عليان الهندي*
بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان في نكسة حزيران (يونيو) من عام 1967، برز في الحركة الصهيونية تياران استيطانيان الأول يرى بالاستيطان في المناطق الجديدة مصلحة أمنية وتحقيقاً للوطن القومي لليهود في فلسطين. والثاني، تيار ديني اعتبر النصر مساعدة من اليهود لله* من أجل التسريع بالخلاص وبناء الهيكل الثالث على انقاض المسجدين في الحرم القدسي الشريف.
وسجل أول اعتداء على ممتلكات الفلسطينيين في البلدة القديمة من القدس عندما هدمت القوات الإسرائيلية حارة الشرف وشردت أهلها، فيما سجل أول اعتداء على أراضي ما يعرف بالضفة الغربية وقطاع غزة، من قبل رئيس وزراء إسرائيل الأسبق دافيد بن غوريون، والوزير يغيئال ألون، وأنصار التيار الديني الوطني ممثلين بالحاخام موشيه ليفنغر، عندما استولوا على فندق في قلب المدينة العربية الخليل، انتقلوا بعدها لإنشاء أول مستوطنة (كريات أربع). وبعد تبني إسرائيل، بشكل غير رسمي، مشروع ألون الاستيطاني، خاض التياران الديني والعلماني في إسرائيل صراعا على ترسيم وبناء المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة انتهت لصالح التيار الديني بإنشاء مستوطنة ألون موريه في قلب المناطق الفلسطينية المأهولة عام 1977 بدعم مباشر من وزير الدفاع الإسرائيلي حينها شمعون بيرس.
ونتيجة لقلة عدد المستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وطريقة انتشار الجيش الإسرائيلي وتصديه لأية محاولات مقاومة شعبية أو مسلحة من قبل الفلسطينيين، لم يشكل المستوطنون مشكلة كبيرة للفلسطينيين، وظلت اعتداءاتهم عليهم وعلى ممتلكاتهم محدودة وفردية وصلت ذروتها في المذبحة التي نفذها باروخ غولدشتاين في الحرم الإبراهيمي الشريف وأدت إلى استشهاد ما يقارب 30 مصلياً وإصابة العشرات بعضهم بجراح خطيرة عام 1994، وتأتي في كثير من الأحيان بعد عملية عسكرية يشنها الفلسطينيون على المستوطنين. غير أن اعتداءاتهم ومصادرتهم لأراضي الفلسطينيين ظلت جماعية ومدعومة من قبل القيادة السياسية والدينية.
وباستثناء الاستيلاء على الأراضي، لم تشهد اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين أي تنظيم حتى عام 1980 عندما شكل “التنظيم السري اليهودي” الذي مارس القتل على مدار سنوات عديدة حيث قتل عدداً من الفلسطينيين، وخطط بعض أعضائه لتدمير ونسف المساجد الموجودة في الحرم القدسي الشريف من الجو. وعندما ألقي القبض على أعضاء التنظيمين وصفهم رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها إسحاق شامير بأنهم “أبناء إسرائيل الطيبون” وأفرج عنهم جميعا بعد أقل من عشرة أعوام من السجن رغم جرائم القتل التي أدينوا بها، وتنظيم “دورية الانتقام” التي شكلها أربعة من أنصار كهانا للانتقام لمقتله. ونتيجة عنف المستوطنين من عام 1988 – 1997 قتل من الفلسطينيين 107 داخل الضفة الغربية وقطاع غزة من قبل المستوطنين، فيما قتل 26 فلسطينياً داخل إسرائيل نفسها من دون أن يتعرض القتلة لأية إجراءات قانونية[1].
وبعد التوقيع على اتفاق أوسلو أخذت اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين شكلا منظما وممأسسا وجماعيا وعلنيا، عندما شكلت حركة هذه أرضنا “زو أرتسينو” التي ترأسها موشيه بييغلين الذي انضم فيما بعد لليكود وأصبح عضو كنيست عنها. وحركة “شبيبة التلال” التي جاءت بعد التوقيع على اتفاقية واي ريفر، ولجنة حاخامات مجلس المستوطنات في الضفة الغربية، وهما أكبر جهتين تمارسان العنف بحق الفلسطينيين، الأولى بواسطة مليشيات مسلحة مدعومة من الجيش الإسرائيلي، والثانية بواسطة فتاوى دينية يهودية تبيح قتل وسرقة والاعتداء على الفلسطينيين. وبالإضافة لذلك أسست عشرات الجمعيات والمنظمات والهيئات الدينية الرسمية وغير الرسمية من أجل إعادة بناء الهيكل الثالث على أنقاض المساجد. وخلال الانتفاضة الثانية شكلت مجموعة من المستوطنين تنظيم “بات هعين” الذي قتل 8 فلسطينيين وجرح العشرات. غير أن معظم عمليات القتل التي مورست بحق الفلسطينيين جاءت من مستوطنين عملوا بشكل فردي حيث سجل قيام أكثر من 20 مستوطناً بعمليات إطلاق نار أدت لمقتل عشرات الفلسطينيين وجرح المئات منهم. وخلال محاكمة أحد القتلة (الحاخام موشيه ليفنغر) بتهمة قتل فلسطيني وجرح آخر في مدينة الخليل حكم عليه بالسجن خمسة أشهر قضى منها ثلاثة أشهر فقط في الخدمة العامة[2].
