
- عن المركز
- دراسات وأبحاث
- متابعات
- مراجعات
- إصدارات المركز
- وثائق
- مركز الإعلام
- مؤتمرات
إعداد: وحدة الدراسات الإستراتيجية- مركز الأبحاث
ظهرت عدة سيناريوهات منذ بداية الحرب على غزة لإدارة الوضع في القطاع ما بعد الحرب، كان أبرزها محاولة إسرائيل تشكيل لجان حماية عشائرية بادعاء توزيع المساعدات الإنسانية، هذه الخطة فشلت بعد اتهام تلك الجهات بالتعاون مع إسرائيل كما وتعرض بعض أعضائها للقتل. في سياق آخر قدمت مصر، والإمارات، والولايات المتحدة مقترحات متباينة لإدارة غزة، إذ تركز الخطة المصرية على إنشاء لجنة من الخبراء والمستقلين تدير غزة وتكون مرجعيتها الحكومة الفلسطينية. بينما تسعى الخطة الإماراتية إلى إدارة دولية مؤقتة تمهد لعودة غزة إلى السلطة الفلسطينية بشرط إجراء إصلاحات جوهرية. أما الخطة الأمريكية، فقد اقترحت إشرافًا دوليًا هجينًا مع انتقال مرحلي للسلطة الفلسطينية، مشددة على إصلاحات في الحكم والأمن، وتشكيل قوات أمن جديدة.
تضعنا هذه المقترحات في تساؤل حول الحلول الترقيعية التي تذهب بعيدًا عن أن تقدم السلطة الفلسطينية بتوحيد المؤسسات، وتعزيز حل الدولتين استنادًا إلى قرار الأمم المتحدة 242 ، والمسؤولية عن تقديم المساعدات، مع توحيد غزة والضفة الغربية على أساس “سلطة واحدة، قانون واحد، سلاح واحد”، والإشراف على إعادة الإعمار بعيدًا عن السيطرة الإسرائيلية، وبينما تأتي هذه المقترحات كحلول للوضع القائم فإنها تذهب بعيدًا عن رؤية السلطة الفلسطينية لليوم التالي، والتي كان آخر مقترح تشكيل لجنة إسناد مجتمعي لإدارة شؤون غزة بعد الحرب.
تظهر وثيقة مسودة الاتفاق المطروحة للجنة الإسناد المجتمعي بقطاع غزة أن مرجعيتها ستكون للحكومة الفلسطينية، وستكون مسؤولة عن كافة المجالات (الصحية والاقتصادية والتعليمية والزراعية والمرافق الخدمية والحيوية)، إلى جانب أعمال الإغاثة ومعالجة آثار الحرب والإعمار، فيما تطرح أن تشكيل اللجنة سيكون بالتوافق الوطني بحيث يصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوما بتشكيلها، وتمارس مهامها وفق الأنظمة والقوانين المعمول بها في الأراضي الفلسطينية. لكن، هذه الفكرة رفضت من فتح ومنظمة التحرير والتي اعتبرت أن مثل هذه الحلول لن تُسهم في تحقيق الاستقرار أو تعزيز السيادة، فيما تبدو هذه الحلول كمسكنات لا تُحسن الوضع، بل تعرض القطاع لخطر الانفصال الدائم وتفاقم معاناة السكان، فكيف يمكن لهذه اللجنة العمل في ظروف غزة؟ وهل يمكنها فرض قراراتها في وجود القوات الإسرائيلية وميليشيات مسلحة تسيطر على الأرض؟ أم ستكون مجرد دمية لمن يملك القوة والسلاح في غزة؟
بالتالي، رفضت فتح والمنظمة مقترح لجنة الإسناد المجتمعية لأنها ترى أن أي حلول بديلة للإدارة السلطة لقطاع غزة تُكرّس لانقسام بين الضفة الغربية وغزة، مما يخدم السياسات الإسرائيلية التي تسعى لتكريس الواقع الجديد من خلال:
أولًا: فصل قطاع غزة عن بقية الأراضي الفلسطينية
إن فكرة تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي لإدارة غزة يمثل خطوة مفصلية قد تؤدي إلى فصل غزة عن بقية الأراضي الفلسطينية سياسيًا وإداريًا وأمنيًا وماليًا، مما يفتح المجال لتشكيل آلية جديدة تستبدل الحكومة الفلسطينية بلجنة تنظم شؤون غزة بشكل منفصل عن الضفة الغربية، وهو ما يعزز الفصل السياسي والإداري بين الضفة الغربية وقطاع غزة والذي تجسدت ذروته بانقلاب حركة حماس في العام 2007.
