل اليوم غنية جدا، وأكثر أمانا مما كانت عليه في معظم تاريخها، وهي دولة ديمقراطية – إذا كنتم مستعدين لاستبعاد الأراضي التي تحتلّها. لقد تغلّبت على الحروب والجفاف والفقر بموارد طبيعية قليلة ناهيك عن العزيمة البشرية. إنّها منطقة “ناشزة” في الشرق الأوسط، ومركز للابتكار ورابحة من العولمة.

ومع ذلك، كما نوضّح، تواجه إسرائيل مجموعة مختلفة من الفرص والتهديدات في العقود القادمة. يمكننا أن نلمس هذا من الاضطرابات التي حدثت في الأسابيع الأخيرة: أزمة دستورية حول استقلاليّة القضاء أثارتها حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية. فراغ غريب في السلطة في الضفة الغربية الراكدة. وقواعد النظام القديم الذي تقوده أمريكا يجري تمزيقها حيث أبرمت المملكة العربية السعودية وإيران والصين صفقات جديدة. في القرن العشرين، كان خطر الغزو يهدد بقاء إسرائيل. في الحادي والعشرين، يكمن الخطر في الانقسامات الداخليّة التي تستنزفها مما تحتاجه من قوة ورشاقة لتزدهر.

من السهل أخذ إنجازات إسرائيل كأمر مسلم به. بعد عام ١٩٤٨، قامت ببناء دولة ديمقراطية ليبرالية – ومُصارِعة- بمحاكم شديدة الاستقلاليّة، على الرغم من عدم وجود دستور مكتوب. وبعد مغازلتها للاشتراكية، احتضنت الأسواق. في عام ١٩٨٠ كان الناتج المحلي الإجمالي للفرد يقارب نصف الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا، ويفوقها الان بـ ١٢٪، وهي أغنى ١١ مرّة من مصر. تمتلك إسرائيل عددا من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا “يونيكورن” أكثر من بقيّة دول الشرق الأوسط وحازت على جوائز نوبل أكثر من الصين، كما اجتازت التحوّلات الجيوسياسيّة ببراعة. بعد الحرب الباردة، استوعبت مليون مهاجر يهودي من الاتحاد السوفييتي، مع حفاظها على علاقتها الخاصّة مع أمريكا.

على غرار معظم الأماكن الناجحة، فقد زاوجت بين احتضان المنافسة والتغيّرات المزعزعة مع القدرة على التوحّد في وجه المخاطر المرتفعة. إنّ تفوقها العسكري على جيرانها العرب الأكثر عددا يعكس تقنيّة فائقة، وأيضا جيشا يضم أكثر من ٤٠٠ ألف من جنود الاحتياط المتحمّسين. وفي ومواجهة تفاقم موجات الجفاف من جرّاء تغيّر المناخ، أنشأت شبكة تحلية مياه رائدة تديرها الدولة وتزوّد نصف احتياجها من المياه. في أحلك أيامها وأكثرها إثارة للانقسام – حرب يوم الغفران عام١٩٧٣، وغزوها الكارثي للبنان عام١٩٨٢، واغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين في عام ١٩٩٥، وكلّ محادثات السلام الفاشلة التي لا تنتهي مع الفلسطينيين، تمكّنت من التكيّف وإيجاد تسوية سياسية واجتماعية جديدة.

سيتمّ اختبار براعة إسرائيل وقدرتها على الصمود مرة أخرى من خلال ثلاثة اتّجاهات جديدة. أوّلا، الديموغرافيا، فهذا البلد الشاب قد يرتفع عدد سكانه من ١٠ ملايين إلى ٢٠ مليونا بحلول عام ٢٠٦٥، لكنّه يزداد انقساما، إذ يعتمد تحالف نتنياهو على الأحزاب الدينية اليمينية المتطرفة المنخرطة في حركة الاستيطان المتنامية، وهذا يدلّل على رغبته في الحدّ من استقلالية المحاكم التي يعتبرها غير تمثيليّة. وفي الوقت ذاته، سترتفع نسبة المواطنين الأرثوذكس المتطرفين، وهم مجموعة أقل نزوعا للعمل أو أداء الخدمة العسكرية أو الالتحاق بالمدارس التقليدية، من ١٣٪ إلى ٣٢٪ بحلول عام ٢٠٦٥. سيؤدي هذا إلى مزيد من تفتيت الناخبين، وتحويل السياسة نحو اليمين، وتقويض شخصيّة إسرائيل الديمقراطية الليبرالية. بمرور الوقت، قد تتطوّر قيم المواطنين الأرثوذكس المتشددين إزاء الالتحاق بالمزيد من المدارس التقليدية أو الحصول على وظائف. ولكن إذا استمرت إسرائيل في الابتعاد عن القيم الليبرالية، فإنّها ستعرّض ازدهارها للخطر، فقد ينتقل المبرمجون والرأسماليّون والمبدعون إلى أماكن أخرى.

