مراجعة: [*]نعيم ناصر
يلمس المتتبع لمقررات ومناهج الكتب التعليمية الإسرائيلية، في مختلف المراحل الدراسية كافة، بسهولة جوهر القيم التربوية والتوجيهية الهادف الذي تحاول زرعه تلك المناهج، وتجذيره ضمن أطر التربية الإسرائيلية، التي رسمتها ووضعتها فرق متخصصة من الخبراء والتربويين الإسرائيليين العاملين في أجهزة التربية والتعليم الإسرائيلية، وهم من المختارين بدقة وعناية، ليعكسوا الأيديولوجية الصهيونية، ورؤيتها للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والعربي-الإسرائيلي.
وفي غالبية كتب التدريس الإسرائيلية لا يزال اليهودي يوصف بأنه “جالب حضارة” والعربي هو “البدائي” و”المتخلف”.
وتسعى كتب تدريس التاريخ العبرية، حسب الباحث الإسرائيلي د. ايلي فودا، إلى انكار وجود الشعب العربي الفلسطيني لا في فلسطين، فحسب، بل وفي العالم. حتى الكتب التي صدرت في العقد الأخير من القرن العشرين لم تذكر عبارة “الشعب الفلسطيني” على الإطلاق، بل تذكر “العرب في أرض إسرائيل”.
وتظهر فلسطين في التاريخ العبري كبلاد صحراوية جاء إليها اليهود في أوائل القرن العشرين، ولم يكن يقطنها سوى أقلية من الرعاة العرب، الذين يتصفون بـ “الجبن” و”الخيانة” و”التخلف” في حين تظهر الكتب نفسها اليهودي شجاعاً وذكياً وقادراً على استئصال الشرور.
وأبرز ما يميز التربية والتعليم في إسرائيل – حسب ايلي فودا –هو “عسكرتها” لدرجة تجعل الطالب الإسرائيلي، خصوصاً في المرحلتين الإعدادية والثانوية، جندياً، “وبهذا تتكامل المناهج مع التربية لتؤدي دوراً واحداً هو خلق جيل متطرف معبأ بالمبررات كافة ليسلب ويغتصب حق الآخرين”.
وهو ما توصلت إليه الباحثة والأكاديمية الإسرائيلية – نوريت بيليد – الحنان في كتابها موضع المراجعة.
وبيليد تعمل محاضرة في مادة اللغة في كلية التربية في الجامعة العبرية في القدس. نالت في العام 2001 جائزة ساخاروف لحقوق الإنسان وحرية الفكر التي يمنحها الاتحاد الأوروبي، ونشرت فيضاً من الأعمال التي تتناول نظام التربية والتعليم في إسرائيل، وهي معروفة في أوروبا والولايات المتحدة بمحاضراتها وكتاباتها التي تتطرق إلى المسائل المتصلة بالاحتلال الإسرائيلي والآثار التي يخلفها على كل من الإسرائيليين والفلسطينيين. وهي عضو في منظمة “آباء فلسطينيون وإسرائيليون من أجل السلام والمصالحة”، كما أنها أحد الأعضاء المؤسسين في محكمة راسل – فلسطين التي انطلقت أعمالها في العام 2009.
وعندما قتلت ابنتها “سمادار” التي تبلغ من العمر 14 عاماً، جراء عملية انتحارية في العام 1997، رفضت أن يحضر جنازتها الضباط والمسؤولون الإسرائيليون، بمن فيهم بنيامين نتنياهو، وواصلت نضالها من أجل السلام بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني.
وقبل إصدار الطبعة العربية لكتابها هذا، تساءلت بيليد، في حفل إطلاق الكتاب نفسه باللغة العبرية، الذي أقيم في حديقة المركز الثقافي الفرنسي في القدس بتاريخ 18/6/2012، وحضره المؤرخ الإسرائيلي المعروف ايلان بابيه وحشد من المثقفين الإسرائيليين والفلسطينيين “عن سبب تحول الإسرائيليين إلى وحوش حين يرتدون البزة العسكرية”.. سؤال قادها إلى البحث في الكتب المدرسية التي يتربى عليها الأطفال الإسرائيليون، وإلى كتابها هذا موضع المراجعة.
واعتبرت بيليد أن “الإنسان الفلسطيني يختصر في كتب الجغرافيا والتاريخ واللغة والدراسات المدنية الإسرائيلية في صور عنصرية وتشويهية”. فـ “هو غائب تماماً في الكتب المدرسية، حتى ذاك الذي يعتبر مواطناً في إسرائيل، وليس فقط اللاجئ الذي يسكن في الضفة الغربية وقطاع غزة”.
