[*]نظير مجلي
بغض النظر عن تركيبة الحكومة التي يقيمها بنيامين نتنياهو رئيس قائمة الليكود – بيتينو، بنيامين نتنياهو، فإن نتائج الانتخابات الإسرائيلية، جاءت مغايرة لتوقعات السياسيين ولتقديرات الاستطلاعات، ومفاجئة إلى حد ما أيضاً. فاليمين الذي توقعوا له الفوز بانتصار ساحق يصل إلى أكثرية 68 نائباً مقابل 52 نائباً، تلقى ضربة قاسية ولكن ليست قاضية. وقوى اليسار والوسط التي خاضت المعركة الانتخابية بقيادات باهتة وغير مقنعة، زادت بنسبة غير قليلة. ولولا أصوات الجنود، لتساوت قوة معسكر اليمين مع قوة معسكر الوسط واليسار والعرب. ولو أن الناخبين العرب من مواطني إسرائيل (فلسطينيي 48)، صوتوا بنفس نسبة تصويت اليهود لأصبح معسكر الوسط واليسار والعرب هو الغلاب وفاز بالأكثرية وأتاح فرصة لسقوط حكم اليمين. ولكن، في السياسة، لا تنفع الـ- “لو”. ولا بد من قراءة النتائج كما هي.
المعروف أن هذه الانتخابات جرت قبل موعدها المقرر بتسعة شهور. فقد قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تبكيرها بحجة أنه لم يفلح في تمرير ميزانية الدولة لسنتي 2013 – 2014 (خطابه في مقر رئاسة الحكومة في 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2012)، ولكنه في الحقيقة اتخذ قراره لسبب آخر. فقد توقع أن يفوز الرئيس الأمريكي، باراك أوباما بدورة ثانية وأن يسعى للإطاحة به لأنه أعاق وعرقل مسيرة السلام، ويحاول التمرد على الغرب في الموضوع الإيراني، كذلك فقد خشي نتنياهو من أن ينتقم أوباما منه، على تدخله في الانتخابات الأمريكية لصالح منافس أوباما، ميت رومني. وخاف نتنياهو أن يستغل أوباما الشهور الأولى من دورته الثانية ليظهر بروداً في العلاقة ويفتعل أسباباً للخلاف معه ويضايقه في تصريحات هجومية تقوض مكانته خلال الشهور العشرة قبل الانتخابات وربما يهاجمه علناً أيضا.
وكما لاحظنا، فإن أوباما فعلها لاحقا، بعد انتخابه لولاية رئاسية ثانية. فقد نشر الصحفي جفري غولدبيرغ، المقرب من البيت الأبيض، في الموقع الإخباري الأمريكي “بلومبيرغ” (14 كانون الثاني (يناير) 2013)، تقريراً نقل فيه تصريحات أدلى بها أوباما خلال عدة جلسات داخلية قال فيها أن نتنياهو أخطر على إسرائيل من التهديد الإيراني وأنه يدير إسرائيل بطريقة تقودها إلى عزلة دولية خانقة وخطيرة، تمس بمصالحها الأمنية. واعتبر سياسته مدمرة للمصالح الإسرائيلية. ورأى المراقبون أن نتنياهو تصرف بذكاء عندما قدم موعد الانتخابات، على الرغم من خسارته الانتخابية (ناحوم بارنياع في صحيفة “يديعوت أحرونوت” – 25 كانون الثاني (يناير) 2013)، وأن استمرار المعركة الانتخابية حتى نهاية دورتها كان سيؤدي إلى سقوطه الحتمي كما حصل له في سنة 1999، عندما سعى الأمريكيون في زمن حكم بيل كلينتون إلى إسقاطه عن الحكم لصالح إيهود باراك (بن كسبيت – صحيفة “نهاية الأسبوع” – 25 كانون الثاني (يناير) 2013). لذلك استبق نتنياهو الأمر وأعلن عن تبكير موعد الانتخابات بتسعة شهور، من 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 إلى 22 كانون الثاني (يناير) 2013، ليوفر على نفسه مواجهة الرئيس الأمريكي طيلة السنة.