التحوّل الكبير الثاني هو تلاشي المكانة العالميّة للفلسطينيين، حيث يعيش ٣ ملايين منهم في الضفة الغربية تحت الاحتلال الإسرائيلي “المؤقّت” و٢ مليون منهم محاصرون في غزة. في القرن العشرين، ضغط الرؤساء الأمريكيّون بضراوة لمحاولة التوسّط في صفقة سلام، مفترضين أنّها المفتاح لجعل إسرائيل آمنة وتحرير إمكانات الشرق الأوسط المحتضر، لكن العالم اليوم استسلم وتجاوز هذا الأمر. بالنسبة إلى إسرائيل، قد يبدو هذا بمثابة نعمة، فمن غير المرجّح أن تُجبرها القوى الخارجية على تقديم تنازلات كبيرة على الأرض أو بناء المستوطنات، كما قامت أيضا بنسج علاقات سياسية ودفاعية واقتصادية مع المزيد من الدول العربية من خلال اتفاقات أبراهام الموقّعة في عام ٢٠٢٠.

ومع ذلك، من الصعب على المدى الطويل رؤية تجاهل الفلسطينيين يعمل بشكل جيّد بالنسبة إلى إسرائيل. إذ أنّ الفجوة الاقتصادية تتسع أكثر من أي وقت مضى: الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الضفة الغربية أقل بنسبة ٩٤٪ منه في إسرائيل، كما أنّ السلطة الفلسطينية تنهار، فقد علّق قادتها الانتخابات وفقدوا شرعيّتهم. وقبل المتشددون الإسرائيليون على مضض ذات مرة فوائد التنمية الاقتصادية المتبادلة، رغم حرمانهم للفلسطينيين من حقوقهم السياسية. والآن تريد الأحزاب اليمينية الصاعدة في إسرائيل عزل الضفة الغربية وإفقارها. قد ينتهي الأمر بها وبغزة الأكثر بؤسا كدويلات فاشلة، مما يهدد سلامة إسرائيل ومكانتها الأخلاقية.

التحوّل الأخير هو ظهور عالم متعدد الأقطاب. كانت أمريكا أوّل دولة تعترف بإسرائيل عام ١٩٤٨ وكانت حليفتها المخلصة. سيخلق توازن قوىً عالميّ أكثر توزيعا فرصا جديدة لإسرائيل، بما في ذلك تعزيز الروابط مع الجيران العرب والصين والهند، الذين لا يهتّمون كثيرا بالفلسطينيين. وتتاجر إسرائيل بالسلع مع آسيا أكثر مما تتاجر مع أمريكا. تكمن المشكلة في أنّ أمريكا لا تزال توفّر ٦٦٪ من وارداتها من الأسلحة وتوفّر ضمانة أمنيّة فعليّة لردع الهجمات، بما في ذلك الهجمات الإيرانيّة. على المسار السياسي غير الليبرالي الحالي لإسرائيل، فإنّ الدعم الشعبي لها في أمريكا سوف يضعف: واحد من كل أربعة يهود أمريكيين يقول إنّها دولة فصل عنصري.

خطة عام ٢٠٤٨

كتب أوّل رئيس وزراء لإسرائيل، دافيد بن غوريون، في مذكّراته أنّ “مصير إسرائيل في أيدي قوّات دفاعها”. اليوم يكمن أيضا في نظامها السياسيّ. من السهل أن نتخيّل حلقة حميدة تسمح لإسرائيل بالازدهار في العقود القليلة القادمة. المفتاح هو تسوية سياسية جديدة تقلّل من قوّة المتطرفين ومرنة بما يكفي لامتصاص الضغوط التي تفرضها التحوّلات الديموغرافية. لهذا السبب يجب على إسرائيل أن تؤسّس اتفاقية دستورية تقنن سلطات البرلمان والمحاكم، وتشجّع على إعادة الاصطفاف الحزبي الذي يعطي أغلبيتها الوسطيّة وزنا أكبر، الأمر الذي يتطلّب خروج السيد نتنياهو المسبب للانقسام. ستفتح السياسات الأكثر اعتدالا في الداخل الباب أمام إمكانيّة اتخاذ موقف أكثر عدالة وواقعية تجاه الفلسطينيين، وتقلّل من مخاطر القطيعة من أمريكا. مصير إسرائيل في يدها، وقد حان وقت العمل.

 

للتحميل اضغط هنا