وأضافت: “وإذا ظهر الفلسطيني في الصور فهو إرهابي بوجه مغطى، أو عربي ينتمي إلى 22 دولة عربية، فيما ليس للإسرائيلي أي مكان آخر”.
ورأت بيليد أن الكتب المدرسية الإسرائيلية “تركز على الفلسطينيين بوصفهم جماعة تشكل خطراً ديموغرافياً يتهدد الأغلبية اليهودية، لذا ينبغي التحكم بهم”.
وتلعب ألوان الصور في الكتب المدرسية دوراً مؤثراً في “إشعار الإسرائيليين بالعداء والنفور من الفلسطينيين”، فمن خلال صورة لشارع خال من الناس وفائض بالمياه في أحد المخيمات الفلسطينية، على سبيل المثال لا الحصر، تختزل “المشكلة الفلسطينية باعتبارها مشكلة بيئية وصحية”، وتظهر القرية الفلسطينية بألوان شاحبة وصفراء تثير “شعور اغتراب الإسرائيلي عن المكان الفلسطيني” فيما تظهر “بيوت المستوطنات بألوان حية كأنها منازل سويسرية، حتى ولو كانت مستوطنة في صحراء النقب”.
وشددت بيليد في محاضرتها على أن كتب التاريخ الإسرائيلية تشير إلى المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق الفلسطينيين وفق منطق أوديب الذي قتل والده لكنه أنقذ المدينة. وأخذت مجزرة قبية المرتكبة في العام 1953 على يد الوحدة 101 بقيادة أرييل شارون، وراح ضحيتها 69 مواطناً فلسطينياً، كمثل على هذه الشرعنة. “فالمجزرة تدرس في سياق أننا فعلنا هذا لمصلحتنا، وللمحافظة على الأغلبية، والامتداد اليهودي الذي كانت القرية ستحول دونه”. وإلى جانب النص تظهر صورة لـ “جنود الوحدة الشجعان” مرفقة بقصيدة.
ويتواصل طمس وجود الفلسطينيين، وتغيب مدنهم وقراهم في خرائط كتب الجغرافيا المدرسية التي “تذكر حدود أرض إسرائيل، وليس حدود دولة إسرائيل”، كما أكدت بيليد.
والطمس لا يقتصر على ذلك، بل يطال مدناً فلسطينية رئيسة مثل عكا والناصرة، كما يطال بلدات وقرى صغيرة من خلال “عدم ذكر أسمائها، مقابل إظهار المستوطنات والمنشآت الإسرائيلية أو اظهارها كمنطقة لا تتوافر عنها معلومات مثل الضفة الغربية، وما دام لا معلومات عن المنطقة، فإنها إذاً خالية من السكان. وهنا يجرى إمرار رسالة مفادها ضرورة إعمار هذه البقعة والسكن فيها”. هكذا فسرت بيليد هذه الخرائط الفارغة من المعلومات، ورأت أنه “منذ اتفاقية أوسلو، حصلت تغييرات في كمية المعلومات التي صارت أكثر تطرفاً. فمدينة الخليل صارت تسمى مدينة الأجداد على الخارطة. وإذا ظهرت صورة العربي، أو الفلسطيني، فإنها تظهر دائماً على الجانب الأردني منها”، إلى جانب الخرائط التي تظهر جنوداً يصوبون رشاشاتهم صوب جنوب لبنان وسورية.
وخلصت بيليد إلى أن “الخريطة الذهبية لإسرائيل ذات أثر كبير، ليس فقط على طلاب المدارس، بل على ما ينتج من ثقافة في إسرائيل”، إذ يعتبر الإسرائيليون أنفسهم موجودين في أوروبا، وليس في الشرق الأوسط.
ولا تتطرق المناهج المدرسية الإسرائيلية إلى موضوع السلام، حسب بيليد، حيث “يذكر السلام في الصين والهند وأوروبا في أحد الدروس المتعلقة بالموضوع، ولكن لا كلمة واحدة عن السلام بين العرب والإسرائيليين”. وفي روضة الأطفال “يتم إحضار جنود إسرائيليين في عيد الاستقلال وذكرى المحرقة للحديث عن الخطر الداهم بمحوهم من قبل العرب، وعن المحرقة والحروب”.
