ماجد بامية[1]
اختارت مجموعة الـ77 والصين دولة فلسطين لرئاستها، وهي دولة تحت الاحتلال لا تتمتع بالعضوية الكاملة في الأمم المتحدة، في تحد قوي خاصة مع السياق الحرج الذي يشهده النظام الدولي المتعدد الأطراف. فلسطين أثبتت قدرتها وأحقيتها بالاستقلال من خلال نجاحها ومهنيتها العالية في ممارستها مهامها كرئيس للمجموعة، الى جانب استرجاعها مبادئ وقيم المجموعة المرتكزة على الحرية والعدالة والمساواة والإنماء أممياً.
مجموعة 77 والصين
مجموعة الـ 77 (إشارة إلى عدد الاعضاء عند التأسيس) والصين، هي أكبر مجموعة في الأمم المتحدة تضم 135 عضوا، كانت آخرها أذربيجان التي انضمت إلى المجموعة في أيلول 2019 أثناء رئاسة دولة فلسطين للمجموعة، في سياق الجهود المبذولة لتوسيع المجموعة.
تمثل الـ77 والصين، والتي تم إنشاؤها قبل 55 عاما، ثلثي دول العالم، وتوفر للنصف الجنوبي من الكرة الارضية الوسائل الكفيلة ببلورة رؤىً مشتركة تعزز مصالحها وقدراتها التفاوضية الجمعية داخل منظومة الأمم المتحدة.
رئاسة المجموعة
تتمتع فلسطين بامتيازات العضوية الكاملة بالمجموعة منذ العام 1976، رغم انها ليست عضواً في الأمم المتحدة. عززت فلسطين منذ العام 2011 جهدها الدبلوماسي للحصول على العضوية الأممية الكاملة، ورغم الدعم الكبير للحقوق الوطنية الفلسطينية وفق القانون الدولي، ومنها العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، إلا أن مجلس الأمن يقف عقبة أمام هكذا طموح في ظل وجود الفيتو الأميركي.
ورغم ذلك، قطعت فلسطين شوطا طويلا في تعزيز حقوقها ودورها في الجمعية العامة منذ الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ككيان يمثل الشعب الفلسطيني في عام 1974 وحتى منح فلسطين مركز الدولة المراقب في الأمم المتحدة، اذ انضمت فلسطين إلى العديد من المعاهدات والاتفاقيات والمنظمات الدولية، وشاركت على قدم المساواة مع الدول الأعضاء في الامم المتحدة في العديد من المؤتمرات واجتماعات الدول الأطراف، في التفاوض على معاهدات جديدة أو أحكام جديدة، وأصبحت عضوا في مكتب جمعية الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية، يأتي هذا ضمن سعي فلسطين لتأكيد نفسها كدولة مسؤولة ونشطة على الساحة العالمية، وقررت في العام 2018 أن تضع هذا الهدف على المستوى التالي فتقدمت لرئاسة أكبر مجموعة في الأمم المتحدة.
رئاسة مجموعة الـ 77 والصين: التعامل مع العقبات
يتناوب على رئاسة مجموعة الـ 77 والصين سنويا القارات الثلاث: إفريقيا، وآسيا والمحيط الهادئ، وأمريكا اللاتينية، قدمت فلسطين في وقت مبكر طلبها لرئاسة المجموعة للعام 2019، وهو عام انتقال رئاسة المجموعة من إفريقيا إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، العديد من الدول التي كانت تتطلع للترشح تنازلت عن طموحها بمجرد إعلان فلسطين ترشحها.
تم اختيار فلسطين بالتزكية في أيلول (سبتمبر) 2018 في الاجتماع السنوي لوزراء خارجية المجموعة، وعلى الرغم من أن هذا الدعم يكشف عن التضامن القوي الذي تتمتع به فلسطين في المجموعة، إلا أن هذا لا يقلل من شأن المخاوف التي كانت موجودة في ذلك الوقت من قدرة فلسطين على ممارسة دورها كرئيس، اذ تشارك المجموعة في التفاوض على اجندة وجدول أعمال الأمم المتحدة، ما يتطلب القدرة والتجربة والخبرة والعلاقات الجيدة مع الشركاء، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، وفي ظل ان المجموعة تركز على قضايا في التنمية والاقتصاد والشؤون المالية، ظهرت مخاوف من أن تؤدي رئاسة فلسطين، بطريقة أو بأخرى، إلى تسييس عمل المجموعة.
