مراجعة: نعيم ناصر[*]

قد لا يعرف الكثير من الفلسطينيين، وبخاصة من عاش منهم في الأرض الفلسطينية المحتلة، أو في فيافي الشتات، اللواء المتقاعد محمود الناطور (أبو الطيب)، ولا إسهاماته النضالية في حركة “فتح” وفي مسيرة النضال الفلسطيني، عموماً. كما قد لا تتوفر لدى الكثيرين معلومات وافية عن “قوات الـ17″، ولا الدور الذي لعبته في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وفي حماية الرئيس الراحل ياسر عرفات (أبو عمار)، وفي تعقب عملاء إسرائيل، الذين كانوا يتربصون للنيل من قادة الثورة الفلسطينية، عموماً، وقادة “فتح” خصوصاً.

وقبل أن نلج في فصول كتاب “حركة فتح بين المقاومة والاغتيالات، 1965– 2004″ بجزأيه، يجدر بنا التعريف بصاحب الكتاب، وبـ”قوات الـ17” التي كان على رأس قيادتها بعد اغتيال الشهيد أبو حسن سلامة العام 1979.

ولد “أبو الطيب” في قرية “بيت دجن” قضاء يافا، وبعد النكبة لجأت عائلته إلى رام الله، ثم إلى بلدة “السخنة” في الضفة الشرقية، ومنها إلى مخيم الكرامة الواقع شرقي نهر الأردن.

في مخيم الكرامة لمس “أبو الطيب” عمق مأساة شعبه ومعاناته وحجم الظلم الذي وقع عليه، مما عزز وعمّق الشعور الوطني لديه “فاجترار قصة الوطن المغتصب كل يوم كانت تخلق في نفوس أبناء جيلي الكثير من الأحلام والخطط والآمال، وكانت كلها تتجه نحو الوطن لتنقذه من المحتلين”.

وأضاف: “وما أن بدأت مراحل النضوج الجسدي والعقلي ترسم ملامح المستقبل أمامنا، حتى وجدت نفسي أتتبع لحظات انطلاق الرصاصة الأولى لثورتنا الرائدة، فكانت الثورة بالنسبة لي مدرستي وجامعتي وحياتي. وكلما اشتد حنيني للوطن ازددت التصاقاً بثورتي وبقريتي بيت دجن أجمل بقعة على الأرض، وفلسطين دثارها الجميل، ولا أرى نفسي إلا فيها. إن ثورتي هي هويتي، ولهذا فإن كل معاناة شعبنا عبر سنوات الاغتراب تتجسد فينا فيضاً من العطاء والوفاء لهذا الوطن”.

انتمى “أبو الطيب” في مطلع حياته في مخيم الكرامة إلى حركة القوميين العرب. وفي هذا يقول: “لقد شكلت حركة القوميين العرب الجناح الثاني في الحركة القومية الفاعلة في المشرق العربي حضوراً وعملاً إلى جانب حزب البعث. كما شكلت الوعاء الحاضن الأكثر اتساعاً للفئات والمجموعات والأفراد من اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات ومواقع اللجوء في البلدان المضيفة نظراً لعدة اعتبارات يقف على رأسها قدرة الحركة على التغلغل في أوساط الفلسطينيين”.

وفي مخيم الكرامة شكّل مع مجموعة من شباب المخيم “تنظيم الكرامة” في حركة القوميين العرب. وعندما أعلنت “فتح” عن انطلاق الثورة الفلسطينية في الأول من شهر كانون الثاني 1965، تعرف “أبو الطيب” ورفاقه على الحركة التي ابتدأت الكفاح المسلح من أجل تحرير الوطن، وقرروا بالإجماع الانضمام إلى “فتح”، وكان عددهم 65 عضواً “وهكذا أصبحت عضواً في “فتح” اعتباراً من 1/1/1966، وتم تكليفنا بالتمهيد لإقامة قواعد في المنطقة التي تمتد من الشونة الجنوبية إلى الشونة الشمالية”. وبقي “أبو الطيب” يتدرج في مناصبه القيادية، حتى أصبح قائداً لقوات الـ”17″، خلفاً للشهيد أبو حسن سلامة. الذي كان للأخير مكانة ومعزة خاصة في نفس أبي الطيب، الذي قال تعقيباً على استشهاده: “إنني فقدت أخي وقائدي ومعلمي الشهيد البطل علي حسن سلامة (أبو حسن) إلى جانب العديد من الإخوة قيادات وكوادر هذه الثورة العظيمة على أيدي المخابرات الصهيونية الإرهابية وعملائها”.

وأضاف: “بعد استشهاد القائد أبو حسن أوكلت لي مهمة قيادة قوات الـ17، حيث كنت أشعر بضيق وتحمل مسؤولية كبيرة، لأنني كنت لا أتصور كيف تكون الحياة وقيادة مثل هذا الجهاز بدون (أبو حسن)، فهو بالإضافة إلى أنه قائدي، كانت تربطني به علاقة أكثر من أخ، وكنت أحس دائماً أنه الحماية لكل من في الجهاز لأنه كان انساناً غير عادي بعطائه ووفائه، خاصة لمن خدم معه. وكانت علاقتي به تمتد لسنين طويلة، كان والده الشهيد حسن سلامة أحد قادة ثورتي 36 و48، والذي استشهد عام 1948 في معركة رأس العين، وكان جدي الشيخ يحيى الناطور قائد محور بيت دجن لعام 1936-1948، وكان يتبع للشيخ حسن”.

وبقي أبو الطيب على رأس “قوات الـ17” حتى عودته إلى الوطن، حيث عينه المرحوم “أبو عمار” مديراً لمديرية الأمن الخاص بقوات الأمن الوطني. وبقي في هذا المنصب إلى أن أحيل إلى التقاعد، فعمد إلى إنشاء مؤسسة بحثية باسم “مركز الناطور للدراسات والأبحاث” وغدا مديرها العام.

فمن هي قوات الـ”17″ التي ترأسها “أبو الطيب”؟ وممن تتكون؟

تعود جذور قوات الـ”17″ الى جهاز الرصد الذي تشكل في الأردن العام 1968 عقب معركة الكرامة، وكانت منذ مطلع عام 1972 عبارة عن مجموعة ضمن قوات العاصفة تقوم بمهمة حراسة القائد العام أبو عمار، واتخذت مقراً لها في منطقة الفاكهاني في بيروت. وكانت هذه المجموعة تقوم بعدد من المهمات الأمنية المختلفة قبل تأسيسها وإعداد قواتها. “وقد اختيرت عناصرها من المقاتلين الذين تمرسوا في مختلف المعارك مع العدو، وخاصة الذين رافقوا القائد العام (ياسر عرفات) في منطقة الأغوار وشاركوا في معركة الكرامة”. وكان معظم قوات الـ”17″ من سكان مخيم الكرامة الذين التحقوا بحركة “فتح” بعد معركة الكرامة (1968)، وكان مؤلف الكتاب محمود الناطور من بينهم، حيث أوكلت إليه مسؤولية القوة المحمولة آنذاك.

وفي أحداث أيلول التي وقعت في العام 1970، شاركت “القوات المحمولة” وكان تعداد أفرادها 169 عنصراً، في المعارك التي نشبت بين الفدائيين والجيش الأردني، التي كان من نتيجتها استشهاد 152 عنصراً منها، ولم يتبق من مجموع هذه الوحدة سوى 17 مقاتلاً فقط. وحين تم الاتفاق مع السلطات الأردنية على خروج المقاتلين من عمان، توجه هؤلاء ومن بينهم “أبو الطيب” إلى لبنان، وأقاموا في حارة الناعمة (في بيروت) وتم اعتماد كشف رواتب لهذه المجموعة من قبل القائد العام (ياسر عرفات). واتخذت اسمها القوة “17” منذ ذلك اليوم، وكان هذا في عام 1971.