وهكذا لا تترك الكتب المدرسية الإسرائيلية فرصة إلا لإعداد الإسرائيلي للجيش وغرس العداء للفلسطينيين والعرب في نفسه، من خرائط وصور ونصوص تشير إلى “الجماعات غير اليهودية”، و”لا يعطى الطالب الإسرائيلي، طوال سنوات دراسته تعريفاً لمن هو الفلسطيني”، فإذا به يدخل الجيش بتعميمات عنصرية وتشويهية عن الفلسطينيين والعرب مثل: “مشكلة اللاجئين الفلسطينيين خلقت في البلاد العربية” و”أراضيهم (أي الفلسطينيين) تتقلص من تلقاء نفسها”، و”الطرد كان كثيراً من كلا الجانبين، وقادة الدول العربية استغلوا مشكلة لاجئي فلسطين لحاجاتهم السياسية”.
يحتوي كتاب بيليد هذا، أربعة فصول، إضافة إلى التقديم والتمهيد والمقدمة والنتائج والمراجع.
ناقش الفصل الأول تمثيل الفلسطينيين في الكتب المدرسية المتداولة في إسرائيل، وحمل الفصل الثاني عنوان: “جغرافيا العداوة والإقصاء: التحليل المتعدد الوسائط”. وتناول الفصل الثالث: التعميم بصفته حاملاً للمعنى: الرسائل الصريحة والضمنية، التي تنقل من خلال التعميم، في حين تناول الفصل الرابع عمليات الشرعنة في الروايات الواردة حول المجازر.
وقد اختارت مؤلفة الكتاب في بحثها عينة من الكتب المدرسية، وفقاً لرواجها وانتشارها في أوساط المعلمين الإسرائيليين، وهي عشرة من كتب مادة التاريخ، وستة كتب في مادة الجغرافيا، وكتاب واحد في الدراسات المدنية، الذي خصص للطلبة اليهود والعرب في المدارس الثانوية.
وأشارت الكاتبة إلى أن هذه الكتب صدرت على مدى الفترة المحددة بين العامين 1996 و2009، بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية العام 1993.
وفي كتابها الذي بين ايدينا تتوغل نوريت بيليد – الحنان في المنظومة التربوية الإسرائيلية مفككة خطابها في ما يخص صورة الفلسطيني، مظهرة أن الكتب المدرسية مفعمة بالأيدولوجيا المناصرة لإسرائيل، وتؤدي دوراً كبيراً في تمهيد الطرق كي يصبح الطفل جندياً إسرائيلياً.
تفعل بيليد ذلك من خلال تحليل الصور والخرائط واللغة المستخدمة في كتابة التاريخ والجغرافيا والدراسات المدنية، مظهرة كيف توظف هذه الوثائق والكتب بغية تهميش الفلسطينيين، وشرعنة العمليات العسكرية، وتعزيز الهوية اليهودية الإسرائيلية.
تقول بيليد في هذا الشأن: “إن التعليم الرسمي في إسرائيل يستخدم التوراة كمصدر تاريخي موثوق به”. وتضيف في مكان آخر أن الباحثين اليهود يعرفون إسرائيل بـ “ديموقراطية” ترتكز إلى الإثنية، لا إلى المواطنة. “فاليهود من مواطني الدول الأخرى، والمستوطنون اليهود، الذين يعيشون خارج فلسطين التاريخية لهم حقوق المواطنة كاملة بينما المواطنون العرب داخل حدود الدولة الإسرائيلية محرومون منها”.
وعلى الرغم من النجاح الذي سجلته إسرائيل في تسويق نظامها بوصفه نظاماً ديموقراطياً، إلا أن كثيراً من الباحثين يعرفونها على أنها إما “اثنوقراطية” أو “ديموقراطية اثنية” وفق تعبير بيليد الذي ذكرته في مقدمة الكتاب.
ويعود السبب – حسب بيليد – إلى أن الاثنية، وليس المواطنة، هي العامل الرئيس الذي يعتمد في تحديد إقرار الحقوق والسلطة وتوزيع الموارد في إسرائيل.
وتقول: “إن نظام التعليم في إسرائيل يكرس فكرة أن إسرائيل هي دولة ديموقراطية، وأنها الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، في الوقت ذاته التي ترسخ فيه وجودها كنظام اثنوقراطي. فكما هي الحال في الخطاب السياسي والاجتماعي والثقافي العام تعرّف جميع الكتب المدرسية إسرائيل على أنها دولة اليهود أينما حلوا، وهي ليست دولة المواطنين الذين يقطنون فيها”.