يضاف إلى ذلك الصعوبات التقنية والقانونية التي قد تواجه رئاسة فلسطين للمجموعة في الأمم المتحدة، كونها ليست دولة عضوا،ـ وإنما دولة مراقب فقط، مع حقوق وامتيازات محدودة لا تكفي لتولي دور رئيس المجموعة. فعلى رئيس المجموعة مسؤولية ان يشارك في رعاية قرارات المجموعة أو تلك التي تمسها، وهنا لا يمكن قانونيا لفلسطين أن تتحدث بالنيابة عن المجموعة، قبل كل دولة من الدول الأعضاء الفردية، ولا يمكن أن تقدم توضيحا بالنيابة عن المجموعة أو أن تثير اقتراحات إجرائية.
قررت فلسطين بدعم من المجموعة، تقديم قرار لتأمين جميع الحقوق والامتيازات المطلوبة من أجل القيام بمهمة رئاسة المجموعة بصلاحيات كاملة دون أن يكون وضعها في الأمم المتحدة سببا يضر بقيامها بتلك المهمة، لكن هذا يعني اختبارا فوريا حتى قبل أن تتولى مهمتها لأن القرار سيحتاج إلى دعم المجموعة، ويعني ذلك أيضا تصويتا بالثقة والتحدي من قبل الشركاء في المجموعة.
واجهت فلسطين خطر أن يُنظر إليها على أنها تستغل رئاسة المجموعة من أجل أن تعزيز مكانتها في الأمم المتحدة، أو أن تتهم بتسييس المجموعة أو استخدامها كأداة، كانت هذه فرصة فريدة لنزع فتيل التوترات ومعالجة المخاوف حتى قبل تولي رئاسة المجموعة، وكانت فلسطين تدرك أن هذه ستكون لحظة حاسمة يمكن أن تعزز الثقة التي تتمتع بها داخل المجموعة وتمهد الطريق لعلاقات المنفعة المتبادلة مع الشركاء، أو يمكن أن تقوض الثقة داخل المجموعة وخارجها.
أدى ذلك إلى مفاوضات معقدة للغاية، حيث كانت فلسطين مصممة على أن تتمتع بكل الحقوق التي تمتع بها رؤساء المجموعة السابقين مع حصر معظم هذه الحقوق في دورها كرئيس لمجموعة الـ77، فقامت فلسطين بحملة لضمان الدعم من الشركاء للتأكيد على أن تبدأ رئاستها على أفضل شكل ممكن، وقدمت مصر التي كانت ترأس المجموعة مشروع القرار وحصلت على 146 صوتا مؤيدا مقابل 3 أصوات معارضة (الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل واستراليا) مع امتناع 15 عضوا عن التصويت، وقرر معظم الشركاء دعم هذه الحقوق الإضافية للسماح لفلسطين بأن تتولى دور رئيس المجموعة بالكامل، بما في ذلك 19 من أصل 28 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، تشمل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وإسبانيا وإيطاليا، فضلا عن اليابان والمكسيك والنرويج وسويسرا ونيوزيلاندا وغيرها، وقد تعهدت دولة فلسطين بالعمل مع جميع الشركاء، بصرف النظر عن طبيعة العلاقة السياسية، لخدمة مصالح المجموعة على أفضل وجه، وقد أظهرت في مفاوضات مشروع القرار قدرتها على التصرف وفقا لذلك، إضافة إلى الدعم القوي من قبل المجموعة الذي عزز قدرة فلسطين على التفاوض مع كل الشركاء، بما فيهم الشركاء الذين صوتوا ضد هذه الحقوق الإضافية.