وفي بداية العام 1972 انتقلت إلى حي الفاكهاني في بيروت، وأصبح يعرف المكتب والقوة باسم الـ”17″، ومن هنا جاء الاسم.

وقد أصبحت القوة 17، مع بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 1982 وحصار بيروت، بحجم لواء كامل عدداً وعدة وتدريباً وتسليحاً، وتوسعت مهامها، ليضاف إليها، إلى جانب حماية المرحوم ياسر عرفات وقيادة فتح، مهمات جمع المعلومات الدقيقة عن تحركات رجال المخابرات الإسرائيلية وعملائهم في المنطقة العربية وفي خارجها. وقد أصبح عدد القوة “17” في ذلك الحين نحو 3000 مقاتل بكامل أسلحتهم.

وبعد خروج قوات المقاومة الفلسطينية (ومن ضمنها قوات الـ”17″) من لبنان، وتوزع أفرادها على عدد من الدول العربية، أعيدت صياغة تسميتها إلى قوات أمن الرئاسة.

* * *

وعودة إلى الكتاب موضع القراءة لأشير إلى أن الكاتب محمود الناطور (أبو الطيب) لم يهدف من وراء هذا الجهد الكبير الذي بذله على مدار خمس سنوات لإنجاز مؤلفه هذا بجزأيه وإخراجه إلى النور، إلى كتابة تاريخ حركة “فتح” ومنجزاتها الثورية، وإنما قصد تدوين الجزء الأهم والأكبر من حياته النضالية وحياة من رافقوه على امتداد عشرات السنين.

وفي هذا يقول في مقدمة الكتاب: “أعرف جيداً أن كتابة التاريخ صعبة وشاقة، وتتخللها متاعب كثيرة، وتناولها قد يتخذ مساراً نقدياً، وقد يتخذ مساراً مؤيداً أو مزدوجاً من النقد والتأييد، ولكنه في كل الأحوال يكون مساراً هادفاً من خلال الحاجات التي تطرح نفسها، وقد كنت في جوانب كثيرة من الذين شهدوا الوقائع ولا بد لهم أن يشهدوا فالتزمت أن أكون كعهد الناس بي واضحاً وعفوياً، لا أدعي جاهاً لم يكن لي، ولا مواقف لم أخضها (…) مدركاً أن كتابات عديدة ظهرت بأقلام أعلام وقادة وأصحاب معرفة وفكر كلها تدور في البرهة الزمنية التي يتناولها الكتاب، إلا أن إدراكي لذلك لم يحل دون صراحتي، فأنا في الحقيقة، وإن أراد بعضهم القول بأن الحقيقة حمّالة أوجه، فأنا مع الحقيقة بوجهها الواضح، ولست معنياً بوجوهها الأخرى كوني مع الوضوح المطلق”.

وقد حاول “أبو الطيب” في كتابه هذا تدوين الوقائع الفلسطينية منذ الإرهاصات الأولى لانطلاقة حركة “فتح” فوجد أن الغوص في هذا الجانب يحتاج إلى مجلدات وسنوات، فاكتفى بكتابة لمحة بسيطة عن البدايات وتواجد المؤسسين على امتداد الساحات العربية، خصوصاً أن حركة “فتح” تيار وطني واسع، وإطار تنظيمي عريض شكل العمود الفقري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني.

وهكذا واصل رصد الأحداث والوقائع الفلسطينية حتى استشهاد المرحوم ياسر عرفات.

وقد استرشد الناطور في تسجيل وقائع هذا الكتاب بتجربته النضالية أولاً، ثم بمختلف المصادر من مراجع ودراسات وأبحاث ثانياً، منطلقاً من مقولة: “ليس كافياً الحصول على المعلومة الحديثة التي هي متوافرة بضغطة زر، وإنما المهم أن تكون المعلومة صحيحة”.

وحرصاً من الكاتب على جمع شتات الأحداث والتطورات والمواقف المهمة، فقد اعتمد في إنجاز هذا الكتاب على التسلسل الزمني للأحداث، متطرقاً إلى الأسباب والنتائج والعوامل التي أسهمت في بلورة الأحداث وإيجاد الوقائع، كاشفاً بإسهاب العديد من الأسرار والحقائق التي وقفت وراء ذلك بهدف إنصاف التاريخ الفلسطيني.

وبموجب هذه الرؤيا اجتهد الناطور في أن يكون مضمون هذا الكتاب، ذي الفصول العشرة، ذاكرة كفاحية في تاريخ الثورة الفلسطينية “من خلال إنصاف الذين ضحوا بأرواحهم في أكثر من موقف وتاريخ ومكان لا تقودهم نحو الكرامة والعزة سوى روحهم الوطنية الباسلة. وأردت أن أكتب لأبنائهم وأحفادهم عنهم لكي يعرفوا لأي سلف هم ينتسبون ولأي وطن هم ينتمون، وكي يستفيد منها الراغبون في إعادة تدوين تاريخ الثورة الفلسطينية وتنقيته من الروايات المختلقة والمزورة”.

وشمل منهج البحث الذي اتخذه لإنجاز الكتاب، موضع القراءة، أبرز الجوانب المتعلقة بمكافحة الإرهاب والصراع التجسسي مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وبعض المنظمات الإرهابية، مقدماً تفاصيل جديدة لم يتم كشفها سابقاً عن عدد من عمليات الاغتيال للقادة والشهداء الفلسطينيين والعرب، عبر عرض سيرهم الذاتية. كما خصص الكاتب جانباً من الكتاب للمعارك التي فرضت على الثورة الفلسطينية والوجود الفلسطيني على الساحات العربية، من قبل قوى عربية ودولية، شارحاً خلفيات كل طرف وأهدافه، التي كان يعمل على تحريكها، وعلى وجه الخصوص حروب المنشقين عن حركة “فتح” ضد منظمة التحرير الفلسطينية، وحروب الكتائب اللبنانية وحركة “أمل” ضد المخيمات الفلسطينية والوجود الفلسطيني في لبنان، والعلاقات الفلسطينية التي شابها التوتر مع سورية على مدار سنوات الثورة الفلسطينية، ونتائج الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، وأثر ذلك على التحولات التي طرأت على الموقف من الحركة الوطنية اللبنانية، وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وإلى ما قبل الغزو الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت عام 1982، مقدماً رصداً لعوامل صمود فصائل منظمة التحرير الفلسطينية أمام هذا الغزو، ملقياً الضوء على الدور الإسرائيلي في تنصيب بشير الجميل رئيساً للبنان ثم اغتياله، والشروع في تنفيذ مجزرة صبرا وشاتيلا بعد ذلك.

عدا ذلك سيجد القارئ في فصول هذا الكتاب معلومات غزيرة عن الشخصيات التي لعبت دوراً مؤثراً في الأحداث الفلسطينية، سواء من خلال هوامش الكتاب، أو من خلال السرد المعلوماتي في سياق الأحداث.

والجانب الأبرز في هذا المؤلف الضخم هو استعراض المهمات التي أوكلت إلى “أبو الطيب” قبل وبعد تسلمه قيادة قوات الـ”17″ ناقلاً شهاداته عن زمن عاشه بكل ما فيه من تفصيلات ومواجع ومواقف اعتزاز، ليس لأنها مواقفه ومواقف رفاقه، وإنما لأنها صارت مواقف هي اليوم جزء من تاريخ حركة “فتح”.

