[*]سميح شبيب

 ترمي هذه القراءة لأبرز وثائق مؤتمر أنابوليس، لإعادة استحضار ظروف انعقاد هذا المؤتمر، وما نتج عنه من نتائج، خاصة وأن الإعدادات العملية، قد بدأت، لعقد مؤتمر دولي للسلام، بمبادرة فرنسية.

عقد مؤتمر أنابوليس، يوم الثلاثاء 27/11/2007، بمبادرة من الرئيس الأميركي جورج بوش، وبحضور ومشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي، ايهود أولمرت، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، محمود عباس (أبو مازن) ومشاركة ممثلين لما يزيد عن أربعين دولة، ومنهم زعماء ورؤساء عرب ومسلمون.

ساد التفاؤل أجواء المؤتمر وما تمخض عنه من نتائج، وحازت التأييد الدولي الواسع من أجل إنجاح عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية، وضرورة الوصول بها، إلى اتفاق واضح، يستند على تفاهمات مقبولة من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.

أكد رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) في كلمته أمام مؤتمر أنابوليس: أن “طريق السلام هو طريق لا خيار غيره ولا رجعة فيه، وطريق التفاوض حول السلام، ومن أجل إنجاز السلام هو الطريق الصحيح… فإن الفرصة الاستثنائية الكبرى التي يوفرها اليوم الموقف العربي والإسلامي والدولي، والدعم الكاسح من الرأي العام في المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي لضرورة اغتنام مناسبة هذا المؤتمر الذي يطلق عملية المفاوضات، ولعدم التفريط بالإمكانيات التي يحملها معه، إن مثل هذه الفرصة لن تتكرر مرة أخرى، ولن يتوفر لها لو تكررت ذات الإجماع ونفس الزخم… فلا يجب أن نضيع هذه الفرصة التي ربما لن تتكرر مرة أخرى، دعونا نصنع سلام الشجعان ونحميه من أجل مستقبل أطفالنا وأطفالكم”.

فيما أكدت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني في خطابها أمام المؤتمر: أن “رغبة إسرائيل الشديدة في صنع السلام مع جيرانها المختلفين، لا تحل محل العملية المباشرة مع الفلسطينيين حتى بثمن التنازلات التي سنضطر إلى تقديمها، واليوم نحن نبدأ باستئناف هذه العملية. إن تطلعنا، هدفنا والرؤيا التي نريد تحقيقها- تحقيق السلام مع الفلسطينيين ومع بقية جيراننا- هو الجائزة بحد ذاتها”.

وفي ختام المؤتمر، تلا الرئيس جورج بوش، بياناً مشتركاً، أورد خلاله، نقاط التفاهم المشترك الذي تم التوصل إليها، وهي:

“إننا نعبر عن إصرارنا وعزمنا على وضع حد لسفك الدماء والمعاناة وعقود من الصراع بين شعبينا؛ وعلى بدء عهد جديد من السلام، القائم على الحرية والأمن والعدل والكرامة والاحترام والاعتراف المتبادل؛ وعلى نشر ثقافة السلام واللاعنف، وعلى التصدي لأعمال الإرهاب والتحريض سواء ارتكبها فلسطينيون أو إسرائيليون.

سعيا لتحقيق هدف حل دولتين، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنبا إلى جنب بأمن وسلام :

  • فإننا نوافق على إطلاق المفاوضات الثنائية فورا وبحسن نية، من أجل التوصل إلى معاهدة سلام تحل جميع القضايا العالقة بما في ذلك كافة القضايا الجوهرية دون استثناء، كما نصت على ذلك اتفاقيات سابقة.
  • إننا نوافق على الدخول في مفاوضات مكثفة ومستمرة ومتواصلة، ونتعهد ببذل كل جهد مستطاع من أجل التوصل إلى اتفاق قبل نهاية العام 2008.
  • لتحقيق هذا الغرض، ستجتمع لجنة توجيه بقيادة مشتركة من قبل رئيس وفد كل طرف من الطرفين وبصورة مستمرة كما هو متفق عليه. لجنة التوجيه سوف تضع خطة عمل مشتركة، وتقوم وتشرف على عمل طواقم المفاوضات لمعالجة كافة القضايا، على أن يرأسها ممثل رفيع المستوى من كل طرف.
  • ستعقد لجنة التوجيه أول جلسة لها يوم 12 كانون الأول (ديسمبر) 2007.
  • الرئيس عباس ورئيس الوزراء أولمرت، سيواصلان لقاءاتهما على أساس مرة كل أسبوعين، لمتابعة سير ومجرى المفاوضات، بهدف تقديم كل مساعدة ممكنة لدفع تلك المفاوضات إلى الأمام.