فقد لاحظنا أن هناك حملة غير عادية ضده في الساحة السياسية. جميع رؤساء الأجهزة الأمنية (الجيش عندما كان برئاسة جابي أشكنازي، ورئيس الموساد السابق، مئير دجان، ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق، عاموس يدلين، ورئيس جهاز المخابرات العامة، يوفال ديسكين، وستة رؤساء سابقين لجهاز المخابرات العامة)، هاجموا نتنياهو، اعتبروا سياسته مغامرة ومدمرة.
وعلى سبيل المثال قال ديسكين، إن “نتنياهو والمجموعة التي تقود إسرائيل اليوم تهدد بالخطر أمن إسرائيل ومستقبلها”. وأضاف: “نتنياهو ورفاقه يفضلون مصالحهم الشخصية والحزبية على مصالح الدولة. وهم يعقدون جلسة خطيرة للبحث في الموضوع الإيراني وهم يدخنون السيجار ويشربون الوسكي” (“يديعوت أحرونوت” – 3 كانون الثاني (يناير) 2013). وقال الرئيس السابق لهذا الجهاز، أبرهام شلوم، إنه قلق على أولاده وأحفاده من سياسة نتنياهو. وقد أحدثت هذه التصريحات زلزالاً في الحلبة السياسية وتحولت إلى موضوع مركزي في الانتخابات. وخرج رئيس الوزراء السابق، إيهود أولمرت، بتصريحات ضد نتنياهو اتهمه مباشرة بتضليل العالم أجمع، بواسطة إثارة موضوع التهديد الإيراني. وقال لقد صرفوا 11 مليار شيكل (3.5 مليار دولار) هباء وتبذيراً، بالإعداد لحرب لم ولن تقع (خطاب أولمرت في مؤتمر لمجلس الأمن القومي في تل أبيب – 9 كانون الثاني (يناير) 2013).
وإزاء هذه الحملة، حاول نتنياهو أن يبدو هادئاً، لكن رجاله أغرقوا الصحف ووسائل الإعلام بالردود، مركزين حملتهم على مواصلة تخويف المواطنين من الأخطار الخارجية. ولوحظ أن الدعاية الانتخابية لنتنياهو تركزت في الخطابات النارية التي كان قد أطلقها قادة التنظيمات الإسلامية الراديكالية الإيرانية والفلسطينية واللبنانية، فضمنوها إلى أول أفلام دعائية ظهرت مع إطلاق الحملات الدعائية التلفزيونية والإذاعية، واستمرت تبث يومياً حتى آخر الحملة الانتخابية.
فقد ظهر الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وهو يهدد بإغراق إسرائيل بالصواريخ من قريات شمونة في الشمال وحتى إيلات في الجنوب. ثم ظهر رئيس الدائرة السياسية لحركة حماس، خالد مشعل، وهو يخطب في غزة متحدثا عن تحرير حيفا ويافا، ثم ظهر رئيس حكومة حماس المقالة، إسماعيل هنية، متباهيا بانتصارات حماس على إسرائيل. ثم ظهر الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، وهو يهدد بزوال إسرائيل القريب. ومن بعدهم ظهر نتنياهو نفسه مشيراً إلى الأخطار التي تتهدد إسرائيل والتي لا يمكن أن تقدر على صدها حكومات برئاسة منافستيه، تسيبي لفني أو شيلي يحيموفتش. ويقول نتنياهو في دعايته: “هذه الأخطار، تحتاج إلى حكومة يمين قوية برئاسة رئيس حكومة قوية فقط، لمجابهتها”.
