سوريا ومصير التحولات الفاشلة في دول «الربيع العربي»

ترجمة : يسار ابو خشوم 

سوريا ومصير التحولات الفاشلة في دول «الربيع العربي»

La Syrie et la fatalité des transitions ratées dans

les pays des « printemps arabes »

 

بقلم جيل باريس، كاتب عامود وباحث في شؤون الشرق الأوسط

جريدة «لوموند» الفرنسية

 

يتناول المقال التحديات التي تواجه سوريا في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، ويسلط الضوء على التعقيدات الجيوسياسية التي تشمل التدخلات الأجنبية والاحتلال الجزئي لأراضيها من قبل إسرائيل والولايات المتحدة وتركيا. كما يناقش العقبات الداخلية الناجمة عن التوترات بين المكونات المختلفة للمجتمع السوري والتحالفات المعارضة، مع مقارنة بين التجربة السورية والتحولات الفاشلة في دول «الربيع العربي» الأخرى، مثل العراق وليبيا. ويختتم المقال باستعراض بعض العوامل التي قد تمنح سوريا فرصة للخروج من هذا المصير المشترك. فيما يلي ترجمة كاملة للمقال:

تبحث سوريا ما بعد بشار الأسد عن توازن جديد في سياق جيوسياسي معقد للغاية؛ إذ تحتل قوى أجنبية أجزاء من البلاد، بينما تفرض إسرائيل سيطرتها على هضبة الجولان منذ احتلالها عام 1967، وتعزز نفوذها في المنطقة العازلة التي خلفتها حرب أكتوبر عام 1973. كما تنشر الولايات المتحدة قوات خاصة في الجزء الشرقي من البلاد، وتسعى تركيا في الشمال لإقامة منطقة عازلة على الأراضي السورية.

تتدخل هذه الدول الثلاث عسكريا في سوريا وفقا لمصالحها؛ إذ تسعى إسرائيل إلى منع تشكّل محور شيعي يمتد إلى لبنان، وتعمل الولايات المتحدة على منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية، بينما تحاول تركيا كبح القوات الكردية السورية التي تصفها بأنها مرتبطة بحزب العمال الكردستاني.

تشكل هذه التدخلات الأجنبية العائق الأول أمام إقامة نظام جديد في دمشق، وهو شرط أساسي لاستعادة السيادة السورية. تواجه سوريا أيضا عقبات داخلية؛ إذ يمكن أن تنشأ توترات بين الجهاديين السابقين الذين تبنوا مشروعا وطنيا، والذين يرفضون ذلك، ولا سيما بين المقاتلين الأجانب. كما تبرز توترات بين التحالف السني والشرائح الكردية والعلوية، حيث كانت الأخيرة دعامة النظام السابق. تعكس هذه التحديات المصير العربي المتكرر للثورات والتحولات الفاشلة، على غرار ما شهده العراق بعد الإطاحة بصدام حسين عام 2003 على يد الولايات المتحدة.

تفاؤل حذر

تتيح خصوصيات سوريا فسحة للتفاؤل الحذر. أسقطت الميليشيات السورية عائلة الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر دون أن تؤدي إلى الفوضى التي شهدتها ليبيا بعد سقوط معمر القذافي خلال «الربيع العربي» عام 2011، حيث أدى انهيار مؤسسات الدولة الليبية إلى حالة من الفوضى.

لا يبدو أن جيشا مضادا قادر على أن يصير بديلا في دمشق، كما حدث في مصر عندما تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة زمام الأمور بعد الإطاحة بحسني مبارك عام 2011، حيث ساعدت هيكلية الجيش المصري المحفوظة في تنظيم انقلاب مضاد عام 2013 لإنهاء تجربة الإخوان المسلمين القصيرة في الحكم.

جنّبت حالة التدهور التي شهدها حزب البعث في سوريا قبل الحرب الأهلية عام 2011 البلاد من تداعيات «اجتثاث البعث» العنيف الذي فرضه بول بريمر في العراق عام 2003، حيث فتح هذا الاجتثاث فراغا مؤسساتيا مدمرا في العراق رغم مقاومة تلك المؤسسات للحصار الدولي بعد حرب الخليج الأولى عام 1991.

أصدر القادة الجدد في سوريا عفوا عن العسكريين الراغبين في الانضمام إلى السلطة الجديدة، وحاولوا الحفاظ على استمرارية الدولة. يبدو أن أحمد الشرع، أحد القادة الجدد، قد استفاد من دروس التجربة العراقية.

بدلة وربطة عنق

أظهرت شخصية أحمد الشرع، زعيم هيئة تحرير الشام، فرقا جوهريا مقارنة بالتجربتين العراقية والليبية. إذ أدّى غياب القادة الكاريزماتيين في العراق وليبيا إلى تقويض التحولات، بينما برز الشرع، المعروف سابقا باسم أبو محمد الجولاني، كقائد سياسي يُظهر مرونة في تغيير صورته من قائد عسكري يرتدي زي الميدان إلى سياسي يرتدي البدلة وربطة العنق.

واجه الشرع على مدى سنوات تحديات الحكم في إدلب، المنطقة الوحيدة التي صمدت أمام استعادة النظام السوري للمناطق الحيوية. دعا الشرع في آذار/ مارس الماضي إلى التركيز على إدارة الشؤون العامة دون انتظار نهاية الحرب الأهلية، مشيرا إلى أن «كل لبنة نضيفها في المناطق المحررة تقربنا مئات الكيلومترات نحو هدفنا الأساسي، وهو تحرير دمشق.”

استقر الشرع الآن في دمشق ويستقبل وفودا من دول تعتبر منظمته إرهابية. يعتمد خطابه، الذي يدعو إلى التهدئة واحترام الأقليات، كوسيلة لرفع العقوبات الدولية. تمثل هذه الخطوة شرطا أساسيا لإعادة إعمار سوريا وفرصة للهروب من لعنة الفشل التي لا تزال تطارد العالم العربي والإسلامي.

 

 

سوريا ومصير التحولات الفاشلة في دول «الربيع العربي»