ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم

China Won’t Replace the U.S. in the Middle East

مجلة فورين بوليسي الأمريكية

بقلم دانييل بليتكا، زميلة بارزة في معهد أمريكان إنتربرايز”، ودان بلومنثال، زميل أقدم ومدير الدراسات الآسيوية في معهد “أمريكان إنتربرايز”

٢٠ تمّوز (يوليو) ٢٠٢٢

في ضوء زيارة الرئيس الأمريكيّ جو بايدن مؤخّرا إلى منطقة الشرق الأوسط، والحديث عن تململ أمريكي في دعم حلفائه مفرزًا فراغًا قد تسعى الصين إلى ملئه، يحاجج الباحثان على طول هذا المقال بأن الصين ليس لديها الرغبة ولا القدرة في المدى المنظور على “اغتصاب” هيمنة الولايات المتّحدة الأمريكيّة على هذه البقعة من العالم، مقدمان جملة من العوامل يأتي على رأسها عدم قدرة الصين على لعب دور حاسم وملموس في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالإضافة إلى محاولة احتواء “النفوذ الإيراني” في المنطقة. فيما يلي الترجمة الكاملة للمقال:

على الرغم من الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرًا لإسرائيل والمملكة العربية السعودية، والتي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، ووعده بعدم “الابتعاد وترك فراغ تملؤه الصين أو روسيا أو إيران”، فإن الحديث عن المنطقة يتمحور حول ابتعاد الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط.

بعد خيبة أمل حرب العراق وانهيار الاتفاق النووي الإيراني وكوابيس التدخلات الفاشلة في سوريا وليبيا، سئم الجمهوريون والديمقراطيون في واشنطن من الشرق الأوسط، وترتّب على ذلك ضجة حول احتمال انفتاح إقليمي على الصين.

لكن هذا لا يعدو كونه ضجيجًا. فلا تزال بكين، العدوانيّة والتجاريّة والانتهازيّة، غير مهتمة باختيار جانب في صراعات القوّة المستمرة في المنطقة.

يمكن تفهّم اعتقاد القادة العرب والإسرائيليين (ناهيك عن الإيرانيين) بأن الرئيس الصيني شي جين بينغ في طريقه لاغتصاب دور الولايات المتحدة كقوة مهيمنة محلية. في العام الماضي، كان الشرق الأوسط مصدرًا لأكثر من نصف الواردات الصينيّة من النفط الخام. في عام ٢٠٢١، بلغ حجم التجارة الثنائية بين العالم العربي والصين ٣٣٠ مليار دولار، بزيادة قدرها أكثر من الثلث عن العام السابق. تفتخر الصين في مبادرة الحزام والطريق الشهيرة بأكثر من ٢٠ شريكًا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد وقّعت بكين ١٥ اتفاقية “شراكة استراتيجية” مع الدول العربية في العقد الماضي وحده.

لكن القادة الصينيين يبتعدون باستمرار عن لعب أي دور في النزاعات الأمنية أو السياسية بين الدول العربية وإيران وإسرائيل. تؤكد الوثائق الحكومية الإستراتيجية مثل “ورقة السياسة العربية” لعام ٢٠١٦ توجّه بكين غربا من خلال تدعيم الروابط الاقتصادية والمساعدة الإنمائية مع التقليل من أهمية أيّ دور آخر قد تلعبه الصين. على الصعيد المحلي، يتأرجح الخبراء الصينيون بين الحذر من المشاركة السياسية الأعمق في الشرق الأوسط والحرص على تعميق العلاقات مع مصدر مهم للنفط في وقت يتزايد فيه انعدام الأمن في مجال الطاقة.

أشارت المبادرات الأخيرة إلى أن بكين ربما تتجه ببطء نحو مزيد من المشاركة السياسية. كان الاقتراح المكوّن من أربع نقاط من وزير الخارجية الصيني وانغ يي بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والذي تم طرحه وسط نزاع أيّار/ مايو بين إسرائيل وحماس، مثيرًا للاهتمام في جوهره لمجرد أن الوزير تحدث عن مسائل استراتيجية جوهرية مثل حل الدولتين، عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية، وأهميّة تحرك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لكن النقاط الأربع نفسها كانت عامة تمامًا، وتحث على الحوار، وتضع حدًا لـ “أعمال العنف ضد المدنيين”، وغير ذلك من “كليشيهات” عملية السلام.

وبالمثل، فإن اتفاقية التعاون التي أبرمتها بكين لمدة ٢٥ عامًا مع طهران العام الماضي قد أثبتت أنّها كلامًا أكثر من كونها إجراءات، حيث أشار الخبراء إلى أن الشركات الصينية “ستضطر إلى استثمار ١٦ مليار دولار في المتوسط ​​سنويًا في إيران لتحقيق الهدف “بينما على سبيل المقارنة، ” بلغ إجمالي استثمارات الصين في إيران   ٤٫٧ مليار دولار من ٢٠٠٥ إلى ٢٠٢٠. “

على الجانب الأمني، شرعت الصين بالمثل بمشاركة أكبر، حيث ساهمت بأكثر من ١٨٠٠ جندي في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في المنطقة وحولها اعتبارا من عام ٢٠٢٠ (٤١٩ في لبنان، و٣٧٠ في السودان، و١٠٧٢ في جنوب السودان). كما شاركت البحرية الصينية في مهمات أمنية بحرية في بحر العرب وخليج عدن وأنشأت أول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي في عام ٢٠١٧. بل كان هناك اقتراح بأن بكين قد تبني قاعدة عسكرية سرية في ميناء في الإمارات العربية المتحدة ذات الأهمية الإستراتيجية.