لكن هذا لم يغير وضع نتنياهو في استطلاعات الرأي، بل ظلت تدل على تراجع متواصل. وأشارت الاستطلاعات إلى أنه سيتساوى مع حزب العمل برئاسة شيلي يحيموفتش، التي بشرتها الاستطلاعات في بداية المعركة بارتفاع قوة حزبها من 13 مقعداً في الانتخابات الماضية إلى 24 مقعداً في الانتخابات القادمة، بينما جاءت نتيجة الليكود هبوطاً من 27 مقعداً إلى 25. وكانت يحيموفتش قد غلّبت الموضوع الاقتصادي على قضية السلام وخرجت بحملة تتنكر فيها لليسار وتقول إن حزبها تابع للوسط وليس لليسار. وأصابت هذه النتيجة نتنياهو بالهلع، فهرع إلى الإقدام على خطوة حزبية بدت في البداية أنها “لامعة”. فقد تحالف مع حزب إسرائيل بيتنا بقيادة أفيغدور لبرمان، ليخوضا المعركة بقائمة واحدة. وبما أن الحزبين معا ممثلان في الكنيست اليوم بـ42 مقعداً، فإن مثل هذا التحالف سيرعب أي حزب يفكر في مجابهته. وجنباً إلى جنب، مع ذلك، أدار نتنياهو حملة لقلب الأجندة الانتخابية وإسقاط الموضوع الاقتصادي. فهاجمت قواته قطاع غزة بحرب غارات جوية فتاكة.
وقد بقيت المعركة سجالا، نتنياهو يدير حملته على أساس الأمن وتخويف الناس من الأخطار، ومعركة مضادة تشارك فيها قوى عديدة من إسرائيل وخارجها تقول إنه هو الخطر.
النتائج:-
اسم الحزب | عدد النواب الذي فاز به الحزب في الانتخابات الأخيرة | عدد النواب في الكنيست السابقة | فارق عدد المقاعد من الانتخابات السابقة على الحالية | عدد الأصوات التي فاز بها الحزب | |||
الليكود – بيتنا | 31 | 42 | -11 | 884,631 | |||
يوجد مستقبل- يائير لبيد | 19 | 0 | 19 | 543,280 | |||
حزب العمل | 15 | 13 | 2 | 432,083 | |||
البيت اليهودي | 12 | 5 | 7 | 345,935 | |||
شاس | 11 | 11 | 0 | 331,800 | |||
يهدوت هتوراة | 7 | 5 | 2 | 196,038 | |||
الحركة – تسيبي لفني | 6 | 0 | 6 | 189,168 | |||
ميرتس | 6 | 3 | 3 | 172,382 | |||
القائمة العربية الموحدة | 4 | 4 | 0 | 138,362 | |||
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة | 4 | 4 | 0 | 113,610 | |||
التجمع الوطني الديمقراطي | 3 | 3 | 0 | 96,926 | |||
كديما – شاؤول موفاز | 2 | 28 | -26 | 79,487 |
دلت نتائج الانتخابات على حقيقة أساسية هي أن الجمهور الإسرائيلي يريد التغيير ولكنه لا يجد بديلاً. فقد وجه صفعة قوية لرئيس حكومته، نتنياهو، وعاقبه على سياسته الفاشلة على كل الأصعدة، خصوصاً في القضية الاقتصادية والاجتماعية وفي قضية صدامه مع الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي، وأنزله لذلك من 42 إلى 31 مقعداً، ولكنه لم ينتخب حزبا آخر يمنحه الأكثرية. فالحزب الثاني وراء الليكود- بيتنا حصل على 19 مقعداً. وعلى الرغم من هبوط أحزاب اليمين، ظل معسكر اليمين غالبا ولو بفارق بسيط (61 مقعداً مقابل 59 لمعسكر الوسط واليسار والعرب).