ما أراده الكاتب من سرد أحداث كتابه هو أن يسجل بالكلمة الصادقة والمشاعر الحساسة أدق تفاصيلها، ويسحب من الأمكنة الظليلة المتواري منها، الذي ظل طوال سنوات عدة مستودعاً للأسرار، الاقتراب منه يعني الموت والخوض فيه يعني التهور غير الحميد.

وسجل الناطور هذه الأحداث لينصف رفاقاً له كانوا سياجاً له مثلما كان هو سياجاً لهم. “هؤلاء الذين كانوا مثالاً نادراً للشجاعة، والوطنية العزيزة والروح المجبولة على البذل والعطاء.. أردت حقيقة أن أنصف الذين ابتعدوا استجابة لدوافع ذاتهم الصادقة في تربيتها الوطنية والقومية والإنسانية”.

وخلال السرد التاريخي لوقائع هذا الكتاب، لم تغب بصمات الشهيد أبو عمار عنها، وإنما كانت في صميم هذه الأحداث، وفي تطوراتها وتداعياتها المختلفة، ومع ذلك أفرد “أبو الطيب” لصانع هذه الأحداث فصلاً خاصاً تقديراً منه وعرفاناً بدوره المجيد.

وفي هذا يقول: “ارتجفت يداي وأنا أخط أولى الكلمات عن القائد الرمز الشهيد ياسر عرفات ولمسيرته ولذكراه المفعمة بالآمال، كما هي حياته التي عشناها معه، وعرفناها من خلال أعماله البطولية وصموده الأسطوري.

وعندما أصّر أصدقائي لكي أكتب بعض البعض عما عشته وعرفته عن قائدي أبو عمار ترددت لأنني أعرف الكثير الكثير وفي الوقت نفسه لا أمسك بيدي لا روحه ولا روحي، بل بضع دمعات سكبتها بصمت دون أن يرى من حولي ضعفي، وهذا ما دفعني لأكتب الفصل العاشر والأخير في سيرة “فتح” ومجدها التليد وسيرة قائد هذه المسيرة، وسيرة رمز هذه الأمة من المحيط إلى الخليج، فهو في ذاكرتنا، وفي وجدان أبنائنا.. لا يستطيع أحد منا إلا أن ينحني أمام قبره إجلالاً ودعوات ملأى بالدموع البيضاء التي تمسح أجفاننا ووجوهنا وصدورنا”.

ومع ما حواه هذا الكتاب بجزأيه، الذي يزيد عدد صفحاته على 1300 صفحة، من أحداث زاخرة بالمعلومات والوقائع، إلا أن هناك الكثير من الحقائق التي آثر “أبو الطيب” عدم التطرق لها نظراً لحساسيتها، وكان كل هدفه من وراء مؤلفه هذا إثراء الذاكرة الفلسطينية بوقائع مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني طيلة أربعين عاماً لتكون في متناول الأجيال المقبلة “وفق فهم موضوعي لحقائق هذه المسيرة النضالية”.

* * *

يقع الكتاب، كما مرّ، في حزأين، يتناول الأول إرهاصات تأسيس حركة “فتح” قبل انطلاقتها في العام 1965 وما بعدها وحتى عام 1982، وهو العام الذي شهد الحرب العدوانية على لبنان، وحصار بيروت، في حين يتناول الجزء الثاني التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني وثورته منذ العام 1983، وحتى العام 2004، العام الذي استشهد فيه الزعيم الراحل ياسر عرفات.

اشتمل الجزءان، كما ذكرنا، على عشرة فصول تتناول مسيرة الثورة الفلسطينية، بقيادة “فتح”، حيث كان نصيب الجزء الأول من الصفحات 775 صفحة، أما الجزء الثاني فوقع في 547 صفحة.

الجزء الأول

1965– 1982

تناول الفصل الأول من الكتاب الذي حمل عنوان: “حركة فتح: الانبعاث الثوري للشعب الفلسطيني” ذكرى النكبة، والمصير الذي آلت إليه قرية بيت دجن، ومرارة الهجرة التي ذاقها أهل فلسطين، عموماً، وسكان بيت دجن، خصوصاً، وصولاً إلى مخيم الكرامة، الذي نشأ وترعرع فيه “أبو الطيب” وعزز انتماءه الوطني إلى شعبه، ودفعه إلى الانتماء إلى حركة القوميين العرب، أولاً، ثم إلى حركة “فتح” ثانياً.

وركز الناطور في هذا الفصل على بدايات تأسيس حركة “فتح”، والاتصالات المتشعبة التي أجرتها قيادتها مع الرموز الوطنية الفلسطينية، سواء في القاهرة أو الكويت أو الأردن، وصولاً إلى اتخاذ قرار بدء الكفاح المسلح في الأول من شهر كانون الثاني (يناير) 1965، انطلاقاً من الأردن.

وتناول “أبو الطيب” معركة الكرامة، التي خاضتها الثورة الفلسطينية والجيش الأردني ببسالة في الحادي والعشرين من شهر آذار (مارس) 1968 ضد العدوان الإسرائيلي على المخيم، بشكل مفصل، من جهة الاستعدادات التي سبقت المعركة، امتداداً إلى المواجهة الشجاعة التي واجه فيها الفدائيون وأفراد القوات المسلحة الأردنية هذا العدوان والتضحيات التي بذلت ثمناً للانتصار الذي تحقق فيها، وانتهاء بتداعياتها فلسطينياً وإسرائيلياً وعربياً.

وعن معاني ودلالات هذه الملحمة البطولية قال الناطور: “لم تكن معركة الكرامة حدثاً عابراً في التاريخ الفلسطيني المعاصر، وفي التاريخ العربي الحديث، حيث جاءت في وقت كانت الجباه تنزف دماً، على حد تعبير القائد جمال عبد الناصر، وجاءت في وقت كان موشي ديان (وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك) ينتظر بتعجرف مكالمات الاستسلام من الزعماء العرب بعد هزيمة حزيران 1967”.

وفي الفصل الثاني، وعنوانه: “الطريق إلى أيلول” تناول “أبو الطيب” بحرقة وألم أحداث أيلول في عام 1970 وحتى الخروج من الأردن عام 1971، كاشفاً بعض التفاصيل التي لم يتطرق إليها أحد. وفي هذا الشأن قال: “عندما قررت أن أكتب عن أحداث أيلول بكل ما لها وما عليها، كنت على يقين أن بعضهم لا يريد جلاء الحقيقة، والكشف عن أسرار تلك المرحلة، خدمة لأهداف سياسية أقلها استخدام تلك الأحداث لإثارة فتنة بين أبناء الوطن الواحد من أصول فلسطينية أو أردنية، وقد تعمد هؤلاء تضخيم الأحداث والمبالغة في خسائرها لإثارة النفوس، ولكني من منطلق تصويب الأمور، ووضعها في نصابها الطبيعي، مستنداً إلى الحقائق والوثائق أبيت أن أبقى صامتاً كي لا أرى غبار تلك المرحلة”.

وقد حمّل الناطور تحالف اليسار الفلسطيني والعربي والدول العربية الحليفة للاتحاد السوفياتي السابق المسؤولية في أحداث أيلول قائلاً: “في مقابل مؤامرات ومخططات اليسار انجر تيار داخل الجيش الأردني إلى ممارسة الأخطاء نفسها (التي ارتكبها اليسار) وسعى إلى تصعيد المواجهات دون علم القيادة الأردنية”.

