Obscénités israéliennes, complicités occidentales et arabes
مجلة أوريان ٢١ الفرنسيّة
ألان غريش
مدير مجلة أوريان ٢١، متخصص في شؤون الشرق الأوسط
١٦ أيّار/ مايو ٢٠٢٢
يستعرض الكاتب في هذا المقال مدى “الفحش” الذي مارسته الشرطة الإسرائيليّة أثناء تشييع الشهيدة الصحفيّة شيرين أبو عاقلة، مناقشا جدوى الشروع بتحقيق دوليّ حول هذه الجريمة، والدور الذي تلعبه المحكمة العليا الإسرائيليّة في تعزيز ظلم الفلسطينيين بدل إنصافهم.
فحش عظيم
يبدأ الكاتب مقاله بتعريف الفحش وربطه بالسلوك الإسرائيليّ قائلا بأنّ الفُحش هو القبيح والشنيع من القول والفعل، وما يتجاوز الحدّ. لا عجب إذن أن تكون هذه الكلمة أوّل ما يتبادر إلى الذهن لمّا نرى مشاهد جنازة الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة التي اغتيلت يوم الأربعاء ١١ أيّار/ مايو ٢٠٢٢ على يد الجيش الإسرائيلي. هجمت الشرطة الإسرائيلية على نعشها الذي كاد يسقط، ونزلوا ضربًا بالهراوات على حامليه وعلى المتظاهرين، وأطلقوا قنابل صوتية، ومزقوا الأعلام الفلسطينية. موّضّحًا بأنّه حتى لو وضعنا جانباً هنا أي حكم سياسي، فإن هذا التصرّف اعتداء صارخ على الكرامة الإنسانية، وينتهك مبدأ مقدّسًا منذ فجر التاريخ، وهو الحقّ في الدفن بكرامة.
في المقابل، يعتقد الكاتب، أنّ إسرائيل منسجمة مع ذاتها ولا ترى في ذلك أيّ فحش، وأنّ أغلب وسائل الإعلام الإسرائيلية تتبنّى رواية المسؤولين العسكريين، وأن النواب المتطرّفين باتوا يعبّرون عن الشعور السائد في إسرائيل، وهو ما يمثله النائب المتطرّف، إيتامار بن غافير، عندما صرّح قائلا: “عندما يطلق الإرهابيون النار على جنودنا في جنين، يجب على هؤلاء ردّ الفعل بكل القوة اللازمة، حتى عندما يكون صحفيو قناة الجزيرة متواجدين وسط المعركة لتعطيل جنودنا.”
وفقًا للكاتب، يؤكّد تصريح بن غافير أن اغتيال شيرين أبو عاقلة لم يكن عرضيًا، بل نتيجة سياسة متعمّدة ومنهجية ومدروسة. وإلّا، فكيف نفسّر أنه لم يتم أبدًا اغتيال أي صحفي إسرائيلي من بين أولئك الذين يغطّون نفس هذه الأحداث، في حين أن 35 صحفيًّا فلسطينيًا قُتلوا منذ سنة 2001 حسب منظمة مراسلون بلا حدود؟ معظم هؤلاء كانوا مصوّرين، وهم يُعتبرون الأكثر “خطورة” لأنهم يروُون بالصور ما يحدث على الأرض. هذا التباين هو أحد جوانب الفصل العنصري القائم في إسرائيل وفلسطين والذي قامت منظمة العفو الدولية بتشخيصه جيدًا، فمن الواضح أن عقوبة الأضعف باتت هي الإعدام.
الجاني شريكا في التحقيق
يتساءل الكاتب مستهجنًا: هل يجوز إشراك الجاني في التحقيق في الجريمة التي اقترفها؟ في الوقت الذي أثبتت فيه منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية مثل “بتسيلم”، وأخرى دولية مثل منظمة العفو الدولية أو هيومن رايتس ووتش، التي توثّق منذ سنوات، كيف أن “تحقيقات” الجيش نادرا ما تفضي إلى نتيجة.
وفيما يتعلّق بالمجتمع الدوليّ، يحاجج الكاتب بأنّه لن يكون هناك تحقيق دولي، إذ لا الغرب مستعدّ ولا الدول العربية التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل مستعدّة لتجاوز مرحلة التنديدات اللفظية التي لا تخدش أحدًا. ولا هي ستعترف بما يؤكّده التاريخ الحديث، كون كل تنازل لإسرائيل لا يشجّعها على التصرّف بـ“اعتدال”، بل يشجّع الاستعمار والقمع.
المحكمة العليا أداة احتلال
يوضّح الكاتب بأنّ المحكمة العليا الإسرائيليّة أداة لتعزيز الاحتلال وإضفاء الشرعيّة عليه، فقد أيّدت المحكمة العليا في إسرائيل أكبر عملية تهجير للسكان منذ عام 1967، والتي تتمثل في طرد ألف فلسطيني يعيشون في ثماني قرى جنوب الخليل، وقد أعلنت المحكمة -بكلّ وقاحة- أن القانون الإسرائيلي يسمو على القانون الدولي. لم يحرّك الغربيون ساكناً أمام هذا الأمر، فهم منشغلون بمعاقبة روسيا. وفي نفس يوم جنازة شيرين أبو عاقلة، أعلنت الحكومة الإسرائيلية بناء 4400 وحدة استيطانية جديدة الضفة الغربية. ولِم لا، وهي تعلم جيدا أنها لن تتعرّض إلى أي عقوبة، وأن الإدانات -إن صدرت- ستجد سبيلها إلى سلّة مهملات وزارة الخارجية، ويتم تعويضها بالتذكير الدائم بدعم إسرائيل.
وفقًا للكاتب، ما يحدث في الأرض المقدّسة منذ عقود ليس حلقة جديدة من “الحرب على الإرهاب”، ولا هي “اشتباكات” بين طرفين متساويين، كما يُفهم من بعض عناوين وسائل الإعلام وبعض المعلّقين. كذلك، فإن الفلسطينيين لا يتعرّضون إلى هجوم من قبل كائنات فضائية، كما قد يوحي بذلك ردّ فعل وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان على حسابه الرسمي على تويتر حيث كتب: “لقد أُصبتُ بصدمة وفزع شديدين أمام أعمال العنف غير المقبولة التي حالت دون تشييع جنازة السيدة شيرين أبو عاقله في سلام وكرامة”.
خاتمة
يختم ألان غريش بالقول بأنّه لن نعرف أبدا ربّما هوية الجندي الإسرائيلي الذي ضغط على الزناد وقتل الصحفية الفلسطينية. لكن ما نعرفه بالفعل هو أن سلسلة التواطؤ طويلة. صحيح أنها تنبع من تل أبيب، لكنها تمتد حتى واشنطن، مروراً بدول التطبيع العربي، وصولاً إلى باريس وبروكسل. فاغتيال شيرين أبو عاقلة ليس عملاً منعزلاً، بل هو جريمة جماعية.
للتحميل اضغط هنا