ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم

مأساة الحراك المناصر للقضيّة الفلسطينيّة في كأس العالم

The Tragedy of Pro-Palestinian Activism at the World Cup

مجلة فورين بوليسي الأمريكية

بقلم ستيفن كوك، كاتب عمود في فورين بوليسي وزميل أول لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية. أحدث مؤلفاته كتاب بعنوان “الفجر الكاذب: الاحتجاج والديمقراطية والعنف في الشرق الأوسط الجديد”.

١٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٢

في ضوء الحراك المناصر للقضيّة الفلسطينيّة الذي رافق نهائيات كأس العالم في قطر، يستعرض الكاتب في هذا المقال مظاهر هذا التضامن، ويتناول بتحليل تشاؤميّ مدى جدوى مظاهر التضامن هذه في الوقت الذي يزداد فيه البطش الإسرائيلي على الأرض الفلسطينيّة، وتتعزز علاقاته أكثر فأكثر مع الدول العربيّة ضمن اتفاقات أبراهام وغيرها، عاقدًا مقارنة بين حراك التضامن مع القضيّة الفلسطينيّة في كأس العالم وأنشطة حركة المقاطعة العالميّة لإسرائيل “BDS“. فيما يلي الترجمة الكاملة للمقال.

كانت كرة القدم في نهائيات كأس العالم هذا العام ممتعة للغاية، حيث تغلّب السعوديون على الفريق الأرجنتيني القوي في دور المجموعات وهُزم منتخب الولايات المتحدة من المنتخب الإنجليزي بعد فوزه المجهد عاطفيًّا على إيران. في الوقت الذي أكتب فيه، يستعد الفريق المغربي لخوض مباراة عملاقة ضد فرنسا، القوّة الدائمة في كرة القدم والاستعماريّة سابقًا في شمال إفريقيا. كلا الجانبين – الوصول غير المتوقّع للمغرب وطبيعة العلاقة مع خصمه في الدور نصف النهائي – يعدان بجعل هذه المباراة تاريخيّة بامتياز.

لا أتذكر أن السياسة كانت مهمة في نهائيات كأس العالم السابقة، لكن بطولة هذا العام في قطر تشابكت مع سجل البلاد الضعيف في حقوق مجتمع الميم وإساءة معاملتها للعمال المهاجرين. سجّلت الحقوق الفلسطينية أيضا حضورًا لافتًا في المباريات. عندما تأهّل المغرب إلى ربع النهائي بفوزه على إسبانيا، واحتفال اللاعبين على أرض الملعب رافعين العلم الفلسطيني. ورفع المشجعون لافتات كتب عليها “فلسطين حرّة” في المدرجات وعلقوها على جدران الاستاد. وخلال مباراة فرنسا وتونس، أفلت أحد المشجعين من رجال الأمن، وركض عبر الميدان رافعًا العلم الفلسطيني، الأمر الذي أفرح الجماهير. لقد كان عرضًا للتضامن مع الفلسطينيين، ولا شك أنه كان من المهم أن يُرى الفلسطينيون في كأس العالم. لكن ما الجدوى من كل ذلك؟

شهد كأس العالم تضامنًا لا بأس به مع الشعب الفلسطيني ولا ينبغي أن يفاجئ أي شخص بالنظر إلى مكان تنظيم البطولة والعدد الكبير من المشجعين القادمين من الشرق الأوسط. وكذلك، ضجّ تطبيق تويتر بصور ومشاهد رفع العلم الفلسطيني والشعارات والهتافات والأغاني المؤيدة لفلسطين. وأبرزت الصحف الأمريكية الكبرى مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست – إلى جانب العديد من المنصّات الإخبارية الأخرى – هذا التضامن.  في مقال نشرته المجلة الإلكترونية +972، وهو جهد مشترك لصحفيين إسرائيليين وفلسطينيين، ذهبت هذه المجلّة بعيدا إلى حد تسمية البطولة بـ “كأس العالم الفلسطيني الأول”. من الإنصاف التكهن بأن معظم هؤلاء الناس لم يكونوا في الواقع من النشطاء المؤيدين لفلسطين، بل كانوا من مشجعي كرة القدم الذين يدعمون الحقوق الفلسطينية واستغلوا المسرح العالمي الذي يعد أكبر بطولة كرة قدم في العالم.