ولكن، من جهة ثانية، منح الناخبون الإسرائيليون عدداً هائلاً من الأصوات للأحزاب التي طرحت فكرة التغيير. فإذا كان تحالف الليكود بيتنا بقيادة نتنياهو حصل على 884 ألف صوت، فإن أحزاب التغيير حصلت على أصوات أكثر، بغض النظر عن سياسة هذه الأحزاب وانتماءاتها. فقد دخل إلى الكنيست 48 نائباً جديداً لأول مرة، ومثل هذا العدد لم يحصل في التاريخ الإسرائيلي. القيمة العددية لهؤلاء النواب الجدد هي حوالي المليون و370 الف صوت. أبرزها ذهبت إلى الحزب الجديد “يوجد مستقبل” بقيادة النجم الاعلامي والأديب يائير لبيد، الذي يعتبر أكبر المنتصرين في هذه الانتخابات، إذ حصل حزبه وحده على 543 ألف صوت وسيمثل في الكنيست القادم بـِ19 مقعداً. ويليه في هذا الفوز، حزب المستوطنين “البيت اليهودي” بقيادة نفتالي بينيت، وهو أيضا من نجوم هذه الانتخابات. وقد حصل على 12 مقعداً و346 ألف صوت، علما بأن المستوطنين كانوا يمثلون بسبعة مقاعد فقط في الكنيست السابقة.
وهناك نواب جدد آخرون من أحزاب أخرى، يميزهم عن رفاقهم في الأحزاب التقليدية أنهم يخاطبون الجمهور باللغة التي يحب سماعها والأدوات التي باتوا أسرى لها: الخطاب هو “التغيير” وأهم الأدوات شبكات التواصل الاجتماعي “الفيس بوك” وتويتر” وغيرهما. فالجمهور الإسرائيلي تأثر بشكل حقيقي بأجواء الربيع العربي. وحملة الاحتجاج الاقتصادي الاجتماعي، التي اجتاحت إسرائيل في صيف 2011، ولئن بدا أن نتنياهو قد أطفأ جذوة نارها المستعرة إلا أنها قد تغلغلت جيداً في نفوس الإسرائيليين. ففي حينه حاول نتنياهو تنفيسها بتشكيل لجنة لبحث مطالب المتظاهرين، بعد شهرين من المظاهرات المتواصلة. ثم بدا له أنه قضى عليها تماما بواسطة الهجوم الحربي على قطاع غزة في شهر أيلول (سبتمبر) 2012. لكن الانتخابات أظهرت هذه الحملة من جديد. فقد رفع لبيد شعار التغيير الجذري في العمل السياسي وكان شعاره الأول: “نريد سياسة من نوع جديد، تحترم عقل المواطن”. وتحدث عن محاربة الفساد وعن أهمية الاهتمام بالطبقات الوسطى، ورفع شعار قضية أجور السكن العالية وتحدث عن السياسة الواقعية وعن أهمية العلاقات الجيدة والمميزة مع الإدارة الأمريكية. ومثله فعل نفتالي بينيت ولكن مع تركيز أكبر على رفض مفاوضات السلام ومحاربة “التحريض على المستوطنين والمستوطنات”. وكلاهما تحدث عن وحدة الصف الوطنية وشددا على ضرورة تجنيد اليهود المتدينين للخدمة العسكرية الإجبارية والشباب العربي إلى الخدمة المدنية.
وبالإضافة إلى ذلك، نجح جميع قادة حملة الاحتجاج الذين اندمجوا في حزب العمل ووصلوا إلى الكنيست. وتضاعفت قوة حزب ميرتس اليساري، الذي وقف إلى جانب حملة الاحتجاج من بدايتها. وهبط عدد نواب المعسكر اليميني من 70 نائباً في الانتخابات السابقة إلى 61 نائباً هذه المرة، وارتفع بالمقابل عدد النواب في معسكر الوسط واليسار والعرب. وفشل الحزب الذي يبني برنامجه على أساس نظرية الترانسفير ويرى أن حل القضية الفلسطينية يتم عن طريق ترحيل الفلسطينيين من وطنهم إلى الدول العربية، ويدعى “عوتصماة ليسرائيل” (عظمة لإسرائيل)، قد سقط ولم يعبر نسبة الحسم. وعموما لم يعد بإمكان نتنياهو تشكيل حكومة يمين متطرف، ثابتة ومستقرة. وبدا مضطراً للجوء إلى أحزاب الوسط. وكان أول خطاب له إعلان استعداده للتغيير. وكان لبيد أول شخصية يتصل بها نتنياهو في ليلة الانتخابات وأول شخصية يلتقيها للتفاوض حول تشكيل الحكومة.