يلتزم الطرفان كذلك بمواصلة تنفيذ الالتزامات المترتبة على خريطة الطريق، إلى أن يتوصلا إلى معاهدة سلام. وستقوم الولايات المتحدة بالمراقبة والحكم فيما يتعلق بوفاء كلا الجانبين بالتزاماتهما بموجب خريطة الطريق.

وما لم يتفق الطرفان على غير ذلك، فإن تطبيق معاهدة السلام المستقبلية، سوف يكون خاضعا لتطبيق خريطة الطريق كما تقضي بذلك الولايات المتحدة.

وفي الختام، عبر الرئيس الأميركي، عن عميق تقديره للمشاركين في المؤتمر الدولي على دعمهم لعملية السلام.

وفي هذا السياق، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أمام المؤتمر كلمة قال فيها: “جئت إلى هنا اليوم من أورشليم القدس… لأمدّ باسم إسرائيل شعباً ودولةً إلى الشعب الفلسطيني وجاراتنا الدول العربية يداً من أجل السلام لدى انطلاق مسيرة المصالحة التاريخية بيننا وبينكم الفلسطينيين والدول العربية جمعاء… إننا نريد السلام؛ إننا نطالب بوقف الإرهاب والتحريض والكراهية؛ وإننا جاهزون لاعتماد الحلول التوفيقية المؤلمة والمليئة بالمخاطر سعياً لتحقيق هذه التطلعات… لا شك لديّ في أن الواقع الذي نشأ في منطقتنا عام 1967 سيتغير بصورة ملحوظة للغاية”.

رأت أوساط إعلامية وسياسية، بناءً على ما تمخض عنه مؤتمر أنابوليس، بأن هنالك احتمالين مما ستحمله نتائج المؤتمر، مستقبلاً، وهما:

الأول: أن يكون الطرفان، الفلسطيني والإسرائيلي، قد توصلا إلى إطار اتفاق حول قضايا المرحلة النهائية، مع بقاء بعض النقاط التي تحتاج إلى تدخلات أميركية للتعامل معها وإيجاد حلول وسط بشأنها، وعقد مؤتمر لشرعنتها.
ويقول أصحاب هذا الرأي إنه من غير المعقول أن تنتهي ثمانية لقاءات قمة بين الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء أولمرت علاوة على عشرات اللقاءات بين وفدي التفاوض على مدى الأشهر الستة التي سبقت مؤتمر أنابوليس دون نتائج محددة، شجعت الرئيس الأميركي، على دعوته بعقد المؤتمر، فلا بد أن تقدماً قد حدث، وجرى التعتيم عليه من خلال تصريحات متعمدة تنفي ذلك.       الثاني: يؤكد أن المفاوضات واللقاءات الفلسطينية-الإسرائيلية لم تتمخض عن أي اتفاق حول القضايا الرئيسية، بسبب مراوغات أولمرت، وتفهم الحكومة الأميركية لهشاشة الائتلاف الحاكم الذي يرأسه، ويحول دون اقترابه من مسائل حساسة وخلافية مثل القدس والمستوطنات ناهيك عن حق العودة.

لعل أبرز إنجازات مؤتمر أنابوليس، بعد فشل لقاء كامب ديفيد، في العام 2000، هو إعادة بعث الحياة، لعملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية.