وتضيف بيليد في مقدمتها أنه وعلى غرار الأنظمة الاثنوقراطية الأخرى تيّسر إسرائيل الامتداد غير الديموقراطي لـ “الشعب الاثني” اليهودي المهيمن، وتوسعه في الأرض الفلسطينية المحتلة. وتقدم الكتب المدرسية في إسرائيل هذا التوسع على أنه “يتواءم مع رؤية الصهيونية ومبادئها، ومع حاجة إسرائيل إلى الأرض والأمن”.
وتحت عنوان: “الكتب المدرسية بين التاريخ والذاكرة” تقول بيليد: “إن الكتب المتداولة في المدارس الإسرائيلية ترمي الى غرس الذاكرة الجمعية التي ابتدعتها الصهيونية. وترسخ الكتب المدرسية التي تدرّس التاريخ والجغرافيا والدراسات المدنية والأدب، بطريقة أو بأخرى، الرواية الصهيونية الكبرى، التي تتألف من شقين، يعزل أحدهما نفسه عن الآخر: أحدهما رواية الانحدار من “العصر الذهبي” الذي عاشه الأقدمون (اليهود)، مروراً بالمنفى، ووصولاً إلى الذروة التي بلغتها في الهولوكست (المحرقة). وثانيهما رواية تسرد التقدم الذي بدأ بعودة الصهيونيين إلى أرض إسرائيل، باعتبارها نصراً أفضى إلى الخلاص القومي”.
ومعنى ذلك – كما تشير الكاتبة – إنكار نحو 2000 عام من حياة اليهود في “المنفى” وإنكار أية حياة كان لها معنى في فلسطين، طيلة تلك الفترة. ما يفيد أن الصراع الذي يخوضه اليهود ضد “الغزاة” من غير اليهود “الذين استولوا على أرضهم وساموهم صنوف القمع والاضطهاد”.
وفي ما يخص مذهب استمرارية هذا الخطاب تقول بيليد: “إن نظام التعليم السائد في إسرائيل يستخدم الكتاب المقدس بوصفه نصاً تاريخياً مرجعياً، ويساعده في ذلك علم الآثار الإسرائيلي – اليهودي، الذي يعنى في المقام الأول والأخير بإثبات صحة القصص التوراتية وحقيقتها والتأكيد على وجود اليهود في أرض فلسطين وهيمنتهم عليها منذ العصور السحيقة”.
وفي معرض تناولها لخطاب الهوية في إسرائيل تشير الكاتبة إلى أن المواطنين الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل لا يحظون بحصتهم النسبية في هذا المجال، أو بالأحرى بأية حصة على الإطلاق في اي موضوع يتعلق بهم في الكتب المتداولة في المدارس الإسرائيلية. “فهؤلاء غائبون من الناحية العملية من النصوص، اللهم إلا بوصفهم ظاهرة سلبية، أو جماعة بدائية تشكل عبئاً تنموياً، أو تهديداً أمنياً وديموغرافياً. ففي كتب الجغرافيا يتجسد الميل نحو طمس حياة الفلسطينيين واجتثاثها من المشهد الإسرائيلي، من خلال حذف الحدود الدولية لإسرائيل (الخط الأخضر) من الخرائط، ومن خلال تصوير الضفة الغربية المحتلة (التي تعاد تسميتها بيهودا والسامرة) على أنها تشكل جزءاً من إسرائيل، على الرغم من أنه لم يجر ضمها رسمياً إلى إسرائيل، ومن خلال تقديم المستعمرات المقامة في الضفة بغير وجه حق قانوني كمستوطنة “أريئيل” أو “الون شفوت” على نحو تتساوى فيه مع تل أبيب أو القدس، وذلك في الوقت ذاته الذي يحذف فيه ذكر المدن الفلسطينية، وحتى المدن المختلطة من قبيل عكا والناصرة”.
ويعتبر خطاب “الأمن” الخطاب الأبرز الذي يسود في إسرائيل، فيما يتصل باحتلال فلسطين، حيث يعمل هذا الخطاب على شرعنة جوانب من السلوك الذي تسلكه إسرائيل تجاه الفلسطينيين الذين تدينهم وتشجبهم، مستخدمة خطاب حقوق الإنسان.
وفي هذا تقول بيليد: “في الكتب المتداولة في المدارس الإسرائيلية تحظى الأعمال الإرهابية، وأعمال تهريب الأسلحة، التي ارتكبتها القوات والعصابات السرية اليهودية، كالهاجاناة وارغون –ايتسل وليحي، ضد بريطانيا، وضد حركة المقاومة التي خاضها الفلسطينيون ضد الصهيونية قبل إنشاء إسرائيل، بالتمجيد في الخطاب الذي يتناول تحرر اليهود وخلاصهم. وفي المقابل تقدم الأعمال نفسها التي ينفذها الفلسطينيون ضد الاحتلال الإسرائيلي في ثوب اصطلاحات إجرامية”.
