كيف يمكن أن يخسر ترامب هذه الحرب؟

كيف يمكن أن يخسر ترامب هذه الحرب؟

How Trump Could Lose This War

 

بقلم: دانيال بايمن، زميل بارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وأستاذ في كلية الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون.

( 22 حزيران/يونيو 2025 )

 

ترجمة : يسار ابو خشوم 

 

 

يتناول هذا المقال المخاطر الاستراتيجية والسياسية التي قد تواجه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد الضربات المحدودة التي نفذتها الولايات المتحدة على المنشآت النووية الإيرانية. ويركز الكاتب على إمكانية تحول هذا التدخل المحدود إلى تورط عسكري واسع وغير محسوب، في حال اتخذت الإدارة قرارات متسرعة كالسعي لتغيير النظام أو التقليل من قدرة إيران على الرد عبر وكلائها أو وسائل أخرى، محذرا من عواقب طويلة الأمد تمس الأمن الإقليمي والعلاقات الأميركية في الشرق الأوسط. فيما يلي ترجمة كاملة للمقال:

رغم الدمار الذي خلّفته، لا يزال تدخل الولايات المتحدة في حرب إسرائيل ضد إيران محدودا حتى الآن. فقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم السبت أن الولايات المتحدة قصفت عدة مواقع نووية في إيران، وكان الهدف الرئيسي منشأة فوردو المحصّنة تحت الأرض، والتي تحتوي أو كانت تحتوي على أهم عناصر البرنامج النووي الإيراني. وذكر ترامب أن الهدف من الضربات هو «تدمير قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم.» وتأتي هذه الهجمات استكمالا لعملية إسرائيل التي دمّرت مواقع نووية أخرى أقل تحصينا، بالإضافة إلى حملة الاغتيالات التي استهدفت قادة عسكريين إيرانيين وعلماء نوويين. وفي الوقت الذي يتباهى فيه الرئيس بنجاح الضربات، من المهم أن نتوقع ونتحسب لإمكانية انحراف مسار الحرب نحو الأسوأ.

مع الدور الأمريكي المحدود حتى الآن، يكمن القلق الأول في أن الضربات الأميركية والإسرائيلية قد لا تكون كافية لإلحاق ضرر بالغ بالبرنامج النووي الإيراني يجعل كلفة الحرب مبررة، بكل ما تنطوي عليه من دمار ومخاطر. فبينما يدّعي ترامب أن البرنامج الإيراني «تم تدميره بالكامل»، فإن تقييم الأضرار بعد الضربات قد يؤكد أو ينفي ذلك قريبا. لكن ربما يتطلب الأمر المزيد من الضربات، ولا سيما على منشأة فوردو، لإحداث دمار مستدام.

أما الخطأ الأرجح، فهو السقوط في الفخ المعاكس، أي محاولة تحقيق أهداف كبرى بوسائل محدودة. خصوصا، لا ينبغي للولايات المتحدة أن توسع أهداف الحملة بشكل كبير وتسعى إلى تغيير النظام، وهو هدف أيّده ضمنيا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكن لم يتبنه ترامب حتى الآن. يظل تركيز ترامب منصبا على تدمير القدرات النووية الإيرانية، وهو هدف محدود يتناسب مع الوسائل الحالية.

ولنكن واضحين: في المطلق، سيكون سقوط النظام الإيراني أمرا جيدا. فدعم طهران للإرهاب، وعداؤها للولايات المتحدة وإسرائيل، ومحاولاتها تقويض حلفاء أميركا العرب، كل هذه الأمور تجعل منها خصما خطيرا. كما أن سجل النظام المروع في حقوق الإنسان يجعل من زواله أمرا مرحّبا به للشعب الإيراني.

لكن السعي إلى تغيير النظام مغامرة خطيرة. فلا توجد معارضة إيرانية قوية يمكنها أن تتسلم زمام الحكم. ومن غير الواضح ما إذا سيكون النظام الجديد ديمقراطيا حقيقيا، أو ديكتاتورية عسكرية، أو مجرد فوضى كما رأينا في العراق بعد صدام حسين، أو في ليبيا بعد معمر القذافي. قدرة القوى الخارجية على تشكيل مسار تغيير النظام محدودة جدا، وغالبا ما تأتي بنتائج عكسية. وإذا تبنّت الولايات المتحدة هذه السياسة، فإنها ستصبح مسؤولة عن كل ما سيحدث لاحقا. وستحتاج واشنطن إلى موارد ضخمة، وربما قوات برية، لضمان أن التغيير يخدم مصالحها، ومع ذلك قد تفشل.

من الممكن أن يحدث تغيير النظام تلقائيا، ويجب على الولايات المتحدة أن ترحب بذلك إن حصل. فالنظام الديني الإيراني في حالة ضعف شديد: فاستجابته الهزيلة للضربات الإسرائيلية والأميركية شكّلت إحراجا لحكومة طالما تباهت بمقاومة أميركا وإسرائيل. هذا الإذلال يأتي فوق أداء اقتصادي كارثي، وفساد متجذر، واستبداد جامد. وعليه، يجب النظر إلى تغيير النظام كـ»جائزة حظ”، إن وقعت، وليس كهدف للعمل العسكري.