وبعد عام 2008 برز شعار “تاغ محيير” (تدفيع الثمن أو جباية الثمن) من الفلسطينيين ردا على أي إخلاء إسرائيلي لبؤر استيطانية أو محاولة تطبيق بعض القوانين على المستوطنين الذين يمارسون عدوانهم اليومي على الفلسطينيين.
جباية الثمن “تاغ محيير”
وصف لظاهرة وسياسات وليس لتنظيم أو مؤسسة، وهي استراتيجية عمل نظّر لها واستخدمها الحاخام يتسحاق غينسبورغ حاخام مستوطنة يتسهار وأنصاره وبقية المستوطنين المنتشرين في الضفة الغربية[3]. وبدأت ظاهرة “جباية الثمن” تبرز في بدايات عام 2008 عندما بدأ المستوطنون على مختلف مشاربهم السياسية والدينية ممارسة اعتداءاتهم على الممتلكات والمواطنين الفلسطينيين القاطنين في الضفة الغربية والقدس وبدرجة أقل داخل فلسطين في حدود عام 1948.
وتتميز هذه الظاهرة بإطلاق النار على الفلسطينيين، وإلقاء الحجارة ووضع الزوايا الحديدية في الشوارع التي تمر بها المركبات الفلسطينية، وحرق السيارات والمزارع والحقول والبيارات، وقطع الأشجار خاصة أشجار الزيتون، وكذلك سرقة المنتوجات الزراعية وحرق الأماكن الدينية للمسيحيين والمسلمين وكتابة شعارات عنصرية على جدران القرى التي يقتحمها المستوطنون ضد النبي ومثل: “العربي الجيد هو العربي الميت” و”العربي الجدع هو العربي في القبر” و”يجب طرد العرب” وغيرها من الشعارات العنصرية، وعنونت هذه الشعارات بشعار “جباية الثمن” أو حركة “كهانا حي”.
وتأتي الاعتداءات التي تحمل وصف “جباية الثمن” بهدف خلق محيط اقتصادي واجتماعي وسياسي يجبر العرب الفلسطينيين على ترك قراهم ومنازلهم والتخلي عن أراضيهم القريبة من المستوطنات، أو تأتي ردا على أي رغبات من الحكومة الإسرائيلية بإخلاء البؤر الاستيطانية أو فرض أية عقوبات مهما كانت بسيطة. وحسب تقرير مكتب تنسيق الأعمال الإنسانية التابع للأمم المتحدة في فلسطين OCHA فإن أكثر من 250 ألف فلسطيني يقطنون في 86 قرية وبلدة فلسطينية معرضون لهجمات “جباية الثمن” في حال قررت الحكومة الإسرائيلية إخلاء البؤر الاستيطانية[4].
وبعد أن مارس المستوطنون اعتداءاتهم في السابق بشكل فردي وجماعي بمناسبات محددة، توجهت الاعتداءات ضد الفلسطينيين بشكل جماعي ومن دون أية مناسبة وتأتي على شكل حملات شبه عسكرية يضم بعضها مئات وآلاف الشبان الذين يمارسون عدوانهم على القرى والتجمعات الفلسطينية المختلفة (قروية وبدوية ومدنية) بحراسة من الجيش والشرطة الإسرائيليتين الذي يشاركون المستوطنين في اعتداءاتهم.
وبعد عام 2000، مع اندلاع انتفاضة الأقصى، تزايدت اعتداءات المستوطنين الجماعية بحق الفلسطينيين، خاصة بعد موجة التحريض التي مارستها مؤسسات دولة إسرائيل المختلفة ضدهم، حيث كان معدلها السنوي يصل إلى أكثر من 500 اعتداء في العام، والجدول التالي يوضح عدد الاعتداءات التي شنها المستوطنون على الفلسطينيين منذ عام 2008- 2013، أي منذ نشوء ظاهرة جباية الثمن[5] :
نوع الاعتداء | عدد الانتهاكات | |||||
2008 | 2009 | 2010 | 2011 | 2012 | 2013 | |
شهداء | 3 | |||||
إطلاق نار | 13 | 12 | 5 | 6 | 6 | 9 |
تنكيل | 48 | 47 | 46 | 25 | 24 | 172 |
اعتداءات على مركبات | 7 | 8 | 18 | 20 | 30 | |
اعتداءات على الأماكن الدينية | – | 9 | 27 | 6 | 11 | 23 |
اعتداءات على المنازل السكنية | 36 | 40 | 24 | 66 | 12 | 22 |
اعتداءات على المزارعين ورعاة الأغنام وممتلكاتهم | 34 | 63 | 78 | 99 | 96 | 362 |
الدهس المتعمد | 23 | 48 | 91 | 81 | 40 | 19 |
اعتداءات أخرى (العربدة –قطع طرق ورشق حجارة) | 23 | 48 | 91 | 81 | 40 | 4
إغلاق طرق |
المجموع الكلي | 184 | 275 | 380 | 384 | 259 | 634 |
وأوقعت الاعتداءات المذكورة خسائر كبيرة جدا في الاقتصاد الفلسطيني خاصة أن الاعتداء لا يسجل على أنه موجه ضد هدف واحد فقط، بل على هدف كبير جدا مثل الهجوم على قرية تهاجم فيها المنازل والممتلكات والمزروعات.