واستكمالاً لهذا الاتهام أشار الناطور إلى أن الدورتين الثامنة والتاسعة اللتين انعقدتا في القاهرة عام 1971 حمّلتا اليسار الفلسطيني مسؤولية افتعال تلك الأحداث، حيث “لم يكتف تيار اليسار الفلسطيني بهذه المغامرة في إطار المؤامرة ضد منظمة التحرير الفلسطينية على الساحة الأردنية، وإنما استمر في تصعيده ضد المنظمة في سوريا، لبنان، ولعب دوره الفاضح والواضح في انشقاق حركة فتح عام 1983، وكما فشل في أحداث أيلول 1970 تكرر له الفشل عام 1983 فيما بعد”.

وتناول “أبو الطيب” في الفصل الثالث أنشطة أجهزة الأمن الفلسطينية، بعد الخروج من الأردن والاستقرار في لبنان، والمواجهة بين هذه الأجهزة وبين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، والعمليات التي قام بها جهاز العمليات الخارجية، التابع لحركة “فتح” في كل من إيطاليا وفرنسا وألمانيا، وكذلك الاغتيالات المتبادلة بين عناصر هذا الجهاز ورجال الموساد الإسرائيلي وعملائه.

وعن أهمية تشكيل جهاز العمليات الخارجية كتب الناطور: “استغرق التحضير لتشكيل جهاز العمليات الخارجية أياماً وأسابيع، حيث يتم التدقيق جيداً في السيرة الذاتية للأشخاص الذين سيشكلون عصب الجهاز وقياداته”. وأضاف “أبو الطيب” في صفحات أخرى من هذا الفصل عن الأمر نفسه قائلاً: “تحدثت مع أخي أبي حسن (سلامة) أن وجهة نظري (في اختيار الأشخاص) أنه يتعين على أي كادر مرشح للعمل في جهاز العمليات الخارجية ان يكون موثوقاً به وهادئ الطباع، وينفذ الأوامر بدقة دون إبداء أي حماس زائد، ويمتلك الحماس الوطني كدافع أساس للتنفيذ. إضافة لذلك يجب أن يتمتع بالذكاء والقدرة على الإبداع، وأن يمتاز بالمهارة الفائقة وسرعة البديهة والتدريب الجيد. وأخيراً القدرة على التنفيذ”.

وتناول “أبو الطيب” في هذا الفصل، كذلك، بواقعية المواجهة بين المناضلين الفلسطينيين وأفراد “الموساد” الإسرائيلي وعملائهم في أوروبا والمنطقة، وبخاصة في لبنان، وحرب الاغتيالات المتبادلة بين الجانبين. وكشف عن محاولة اغتيال “أبو عمار” على يد جاسوس فلسطيني عرف باسم “أبو السعيد”. كما ألقى الضوء على طرق إسرائيل في تجنيد العملاء، الأمر الذي دفع القيادة الفلسطينية إلى تنويع تشكيل الأجهزة الأمنية، كالأمن الموحد والأمن المركزي وجهاز الاستخبارات العسكرية وقوات الـ”17″، لمواجهة محاولات إسرائيل اختراق جبهات النضال الفلسطينية، خصوصاً أن لبنان كانت مرتعاً خصباً للاستخبارات الغربية، عموماً، والإسرائيلية، خصوصاً.

وفي هذا الفصل تناول الكاتب، أيضاً، حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973 بين إسرائيل، وكل من مصر وسوريا، والمشاركة الفلسطينية فيها عبر الجبهتين المصرية والسورية، وعبر الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، وفي داخل الأرض الفلسطينية المحتلة.

وفي الفصل الرابع الذي حمل عنوان: “المستنقع اللبناني وسنوات الحرب الأهلية” تناول “أبو الطيب” مرحلة مهمة في مسيرة الثورة الفلسطينية، وبخاصة في لبنان، حيث سلط الضوء على وقائع الحرب الأهلية اللبنانية، والتحالف الذي كان قائماً بين الحركة الوطنية اللبنانية وفصائل المقاومة الفلسطينية، في مواجهة ما اصطلح على تسميتها في حينه “القوى الانعزالية” وفي مقدمها حزب الكتائب اللبنانية، والمعارك التي دارت بين الجانبين والتدخل السوري لصالح القوى الانعزالية، ومجزرة تل الزعتر، والتنسيق الذي كان قائماً بين إسرائيل وحزب الكتائب.

وتناول في هذا الفصل، كذلك، اغتيال القائدين الوطنيين اللبنانيين معروف سعد وكمال جنبلاط والكاتب المصري المعروف يوسف السباعي.

كما أفرد الكاتب حيزاً واسعاً عن عملية اغتيال المناضل علي حسن سلامة (أبو حسن) في بيروت بتاريخ 22/1/1979، على يد “الموساد” الإسرائيلي، الذي أطلقت عليه رئيسة وزراء إسرائيل المتوفاة غولدا مائير لقب “الأمير الأحمر”. وقد كان وقع هذا الاغتيال قاسياً على قوات الـ”17″ التي صار على رأسها، “أبو الطيب” نفسه.

وكتب في هذا الصدد يقول: “ها أنا بعد كل السنوات التي مرت على استشهاده أكتب عن قائدي وأخي وصديقي “أبو حسن”، ذلك المناضل الذي أوفى لسيرة والده الشهيد حسن سلامة، فأكمل المشوار، مقدماً دمه لشعبه ليفيض شلال الدم الفلسطيني برهاناً على نضالات هذا الشعب الذي لا ولن يستكين ما لم يستعد حقوقه الوطنية المشروعة (…) وصدق بعطائه لشعبه، وقد كنت صديقه وحبيبه ورفيق دربه، وما أصعب أن يكتب الإنسان عن فقدان أخ وصديق وحبيب، لكنه الوفاء الذي يملي عليّ أن أستجمع الذاكرة وأكتب أيضاً بعضاً من وقائعها”.

واستعرض الناطور في الفصل الخامس الذي ذيّل بعنوان: “وداعاً بيروت.. الاجتياح الإسرائيلي عام 1982” أخطر مراحل الثورة الفلسطينية في لبنان، والعدد الكبير من الشهداء الذين اغتالتهم المخابرات الإسرائيلية، ومنهم الشهداء: نعيم خضر ممثل منظمة التحرير في بلجيكا، الذي اغتيل في بروكسل العام 1981، وماجد أبو شرار عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، الذي اغتيل في روما في العام نفسه، ويتطرق إلى تدمير إسرائيل للمفاعل النووي العراقي في العام 1981 ليصل إلى الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982 وحصار بيروت.

وأبرز “أبو الطيب” المعارك المشرفة التي خاضتها قوات الثورة الفلسطينية في مواجهة القوات الإسرائيلية الغازية، كمعركة قلعة الشقيف في جنوب لبنان، ومعارك المخيمات الفلسطينية في البص والرشيدية والبرج الشمالي، وكلها تقع في جنوب لبنان، وكذلك معارك صيدا ومخيم عين الحلوة، ومعركة الأوزاعي القريب من بيروت. وألقى الضوء على التكتيكات العسكرية الإسرائيلية التي اتبعت في عمليات الاجتياح هذه.

وتناول بالتفصيل، إضافة إلى المعارك السابقة، المعارك التي خاضتها قوات الثورة الفلسطينية في الجبل المحيط ببيروت والساحل وفي المدن والمخيمات، ودور قوات الـ”17″ التي كان يرأسها “أبو الطيب” في هذه المعارك، حيث جرح أثناء قيادته لهذه القوات في بيروت، ما أدى إلى تفتت عظام كاحل رجله اليمنى.

