ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم
حملة ضدّ منتقدي إسرائيل في ألمانيا باسم مناهضة معاداة الساميّة
En Allemagne, la lutte contre l’antisémitisme tourne à la chasse aux sorcières
مجلة أوريان ٢١ الفرنسيّة
بقلم بان راتسكوف، أستاذ مساعد زائر في مدرسة لوشيم للدراسات اليهودية في كلية الاتحاد العبري في لوس أنجلس وجامعة جنوب كاليفورنيا.
٣٠ آب/ أغسطس ٢٠٢٢
يتناول الكاتب في هذا المقال الحملات التي تشنّها السلطات والمؤسسّات الألمانيّة مؤخّرا ضد منتقدي السياسة الإسرائيليّة باتّهامهم “جزافا” بمعاداة الساميّة وذلك في إطار مأسسة “ثقافة الذاكرة” في ألمانيا للتكفير عن ذنوب الماضي، مقدّما بعض الأمثلة والحالات.
من ثقافة “التكفير عن الذنوب” إلى “المكارثيّة”
يوضّح الكاتب بأن ألمانيا قطعت شوطًا كبيرًا ومميّزًا من خلال مأسسة “ثقافة الذاكرة” بغية تقويض بزوغ أي مظهر معاصر من معاداة الساميّة في البلاد، بينما باتت تتحوّل ثقافة “التكفير عن الذنوب” هذه إلى ممارسات مكارثيّة – نسبة إلى عضو مجلس الشيوخ الأمريكي السابق جوزيف مكارثي الذي كان يوجّه الاتهامات بالتآمر والخيانة لخصومه دون الاكتراث للأدلة مع بداية الحرب الباردة – بحقّ صحفيين عرب ومسلمين لمجرّد تضامنهم مع القضيّة الفلسطينيّة.
فخلال شهر شباط ٢٠٢٢، فقد سبعة صحفيين عرب ومسلمين وظيفتهم في قناة “دويتشه فيله” (DW)، بعد أن اتهمتهم الجريدة اليومية Süddeutsche Zeitung بمعاداة السامية. فبات عديد الصحفيين يشعرون بأنهم محاطون بثقافة غامضة من الرقابة والترهيب. فقد صرّحت مرام سالم لمجلّة Currents، وهي صحفية فلسطينية من الضفة الغربية المحتلة، كانت من أوائل الصحفيين الذين طردتهم قناة “دويتشه فيله”: “كثيرا ما يُعتقد أننا كصحفيّين في ألمانيا نتمتع بنوع من الحماية، لكننا في الحقيقة نعيش في خوف مستمرّ. هذا الوضع يذكّرني بالديكتاتوريات. دائما ما تتعرّض حرية تعبير وسائل الإعلام وحريّة الرأي إلى الهجوم في منطقتنا، وأنا أشعر اليوم بالشيء نفسه هنا”.
لم يتم إثبات ادعاءات معاداة السامية ضد مرام سالم بشكل واضح، والتي تتعلّق -وفق الجريدة الألمانية- بما نشرته على صفحتها على موقع فيسبوك خلال القصف الإسرائيلي على غزة في أيّار ٢٠٢١. فبمجرّد تخيّل القائمين على الصحيفة بأن انتقاد الفلسطينيين لإسرائيل يخفي في الواقع كراهية شديدة، يتسنى للألمان التخفيف عن ذنبهم تجاه ماضي أجدادهم النازيين، بعد أن أصبحوا اليوم في طليعة الكفاح النبيل ضد معاداة السامية.
البرلمان الألماني ضد حركة المقاطعة
يوضّح الكاتب بأنّ “القرب من حركة المقاطعة (BDS)” يكفي اليوم في ألمانيا لإلغاء حدث أو فرض رقابة أو طرد أشخاص من عملهم، وذلك بسبب قرار غير ملزم صوّت عليه البرلمان الألماني في ٢٠١٩، والذي يصنّف حركة المقاطعة BDS كحركة معادية للساميّة في جوهرها. وفي أعقاب هذا القرار، اضطُر مدير المتحف اليهودي في برلين والمتخصص البارز في العصور القديمة اليهودية بيتر شيفر إلى الاستقالة. وكانت “جريمته” أنه شارك من خلال حسابه على تويتر منبرا حرّا من إمضاء ٢٤٠ أكاديميا يهوديا وإسرائيليا، يعارض فيه هؤلاء قرار المؤسسة التشريعية الألمانية.