تحدي التوقعات
دولة فلسطين، وإن كانت طرفا نشطا في الأمم المتحدة، لم تكن منخرطة تماما في أعمال الأمم المتحدة، لأن ما يحركها هو قضية وطنية تكرس كل جهودها للنهوض بها، حتى عندما تشارك في مفاوضات لا تتصل مباشرة بفلسطين. في السنوات الأخيرة سعت فلسطين إلى إيجاد طرق لتحدي وجهة نظر “الحالة الفردية” وحاولت تعزيز وجهة نظرها بشأن مسائل القانون الدولي والتنمية وحقوق الإنسان مستنيرة بتجربتها الخاصة، ولكن ليس بالضرورة الدعوة إلى أجندتها الخاصة بشكل آني، فلسطين ليست دولة عضوا ولا تشارك في التصويت في الجمعية العامة، وبالتالي لا تشارك دائما في كل مناقشات الجمعية، لذلك كان من الصعب التنبؤ بكيفية رئاسة فلسطين للمجموعة، وإن كان لديها القدرة على تمثيل المجموعة في مناقشات لم تشارك فيها مسبقا.
كان العام 2019 عاما مليئا بالتحديات مع وجود عدد غير مسبوق من مؤتمرات واجتماعات رفيعة المستوى، وكان يتوجب على دولة فلسطين أن تبدأ رئاستها على الفور للتفاوض على الوثائق الختامية التي سيتم اعتمادها على أعلى المستويات، وتمكنت فلسطين وبشكل متزايد من لعب دور أكثر وضوحا وتقديرا في هذه العمليات، حيث تمكنت من خلالها من كسب ثقة أعضاء المجموعة، من المساندين والمتشككين في قدرتها الرئاسية على حد سواء، تمكنت فلسطين أيضا من ترسيخ نفسها كنظير قوي وموثوق به مع الشركاء، وذلك من خلال المفاوضات المتعلقة بالتعاون بين دول الجنوب إلى التمويل من أجل التنمية، لمعالجة الوضع المالي الصعب للأمم المتحدة والسعي إلى تحقيق التمثيل الجغرافي العادل في الأمم المتحدة، والحفاظ على محيطنا، والتنوع البيولوجي البحري واستخدامه المستدام في مناطق واقعة خارج الولاية الوطنية، مكافحة عدم المساواة في داخل الدول وفيما بينها، وكذلك فيما يتعلق بالمعلومات والاتصالات العالمية للأمم المتحدة، فلسطين، وبدعم من المجموعة تمكنت من تقديم مصالح ورؤية الجنوب، مع التوصل لحل وسط مع الشركاء، تمكنت فلسطين، بدعم من المجموعة، تقديم العديد من القرارات والتفاوض بشأنها عبر خمسة من اللجان الرئيسية الستة للجمعية العامة.
ومع اقتراب موعد نهاية رئاسة فلسطين للمجموعة، لا يزال أمامها موعدان مهمان على جدول الاعمال: اعتماد ميزانية الأمم المتحدة ومؤتمر الأمم المتحدة الخامس والعشرين لتغير المناخ المقرر عقده في مدريد.
عززت فلسطين من خلال حضورها القوي مصلحة الجنوب العالمي وكذلك مكوناته الفردية، بما في ذلك البلدان الإفريقية أقل البلدان نموا والبلدان النامية غير الساحلية والجزر الصغيرة النامية وكذلك البلدان متوسطة الدخل ودول الصراع وما بعد الصراع والبلدان والشعوب التي تعيش تحت احتلال خارجي، كما لعبت فلسطين دورا رئيسيا في اعتماد اعلان سياسي في الاستعراض الرفيع المستوى للتقدم المنجز في معالجة أولويات الجزر الصغيرة النامية (SIDS) من خلال تنفيذ مسار ساموا.
لقد كفل الاعتراف بالتحديات الخاصة التي تواجه أكثر البلدان ضعفا وكذلك التحديات التي تواجه البلدان متوسطة الدخل في الاعلان السياسي الصادر عن قمة التنمية المستدامة (SDG). كما أنها رفعت مستوى الدفاع عن البلدان المساهمة بقوات وأفراد شرطة غالبيتهم أعضاء في المجموعة، بما في ذلك محاولة ضمان أن تدفع لها الاموال المستحقة لها، ورفض تعزيز المفاهيم التي قد تضر بهم.