وعرض الكاتب في هذا الفصل جلسات المباحثات بين الجانبين الفلسطيني والأمريكي الذي كان يمثله عضو الكونغرس فيليب حبيب، التي انتهت بوقف إطلاق النار والتوصل إلى مغادرة قوات الثورة الفلسطينية لبنان بأسلحتها الفردية، عبر السفن إلى عدد من الدول العربية، بعد معارك مشرفة، خاضتها هذه القوات، لأكثر من ثمانين يوماً من الصمود.

ومن الصفحات المؤثرة في هذا الفصل والتي تطرق فيها إلى مواقف الوداع والخروج من بيروت والتداعيات التي رافقت ذلك، وصف مشاعره وهو يغادر بيروت قائلاً: “لحظة الصعود الى الباخرة (التي ستتجه به إلى تونس) كان هناك ضابط لبناني يسجل أسماء الصاعدين (على متنها) وكان بعض الأخوة  يعطيه أسماء حركية، وعندما جاء دوري قلت له سجّل… أنا المقدم أبو الطيب قائد قوات الـ”17” فنظر إليّ الضابط باستهجان، فسألته عن السبب فقال: لأنني كنت أسمع بهذا الاسم، ولم تسنح لي فرصة معرفة صاحبه (…) انطلقت الباخرة باتجاه ميناء ليماسول القبرصي (في طريقها إلى تونس) كنت أتفرّس وجوه الشباب، كان بعضهم يبكي من حالة “القهر” الداخلي.. لا شك أنهم كانوا يتمنون الشهادة بدلاً من معايشة حالة الخروج من بيروت. ورغم أن حالة “القهر” كانت أشد وطأة على نفسي، إلا أن دمعي كان عصياً على الهطول.. حاولت أن أتغلب على ذاتي والشروع في البكاء ولكن دموعي أبت الاستجابة، مما زاد الألم النفسي وطغيان التوتر الداخلي الذي رافقه سيل من الأسئلة والتساؤل إلى أين نحن ذاهبون؟ وكيف سيكون الحال؟”.

وفي الفصل السادس والأخير من هذا الجزء من الكتاب، الذي حمل عنوان: “لبنان بعد الخروج الفلسطيني” تناول “أبو الطيب” مرحلة ما بعد خروج قوات الـ”17″ من لبنان، وكيفية تنصيب بشير الجميل رئيساً للجمهورية اللبنانية، بحماية القوات الإسرائيلية الغازية، وطريقة اغتياله من قبل أحد عناصر الحزب القومي السوري الاجتماعي، مستنداً على المعلومات الدقيقة والأسماء، وتولي أخيه أمين الجميل المنصب ذاته.

كما تناول يوميات مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا بالساعات والتواريخ، وشهادات الناجين منها، والتوثيق الصحافي لها، وأهداف إسرائيل من ورائها، وتفاصيل اغتيال القائد سعد صايل (أبو الوليد).

وتحت عنوان: “الخروج من بيروت وذكريات مع قوات الـ”17″” كتب “أبو الطيب” في هذا الفصل ما يلي: “مرت سنوات عديدة، لكن جرح الذكريات لم يندمل، بل ازداد وجعه وألمه. وقيل أن لا شفاء له، إلا إذا صار الدمع دماً، وكم من الدموع يمكنها أن تنساب في لحظة ذكرى لإخوة وأحبة ورفاق مسيرة نضالية، فما لم تمسحه السنوات الطويلة يعجز الدمع مهما تدفق من المآقي عن إذابته. لقد كان إخوتي ورفاق دربي في مسيرة قوات الـ”17” عظاماً لم تقربهم الصغائر، وعظيم الناس من يبكي العظام، كانوا عظاماً حيث قطعوا رحلة الذكريات التي لا خيار فيها بين الفناء على طريق الاستشهاد أو البقاء ليخبروا الأحياء في شعبهم عن ذكرياتهم عبر مسيرة الثورة. (..) لقد قضيت معهم وبهم أعز أيام حياتي، ورغم عدم قدرتي على التعبير العاطفي العميق، وما أكنه من محبة فائقة لأولئك الرجال الذين كانوا أسرتي وعائلتي، إلا أنني أستعيد الذكريات معهم وعنهم أيام فرحهم ولحظات حزنهم، وهي أيام ولحظات تحكي قصصاً وروايات منها المضحك، ومنها المبكي، ومنها ما قد تستغربه الأجيال المعاصرة، أو حتى تستهجنه، لكنها أحداث ستبقى خالدة في مخزون ذاكرتي عن هذه القوات ورموزها وكوادرها الذين عاشوا حالة خاصة فكانوا بحق “عائلة قوات الـ”17″” يتقاسمون كل شيء من رغيف الخبز حتى مصروف الجيب، لا يملك أحدهم بنطالاً أو قميصاً أو حذاء خاصاً به، فالملكية ملغاة في تلك العائلة. ورغم هذا الأسلوب في العيش، كان لدى كل واحد منهم كرامة وعزة وامتثال للأوامر دون اعتراض”.

الجزء الثاني

1983 – 2004

يواصل الكاتب في هذا الجزء من كتابه “حركة فتح بين المقاومة الاغتيالات” عرض مسيرة “فتح” النضالية، ومن خلالها مسيرة الثورة الفلسطينية، وذلك في الفترة من 1983– 2004.

ففي الفصل السابع من هذا الكتاب، الذي حمل عنوان: “انشقاقات حركة فتح.. التاريخ والخلفية والدور العربي” يستعرض “أبو الطيب”، كما يظهر من العنوان، الانشقاقات التي تعرضت لها حركة “فتح” وخروجها منتصرة، ابتداء من الأزمة التي مرت بها بعد أن أعلنت عن انطلاقتها، وتمثلت بأزمة يوسف عرابي (أيار (مايو) 1966)، مروراً بتمرد مصطفى يوسف الكايد (1972)، وانشقاق صبري البنا “أبو نضال” (1974) والانشقاق الكبير الذي قاده سعيد مراغة “أبو موسى” وموسى العملة “أبو خالد” ونمر صالح “أبو صالح” (1983) وانتهاء بانشقاق عطا الله محمد عطا الله “أبو الزعيم” (1986).

وقد تناول “أبو الطيب” بإسهاب انشقاق صبري البنا، ودور عدد من الدول العربية في دعم وتمويل هذا الانشقاق، وبخاصة سورية وليبيا والعراق، وألقى الضوء على عمليات الاغتيال التي نفذها بحق عدد من قادة “فتح” ومناضليها منهم: سعيد حمامي، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لندن (1978) وعلي ياسين، مدير مكتب منظمة التحرير في الكويت (1978)، وعز الدين قلق، مدير مكتب منظمة التحرير في فرنسا (1978)، والدكتور عصام السرطاوي، وهو من الكوادر المهمة في منظمة التحرير، وقد اغتاله أحد أتباع أبو نضال في العاصمة البرتغالية لشبونة عام 1983، والأمين العام لاتحاد الصحافيين العرب، حنا مقبل في نيقوسيا (1984).

وتوقف الكاتب طويلاً عند الانشقاق الذي قاده أبو موسى وأبو خالد العملة، بدعم من الحكومة السورية آنذاك، والمعارك التي نشبت عقب هذا الانشقاق في البقاع اللبناني وطرابلس ضد قوات الشرعية الفلسطينية، ومغامرة الرئيس ياسر عرفات بعودته إلى طرابلس عن طريق البحر، لقيادة قوات الثورة الفلسطينية، في مواجهة المنشقين، حيث خاض هو والشهيد أبو جهاد معارك شرسة ضدهم، أسفرت عن مئات الشهداء. وتطرق كذلك إلى رحيل عرفات وقوات الثورة من طرابلس بطلب من القيادات الطرابلسية، وسط مهرجان شعبي ووداع جماهيري، حيث اتجه القائد الفلسطيني، وهو يغادر طرابلس، لزيارة مصر، التي كانت مقاطعة من قبل الدول العربية، بعد زيارة السادات لإسرائيل وتوقيعه اتفاقات كامب ديفيد في العام 1978، ما أثار خلافاً جديداً في داخل “فتح” وفي الساحة الفلسطينية. وقد بررها “أبو الطيب” بأن “أبو عمار” أراد من هذه الزيارة فتح آفاق جديدة للتحرك الفلسطيني بعد الخسارة التي أرغمته على الخروج من بيروت ومن طرابلس.

