ترجمة وتحرير يسار أبو خشوم

لماذا يسهل بدء الحروب ويصعب إنهاؤها؟

Why Wars Are Easy to Start and Hard to End

مجلة فورين بوليسي الأمريكية

بقلم ستيفن والت، منظّر أمريكي في العلاقات الدوليّة، وهو بروفيسور في جامعة هارفارد

٢٩ آب (أغسطس) ٢٠٢٢

مع اندلاع الحرب الروسيّة على أوكرانيا، أوحى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنّ الحرب ستكون سريعة وحاسمة، لكن مع مرور الوقت باتت تتحوّل إلى مستنقع يستنزف كافة الدول المنخرطة فيها ولا يلوح في الأفق ما يشير إلى قرب نهايتها. في ضوء ذلك، يبدأ الكاتب مقاله بالتأكيد على أنّ القادة لا يستخلصون غالبًا العبر من التاريخ ويلهثون وراء أوهامهم وأحلامهم بخوض الحروب الخاطفة والسريعة وقليلة التكلفة والمفضية إلى نصر ناجز لا لبس فيه، لكنّهم يصطدمون على الدوام بحقيقة أنّه من السهل بدء الحرب ولكن من الصعب جدًا إنهاؤها، مستقيًا أمثلة من التاريخ توضّح ذلك.

عودة إلى التاريخ

على سبيل المثال، في آب ١٩١٤، شرعت الدول الأوروبية بحرب على مستوى القارّة قائلة بأنّ الجنود سيعودون إلى ديارهم بحلول عيد الميلاد، لكنّهم لم يدركوا بأن الحرب القاريّة هذه ستتحول إلى حرب عالميّة وسيعود الجنود إلى ديارهم بعد أربعة سنوات. كذلك الأمر، عندما اعتقد الرئيس العراقي الراحل، صدّام حسين، بأنّ الثورة الإيرانيّة عام ١٩٧٩ ستجعل من إيران لقمة سائغة له فخاض حربًا تحوّلت إلى مستنقع دام قرابة الثمانية سنوات راح ضحيّتها مئات الآلاف من مواطني البلدين.

يضيف الكاتب بأنّه حتى الحملات العسكرية الناجحة للغاية لا تؤدي غالبًا إلى انتصارات سريعة ولكن إلى مستنقعات لا نهاية لها. استمرت حرب الأيام الستة عام ١٩٦٧ أقل من أسبوع، لكنّها لم تحل أيّا من القضايا السياسية الأساسية بين إسرائيل وجيرانها ومهدت الطريق لحرب الاستنزاف الأكثر تكلفة (١٩٦٩-١٩٧٠) وحرب أكتوبر في عام ١٩٧٣. كان الغزو الإسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢ بمثابة نجاح عسكري شبه كامل، لكن الاحتلال الناتج لجنوب لبنان استمر ١٨عامًا، وأودى بحياة مئات الأشخاص، وأدى إلى إنشاء حزب الله، ووضع الأساس للعديد من الاشتباكات فائقة التكلفة. قد يكون من الصعب العثور على عملية عسكرية أكثر نجاحًا من عملية عاصفة الصحراء في عام ١٩٩١، لكن صدّام حسين تمكن من التمسك بالسلطة بعد طرد جيشه من الكويت، وانتهى الأمر بالولايات المتحدة بشنّ هجمات جويّة على العراق لعقد آخر.

من جهة أخرى، يوضّح الكاتب بأنّ النجاحات الأولية التي حققتها الولايات المتحدة في أفغانستان عام ٢٠٠١ والعراق عام ٢٠٠٣ أثبتت أنها خادعة بالكامل. وأدخلت الولايات المتّحدة في مستنقعات خرجت منها خاسرة في نهاية المطاف تاركة خلفها بلدانًا أكثر تطرّفا وتشرذمًا

ما السبب؟

لتعليل ذلك، يقدّم الكاتب ستّة تفسيرات أساسيّة، يقترح على صانعي القرار أخذها في الحسبان قبل عقدهم النيّة على خوض الحرب.

أوّلًا، من المستحيل معرفة مدى شراسة مقاومة الخصم مسبقًا، ومن المرجح أن يقلل القادة الذين يفكرون في الهجوم من شأن هذه المقاومة. إن الفشل في تقدير القوة القوميّة هو أحد أسباب هذا الفشل، والميل المرتبط برؤية المهاجم بأنّ أمّته متفوّقة بطبيعتها على جميع الأعداء المحتملين، مما يشجع المعتدين على إهمال قدرة الخصم على المقاومة. فلا أحد يبدأ حربا إذا أدرك أنّ خصمه أقوى وأشد وحدة.

ثانيًا، بمجرد اندلاع الحرب، تبدأ المشكلة المألوفة المتمثلة في زيادة التكاليف بشكل متواصل. وبمجرد أن يتكبد الخصوم الخسائر، سيرغب قادتهم في تحقيق مكاسب كافية لتبرير التضحيات التي تم تقديمها بالفعل. فالعائلات التي فقدت أحباءها لن ترغب في أن يتم إخبارها بأن تلك التضحيات ذهبت سدى. ربما حذّر القادة العسكريون من مخاطر الحرب أو عارضوا القرار الأولي مسبقًا، لكنهم لن يرغبوا في تحمل اللوم على الهزيمة وسيضغطون من أجل انتهاز كل فرصة لتحقيق النصر. كما أن الرغبة في تعويض التكاليف المتزايدة تشجع على توسيع أهداف كلّ طرف من الحرب، حيث يحاولون الحصول على مزايا تتناسب مع الخسائر المتزايدة.

