مراجعة وترجمة: يسار أبو خشوم
Why Biden Is Trying to Keep Naftali Bennett Afloat
مجلة فورين بوليسي الأمريكية
آرون ديفيد ميللر
زميل أقدم في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومحلل سابق في وزارة الخارجية الأمريكيّة لشؤون الشرق الأوسط ومفاوض في الإدارات الجمهورية والديمقراطية.
١٥ حزيران (يونيو) ٢٠٢٢
يستعرض الكاتب في هذا المقال المطوّل طبيعة السياسة الخارجيّة الأمريكيّة إزاء السياسة الداخليّة الإسرائيليّة، إذ يبيّن على طول المقال، مدعّما ذلك بعديد الأمثلة المستقاة من حياته العمليّة، بأنّ الرؤساء الأمريكيين طالما دعموا رئيس وزراء إسرائيليّ على حساب آخر، رغم تصريحهم بعكس ذلك على العلن. في هذا السياق، يحاجج الكاتب بأنّ إدارة الرئيس بايدن تنحاز بشكل واضح لدعم رئيس الوزراء نفتالي بينيت رغم هشاشة تحالفه، في مواجهة بنيامين نتنياهو، موضّحا دوافعه لذلك رغم تصادمهم وتعارضهم الصارخ في مفاصل عديدة. وفيما يلي الترجمة الكاملة للمقال.
قبل أيام من تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة في حزيران ٢٠٢١، سُئل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في مقابلة حول تعيين نفتالي بينيت رئيس وزراء إسرائيل المقبل. أجاب بلينكن بنقطة معيارية استخدمها جميع أسلافه، معلناً: “أنا لا أمارس السياسة هنا. سنعمل، كما فعلنا دائما، مع أي حكومة إسرائيلية”.
على مر السنين وفي الأوقات الحرجة، لعبت واشنطن دورا سياسيا بكل تأكيد، وذلك من خلال الانحياز إلى جانب طرف في رئاسة الوزراء والتصرف بطرق قد تعزز رئيس وزراء إسرائيلي على حساب صعود أو عودة رئيس وزراء آخر. وإدارة بايدن لا تختلف عن سابقاتها في هذا الشأن.
في الواقع، تكشف نظرة على السنة الأولى للرئيس الأمريكي جو بايدن عن توجهه الأساسي: لا تفعل شيئًا من شأنه أن يسبب مشاكل لبينيت أو يزعزع استقرار ائتلافه الهش خشية انهيار الحكومة وعودة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو إلى السلطة، وقد حدث هذا حتى أثناء اصطدام الكثير من سياسات بينيت مع سياسات إدارة بايدن. في الواقع، على الرغم من أن المملكة العربية السعودية ستكون محور التركيز الأساسي في رحلة بايدن القادمة إلى الشرق الأوسط، فمن بين أهداف الرحلة يتبدّى تعزيز مخزون تحالف بينيت المهتز. لسوء حظ بينيت وبايدن، من غير المرجح أن يكون للزيارة تأثير إيجابي كبير على التحالف الذي يعيش الآن في الوقت الضائع.
من بين خرافات العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، تبرز تلك القائلة بأنّ إسرائيل لا تتدخل أبدا في السياسة الأمريكية وأن واشنطن تنأى بنفسها عن السياسات الإسرائيلية. السياسة الإسرائيلية هي بلا شك معقدة وتستهلك كل شيء. اشتهرت مقولة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر الساخرة حول أنّ إسرائيل ليس لديها سياسة خارجية، بل سياسة داخلية فقط. وفي أغلب الأحيان، تمكّن الرؤساء ووزراء الخارجية الأمريكيون من الابتعاد عن تعقيدات السياسة الإسرائيليّة، ولكن لم ينجحوا في ذلك على الدوام.
خلال انخراطي في المفاوضات العربية الإسرائيلية في وزارة الخارجية الأمريكية لأكثر من عقدين في ظل كل من الإدارات الجمهورية والديمقراطية، كان لديّ مقعد في الصف الأول في محاولتين منفصلتين من قبل الإدارات الأمريكية للتدخل في السياسة الإسرائيلية لإضعاف رئيس وزراء وتقوية رئيس وزراء آخر.