وفي الفصل الثامن الذي عنون بـ”حرب المخيمات.. مؤامرة النظام السوري تتواصل” واصل “أبو الطيب” عرض تداعيات زيارة “أبو عمار” العاصفة إلى مصر، على الساحتين الفلسطينية والعربية، وتابع التحضيرات التي سبقت انعقاد الدورة السابعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني، في عمان عام 1987، رغم المحاولات السورية –حسب الكاتب- لمنع بعض أعضاء المجلس من الوصول إلى الأردن، كي تفقد الدورة نصابها القانوني، ومصادقة الدورة بعد نجاح عقدها على الاتفاق الأردني الفلسطيني لحل سياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي والأردني الإسرائيلي، الأمر الذي نتج عنه انشقاق في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية.

وفي هذا الفصل ألقى “أبو الطيب” الضوء على العلاقة الفلسطينية الإيرانية، كاشفاً الكثير من المعلومات، التي أشارت إلى أن معسكرات “فتح” استقبلت العديد من قادة الثورة الإيرانية ليتدربوا فيها على استخدام الأسلحة. وتطرق إلى لقاء الرئيس ياسر عرفات بالخميني بعد عودته من باريس، وهو الزعيم العربي الأول الذي زار إيران بعد انتصار الثورة، رافقه فيها العلاّمة اللبناني الشيخ هاني فحص.

وانتقل الكاتب بعد ذلك إلى ما اصطلح على تسميته بـ”حرب المخيمات” التي اندلعت في العام 1985 بين حركة “أمل” اللبنانية برعاية النظام السوري تمويلاً وتدريباً وتسليحاً وبين من تبقى من قوات الثورة الفلسطينية، حيث قامت قوات حركة “أمل” بدك المخيمات الفلسطينية في بيروت بالمدفعية الثقيلة وفرضت عليها حصاراً شاملاً، ومنعت دخول المياه والغذاء والدواء والوقود إليها، وعاملت سكانها بمنتهى القسوة، على الرغم من أن حركة “أمل”، كما يوضح الكاتب، حصلت على المساعدة التسليحية والتدريبية من حركة “فتح” عند إنشائها، ولكن المقاومة الباسلة التي أبداها المقاتلون الفلسطينيون في الدفاع عن المخيمات، وكذلك رفض عدد من القوى الوطنية اللبنانية لموقف حركة “أمل” من الفلسطينيين، أجبرها على التراجع عن عدوانها، وحربها ضد الوجود الفلسطيني في لبنان. ويوضح “أبو الطيب” بإسهاب دور قوات الـ”17″ بعد تشكيل لجنتي لبنان والأرض المحتلة في النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي وعملائه. وعرض بالتفصيل محاولة إسرائيل اغتيال “أبو عمار” في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) العام 1985، حيث قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية مقر القيادة الفلسطينية، ومقر الرئيس ياسر عرفات في حمام الشط في تونس، ما أسفر عن سقوط العشرات من الشهداء والجرحى من كوادر وقيادات “فتح”، ونجاة القائد الفلسطيني.

ويتطرق الكاتب في نهاية هذا الفصل إلى الجماعات التكفيرية، وبخاصة تلك التي سميت بـ”فتح الإسلام” التي ارتكبت مأساة مخيم نهر البارد في شمال لبنان العام 2007.

وفي الفصل التاسع الذي عنوانه: “الانتفاضة.. طائر الفينيق يبعث من جديد” يتناول الكاتب فعاليات الانتفاضة الأولى في الضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1987، التي أعلنت ولاءها لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأسهمت بوسائلها النضالية السلمية في لفت نظر العالم إلى عدالة القضية الفلسطينية، وغدت فعالياتها تتبوأ أخبار وسائل الإعلام العربية والعالمية.

وعرض “أبو الطيب” في هذا الفصل الجهد الكبير الذي بذلته قيادة منظمة التحرير لتصعيد النضال الشعبي، ولحشد التأييد العربي والعالمي لها. وكان للشهيد “أبو جهاد” دور بارز في تحديد فعالياتها، وتحويلها إلى حرب استنزاف طويلة تعتمد على الحجارة والمقاليع في مواجهة القمع الإسرائيلي. وتناول الكاتب الجهود التي بذلت لتأسيس القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، من فصائل منظمة التحرير وعدد من المستقلين، مبيناً كيف استطاعت الانتفاضة كسر شوكة الاحتلال الإسرائيلي، وإعادة الثقة والاعتبار لمنظمة التحرير، وأفشلت المحاولات الهادفة إلى إيجاد بدائل لها.

وخلال الانتفاضة، وبهدف التأثير في معنويات الجماهير في الأرض المحتلة وإجهاضها، أي الانتفاضة، قامت إسرائيل بتاريخ 16/4/1988، باغتيال القائد “أبو جهاد”، كما قام أحد أفراد أبو نضال باغتيال القادة الثلاثة: أبو إياد وأبو الهول وفخري العمري (أبو محمد) بتاريخ 14/1/1991، واغتيال عاطف بسيسو في باريس بتاريخ 8/6/1992. ويكشف “أبو الطيب” أسرار عمليات الاغتيال هذه مقدماً الرواية الفلسطينية الحقيقية ويفضح زيف الروايات الإسرائيلية.

ويتوقف الكاتب عند الظروف الاستخبارية المعقدة التي تمت فيها تلك الاغتيالات، التي أرجعها إلى التزام منظمة التحرير بشروط الاتفاقات مع تونس التي تمنع حمل السلاح خارج إطار السفارة الفلسطينية في تونس، أو المعسكرات الفلسطينية، كون تونس آنذاك –حسب الكاتب- كانت مرتعاً حيوياً للنشاط الاستخباري الإسرائيلي.

ويتطرق “أبو الطيب” إلى محطات إنسانية ومأساوية مؤثرة عاشها، والتي كان أخطرها سماعه سقوط طائرة الرئيس ياسر عرفات فوق الصحراء الليبية، ونجاته، ويقدم رواية مفصلة عن هذه المأساة التي ذهب ضحيتها الطيار ومعاونه.

وتناول الكاتب إعادة النظر بالنهج السياسي لمنظمة التحرير، إبان الانتفاضة الأولى، باتجاه البحث عن حل سياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وظهر هذا التغير، كما هو معروف، في تبني الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني التي عقدت في الجزائر العام 1988، لبرنامج سياسي تم القبول بموجبه بقراري مجلس الأمن 242 و338، وتم فيه الإعلان عن وثيقة الاستقلال، التي نصت على إقامة دولة فلسطينية في الأرض الفلسطينية المحتلة وعاصمتها القدس الشرقية.