في غضون ذلك، اشتكى الصحفيون الإسرائيليون الذين يغطون البطولة من العداء الصريح تجاههم، بما في ذلك ابتعاد المشجعين العرب عن المقابلات بمجرد اكتشافهم لهوية من يتحدّثون إليهم وقيامهم بمضايقتهم بشكل صريح. في إحدى الحوادث التي انتشرت بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، قال أحد المشجعين السعوديين للصحفي الإسرائيلي مواف فاردي: “أنت غير مرحب بك هنا. هذه قطر. هذا بلدنا. لا يوجد سوى فلسطين. لا وجود لإسرائيل”.

سارع منتقدو إسرائيل إلى القول بأن الدعم الصريح لفلسطين والعداء تجاه الإسرائيليين خلال البطولة أثبت أن اتفاقات أبراهام – التي أدت إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية لإسرائيل مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان – قد فشلت. من غير الواضح ما الذي يعنيه ذلك على خلفية زيادة التعاون الاقتصادي والعلاقات الدبلوماسية والتنسيق الأمني بين إسرائيل وتلك الدول، مع أن غالبية العرب في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي معارضة للتطبيع. وتؤكّد هذه الحقيقة استطلاعات الرأي التي أجرتها مجموعات متعددة، كالباروميتر العربي، ومؤسسة زغبي للأبحاث، ومعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. في أحسن الأحوال، يقبل العرب بأن إسرائيل هي أمر واقع، لكنهم لا يقرّون بشرعيتها.

بعد سنوات أوضح فيها مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون وبعض العرب أن القضية الفلسطينية لم تعد مهمة، أثبت مشجعو كرة القدم عكس ذلك من خلال تعبيرهم عن تضامنهم الواسع مع هذه القضيّة. ولكن في حين أن الدفاع عن هذه القضيّة أمر جميل، كشف التضامن المؤيد لفلسطين في كأس العالم مدى حرمان النشطاء من أفكارهم وأدواتهم الخاصّة للنهوض بالقضية الفلسطينية. بعد أن أحرجوا الصحفيين الإسرائيليين وأثاروا غضبهم، ورفعوا علم فلسطين، ورفعوا لافتات كتب عليها “فلسطين حرّة”، وهتفوا: بالروح بالدم نفديك يا فلسطين. السؤال الذي ينطرح الان: ماذا بعد؟ لا شك بأن بطولة كأس العالم ترفع الوعي بفلسطين. ولكن من هم بالضبط في هذا العالم الذين يحتاجون لهذا الوعي؟ من الصعب العثور على قضية حظيت باهتمام دولي لمدة أطول مما حصلت عليه القضيّة الفلسطينيّة.

بعد انتهاء كأس العالم، ما هي الأفكار المستجدّة لتحقيق العدالة للفلسطينيين؟ لا يبدو أن هناك أي شيء. حلّ الدولتين هو الحلّ الوحيد المطروح عمليّا، وتتراوح الأفكار الأخرى من طائشة إلى غير مهذبة. سألت ذات مرة محاورة سعودية تعتقد أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان “هو أفضل شيء حدث للسعودية على الإطلاق” حول موقفها من التطبيع، نظرًا لوجهة النظر السائدة بأن ولي العهد يريد إقامة علاقات مع إسرائيل. كانت إجابتها واضحة جدًا: “الستة ملايين مستوطن” – لا تقصد المستوطنين في الضفة الغربية بل الإسرائيليين بشكل عام – “يمكنهم العودة إلى حيث أتوا”. سمعت شيئًا مشابهًا من أميركي يعيش في أوروبا كان مستشارًا لدى السلطة الفلسطينية، وقال إنه يعتقد أنه يجب استعادة فلسطين وأن الإسرائيليين الذين لا يريدون العيش هناك يجب أن يتم نقلهم إلى الولايات المتحدة. هذا يبدو غير مرجح.