الناخبون العرب في إسرائيل
يحق لكل من يبلغ من العمر 18 عاماً في يوم الانتخابات 22 كانون الثاني (يناير) 2013، ذكرا أو أنثى، ويحمل الجنسية الإسرائيلية، أن يشارك في عملية التصويت. وقد بلغ عدد أصحاب حق الاقتراع في هذه الانتخابات 5 ملايين و656 ألفا و705 ناخبين، يصوتون لانتخاب 120 عضواً في الكنيست. من بين هؤلاء، يوجد حوالي 750 ألف ناخب عربي (14%)، من فلسطينيي 48. فمع أن نسبة السكان العرب حاملي الجنسية الإسرائيلية تصل إلى 17.5% من السكان، إلا أن نسبتهم في سجل الناخبين تنخفض بشكل حاد، والسبب في هذا أن حوالي نصف هذه الشريحة من السكان لم يبلغوا سن الثامنة عشرة بعد.
هناك خمس كتل نشطت في هذه الانتخابات في الوسط العربي في إسرائيل، ثلاث منها كانت وبقيت ممثلة في الكنيست الحالي بما مجموعه 11 نائباً، ولكن لأن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة هي إطار عربي يهودي فإن أحد هؤلاء النواب يهودي هو دوف حنين، ويعتبر أنشط أعضاء الكنيست. هناك حزب عربي جديد يدعى “حزب الأمل للتغيير” يطرح فكرة تغيير أداء أعضاء الكنيست العرب باعتبارهم “يعملون في السياسة العامة ويتركون القضايا اليومية”، على حد تعبيره. الاستطلاعات لم تبشر هذا الحزب باي أمل في الوصول إلى الكنيست، لذلك فقد انسحب في اليوم الأخير قبل الانتخابات. ولم يعد معدوداً في القوائم التي خاضت الانتخابات. وهناك حزب يهودي عربي ترأسه الناشطة العربية، اسمهان اغبارية، يدعى “دعم” ويحمل سياسة سلام واشتراكية ديمقراطية ويركز على القضايا النقابية. وهو يخوض الانتخابات منذ حوالي 15 سنة ولكنه لم يحصل على أكثر من 3546 صوتاً.
أما الأحزاب الفائزة فهي:
** القائمة العربية الموحدة والعربية للتغيير، التي تضم أربعة أحزاب، هي: الحركة الإسلامية (الجناح الجنوبي) وسيمثلها في الكنيست الجديد كل من ابراهيم صرصور، رئيس القائمة، وطلب أبو عرار ومسعود غنايم، والحركة العربية للتغيير التي يمثلها في الكنيست رئيسها، أحمد الطيبي، والحزب الديمقراطي العربي الذي كان يمثله رئيسه طلب الصانع، والحزب القومي العربي، ولكن الحركة الإسلامية أصرت على دفعه إلى المكان الخامس في القائمة، فلم ينجح. وقد حصلت هذه القائمة على 138 ألفا و782 صوتاً، وحافظت على تمثيلها بأربعة مقاعد.
** الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، المؤلفة من الحزب الشيوعي (المعروف باسم “راكح”) وشخصيات وطنية متحالفة معه. وقد حصلت على 113 ألفا و613 صوتاً، وستمثل هي أيضا بأربعة مقاعد. ويمثلها: محمد بركة، رئيس الجبهة، ود. حنا سويد ودوف حنين ود. عفو اغبارية.
** حزب التجمع الوطني، وقد حصل على 97 ألفا و71 صوتا، لهم ثلاثة مقاعد. وسيمثله في الكنيست كل من: د. جمال زحالقة وحنين زعبي ود. باسل غطاس.