الخطورة الأخرى في هذا الفصل، هو تحول قطاع غزة إلى ساحة لتنفيذ الأجندات الإقليمية والدولية التي تتناقض مع المصالح الوطنية الفلسطينية، فإذا تم تشكيل لجنة إسناد ذات طابع إنساني بعيدًا عن التوجهات السياسية، فإن ذلك سوف يؤدي إلى غياب أي رؤية سياسية تهدف إلى تحقيق وحدة الأراضي الفلسطينية. وفي هذه الحالة، سوف تصبح اللجنة مجرد آلية مؤقتة لتلبية الاحتياجات الإنسانية، وهو ما يجسده تشكيل اللجنة عبر اختيار عناصر من المستقلين والكفاءات، على حساب الخطاب السياسي الذي تقوده الأحزاب الفلسطينية والذي يطالب توحيد الشعب الفلسطيني وتعزيز تطلعاته نحو الاستقلال والسيادة، وذلك على المدى المتوسط والبعيد.
ثانيًا: استقلال اللجنة وتناقض الصلاحيات
تشير وثيقة لجنة الإسناد المجتمعي المقترحة إلى أنها ستتمتع باستقلال مالي وإداري، خطورة ذلك تكمن في رغبة لخلق كيان منفصل ماليًا عن الحكومة الفلسطينية، حتى وإن تسلم بعض مواقع هذه اللجنة أشخاص من الحكومة الفلسطينية ذاتها، فهناك فصلًا بالأساس بين الحكومة واللجنة، وهو ما سيخلق تناقضًا في الصلاحيات بين اللجنة والحكومة، مولدًا المزيد من التفكك السياسي والإداري داخل النظام الفلسطيني.
أما من الناحية القانونية، فهل يجوز أن يشكل الرئيس حكومة تدير شؤون الناس في الضفة ولجنة تدير شؤون الناس في غزة، بالتالي، هذا يعني إذا ما حدث على أرض الواقع، خلق نظامين في دولة واحدة.
ثالثًا: شرذمة النظام السياسي الفلسطيني
إن الوثيقة تعتبر أن لجنة الإسناد المجتمعي جزء من النظام السياسي الفلسطيني، على أن يتم التأكيد على التواصل بين الحكومة الفلسطينية بالضفة واللجنة في غزة، هو مؤشر على عدم الإلزام، إذ أن تعبير مثل “التأكيد” بدلاً من “الإلزام” أو “الوجوب” يشير إلى أن هذا البند هو توجيهي أو استرشادي، وليس قانونيًا ملزمًا للطرفين، كما أن القوة التفسيرية في القضايا القانونية، قد تُفسر على أنها نوايا حسنة للتعاون وليس كتعهدات قانونية يوجب الالتزام بها
من ناحية أخرى يعد هذا إعلانًا ضمنيًا لشق النظام السياسي القائم، فدور اللجنة يمتد ليشمل أدوارًا إدارية ومالية وقانونية تتجاوز صلاحيات الحكومة الفلسطينية نفسها، وهي بهذا المفهوم من المفترض أن تكون قادرة على إدارة الشؤون المدنية والأمنية في غزة بشكل مستقل ماليًا وإداريًا، وهذا ينحو باتجاه أن النظام السياسي الحالي لا يملك القدرة على ممارسة وظائفه الأساسية، فيما يتم مطالبته بإجراء الإصلاحات دومًا، في هذه الحالة، تصبح اللجنة بمثابة كيان موازٍ، تشرف على تنفيذ السياسات والقرارات التي كانت في السابق من اختصاص الحكومة الفلسطينية. وهذه الخطوة قد تؤدي إلى نهاية السلطة الفلسطينية في غزة، أو على الأقل تقليص دورها بشكل كبير عبر إحداث تغيير جوهري في الهيكل السياسي الفلسطيني، حيث يصبح النظام السياسي الفلسطيني مشرذم وغير قادر على فرض سيطرته على كامل الأراضي الفلسطينية، فاتحًا بذلك لمرحلة مستقبلية تتطور بها هياكل سياسية مستقلة لكل منطقة، على حساب فكرة الدولة الفلسطينية الموحدة على أراضي عام 1967.