يضيف الكاتب أيضا بأنّه كان من المقرر أن يلقي الفيلسوف الكاميروني الشهير أشيل مبمبي الكلمة الافتتاحية لمهرجان “رور” الثقافي ٢٠٢٠، والذي ينعقد كل ثلاث سنوات في شمال الراين وستفاليا. لكن في آذار من نفس العام، طلب لورنتس دويتش، وهو سياسي محلي من الحزب الليبرالي الديمقراطي (يمين الوسط)، في رسالة مفتوحة إلى مدير المهرجان إلغاء دعوة مبمبي، متهما الفيلسوف الذي يدرّس في جنوب إفريقيا بدعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات التي تهدف إلى الضغط على دولة إسرائيل حتى تحترم القانون الدولي. ويوضّح الكاتب بأنّ دويتش ارتكز في اتهاماته على كتاب أشيل مبمبي الذي يحمل عنوان “سياسات العداوة” ، والذي يقارب فيه الفيلسوف بين نظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا و“مشروع إسرائيل الانفصالي”، مع مراعاة الفوارق الأساسية. ويضيف الفيلسوف بأن كلّا من الفصل العنصري في جنوب إفريقيا والمحرقة اليهودية كانا ظاهرتين لـما أسماه بـ “وهم الانفصال”، مع التأكيد على الخصوصية الشديدة للمحرقة اليهودية. وتم إلغاء مداخلة مبمبي في نهاية المطاف بحجّة جائحة كوفيد-١٩.
يهود سيّئون
يحاجج الكاتب بأنّ هذه الحملات توضّح سمات الحرب ضد معاداة السامية في ألمانيا اليوم. أوّلا، استغلالها من قبل الحركات اليمينية. ثانيًا، الاستبعاد العقائدي للأصوات الفلسطينية ولأي شكل من أشكال النشاط الفلسطيني، واختزالهما في كراهية اليهود. ثالثًا، شيطنة اليهود والإسرائيليين المتضامنين مع فلسطين. فألمانيا دائماً ما تهنّى نفسها على الجهود التي تبذلها لتجاوز ماضيها، لذا بات اليهود الوحيدون الذين يسهل اندماجهم في مجتمع ألمانيا ما بعد النازية هم أولئك الذين يقبلون طريقة البلد في التكفير عن ذنوبه من خلال مباركة الصهيونية. أما اليهود “السيئون” -بمن فيهم العديد من الإسرائيليين- والذين يحتجون على الدعم الألماني لعنف دولة إسرائيل ضد الفلسطينيين، فيتم اعتبارهم لاساميّين في المجتمع الألماني، تحديدًا بسبب رفضهم للمنطق الأخلاقي الألماني للإصلاح وردّ الاعتبار.
خاتمة
يختم الكاتب مقاله بالتأكيد على أنّ ثقافة الذاكرة الألمانية لا تقلّل فقط من قيمة مكافحة معاداة الساميّة، بل إنها تسمح بتلاقي مكافحة معاداة الساميّة مع صعود العنصرية ضد المسلمين، وذلك بالادعاء الخطير بأنها تحارب شكلا من أشكال العنصرية من خلال تضخيم شكل آخر. هناك حاجة ماسة إلى مراجعة “العمل على الماضي” في ألمانيا، وهي مراجعة من شأنها أن تنتج مقاربة جادة ومعقّدة لعنف معاداة الساميّة الحالي وفي نفس الوقت أن تمنع استغلالها من قبل أولئك الذين يسعون بكل الطرق إلى تجاوز الماضي النازي للبلاد، وأولئك الذين يسعون لإخفاء سياسة إقصاء قومية جديدة.