الأحزاب العربية الوطنية معدودة على اليسار والوسط. ولكنها لا تدخل الائتلاف الحكومي، لأنها ترفض ذلك مبدئياً، علماً بأن الأحزاب الصهيونية أيضا لم تدعها للدخول. فقط في سنة 1992، في زمن حكومة رابين، وقفت جسماً مانعاً لليمين وساندت رابين مقابل التعهد بسياسة مساواة وسلام. وقد نجحت التجربة في حينه، لكن التجربة لم تتكرر.
في بداية المعركة الانتخابية، كان هناك خطر في انخفاض نسبة التصويت بين العرب، لكن بعد حملة كبيرة لمقاومة المقاطعة، ارتفعت نسبة التصويت من 53% في الانتخابات السابقة إلى 55.6% في هذه الانتخابات. في ليلة الانتخابات، عندما كان أعضاء اللجنة في عز عملية فرز الأصوات، ثارت دراما كبيرة من حولها، إذ أشارت النتائج إلى أن القائمة العربية الموحدة ستحصل على خمسة مقاعد. وهذا يعني أن الميزان مال بشكل حاد وأصبح عدد النواب في معسكر اليمين مساوياً لعدد النواب في معسكر الوسط واليسار والعرب: 60:60. وفجأة شعر الجميع بأن هناك وزناً للنواب العرب يمكن أن يجعلهم في وضع يحسمون فيه اتجاه السياسة في إسرائيل، وهذا ليس تقديرا بعيدا عن الواقع. وكما أشرنا، فقد حصل أمر كهذا في سنة 1992، فحسمت المعركة لصالح إسحق رابين، ضد إسحق شمير.
ولو كان الناخبون العرب قد شاركوا في التصويت بنفس نسبة اليهود (أي 67.8%)، لكان تمثيلهم قد قفز إلى 16 أو حتى 17 مقعداً. وعندها، سيكون تأثيرهم أكبر وأقوى. لكن نسبة التصويت بقيت منحفضة. وقد أجرى معهد الديمقراطية الإسرائيلي استطلاع رأي حول هذه المسألة، فقال 35% من العرب المقاطعين للانتخابات: إن سبب مقاطعتهم يعود إلى يأسهم من إمكانية تغيير سياسة الحكومات العنصرية، و34% قالوا إنهم غاضبون على النواب العرب لأنهم لا يديرون سياسة نافعة أو ناجعة لقضايا العرب و7% قالوا إنهم يقاطعون لأسبالب أيديولوجية، والباقون لم يعطوا تفسيراً.
القضية الفلسطينية والحكومة القادمة
في الظاهر، بدا أن قضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني غائبة عن المعركة الانتخابية. فقد رفعتها تسيبي لفني، رئيسة حزب “الحركة” الجديد كقضية أساسية، لكنها لم تحظ بأكثر من 6 مقاعد. ورفعها حزب ميرتس وحصل على نتيجة مشابهة. وأما بقية الأحزاب فقد قزمتها: الليكود بيتنا لم يصدر أصلاً برنامجاً سياسياً للانتخابات، وكانت هذ أول مرة في تاريخ إسرائيل وأحزابها، أن أعلنت خمسة أحزاب، بينها حزب السلطة، أنها لا تمتلك برنامجاً انتخابياً تقول فيه للجمهور لماذا ينتخبها. وحتى حزب العمل، الذي أصدر برنامجا يقول فيه إنه يؤيد حل الدولتين للشعبين، حاول تخفيض الموضوع السياسي في خطابه، لكي يبتعد عن تهمة أنه حزب يساري يريد التنازل عن الأراضي للفلسطينيين.
