
كيف يلاحق فشل الولايات المتحدة في العراق خطة ترامب بشأن غزة
How the U.S. Failure in Iraq Haunts Trump’s Gaza Plan
مجلة فورين بوليسي الأمريكية
بقلم مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جورج واشنطن، ومدير مشروع العلوم السياسية للشرق الأوسط
ترجمة يسار ابو خشوم
(16 تشرين الأول/ أكتوبر 2025)
يتناول هذا المقال خطة دونالد ترامب لإدارة قطاع غزة بعد اتفاق وقف إطلاق النار، ويقارنها بالتجربة الأمريكية الفاشلة في العراق، مبرزا أوجه التشابه بينهما من حيث غياب الرؤية الواقعية وفشل فكرة الوصاية الخارجية. كما يوضح كيف تجعل العوائق الميدانية والسياسية والإنسانية من وعود «الشرق الأوسط الجديد» التي يروّج لها ترامب مجرد تكرار لأوهام الماضي الأمريكي في المنطقة. فيما يلي ترجمة تلخيصيّة للمقال:
يحتفي العالم ظاهريا باتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه إدارة دونالد ترامب بين إسرائيل وحماس، باعتباره نهاية محتملة لعامين من المجازر والمجاعة التي دمرت قطاع غزة. غير أن هذا التفاؤل يخفي وراءه واقعا أكثر قتامة؛ إذ تبدو الخطة الأمريكية القائمة على إنشاء نظام وصاية دولي على غزة محكومة بالفشل منذ بدايتها. فبينما يسعى ترامب إلى تقديم الاتفاق كإنجاز تاريخي يمهد لـ»شرق أوسط جديد»، تكشف المعطيات الميدانية والسياسية عن سيناريو أقرب إلى الفوضى المستدامة منه إلى الاستقرار، وسط غياب مقومات التنفيذ ورفض الأطراف الفاعلة التنازل عن مصالحها. ومع أن الاتفاق أوقف القتل مؤقتا وأعاد بعض الرهائن وفتح باب المساعدات، إلا أنه يفتقر إلى خارطة طريق واقعية قادرة على تحويل هذا الهدوء الهش إلى سلام دائم.
غزة بين الدمار الشامل ووهم الإعمار
يطرح الاتفاق تصوّرا طموحا لإعادة إعمار غزة واستعادة الحياة الطبيعية فيها، لكنه يتجاهل حقيقة أن القطاع تحول إلى أنقاض. فالمجتمع الغزي بأسره مشرّد ومصاب بصدمة جماعية بعد مقتل ما لا يقل عن 67 ألف فلسطيني، وتدمير المدارس والمستشفيات والطرق والبنية التحتية الأساسية. المدن والأحياء التي يحلم سكانها بالعودة إليها لم تعد موجودة أصلا، فيما يفرض الحصار الإسرائيلي منذ نحو عقدين واقعا يمنع حتى إدخال المساعدات الضرورية. وإذ تعهدت بعض الدول الخليجية بالمساهمة في إعادة الإعمار، فإن تعهداتها تبقى مشروطة سياسيا ومحدودة زمنيا وماليا، بينما يُقدّر أن غزة تحتاج إلى ما يفوق 50 مليار دولار لإعادة بناء الحد الأدنى من مقومات الحياة. وحتى لو توفرت الأموال، فإن استمرار الحصار الإسرائيلي سيجعل أي مشروع تنموي غير قابل للحياة.
في المقابل، يصرّ نتنياهو على تقليص حجم المساعدات وفرض قيود جديدة قبل أن تصل، بذريعة الخلاف حول تسليم جثامين الرهائن. أما حماس، التي لم تُظهر أي نية لنزع سلاحها، فقد بدأت بالفعل بإعادة فرض سيطرتها في القطاع وملاحقة المجموعات المدعومة من إسرائيل. وهكذا، يقف القطاع بين قوتين متناقضتين تمنعان استقرار أي سلطة جديدة: سلطة إسرائيلية ترفض قيام كيان فلسطيني مسلح حتى وإن كان خاضعا، وحركة مقاومة مصممة على البقاء. لذلك، تبدو فكرة إنشاء قوة دولية أو عربية لضبط الأمن غير واقعية دون قبول حماس، وهو ما لن توافق عليه إسرائيل. النتيجة المرجحة هي استمرار التدهور الاقتصادي والإنساني، وتكرار الهجمات الإسرائيلية بذريعة «الأمن».
شبح العراق وتجربة الفشل الأمريكي المتكرر
لا يقتصر مأزق الخطة على الواقع الميداني في غزة، بل يمتد إلى تشابهها الخطير مع التجربة الأمريكية في العراق. فالتفكير في فرض وصاية خارجية أو بناء نظام حكم بديل يذكّر بإدارة الاحتلال الأمريكي لبغداد عام 2003، حين فشلت واشنطن في تحقيق الاستقرار أو بناء شرعية سياسية. اليوم، تعيد إدارة ترامب إنتاج الأخطاء ذاتها، متجاهلة أن أي إدارة دولية لغزة دون تمثيل وطني فلسطيني سيُنظَر إليها كاحتلال مقنّع. ومع غياب الأمن والنظام، لن يكون هناك أي أساس لحكم فعّال، بل مجرد سلطة شكلية تفتقر إلى الشرعية الشعبية، كما كان الحال مع الإدارات الانتقالية في العراق.
وفوق ذلك، تبدو إدارة ترامب عاجزة مؤسساتيا عن تنفيذ مشروع بهذا الحجم. فقد أغلقت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وتراجعت الكفاءات داخل أجهزة الدولة، فيما ينشغل الرئيس الأمريكي بأزماته الداخلية. وهذا يعني أن أي التزام أمريكي طويل الأمد تجاه غزة سيكون هشّا ومتقلّبا، وربما ينقلب سريعا نحو دعم عودة الحرب إذا شعر ترامب بتهديد سياسي داخلي. أما إسرائيل، فترى في الاتفاق فرصة مؤقتة لتخفيف عزلتها الدولية، دون أن تغيّر سياساتها الأساسية، بينما يتزايد حولها الغضب العالمي على نحو مشابه لما حدث بعد غزو العراق، إذ ولّدت المجازر في غزة تحوّلا جذريا في الرأي العام العالمي تجاه إسرائيل لن يُمحى بسهولة.
خاتمة
إن وقف إطلاق النار في حد ذاته أفضل من استمرار الحرب، لكن تحويله إلى نقطة انطلاق لسلام حقيقي يتطلب أكثر من مجرد وعود عاطفية من واشنطن. فالتاريخ يعيد نفسه؛ من العراق إلى لبنان وصولا إلى غزة، تكرر الولايات المتحدة رهانها على «الشرق الأوسط الجديد» الذي يُفترض أن يولد من رحم الدمار. غير أن النتائج دائما واحدة: فوضى، واحتلالات غير مباشرة، وأزمات إنسانية متواصلة. لذلك، يبدو أن خطة ترامب لغزة ليست سوى فصل جديد في مسلسل الفشل الأمريكي في المنطقة، حيث تظل الشعوب تدفع ثمن أوهام القوة والوصاية بدل أن تنال حقها في السيادة والكرامة.