فمنذ فشل القمة الأميركية والفلسطينية والإسرائيلية في كامب ديفيد تم تعليق عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية لمدة 7 سنوات، لأسباب متعددة مثل تغيير الرؤساء الأميركيين، ووقوع أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، واندلاع حرب افغانستان وحرب العراق، وتصعيد الأزمة النووية الإيرانية، مما أحدث تأثيرا في المسألة الفلسطينية الإسرائيلية والموضوعات الرئيسية لمدة طويلة. وإن الأسباب الرئيسية ترجع إلى أن الرئيس الأميركي بوش أخذ درسا من الرئيس الأميركي السابق كلينتون، الرئيس بوش لا يستطيع أن يغير موقف الولايات المتحدة من انحيازها إلى إسرائيل. وحاول أن تثمر جهوده فجاءت عبر مؤتمر دولي، ومما بدا من خلال كلمته ونشاطه في هذا المؤتمر، بأنه عاقد العزم على دفع عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، ونذر أن يساعد فلسطين وإسرائيل كي يتوصلا إلى اتفاق سلمي بشأن حل كافة المسائل خلال ولايته التي تقترب من نهايتها في فترة زمنية لمدة تزيد عن سنة واحدة، وذلك يجعل الناس يرون خيطا من الأمل. دلت التجارب التاريخية على أن تحقيق أي تقدم في المسألة الفلسطينية الإسرائيلية يعتمد دائما على موقف الولايات المتحدة. لأن أي تراجعات إسرائيلية يقررها الضغط الذي تتخذه الولايات المتحدة. لا يمكن دونه دفع حل المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية التي استمرت لمدة 67 سنة. لذا قال رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس: “إن مؤتمر السلام هذا (مؤتمر أنابوليس) يعد فرصة تاريخية نادرة بالنسبة إلى الفلسطينيين”.

في الوقت الذي وجدت فيه أوساط سياسية، بأن مؤتمر أنابوليس حقق نجاحاً سياسياً، ومكسباً للقضية الفلسطينية، رأت أوساط أخرى، بأن انعقاد المؤتمر يعني عملياً إكمال عملية التطبيع العربي-الإسرائيلي ومحاولة لتحسين صورة الرئيس بوش عربياً وإسلامياً بعد فشله في العراق وأفغانستان.

وأخيراً التمهيد لتحقيق السابقة الأهم، وهي تشكيل جبهة عربية-إسرائيلية تحت لواء القيادة الأميركية.

عملياً، وفي مجريات السياسة الميدانية، خاصة على صعيد عملية السلام، فقد حقق مؤتمر أنابوليس، تحريك الأجواء التفاوضية، وبعث التفاؤل عموماً، لكن آلياته وما تضمنته نتائجه من نقاط، كان بعضها واضحاً، اصطدم بالعقبة الكأداء، وهي الاستيطان، وحدود “التنازلات” الإسرائيلية، بشأن قضايا الحل الدائم.

أشارت استطلاعات الرأي، التي أجرتها مراكز إسرائيلية، حول مؤتمر أنابوليس ونتائجه، بأنه مؤتمر فاشل، ولن تترتب عليه نتائج هامة. حيث تنامى دور اليمين، بل اليمين المتطرف والمستوطنين، بعد مؤتمر أنابوليس، إلى أن وصلت الأمور، المطالبة بتجميد الاستيطان، فاتضحت السياسة الإسرائيلية في عهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المتعارضة مع كل ما سبق وأن وُقّع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وعمل الحكومة الإسرائيلية، الهادف إلى اغتيال فكرة حل الدولتين، ومحاولة فرض واقع جديد، على الشعب الفلسطيني.

ما تبدى، بوضوح، بعد مؤتمر أنابوليس، بأن الشارع السياسي الإسرائيلي، لا يزال غير مهيأ، لأي حلول، خاصة إذا قاربت حدود الحقوق الوطنية الفلسطينية، وأنه دون تدخل إقليمي ودولي جاد، بهذا الشأن، سيظل أي مؤتمر دولي، شبيهاً بما حدث في أنابوليس.

 [*]باحث مقيم في رام الله، رئيس تحرير شؤون فلسطينية.