وقد لوحظ بأنه، ولأول مرة منذ بدء الدعايات التلفزيونية في انتخابات العام 1969، غابت كلمة “السلام” عن دعايات معظم الأحزاب. وحلت محلها كلمات “حربجية” من خلال إبراز الماضي العسكري للمرشحين. فعلى سبيل المثال، تباهى حزب المستوطنين “البيت اليهودي”، بما فعله رئيسه نفتالي بنيت في حرب لبنان. فقال إنه كان قائداً لوحدة كوماندو عسكرية عملت بمثابة “الصياد لخلايا حزب الله التي أطلقت الصواريخ باتجاه إسرائيل”.
وحتى أحزاب المعارضة، غيبت كلمة السلام عن هذه الدعايات، مع أن برامجها تتحدث عن تسوية على أساس حل الدولتين. وبرز ذلك بشكل خاص لدى حزب “قديما”، الذي كان يعتبر حتى عهد قريب أكبر الأحزاب في إسرائيل، إذ حصل في الانتخابات السابقة على 28 مقعدا (مقابل 27 مقعدا لليكود)، لكن رئيسته السابقة، تسيبي لفني، لم تستطع يومها تشكيل حكومة وأسقطها أعضاء الحزب في الانتخابات الداخلية وانتخبوا مكانها الجنرال من أصل ايراني، شاؤول موفاز. وقد تمزق هذا الحزب إلى عدة فرق وحصل في نهاية المطاف على مقعدين فقط ولولا أصوات الجنود لما عبر نسبة الحسم.
ومع أن موفاز يطرح في برنامجه السياسي خطة للسلام مع الفلسطينيين على مرحلتين، يتم فيها الاعتراف بالدولة الفلسطينية فوراً ومنحها 60% من أراضي الضفة الغربية، فإن دعايته الانتخابية اعتمدت بشكل أساسي على التباهى بماضيه العسكري الطويل حيث بلغ منصب رئيس أركان الجيش ثم وزيراً للدفاع في زمن حكومة أرئيل شارون. وتفاخر موفاز في فيلم دعايته الانتخابية بأنه خلال خدمته العسكرية “أطلق الرصاص على مخربين من مسافة صفر” وبأنه هو الذي أصدر الأمر باغتيال الشيخ أحمد ياسين، زعيم ومؤسس حركة حماس وبأنه قاد عملية إعادة احتلال الضفة الغربية في سنة 2002 والتي انتهت – كما هو معروف – بمحاصرة الرئيس ياسر عرفات، حتى مغادرته إلى فرنسا ووفاته هناك. بل إنه عرض الصورة التي كانت قد التقطت له وهو يجلس بجانب شارون في سنة 2003 ويهمس بأذنه “يجب التخلص منه (يقصد عرفات)”، وقد التقطتها سماعات الصحافيين وبثتها وثارت حولها ضجة كبرى، قيل إن الرئيس الأمريكي في حينه توجه إلى شارون طالبا التعهد بعدم تصفية عرفات. وقد ظهر في الفيلم نفسه رئيس الوزراء السابق، إيهود أولمرت، يدعو الجمهور للتصويت لحزب “قديما” ورئيسه شاؤول موفاز.
عمليا، انجرت أيضا أحزاب السلام إلى ملعب نتنياهو، وراحت تجاريه فيما هو “أشطر” وأفضل. فأخذت تتكلم بالسلام ولكن تظهر ما هو معاكس ومناقض للسلام.
لكن، ومع ذلك كله، فإن القضية الفلسطينية فرضت نفسها بشكل غير مباشر على المعركة الانتخابية. فقد تناولها كل أولئك الذين هاجموا نتنياهو، من الداخل والخارج، واتهموه بدفع إسرائيل إلى الهاوية: الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، قال إن نتنياهو بسياسته المغامرة الرفضية يشكل خطراً على إسرائيل أكبر من الخطر الإيراني. والرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس، الذي يفرض عليه منصبه أن يكون فوق الخلافات الحزبية ويكون حذراً في التعامل مع الحكومة وعدم الدخول في صدام معها، كسر بعض القوالب وأطلق تصريحات تتناقض تماما مع سياسة حكومة نتنياهو فراح يؤكد على حل الدولتين وقال إن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، هو شريك جيد ومفضل لإسرائيل في عملية السلام ورفض ما يقوله نتنياهو ولبرمان بأن عباس هو الوجه الآخر لنفس عملة حركة حماس. ورئيس جهاز المخابرات العامة، يوفال ديسكين، الذي اعتبر سياسة الرفض عند نتنياهو “تهديداً بكارثة على إسرائيل اليهودية”. ورئيس الوزراء السابق، إيهود أولمرت، الذي حمل نتنياهو مسؤولية الجمود في عملية السلام وقال إن نتنياهو يفضل حكم حماس على حكم منظمة التحرير الفلسطينية.