وانتهت بيليد إلى أن الخلفية الأيديولوجية العامة التي تجمع الكتب المدرسية المتداولة في إسرائيل تجاه العرب الفلسطينيين تتمثل في الافتراضات الآتية:
أولاً: الافتراضات حول ما يوجد:
- الحقوق التاريخية في “أرض إسرائيل”.
- التهديد الذي يشكله العرب، وكراهيتهم لليهود، ومعاداة السامية التي تستشري على مستوى العالم.
- للعرب 21 بلداً “ونحن لنا واحد”.
ثانياً: الافتراضات المقترحة: بمعنى ما يمكن أن تكون عليها الحالة، أو ما سوف تكون عليه:
- يمثل الفلسطينيون مشكلة ديموغرافية يمكن أن تتوسع وتطور إلى “تهديد ديموغرافي” ما لم يتم التحكم بها.
- يمثل الفلسطينيون في الأرض المحتلة تهديداً دائماً ينبغي السيطرة عليه “وإلا سوف يذبحوننا”.
ثالثا: افتراضات القيمة: ما الذي يعتبر جيداً ومرغوباً؟ (أو ما الذي ينبغي أن يكون؟): دولة يهودية، أغلبية يهودية، سيطرة إسرائيلية.
وفي ختام كتابها توصلت الكاتبة بيليد إلى نتائج مهمة كثيرة أشار إليها في مقدمة هذا المؤلف الباحث انطوان شلحت، نوجزها اختصاراً بالآتي:
أولاً: تمثل المواقف العامة، التي يتبناها الإسرائيليون إزاء الإنسان الفلسطيني، والتي تغلب عليها سمات الشيطنة والتنميط ونزع الشرعية، نتاجاً مباشراً للتعليم الإسرائيلي، بينما تكشف نصوص الكتب المقررة في المدارس الإسرائيلية عما يسمى بـ”عنصرية النخبة” والتي تعني العنصرية التي يعاد انتاجها في أنماط خطاب النخب، كالصحف، والكتب المدرسية، والخطاب الأكاديمي، والخطب السياسية، والجدالات البرلمانية، ويتم تنفيذها بعد ذلك في حقول اجتماعية أخرى، في مقدمها الجيش. وفي الوقت ذاته فإن الخطاب الاجتماعي العام والخطاب التعليمي لا يعبران عن أي “اضطراب وجداني” عندما يتم الحديث أو الكتابة عن التمييز والاضطهاد الواقع على الفلسطينيين، المواطنين وغير المواطنين.
ثانياً: يتجاوب الخطاب المتعلق بالفلسطينيين في الكتب المدرسية الإسرائيلية مع جميع معايير الخطاب العنصري، على نحو ما يعرفه علماء الاجتماع، ومحللو هذا الخطاب من أمثال أولبورت، وفان ليوين، وايسد، وفان ديجك، وريزيغل، ووداك.
ثالثاً: تؤكد الباحثة بيليد لدى تطرقها – في أحد أكثر فصول الكتاب إثارة – إلى عمليات الشرعنة في الروايات الواردة بشأن المجازر الإسرائيلية المرتكبة بحق الفلسطينيين، أن كتب التاريخ المتداولة في المدارس تعنى في أساسها بشرعنة الأفعال التي أدتها الدولة بأثر رجعي، أو تعمل بوصفها “محكمة عليا في التاريخ” تختصر مهمتها في نقل الذاكرة الجمعية التي تعتبر ملائمة لإدراجها ضمن الرواية التاريخية القومية المقبولة، وبذلك يمكن أن تتحول المجازر إلى “جرائم تأسيسية” للأمة.
رابعاً: أنتج تمثيل الفلسطينيين، وخصوصاً في كتب التاريخ التي تدرس في المدارس الإسرائيلية، ما تسميه الباحثة “حلقة مكتملة”.
وقد استهلت هذه الحلقة في العقد السادس من القرن العشرين بواسطة التمثيل المتحيز والمتحامل الذي تلفه العداوة والبغضاء، واكتملت في العقد الأول من القرن الحالي من خلال الخصائص والصفات نفسها، وهي التحيز والتحامل والعداوة.
[*] كاتب وصحافي مقيم في رام الله.