تبع ذلك إيراد الكاتب إعلان الرئيس ياسر عرفات قبوله الدخول في مفاوضات مع إسرائيل في إطار مؤتمر دولي يهدف إلى صياغة اتفاقية سلام شامل تضع حداً للصراع العربي الإسرائيلي، الذي رفضته بعض فصائل منظمة التحرير، في حين لقي ترحيباً عربياً ودولياً. كما تطرق إلى خطاب عرفات الشهير في جنيف بتاريخ 13/11/1988 أمام ممثلي 159 دولة عضواً في الأمم المتحدة أوضح فيه مشروعه للسلام، وكان أن اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان الاستقلال، الذي أقرّ في الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني، وغيرت تسمية منظمة التحرير في هيئاتها إلى فلسطين. وفي العام 1989 انتخب المجلس المركزي الذي عقد في تونس ياسر عرفات كأول رئيس لدولة فلسطين.

وبعد الحديث عن حرب الخليج واحتلال الكويت في العام 1991 ونتائجها المدمرة، وضعف الموقف العربي والفلسطيني، يتناول الكاتب اتفاقية أوسلو التي وقعت بين م.ت.ف وإسرائيل، وأعلن عنها في واشنطن بتاريخ 13/9/1993، وكان من نتائجها قيام السلطة الوطنية في الأرض الفلسطينية المحتلة، وعودة مجموعات كبيرة من كوادر وقوات منظمة التحرير إلى الوطن.

والكاتب لا يتوقف في هذا الفصل عند النتائج السياسية لاتفاقية أوسلو والسلبيات التي أفرزتها على المشروع الوطني الفلسطيني، خصوصاً بعد أن اتضح موقف إسرائيل الرافض لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة.

وعبر “أبو الطيب” عن اللحظات العاطفية التي عاشها وهو يدخل من معبر رفح إلى قطاع غزة، حيث حط على جزء من أرض الوطن بعد مسيرة كفاح طويلة، ويتوقف عند اتخاذ القيادة الفلسطينية لقرار إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية، وبناء مؤسسات اجتماعية واقتصادية وشعبية سرعان ما قام الاحتلال بتدميرها بحجة مسؤولية القيادة الفلسطينية عن العمليات العسكرية التي نفذت في حينها ضد أهداف إسرائيلية.

وتناول الكاتب فعاليات الانتفاضة الثانية التي اندلعت في الثامن والعشرين من شهر أيلول (سبتمبر) العام 2000، وعرفت بـ”انتفاضة الأقصى” احتجاجاً على زيارة شارون لساحات المسجد الأقصى، بعد أن سادت الأرض الفلسطينية حالة من الإحباط والغضب تجاه تجاهل إسرائيل للاتفاقات المبرمة معها، وعدم انسحابها من بعض المناطق الفلسطينية، والإمعان في سياسة الاجتياحات والاعتقالات.

ووصف “أبو الطيب” كيف واجه الاحتلال هذه الانتفاضة بالرصاص الحي وتدمير منشآت ومؤسسات السلطة الوطنية، وبخاصة مقرات قوات الأمن الفلسطينية، وحمّلت الرئيس ياسر عرفات مسؤولية اندلاع الانتفاضة وعسكرتها، وقامت بعملية تحريض ضده، وحاصرت مكان إقامته في رام الله، ودمرت معظمه.

وظل “أبو عمار” هدفاً رئيسياً لإسرائيل، وعانى في حصاره داخل المقاطعة من الجوع والمرض والقصف المتواصل، وبدأت تظهر عليه بوادر مرض غريب لم يمهله طويلاً، وكانت الدلائل كلها تشير إلى تورط إسرائيل في عملية تسميمه ووفاته في أحد المستشفيات الفرنسية في باريس بتاريخ 11/11/2004.

وخصص “أبو الطيب” الفصل العاشر والأخير من كتابه الذي حمل عنوان: “ياسر عرفات.. قصيدة الثورة” لياسر عرفات، على الرغم من أنه كان عماد الفصول التسعة السابقة للكتاب ومحورها وصانع الأحداث فيها، إلا أن بعض رفاقه في حركة “فتح” عاتبوه لعدم تخصيص فصل لمسيرة الرئيس ياسر عرفات النضالية الذي ارتبط اسمه بالتاريخ الفلسطيني الحديث. وفي هذا يقول “أبو الطيب”: “بدأت في إعداد هذا الفصل نزولاً عند رغبة الأخوة ملتمساً المصداقية والرواية الصحيحة لما عرفته عن أبي عمار. وأنا هنا لا أدعي معرفتي المطلقة بشخصية أبي عمار، ولكني كنت أتابعه في تحركاته وعلاقاته. فقد كنا في الـ”17″ نسهر معه طيلة الليل، يستدعي هذا ويرسل ذاك، يقرأ ويتخذ قراراً، كنا فريقه المستنفر دائماً على جهاز اللاسلكي والفاكس والحراس الذين لا تغفو عيونهم”.

وتابع: “ما دفعني أيضاً إلى تلك الخطوة هو أنني وجدت الكثيرين سارعوا للكتابة عن أبي عمار ساعين إلى “تلميع” أنفسهم وصناعة مكانة لأنفسهم (…) ومن “المحزن” أن ترى هؤلاء يدعون أنهم شاركوا في أحداث معه في وقت لم يكونوا إلى جانبه. وهنا، وفي هذه الإشارة، لا أريد “جلد” أحد، لكني والعديد من إخوتي الذين لازموا القائد نعرف زيف ادعائهم. وأيضاً يؤلمنا أن يصل الإدعاء لدى هؤلاء الكتاب قيامهم بتوجيه أبي عمار إلى بعض الأمور والقضايا السياسية والفضائح، وبعضهم وصل به الأمر إلى تحليل شخصية ياسر عرفات فتناولها بما ليس فيها ليظهر نفسه كخبير، أو مستشار، أو أي شيء، وهو ليس أهلاً له”.

لقد قدم “أبو الطيب” في هذا الفصل معلومات وحقائق لم يعرفها أحد من قبل، وكانت محط تجاذب واستفسار وتكهن، حيث أوضح بتفصيل دقيق حياة الرئيس ياسر عرفات، منذ كان طفلاً في حضن والديه، ومراحل نموه وترعرعه، وتعليمه الابتدائي والثانوي والجامعي وتخرجه مهندساً مدنياً من جامعة القاهرة، وحصوله على رتبة ضابط احتياط في الجيش المصري.

كما قدم لنا “أبو الطيب” ياسر عرفات مؤسساً لحركة “فتح” وقائداً لها، ولمنظمة التحرير الفلسطينية، ومقاتلاً في ساحات المعارك في الأغوار الأردنية وفي جنوب لبنان وشمالها، ومناضلاً سياسياً لا يكل ولا يمل، واضعاً نصب عينيه قضية شعبه وأهدافه في الحرية والاستقلال الوطني والعودة.

كما وضعنا “أبو الطيب” في صورة محاولات اغتيال ياسر عرفات المتعددة، سواء في سورية أو لبنان، أو تونس، وحصاره في الانتفاضة الثانية، وانتهاء بتسميمه على يد الاحتلال الإسرائيلي، ناقلاً هالة استشهاده ومظاهر الحزن التي عمت وجوه أبناء شعبه في داخل الوطن والشتات.