رابعًا: الفصل المالي والوصاية الدولية
تحمل فكرة لجنة الإسناد إنشاء صندوق دولي للإشراف على إعادة إعمار غزة، تحت إشراف الدول المانحة، هذا بحد ذاته يعكس تحولًا كبيرًا في إدارة الوضع الفلسطيني عبر تعزيز الهيمنة الدولية على القضية الفلسطينية من مدخلها المالي، الخطورة تكمن في الإدعاء الدائم لأميركا وإسرائيل وبعض الدول الغربية بأن السلطة الفلسطينية تمول الإرهاب بسبب دفع رواتب لعائلات الشهداء والأسرى، وسيترتب على ذلك قيام هذه الدول بالاستثمار في اللجنة الإدارية التي لا تحمل أي طابع سياسي عبر توفير غطاء مالي قوي لها، قد يتم ذلك من خلال تمويل الصندوق من الأموال الفلسطينية المقتطعة والمودعة لدى النرويج، أو توجيه الدول المانحة للاستثمار في صندوق هذه اللجنة بدلًا من التوجه للحكومة الفلسطينية، وعمليًا يعني هذا إنهاك السلطة الفلسطينية في اتجاه البدء بطرح فكرة إنشاء لجنة في الضفة على غرار الللجنة التي سوف تتشكل في غزة.
خامسًا: دور الرئيس لمرة واحدة
المقترح يعطي الرئيس صلاحية واحدة وهي تشكيل اللجنة، ومع الزمن فإن اللجنة سوف تخلق أمرًا واقعًا يجرف صلاحيات الرئيس والحكومة ويجعل من دوره شكلي فقط.
خامسًا: الأمن
إن النظر إلى اللجنة باعتبار أن أحد مهامها إدارة جميع الجهات في القطاع والتنسيق معها، يضعنا في تساؤل: كيف للجنة من المستقلين وأصحاب الكفاءات أن تطالب وتفرض خروج القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وكيف لها أن تضبط القوى المسلحة في غزة ما بعد الحرب، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه حتى في حال القضاء على حكم حركة حماس، سيبقى وجود عناصرها كأفراد وكقوة مجتمعية مؤثرة داخل غزة، مما يجعل من الصعب إقصاءهم تمامًا عن المشهد الأمني. بالتوازي، يُتوقع أن تستمر القوات الإسرائيلية في التواجد حول غزة، خصوصًا في المناطق الحدودية، تحت ذريعة تأمين مصالحها وضمان عدم عودة التهديدات الأمنية. هذا الوضع يتطلب سيطرة السلطة الفلسطينية على قطاع غزة، وإيجاد اتفاقيات شاملة تُلزم إسرائيل بالانسحاب التدريجي الكامل من غزة، مع توفير ضمانات أمنية من المجتمع الدولي. كما تستوجب هذه الاتفاقيات دمج العناصر العسكرية بالسلطة الفلسطينية، ضمن هيكل أمني موحد يعمل تحت مبدأ “سلطة واحدة وسلاح واحد”، لضمان سيادة القانون ومنع أي صراعات داخلية.
الخاتمة: