تامر صرصور- أستاذ في القانون الدولي
في الوقت الذي يواصل الاحتلال الإسرائيلي حربه على قطاع غزة، تصبح المنشآت الصحية محورية في تقديم الرعاية الطبية وإنقاذ الأرواح. إذ تمثل ملاذًا للجرحى والمرضى وتحمل مسؤولية إنقاذ الأرواح والمحافظة على الكرامة الإنسانية في ظل ظروف قاسية ومعاناة بالغة. تواجه هذه المنشآت تحديات كبيرة في البقاء محمية وقائمة خلال هذا النزاع.
يعد القانون الدولي الإنساني واحدًا من أهم الأنظمة القانونية التي تهدف إلى حماية حقوق الإنسان والحد من معاناة الأفراد، ويتعامل هذا النوع من القانون بشكل خاص مع القضايا المتعلقة بحماية المستشفيات والمنشآت الصحية. ومع قواعد تحديدية تجعل المنشآت الصحية ممتلكات محمية. إلا أن التنفيذ الفعال لهذه القوانين يبقى تحديًا في العديد من النزاعات لا سيما الاستهداف المتعمد لمستشفى الأهلي المعمداني في قطاع غزة، الذي يعاني كباقي مستشفيات القطاع من النقص في الموارد والأمان وتضييق المجال الجغرافي.مما ينتهك القوانين الإنسانية.
من الاتفاقيات الدولية التي تناولت حظر استخدام المنشآت الصحية نجد الاتفاقيات الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية لعامي 1899م و 1907م، والتي تناولت إجراءات الوقاية التي يجب اتخاذها في حالات الحصار أو القصف لتجنب الهجوم على مجموعة من المواقع والمرافق الهامة، فالحصار يشمل منع الوصول إلى منطقة معينة بالقوة، أو بإغلاق الممرات ومنع دخول الإمدادات والمساعدات الإنسانية، أما القصف فيشمل هجمات عسكرية تستهدف هذه المواقع منها المستشفيات[1].
واستكمالاً لهذه النصوص الملزمة للدول نصت اتفاقيات جنيف لعام 1949 على أن المنشآت الصحية، بما في ذلك المستشفيات والمصانع الصحية الميدانية، يجب أن تحمى وتحترم في جميع الأوقات ولا يجوز استهدافها أو التلاعب بها، وهي بذلك تؤكد على الحاجة إلى حماية البنية التحتية الصحية والسماح للأفراد العاملين فيها بأداء واجباتهم الإنسانية دون تعرضهم للخطر، والمساهمة في تقديم الرعاية الصحية للجرحى والمرضى خلال النزاعات المسلحة[2].
وبذلك تحظر اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م الخاصة بحماية المدنيين بشكل واضح ومباشر أي هجوم على المرافق الصحية، سواء كانت مستشفيات مدنية أو مؤسسات تقدم الرعاية الصحية. كما تضمنت الالتزام بحماية المستشفيات والمرافق الصحية في جميع الأوقات وحثت على احترامها وحمايتها بصورة مستمرة. كما أنها تهدف إلى ضمان توفير الرعاية الصحية اللازمة للجرحى والمرضى خلال النزاع. لأن الهجمات على المستشفيات تعرض حياة المرضى والجرحى للخطر وتعرقل تقديم العلاج الضروري. بالإضافة إلى أن المستشفيات يجب أن تستقبل وتقدم الرعاية للفئات الضعيفة والمحتاجة مثل كبار السن والنساء النفاس والأطفال. هذا يعكس الاهتمام بالفئات الأكثر ضعفًا وحاجةً إلى الرعاية[3].
تمتلك الاتفاقيات الدولية السالفة الذكر والبروتوكولات الملحقة بها دورًا بارزًا في توجيه الأطراف المتورطة في النزاعات إلى احترام المستشفيات والمرافق الصحية. وهي تنص على توجيه الضوابط والمسؤوليات المتعلقة بهذا الأمر.
إن تعرض المستشفى المعمداني في غزة للاستهداف العسكري المباشر ليس خرقاً لمبدأ التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية فقط ،وليس انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي وحسب، لكنه أيضًا جريمة يجب أن يتم محاسبة المرتكبين عنها. هنا يظهر دور القانون الجنائي الدولي في محاسبة استهداف المستشفيات المدنية في النزاعات المسلحة بحيث لا يقتصر على تحديد المسؤولية الفردية فقط، بل يمتد للضغط الدولي وتطبيق العقوبات الدولية على الدول والأطراف المتورطة.
يشير الميثاق الدولي لتحديد ومحاكمة الجرائم الحربية والمؤسس للمحكمة الجنائية الدولية(ميثاق روما لعام 1998م) إلى أن الاستهداف المتعمد للمستشفيات الدائمة والمرافق الطبية خلال نزاع مسلح يُعتبر جريمة حرب [4].
تجدر الإشارة إلى أن جريمة الهجوم على مستشفى المعمداني متكاملة الأركان، حيث تم وقوع عدد كبير من الضحايا نتيجة للاستهداف المباشر، وهم محميون في إطار مجموعة من الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من دولة فلسطين وكذلك الاحتلال الإسرائيلي، وأن هذا الأخير على علم بوجود مرفق طبي في المكان الذي وجه الهجوم تجاهه. والهدف هو عين مدني وليس أهدافاً عسكرية[5]0 الأمر الذي يمكن للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي وبموجب اختصاصاتها توجيه الاتهامات للمشاركين في ارتكاب هذا النوع من الجرائم .
[1] نصت المادة 28 من الاتفاقية الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية لاهاي في 18 أكتوبر/ تشرين الأول 1907 على في حالات الحصار أو القصف يجب اتخاذ كافة التدابير اللازمة لتفادي الهجوم, قدر المستطاع, على المباني المخصصة للعبادة والفنون والعلوم والأعمال الخيرية والآثار التاريخية والمستشفيات والمواقع التي يتم فيها جمع المرضى والجرحى.
[2] نصت المادة 19 من اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان المؤرخة في 12 آب / أغسطس 1949على أنه لا يجوز بأي حال الهجوم على المنشآت الثابتة والوحدات المتحركة التابعة للخدمات الطبية, بل تحترم وتحمى في جميع الأوقات بواسطة أطراف النزاع.
[3] نصت المادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12آب/أغسطس 1949 على أنه لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء النفاس، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات.
[4] يكون للمحكمة الجنائية الدولية اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب، ولاسيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم. حول اعتبار توجيه هجمات للمستشفيات والمرافق الصحية جريمة حرب أنظر المادة الثامنة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما في 17تموز/ يوليه 1998. المادة 8 (2) 6-5:جريمة الحرب المتمثلة في الهجوم على الأعيان المحمية.
[5] أركان الجرائم- اعتمدت من قبل جمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في دورتها الأولى المنعقدة في نيويورك خلال الفترة من 3 إلى 10 أيلول/سبتمبر 2002.