خطأ آخر محتمل هو الاستهانة بإيران. فليس واضحا كيف سيردّ النظام الإيراني على الضربات الأميركية، سواء الآن أو لاحقا. لا تستطيع إيران مجاراة إسرائيل، ناهيك عن الولايات المتحدة، وقد أبدت طهران دائما احتراما لقدرات الجيش الأميركي. لذا من الممكن أن يحاول النظام الصمود، ويتحمل الضربات، ويسعى لاحقا إلى صفقة. لكن في الوقت الحالي، تركّز طهران على التحدي، لا على الدبلوماسية.

ومع ذلك، فإن مزيجا من سوء التقدير، والبارانويا، والمصالح السياسية، ورغبة في الانتقام، قد يجعل هذا النهج العقلاني غير مرجح، وعلى الولايات المتحدة الاستعداد للأسوأ. قبل الهجوم الأميركي، حذر المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، من «أضرار لا يمكن إصلاحها» ردا على أي هجوم. وعندما اغتالت الولايات المتحدة قائد «فيلق القدس» عام 2020، ردت الجماعات المدعومة من إيران بهجمات صاروخية على قواعد أميركية في العراق. وبالطبع، يعدّ قصف إيران خطوة تصعيدية أكبر، وقد تتعرض القوات والمصالح الأميركية في العراق وأماكن أخرى في الشرق الأوسط لهجمات.

الخبر الجيد هو أن أقوى وكلاء إيران في المنطقة، حزب الله وحماس، في حالة خمود. فقد دمرتهما إسرائيل منذ هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ولا يبدو أنهما متحمسان لمواجهة الولايات المتحدة، رغم امتلاكهما قدرات محدودة. لكن إيران مولت هذه الجماعات منذ زمن كوسيلة لمواجهة النفوذ الأميركي والإسرائيلي، وربما يرد بعضها إذا طلبت طهران ذلك.

وتعدّ طهران من أبرز الدول الراعية للإرهاب، ومن المرجح أن يمتد الرد الإيراني خارج المنطقة. فقد تعاونت مع حزب الله في السابق لاستهداف مصالح أميركية ويهودية وإسرائيلية في الأرجنتين وبلغاريا والسعودية وغيرها، كما استهدفت حلفاء أميركا العرب. وعلى الرغم من أن الإرهاب غالبا ما يعود بنتائج عكسية على إيران، إلا أنه يبقى وسيلة فعالة، وربما الوحيدة، لمعاقبة خصومها وإثبات قدرتها على الردع. صحيح أن إيران ستتعرّض لرد انتقامي إذا نفّذت هجمات، لكن مقتل أميركيين قد يُغيّر الرأي العام في الولايات المتحدة ضد الحرب بمرور الوقت.

أما الرد الإيراني الأكثر تطرفا، وربما الأكثر ضررا لإيران نفسها، فهو محاولة قطع تدفق النفط من الخليج. فسيؤدي هذا إلى تعطيل صادرات إيران نفسها، وسيدفع الدول العربية والأوروبية التي تطالب الآن بخفض التصعيد إلى الاتحاد ضد إيران. وكانت الولايات المتحدة تستعد لهذا السيناريو منذ زمن، وسترد بقوة.

ومن أخطر التهديدات ما قد يحدث على المدى الطويل فيما يخص البرنامج النووي الإيراني. فقد تقبل طهران، ظاهريا، فرض قيود صارمة على التخصيب أو تعلن الالتزام بشروط أميركية، لكنها تواصل تطوير برنامج نووي سري. فبعد أن قصفت إسرائيل مفاعل أوزيراك العراقي عام 1981، ضخّ العراق موارد ضخمة في برنامجه النووي وكاد أن يصل إلى إنتاج قنبلة. وقد يستنتج القادة الإيرانيون أنهم ارتكبوا خطأ بعدم الانتقال إلى مرحلة التسلّح، ويمضوا قدما بهذه الخطوة لاحقا.

الخبر السار هو أن إسرائيل أثبتت امتلاكها لمخابرات ممتازة حول إيران، ومن المرجح أن تكتشف أي مساعي مستقبلية للتسلّح. ومع ذلك، قد تتحسن قدرات إيران المضادة للاستخبارات، أو تقدم روسيا دعما نوويا أكبر، أو تتغيّر السياسات في واشنطن وتل أبيب، ما يصعب مهمة وقف الخروقات الإيرانية.

ويعتمد الكثير على الاتفاق الذي يفترض أن ترامب يسعى إليه. فقد قال الرئيس عند إعلان الضربات: «الآن هو وقت السلام!» لكن على أي شروط؟ ينبغي لأي اتفاق ألّا يوقف التخصيب فحسب، بل يشمل أيضا آليات مراقبة صارمة وعقوبات واضحة عند أي انتهاك. ويجب أن يشمل الاتفاق حلفاء واشنطن في المنطقة. فرغم أنهم مناهضون لإيران وسعداء على الأرجح بتدمير برنامجها النووي ومقتل العديد من قادتها العسكريين، إلا أنهم مجبرون على التعايش معها، ويبحثون عن الاستقرار، وسيجعل إدماجهم في الاتفاق أي تسوية أكثر صلابة.

إذا بدت إيران ضعيفة، كما هو الحال الآن، سيكون من المغري لصانعي القرار الأميركيين توسيع الأهداف لتشمل كل سلوكيات إيران المزعجة، من حقوق الإنسان إلى دعم الوكلاء. بيد أنّ التحدي يكمن في التوازن بين اغتنام الفرص وتوخي الحذر، فكلما زادت الطموحات، زادت الحاجة إلى الموارد والقوات لضمان نجاح الحرب.

كيف يمكن أن يخسر ترامب هذه الحرب؟