في عام ١٩٩١، رفض الرئيس جورج بوش الأب ووزير خارجيّته جيمس بيكر عن عمد منح رئيس الوزراء الإسرائيلي يتسحاق شامير ضمانات لقروض الإسكان بمليارات الدولارات بسبب سياساته الاستيطانية، وهي خطوة ساهمت بشكل مباشر في هزيمته على يد إسحاق رابين، الذي تلقى التزاما بشأن تلك المساعدة في غضون أشهر من توليه رئاسة الوزراء.
وفي تدخل أكثر وضوحا، في عام ١٩٩٦، استقبل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز في البيت الأبيض قبل شهر واحد فقط من خوضه الانتخابات ضد منافسه نتنياهو. خسر بيريس أمام نتنياهو بفارق ضئيل. وبعد سنوات، اعترف كلينتون بأنه تدخّل لمحاولة مساعدة بيريز على الفوز إلى حد كبير لأن سياساته في صنع السلام كانت أقرب إلى سياسات واشنطن.
وبعد ذلك بالطبع، كان هناك المتدخل البارز، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي على مدار أربع سنوات – على الرغم من إحباطاته مع نتنياهو – أمطر رئيس الوزراء الإسرائيلي بالعطايا الوفيرة، مدفوعا جزئيا بالسياسات الداخلية، وتحديدا رغبة ترامب في جذب الناخبين الإنجيليين الأمريكيين وتعيين الحزب الجمهوري باعتباره الحزب المناسب لإسرائيل، وجزئيا من خلال طموحاته العظيمة في أن يصبح الرئيس الأكثر تأييدا لإسرائيل على الإطلاق. فاتخذ ترامب سلسلة من الإجراءات في الأوقات الحرجة لدعم نتنياهو في مساعيه الانتخابية، بما في ذلك زيارة إسرائيل في أول رحلة خارجية له كرئيس والصلاة في حائط المبكى (أول رئيس أمريكي في منصبه يفعل ذلك)، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، وشنّ حملة ضغط قصوى على الفلسطينيين، كما اعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان.
الان ورغم كونه أكثر هدوءً من سلفه، يلقي بايدن بثقله أيضا خلف زعيم إسرائيلي على حساب آخر.
ترقي علاقة بينيت وبايدن لأن توصف بالحميميّة. فبينيت البالغ من العمر ٥٠ عاما هو رئيس وزراء يميني يعارض الاتفاق النووي الإيراني والدولة الفلسطينية والقدس المقسّمة وهو مؤيد متحمس للمستوطنات وضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية. فلماذا تمتلك إدارة بايدن مثل هذه الرغبة القوية في دعمه ومنح حكومته هامشا كبيرا للمناورة في القضايا التي يعارضها بايدن؟
قبل كل شيء، هذا لأن بينيت ليس نتنياهو، وهذه أخبار جيّدة لبايدن بكل المقاييس. كان بايدن منشغلا بجدول أعمال مكتظ، وكان آخر ما ينقص بايدن هو رئيس وزراء إسرائيلي يُقحم نفسه في السياسة الأمريكية الداخلية من خلال الوقوف إلى جانب الجمهوريين ضد الديمقراطيين ومعارضته بشدة للاتفاق النووي الإيراني. علاوة على ذلك، كرئيس وزراء إسرائيلي قوي في حكومة يمينية، سيتحرك نتنياهو لتكثيف النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية وبناء أكثر قوة في القدس الشرقية.
يبدو بأن بايدن يتذكر جيدا الإذلال الذي تعرض له خلال زيارة نائبه لإسرائيل عندما أعلنت حكومة نتنياهو عن بناء وحدات سكنية إضافية في القدس الشرقية. إنّ حكومة بينيت هي في الواقع عبارة عن مجموعة من الأحزاب اليمينية والوسطية واليسارية وتشكل نوعا من الانقطاع عن مثل هذه الاستفزازات. وفي حالة استمرار الحكومة حتى خريف عام ٢٠٢٣، وهو أمر بعيد الاحتمال، سيصبح وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي، يائير لابيد، وهو سياسي أكثر وسطية من بينيت اليميني، رئيسا للوزراء.
منذ البداية، بدت إدارة بايدن مصممة على المراهنة على بينيت. وفي غضون ساعات من تنصيب بينيت، اتصل به بايدن هاتفيا لتهنأته. وبالمقارنة، استغرق بايدن شهرا كاملا تقريبا للتواصل مع نتنياهو بعد تنصيب بايدن. وكان بينيت هو الزعيم الأجنبي الوحيد الذي زار بايدن في شهر آب ٢٠٢١ المشحون في خضمّ أزمة انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان. وخلال اجتماعهما، وصف بايدن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بأنها “شراكة لا تتزعزع”.
على مدار العام الماضي، كان استعداد إدارة بايدن لمنح بينيت هامشا واسعا للمناورة، وتمرير قضايا الخلاف الرئيسية أمرا مذهلا. يبدو أن بايدن تعلّم من الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، عدم الضغط على إسرائيل علنا بشأن القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من الالتزام بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس – التي كانت لفترة طويلة بمثابة سفارة أمريكية بحكم الأمر الواقع للفلسطينيين حتى أغلقتها إدارة ترامب في عام ٢٠١٩ – فقد تباطأ بايدن في التعامل مع هذه القضية خوفا من أن يؤدي ذلك إلى زعزعة تحالف بينيت. وبعد مرور أكثر من عام على رئاسة بايدن، فهي لا تزال مغلقة. وفيما يتعلق بالنشاط الاستيطاني، حتى في أعماق الضفة الغربية، تمسّكت الإدارة بنقاط الحوار القياسية وابتعدت عن أي حديث عن تجميد المستوطنات، ناهيك عن ربط الإجراءات الإسرائيلية بشأن المستوطنات بالمخرجات الأمريكية.
يبدو أن السمة المميزة لتعاملات إدارة بايدن مع حكومة بينيت هي التنسيق المستمر والتأكد من عدم وجود فجوة بينهما، على الأقل علنا. بالمقارنة مع المشاحنات العلنية الفوضوية لإدارة أوباما مع حكومة نتنياهو، كان تفاعل بايدن – بينيت ثابتا، مع القليل من الخلافات العامة، إن وجدت. وكل أسبوع، يبدو أن هناك مسؤول إسرائيلي كبير آخر يزور واشنطن أو مسؤول أمريكي يحضر في القدس.
وهذا ينطبق بشكل خاص على إيران، حيث أبقت إدارة بايدن الإسرائيليين على اطّلاع جيد وشاركت في التخطيط المشترك في حالة فشل المفاوضات للانضمام إلى الاتفاق النووي. كانت إسرائيل مسرورة بتمسّك الإدارة الحازم بعدم شطب الحرس الثوري الإيراني من القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية، وهو مطلب إيراني رئيسي في المفاوضات النووية.
حتى في أوكرانيا، حيث منعتها مصالح إسرائيل في سوريا وعدد كبير من اليهود الروس من عزل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو فرض عقوبات على موسكو، أو تقديم مساعدة عسكرية قاتلة لأوكرانيا، سمحت إدارة بايدن للإسرائيليين بهامش واسع للمناورة. عندما أجريت مقابلة مع السفير الأمريكي لدى إسرائيل توماس نيدس في أوائل شهر أيّار، صرّح بوضوح أن إدارة بايدن “تحب حقا الحكومة الإسرائيلية هذه”. وفيما يتعلق بأوكرانيا، أكد بقوّة على أن الولايات المتحدة وإسرائيل “تسلكان المسار ذاته”.
من الواضح أن إبقاء ائتلاف بينيت واقفا على قدميه ومنع عودة نتنياهو من أولويات إدارة بايدن. ولكن مع تأرجح الحكومة الإسرائيلية، فإن بايدن سيتوقف عن عمله في هذا الاتّجاه. بافتراض عدم انهيار الحكومة وتحديد موعد لإجراء انتخابات جديدة قبل رحلة بايدن إلى الشرق الأوسط الشهر المقبل، سيرغب الرئيس الأمريكي في تمكين بينيت بقدر ما يستطيع. وتدعم ذلك بعض التقاربر التي تفيد بأنّ واشنطن تتوسط في صفقة من شأنها تحسين العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية بشكل تدريجي.
لكن الوسيلة نفسها – الرحلة – هي الرسالة. يقدّر الإسرائيليّون عاليا قدرة رؤساء وزرائهم على إدارة العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، مما يعني أن بينيت سيستفيد بوضوح من احتضان بايدن الدافئ، على الرغم من عدم كفايته لإنقاذ حكومته، ولن تكون سياسة بايدن، في الوقت ذاته، مؤذية لإسرائيل.
للتحميل اضغط هنا