وتحت عنوان: “أبو عمار كما عرفته عن قرب” كتب أبو الطيب في هذا الفصل ما يلي: “منذ أن التقيت به في مخيم الكرامة في الأردن في بداية العام 1968 اكتشفت أنني أمام شخصية قيادية مذهلة، من خلال الممارسات التي يتميز بها في تعامله مع المقاتلين في قواعد حركة فتح، التي كان يحرص على التواجد فيها بصورة دائمة، فقد تميز بالحركة الدائمة والنظرة الثاقبة وحسن التخطيط لأمنه الشخصي، فلم ينتظر من المرافقين أن يخططوا لمكان منامته أو طريق سيره. (…) كان بسيطاً في تفاصيل حياته اليومية بصورة لا تختلف عن أي مقاتل في حركة فتح. كما كان بسيطاً في مأكله ومشربه وملبسه، لذا كان الجميع يتعامل معه كواحد منهم. شاهدته وهو يتنقل في الأغوار وفي جبال السلط وقواعد الفدائيين من الشونة الشمالية إلى الشونة الجنوبية وفي الكرامة وفي عمان. فاعتزازه بسيرة المجاهد الشهيد عبد القادر الحسيني، باعتبارها نموذجاً ومثالاً أعلى، أتاح له الاستحواذ على قلوب الفلسطينيين، كونه التزم سلوكاً أشعرهم أنه واحد منهم ومنحازاً لمعاناتهم”.

وأضاف: “وبعد خروج الثورة من الأردن إلى لبنان كنت ملازماً له، أعمل معه لوقت طويل يزيد عن 14 ساعة يومياً، يشعرني خلالها بالثقة والمحبة والاطمئنان، وقد علمني، ولي الفخر الشديد بتجربتي معه وتعليمي منه، أن من يعمل يخطئ ومن لا يعمل لا يخطئ، ومن يعمل بإخلاص يكون الخطأ الذي يرتكبه خطأ فقط، وليس خطيئة، وزرع في داخلي الإصرار والعزم والإقدام لأنه كان يردد على الدوام أنه لا يوجد مستحيل في هذه الدنيا. (..) ظل بالنسبة لي وللشعب الفلسطيني والعربي والثوار في العالم قائداً ورمزاً طوال حياته، تعامل معي كواحد من أبنائه، حتى حينما كان يريد أن يقدم أي خدمة لأقرب الناس إليه كان يكلفني بها (..)”.

وتابع “أبو الطيب” الحديث عن “أبو عمار كما عرفته عن قرب”: “لم يمر يوم في حياة الرئيس الشهيد، إلا وكان يتعرض لكل أنواع الضغوطات العسكرية والمالية والسياسية، من خارج الثورة ومن داخلها، ولكنني لم أجده يائساً أو محبطاً أو مستسلماً، بل صامداً رابط الجأش وقّاد الذهن يبحث عن مخارج للأزمة إذا كانت سياسية أو مالية، ويجهز نفسه وإخوانه للمواجهة إذا كانت عسكرية.

كان لدى أبي عمار إيمان كبير، يغرف منه في كل اللحظات الصعبة، وكان يقول لإخوانه: إذا أحسست بضيق فمالك إلا القرآن الكريم فقراءته تشرح لك صدرك وتيسّر لك أمرك”.

* * *

وبعد، ماذا يمكن أن يقال في هذا الكتاب الموسوعة؟ لا شك أنني صدمت عندما طلب مني رئيس تحرير مجلة “شؤون فلسطينية” سميح شبيب إعداد مراجعة له، لا لموقف مسبق من مؤلف الكتاب اللواء “أبو الطيب”، ولكن من حجم الكتاب الذي يضم بين دفتيه أكثر من 1300 صفحة، وتحتاج قراءتها قراءة متأنية إلى وقت طويل، لما حواه من وقائع ومعلومات كانت غائبة عني، وأنا الذي عملت وما زلت أعمل في حقل الإعلام والصحافة، سواء في لبنان أو قبرص أو الوطن.

إن ما حواه الكتاب بجزأيه، أضاف إليّ ذخيرة من المعلومات كنت أجهلها، وأنا الذي عاصرت الثورة منذ انطلاقتها وانخرطّت في صفوفها، وعشت حلوها ومرّها، وبخاصة في أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982 وحصار بيروت. وكنت مثل كثيرين غيري لا نملك معلومات وافية عن قوات الـ”17″ ولا عن قائدها أبو الطيب، ولعل المعلومة التي كانت بحوزتنا عن وظيفتها هي أنها مكلفة بحماية الرئيس ياسر عرفات من المؤامرات التي تحاك ضده، وضد الثورة الفلسطينية.

ولكن بعد قراءتي لهذا الكتاب أدركت أن العبء النضالي الذي وقع على كاهل هذه القوات وقيادتها وأفرادها كبير، وكبير جداً، ولم يقتصر على حماية الرئيس “أبو عمار” على أهميته، وإنما تعداه إلى مواجهة أعداء الشعب الفلسطيني، ابتداء من مطاردة رجال الاستخبارات الإسرائيلية وعملائها في المنطقة والخارج وحماية الثورة وكوادرها من بطشهم، وانتهاء بإسهاماتهم القتالية في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الشعب الفلسطيني، وخصوصاً في لبنان.

إن كتاب “أبو الطيب” موسوعة فلسطينية بحق، وهو ذخيرة أكثر من أربعين عاماً مخزونة في صدر مناضل في صفوف الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها، سطّر صفحاته بأمانة ودقة، معتمداً على الوقائع الحية والمراجع المختلفة بعد التيقن من مصداقيتها. كما أضاف إلى معلوماتنا كمّاً كبيراً من المعلومات عن الشهيد ياسر عرفات، لم تكن معروفة لدينا، بحكم قربه منه وملازمته له طيلة عشرات السنين، سواء أكانت عن حياته الشخصية، أو عن أسلوب قيادته للثورة الفلسطينية، أو في تعامله مع المقاتلين وأبناء شعبه، أو في علاقاته مع الرؤساء والحكام العرب والأجانب.

لقد أعاد “أبو الطيب” في كتابه الاعتبار إلى العشرات من الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل وطنهم، بعد أن غيبهم النسيان، أو تم تجاهلهم عن عمد من قبل البعض.

وهنا يبرز السؤال الافتراضي الآتي: هل قصد “أبو الطيب” من وراء كتابه هذا أن يؤرخ للثورة الفلسطينية ولرجالاتها وهو رجل أمن وليس مؤرخاً؟

وجواباً عن هذا السؤال يمكن الاجتهاد بالقول إن “أبو الطيب” لم يدعّ يوماً أنه مؤرخ، وإنما قد يكون أدرك أن من واجبه أن يقدم ما في جعبته من أحداث ومعلومات كثيرة وقيمة إلى المعنيين بكتابة التاريخ، كي يساعدهم في التأريخ للثورة الفلسطينية، وبهذا يكون قد أسهم في كتابة تاريخ هذه الثورة المجيدة التي تتعرض للمخاطر في هذه الأيام.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ربما قصد “أبو الطيب” أن يكون كتابه هذا في متناول أيدي القراء في وقت تتعرض فيه حركة “فتح” لمحاولة طمس تاريخها ونضالاتها وتغييب ذكرى شهدائها، ودورها الرائد في قيادة الشعب الفلسطيني نحو الحرية والاستقلال والعودة، وهو ما يعمل عليه البعض في الساحتين الفلسطينية والعربية.

وفي الختام يمكن القول إنه على الرغم من أن الكتاب يحمل عنوان: “حركة فتح بين المقاومة والاغتيالات”، إلا أنه موجه، ليس لأبناء حركة “فتح”، فحسب، وإنما لكافة الفصائل الفلسطينية، ولأبناء الشعب الفلسطيني، عموماً، وللأجيال الشابة، خصوصاً، ليعيد إلى أذهانهم التضحيات التي قدمت على طريق النضال من أجل قضيتهم الفلسطينية، التي تكثر المؤامرات في الوقت الراهن لطمسها، وإخراجها من الجغرافيا السياسية للمنطقة.

[*]  كاتب وصحافي فلسطيني مقيم في رام الله