كل هذه التصريحات ساهمت في زعزعة مكانة نتنياهو وأدت إلى فقدانه عشرات ألوف الأصوات لصالح أحزاب الوسط واليسار. لكن هذا لا يعني أن نتيجة الانتخابات، بحد ذاتها، ستعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة البحث. فالشعور السائد هو أن أهم مسائل ستطرح على بساط البحث في الحكومة القادمة، هي المسائل الداخلية.
وأما القضية الفلسطينية، فستطرح عندما تفرض من الخارج. وتركيبة الحكومة ستؤثر ولكن في نطاق رد الفعل. فإذا واصلت الحكومة الجديدة سياسة حكومة نتنياهو السابقة، فإنها لن تصمد طويلاً. وستدخل في مجابهة مع دول العالم. وقد تسقط خلال سنتين وربما سنة، لأنها ستدخل إسرائيل في عزلة دولية خانقة.
ولكن، ينبغي الإدارك لحقيقة أخرى أيضاً، وهي أن حكومة إسرائيل ليست العنوان الوحيد في تحريك المسيرة السياسية. وهناك لاعبون آخرون، ليسوا أقل أهمية. فالإدارة الأمريكية هي لاعب أساسي، وصاحب أكبر قدرة للتأثير على حكومة إسرائيل. فكيف ستتصرف؟ والأوروبيون أيضا لاعبون بالغو الأهمية وقادرون على ممارسة الضغوط إن أرادوا، فهم أكبر شريك لإسرائيل في الاقتصاد والتجارة ويكفي أن يهددوا بعقوبات اقتصادية جادة حتى نرى رجال الأعمال الإسرائيليين يزعقون في وجه نتنياهو ويضعضعون مكانته. لكن الأمريكيين والأوروبيين لا يتحركون وحدهم ولا يتبرعون لدفع مصالح الشعب الفلسطيني إلا إذا شعروا أن هناك خطر انفجار كبير في المنطقة، بسبب عدم تسوية القضية الفلسطينية، يهدد مصالحهم مع العرب ومع العالم. ومثل هذا الانفجار لا يبدو في الأفق. بل إن الطرف الفلسطيني لا يزال ممزقا وجهود المصالحة ما زالت متواضعة، وإن حصلت فإن الغرب سيتفهم قلق إسرائيل، إلا إذا أقيمت المصالحة وفق برنامج سياسي معتدل وحكيم ويكون مقنعا للغرب. وحتى العرب لن يتحركوا، إذا قرروا التحرك، طالما يرون الشعب الفلسطيني في هذه الحالة. فلديهم مشاغل ومتاعب أخرى.
لكن، إذا تغيرت هذه الحالة وقرر الغرب أن يضع حداً فعلا للصراع، فإنه سيبادر إلى طرح مشاريع وأفكار تدفع بعملية السلام. وعندها، فإن أية حكومة في إسرائيل، حتى لو كانت يمينية متطرفة، سترضخ للإرادة الدولية وتغير نهجها، أو تتحدى الإرادة الدولية وتسقط، مثلما حصل لحكومة نتنياهو نفسه الأولى في سنة 1999، أو مثلما حصل لحكومة إسحق شمير في سنة 1992.
[*] باحث في الشؤون الإسرائيلية.