تحديد رئاسة فلسطين
على عكس الدول الأخرى التي ترأست المجموعة، لم تتولى فلسطين المهمة قادمة بمجموعة من الأولويات المحددة مسبقا، وكان لذلك ميزة واحدة تتلخص بأنها اعتبرت جميع أولويات المجموعة من أولوياتها، فقدمت فلسطين ترشيحها لرئاسة المجموعة كتصريح بأنها دولة قادرة وعلى استعداد للمساهمة في النظام المتعدد الأطراف، وبينما كان ترشيح فلسطين يتعلق بفلسطين نفسها وبما هي بحاجة لتحقيقه، فإن رئاستها كانت حقا في خدمة المجموعة، فخلال العقود الماضية استطاعت دولة فلسطين الاعتماد على تضامن المجموعة تجاهها، وأتيح لها من خلال هذه الفرصة المساحة الكافية لإظهار التزامها بمبادئ المجموعة من التكامل والتعاون والتضامن بين البلدان.
لم تسعى فلسطين لتحقيق أهداف ذاتية محدودة من رئاستها للمجموعة، لكنها بالطبع استطاعت ترسيخ وجودها الدولي وتعزيز دورها كعضو نشيط في المجتمع الدولي، وأظهرت إمكانات دولة فلسطين بمجرد تحقيق الاستقلال كونها استطاعت القيام بمهمتها وهي تحت الاحتلال، كيف بالإمكان أن تُذكر هذه الرئاسة؟ استطاعت دولة مراقب في الأمم المتحدة من قيادة أكبر مجموعة وهي تحت الاحتلال وفي سياق يتعرض فيه النظام القائم على القواعد متعددة الأطراف للهجوم، وفي نفس الوقت كانت المجموعة نفسها تواجه تحديات داخلية، اعتقد البعض أن هذا التكوين سيؤدي إلى إضعاف النظام الدولي، إلا أن ذلك لم يحصل، بل ويمكن أن نعبر عن حجة مفادها أن النظام الدولي أصبح أقوى لأن أولئك الذين كانوا على طرفي نقيض وجدوا السبيل إلى العمل سويا، وبذلك تم تجسيد أهم هدف من أهداف الأمم المتحدة.
إلى جانب أهمية هذه الرئاسة: ما هو إرثها؟ بالطبع سيكون هناك وقت لتقييم إنجازات الرئاسة الفلسطينية للمجموعة وأوجه القصور فيها، ولكن ما هو إرث فلسطين للمجموعة في الذكرى ال55 لها؟ بناء على مبادرة دولة فلسطين، اعتمدت المجموعة إعلانا مشتركا يعيد تأكيد مبادئها الأساسية، ويؤكد على أهمية استمرارها والأخذ بعين الاعتبار الالتزام بالمبادئ الجديدة التي بدورها ستنهض بالمجموعة.
تنص هذه الوثيقة في الختام على :” إننا نقف معا لتحسين حياة شعوبنا والعالم أجمع، بتجسيد مبادئ المساواة في السيادة بين الدول، الاعتراف بالكرامة المتأصلة وبالحقوق المتساوية وغير القابلة للتصرف لجميع أفراد الأسرة البشرية، التصميم على حماية الكوكب والحياة القائمة عليه، والتعهد بعدم ترك أحد في الخلف.” إرث فلسطين في هذه السطور، ومن منطلق معرفتها وبشكل مباشر ما يعنيه التخلف عن الركب، فمن المحتم أن تسعى جاهدة إلى نظام عالمي شامل وعادل ومنصف، يدعم المساواة في السيادة بين الدول والكرامة المتأصلة والحق المتساوي غير القابل للتصرف لجميع أفراد الأسرة البشرية. في مثل هذا العالم فقط يمكن أن نضمن لفلسطين ولجميع الشعوب المضطهدة مكانها الصحيح بين مجتمع العالمي.
[1] دبلوماسي فلسطيني
للتحميل اضغط هنا