هناك دعاة ومحللون يرون إمكانيّة لتطبيق حل الدولة الواحدة يعيش فيها اليهود والعرب الفلسطينيون معًا. ربما لست خلّاقًا بما فيه الكفاية، لكن يبدو من الصعب تخيل ذلك نظرًا لاتساع وعمق الاختلافات بين الإسرائيليين والفلسطينيين حول جملة من القضايا الصعبة المتعلقة بالشرعية والهوية والذاكرة التاريخية والقومية.

ثم هناك حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، التي ينخرط أنصارها في لعبة طويلة الأمد. من الناحية النظرية، يبدو أنها استراتيجية ذكية، تتم من خلال تسليط الضوء على الظلم الذي لحق بالفلسطينيين وعلى الصهيونيّة الآثمة على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي حرم الجامعات، وفي مختلف المؤسسات الثقافية. يهدف نشطاء BDS إلى تقويض الدعم الدولي – السياسي والمالي – لإسرائيل تدريجيًّا. وبمجرد أن تتعرض الحكومات في جميع أنحاء العالم لضغوط من شعوبها التي تطالب بإنصاف الفلسطينيين، ستسحب تلك الحكومات دعمها لإسرائيل، الأمر الذي يقود إلى إنهاء الصراع في نهاية المطاف. يقول مؤيدو حركة مقاطعة إسرائيل BDS إن هدفهم هو إقامة دولة فلسطينية، لكنهم في الغالب لا يعرفون ما إذا كان ذلك يعني دولة إلى جانب إسرائيل أو بدلاً منها.

لماذا يعتقد أنصار BDS أنّ كسب الوقت في مصلحتهم ومصلحة الفلسطينيين، لكن الإسرائيليين لا يفعلون ذلك؟ بالتأكيد، ديموغرافيًا، يشكل غير اليهود تعدادًا أكبر في الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، في الوقت الذي تعقد فيه المظاهرات السنوية في الجامعات حول العالم تحت عنوان “أسبوع الأبارتايد الإسرائيلي”، تحكم الحكومة الإسرائيلية قبضتها على الضفة الغربية ضمن استراتيجية ضمّ مكثّفة وغير قانونية طويلة الأمد. وهذا ما يحدث منذ عقود. من المحتمل أن يكون قد فات الأوان لعكس الأمور. علاوة على ذلك، فشل نشطاء BDS في إقناع الشركات العالمية بسحب نشاطاتها من إسرائيل أو قطع العلاقات معها، ولدى إسرائيل اليوم علاقات مع أكثر من ١٦٠ دولة، بما في ذلك ستة أعضاء في جامعة الدول العربية.

ها هي مأساة القضيّة الفلسطينية، الحراك في كأس العالم لا معنى له في الأساس على الأرض، حيث يوجد صراع لا حلّ له. لقد أحبطت إسرائيل والولايات المتحدة وحتى الدول العربية الفلسطينيين في كل منعطف، مما أدى إلى حالة من الجمود تقوّض التسوية لأن أيّا من الطرفين لا يمكن أن يقبل الحد الأدنى من مطالب الطرف الآخر من أجل السلام.

نتيجة لذلك، من المرجح أن يظل الفلسطينيون بلا دولة ومجرّدون من ممتلكاتهم، وسيظل الإسرائيليون غرباء في منطقة يرفض شعبها قبول شرعية دولة يهودية في وسطهم. وبسبب طبيعة السياسة في المنطقة، في اليوم التالي لانتهاء البطولة، سيظل الإسرائيليون يسافرون إلى دبي وأبو ظبي والرباط والمنامة، وسيستمر السعوديون في منح تأشيرات خاصة لرجال الأعمال الإسرائيليين. سيستمر القطريون في التعامل مع وزارة الخارجية الإسرائيلية بشأن غزة والسماح لتجار الألماس الإسرائيليين بدخول الدوحة. وسيستمر العلم الفلسطيني يرفرف في أماكن متفرقة في المنطقة باستثناء الأماكن التي يريدها الفلسطينيون أكثر من غيرهم: في دولتهم المستقلة.

 

للتحميل اضغط هنا