ثالثًا، تتواصل الحرب لأنّ القتال نفسه يقوّي صورة كل طرف بالنسبة إلى الآخر. بغض النظر عن مدى الشك أو العداء لدى الأطراف المتحاربة في البداية، فإنّ مشاعر الكراهية والشك هذه ستزداد مع تسبب كل منهما في المزيد من الموت والدمار والمعاناة للآخر. كما أنّ الرغبة في الانتقام تزداد في ظل هذه الظروف، والتي بدورها تغذّي الرغبة في تحقيق نصر حاسم على عدو مكروه ومحتقر بشكل متزايد.

رابعًا، كلما ساءت صورة العدو، تنخفض القدرة على التفاوض، فقد يتم قطع العلاقات الدبلوماسية مما يجعل الاتصال المباشر أكثر صعوبة، وأي شخص يجرؤ على إثارة احتمال التوصّل إلى حل وسط من المرجح أن يتم إدانته كخائن (أو أسوأ من ذلك). حتى لو بدأت المفاوضات، فلن يثق أي من الطرفين بالآخر بما يكفي للتوصل إلى اتفاق. عادة ما تواجه تسويات السلام مشكلات خطيرة تتعلق بالالتزام، على سبيل المثال، “كيف يمكنني التأكد من أن خصمي لن يعيد التسلح، وينتهك معاهدة السلام، ويترصّد لي مرة أخرى؟”. في حالة أوكرانيا، على سبيل المثال، لدى حكومة زيلينسكي كل الأسباب لعدم الوثوق ببوتين أو شركائه، وفي هذه المرحلة لا يثق بوتين ومستشاروه بأي شخص أيضا. لسوء الحظ، ربما كان سفير روسيا لدى الأمم المتحدة في جنيف، جينادي جاتيلوف، محقًّا عندما قال الأسبوع الماضي بأنّه “كلما استمر الصراع، بات التوصل إلى حل دبلوماسي أكثر صعوبة”.

خامسًا، للحروب أيضا نزعة قوية للتصعيد والتوسع. إذا كان أحد الأطراف يتعرض للخسارة، فقد يفكر في استخدام المزيد من القوة، أو ضرب أهداف جديدة وأكثر خطورة، أو رفع المخاطر بطرق أخرى. تُظهر التفجيرات الأخيرة في شبه جزيرة القرم، والوضع الخطير في محطة الطاقة النووية ” Zaporizhzhia” وتفجير سيارة مفخخة في موسكو لمحلّل سياسي مؤيد لبوتين، بالضبط كيف يمكن لهذا الوضع أن يتفاقم، بصرف النظر عن المسؤول النهائي عن هذه الأعمال.

المشكلة السادسة التي تطيل أمد الحروب هي تدهور مصداقيّة المعلومات ودقّتها. كما يقول المثل الذي يُنسب أحيانا إلى السناتور الأمريكي السابق، حيرام جونسون، فإنّ “أول ضحية للحرب هي الحقيقة”. على الرغم من أن الدول في حالة الحرب يجب أن تفكر وتتصرف ببرود ووضوح قدر الإمكان، إلا أن ظروف الحرب تجعل القيام بذلك أكثر صعوبة. إذ تمتلك الحكومات حوافز قوية للحفاظ على الروح المعنوية العامة من خلال الإعلان عن الأخبار السارّة، وإخفاء النكسات، وتذكير السكان باستمرار بطبيعة العدو الشريرة. فيفرضون الرقابة المشدّدة ويقمعون المعارضين، مما يجعل من الصعب حتى على من هم في الداخل الحصول على صورة دقيقة لما يحدث بالفعل في ساحة المعركة.

خاتمة

في ختام مقاله، يحاجج الكاتب بأنّ الأشخاص الذين بدأوا الحرب ليس لديهم حافز يذكر لإنهائها قبل تحقيق شيء يمكنهم تصويره على أنه انتصار، لأن القبول بأقل من ذلك هو اعتراف بأنهم أهدروا وقتًا طويلًا، كما أنّ إنهاء الحرب يتطلب غالبا جلب قادة جدد، لأنّ الأشخاص الذين اختاروا خوض الحرب غالبا ما يكونون غير راغبين أو غير قادرين على الاعتراف بأنهم كانوا على خطأ. ويوصي القادة بأنّه على الرغم من أن الحروب قد تكون ضرورية في بعض الأحيان، إلا أنّه يجب الدخول فيها بأكبر قدر من التردد وفي ظل الضرورة القصوى فقط. ويجب على أولئك المكلفين باتخاذ مثل هذه القرارات ألا ينسوا أبدا أن الذهاب إلى الحرب يطلق العنان لقوى سياسية واجتماعية قوية يصعب توقّعها أو السيطرة عليها.