من جانبها، تعاملت الحكومات العربية والإيرانية والإسرائيلية بحذر مع الصين، متحمسة بشأن احتمالات شراء الأسلحة والاستثمار.

قد تؤدي قدرة روسيا المتراجعة على بيع الأسلحة إلى تلميع وهج بكين، وكذلك استعداد الصين لبيع طائرات بدون طيار متطورة بشكل متزايد إلى الحكومات العربية، حيث كانت الولايات المتحدة مترددة في القيام بذلك. تضاعفت صادرات الأسلحة الصينية إلى المنطقة تقريبًا خلال العقد الماضي. كما أن عدم اهتمام بكين بالعجز الديمقراطي أو انتهاكات حقوق الإنسان جعل الصين شريكا أكثر جاذبية، ولا سيما على النقيض من الولايات المتحدة، التي تربط دائما خيوطًا سياسية بمبيعات الأسلحة، والمساعدات الاقتصادية، وصناديق التنمية.

يبدو أن جميع الأجزاء المختلفة من انخراط الصين في الشرق الأوسط الكبير، مجتمعة، تضاف إلى جهد كبير لاغتصاب دور الولايات المتحدة في المنطقة. في الواقع، يمكن تفهّم المحللين إن اعتقدوا أن هناك لعبة كبيرة ماضية على قدم وساق لتحقيق هذا المبتغى. لكن هذه اللعبة غير موجودة، والسبب بسيط للغاية يتلخّص في أن المخاوف العربية والإسرائيلية تفرز أولوية عليا واحدة وهي احتواء إيران.

وعلى الرغم من حرص إدارتي أوباما وبايدن على استرضاء طهران – إرسال منصات نقديّة إلى طهران في بداية الاتفاق النووي الإيراني (أوباما)، وشراء المواد النووية المخصبة المنتجة في انتهاك لالتزامات طهران (أوباما)، ورفض فرض عقوبات على مبيعات النفط غير المشروعة (بايدن) – تظل الولايات المتحدة مع ذلك القوة العالمية الوحيدة المستعدة والقادرة على معاقبة النظام الإيراني على سلوكه الإقليمي الخبيث.

من منظور القوى العربية السنية في الشرق الأوسط وإسرائيل، فإن الإدارة الأمريكية ستكون الطرف المثالي لعزل قادة إيران من السلطة. في غياب ذلك، فإن رد إدارة بايدن على طهران، رغم أنه بعيد عن المستوى الأمثل، لا يزال أكثر مما ستقدمه الصين.

على الرغم من أن إدارة بايدن كانت أقل صرامة إزاء إيران من إدارة ترامب، إلا أنها كانت مستعدة مع ذلك لمنع نقل شحنات الأسلحة الإيرانية إلى حلفائها في مناطق مثل اليمن، وفرض عقوبات على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، ومقاومة محاولات الحرس الثوري الإيراني ترهيب السفن في المياه الدولية للخليج العربي.

كما أنّ إعادة تأكيد بايدن مؤخرًا على استعداد الولايات المتحدة “لاستخدام جميع عناصر قوتها الوطنية” لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي كان موضع ترحيب أيضًا ويتناقض بشكل كبير مع نهج الصين الأكثر حذرا تجاه التهديد من طهران.

لو كانت دول الشرق الأوسط مهتمة في المقام الأول بالمال والسلاح، لكانت الصين محلّ نفوذ كوسيط قوي. لكن بكين غير مهتمة بلعب سياسات توازن القوى، ناهيك عن توفير مظلة أمنية لأمثال المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. بدلًا من ذلك، تسترشد بكين بأولوياتها الخاصة في المنطقة، مع إيماءة عرضية فقط للمصالح الأمنية المحلية. وهذا يضع الصين عند تقاطع طرق التجارة الرئيسية، كمشتري لإمدادات الطاقة الحيوية، وبائع أسلحة، وكمشارك واثق في القضايا الجيوستراتيجية مثل عملية السلام والمفاوضات النووية الإيرانية، لكنها لن تذهب أبعد من ذلك.

في المستقبل المنظور، من غير المرجح أن يتغير دور الصين في المنطقة. ستواصل بكين قلقها بشأن أمن مصادر الطاقة في الشرق الأوسط، وستسعى إلى الاستفادة من النفوذ السياسي مع مورديها الرئيسيين، والبحث عن فرص لإبراز قوتها العسكرية بشكل أفضل. ولكن في حال تعيّن عليها اتخّاذ انحياز واضح إلى طرف ما في صراع القوة بين إيران وجيرانها الإقليميين، ستظل الصين لاعبًا ضعيف الحضور في الشرق الأوسط.

 

للتحميل اضغط هنا