كما رصدت الاعتداءات ضد الفلسطينيين من قبل مفوضية المندوب السامي لحقوق الإنسان OCHA العاملة في فلسطين التي صدرت عنها تقارير مختلفة عن عنف المستوطنين وجباية الثمن. والجدول التالي يوضح عدد هذه الاعتداءات منذ عام 2006 حتى شهر كانون الأول (ديسمبر) 2013 [6]:
العام | قطع أشجار | جرحى | اعتداءات على أراضٍ | حوادث أدت لخسائر |
2006 | 91 | 60 | 56 | |
2007 | 74 | 58 | 53 | |
2008 | 176 | 104 | 100 | |
2009 | 2521 | 145 | 111 | 52 |
2010 | 10234 | 109 | 241 | 69 |
2011 | 9534 | 183 | 293 | 133 |
2012 | 8529 | 150 | 269 | 99 |
2013 | 10510 | 296 | 293 | 91 |
المجموع | 41328 | 1224 | 1429 | 653 |
وبعد الانتقادات الدولية الكثيرة والمتعددة أصدرت الحكومة الإسرائيلية قرارا تعتبر فيه “جباية الثمن” اتحاداً غير مسموح فيه، متجاهلة في نفس الوقت الجرائم التي يمارسها المستوطنون بحق الفلسطينيين. وجاء هذا القرار وكأن شعار “جباية الثمن” مؤسسة أو تنظيم أو حتى جمعية. وكان هدفه التغطية والدفاع عن المجرمين الحقيقيين من المستوطنين الذين لم ترغب الحكومات الإسرائيلية ومؤسساتها المختلفة بمحاكمتهم على جرائمهم بحق الفلسطينيين[7].
وتغطى اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين بعطف ودعم من 7 صحف ومحطة راديو تبث من البحر (القناة السابعة) ومن عشرات المواقع الإليكترونية على الشبكة العنكبوتية.
وعلى المستوى السياسي والأمني والقانوني دعمت هذه المجموعات من الحكومات على مختلف مشاربها ومن المؤسستين العسكرية والقضائية.
ويشارك في حملات “جباية الثمن” مئات وآلاف المستوطنين المنتمين إلى 34 منظمة يمينية ودينية من أهمها: “مجلس المستوطنات في يهودا والسامرة وقطاع غزة” حركة “حباد الدينية” التي يتألف جزء كبير من شبيبة التلال منها، وحركة “كاخ”، و”ما زال كهانا حياً” و”نساء بالأخضر”. وتضم الحملات المذكورة سبعة تنظيمات شبابية من أهمها شبيبة “بني عقيبا الدينية” و”شبيبة الليكود” و”شبيبة المعسكر الديني الوطني” و”شبيبة أريئيل” التي يصل عدد أفرادها 12 ألف مستوطن، وغيرهم. ومن الخليط المذكور أعلاه برزت “لجنة حاخامات يهودا والسامرة” بصفتهم غطاءً أيديولوجيا ودينيا، و “شبيبة التلال” بصفة أعضائها جهة تنفيذية.
لجنة حاخامات يهودا والسامرة وغزة
أسست اللجنة من قبل الحاخام زلمان باروخ ملماد عام 2000 (حاخام مستوطنة بيت إيل في رام الله) ردا على ما وصفه الحاخام استعداد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود براك التنازل عن ما يسمونه “هار هبيت” في مفاوضات كامب ديفيد الثانية. وتضم اللجنة مئات حاخامات التيار الديني الوطني وحركة حباد المتزمتة دينيا وغيرها من الحركات[8]. وتدعو اللجنة إلى فرض السيادة اليهودية على كل أراضي الضفة الغربية وإعادة احتلال قطاع غزة*والصلاة في الحرم القدسي الشريف وهدم المساجد وبناء الهيكل الثالث فيه.
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف سخرت اللجنة كل أعضائها من أجل إصدار الفتاوى التي تجيز قتل الفلسطينيين وطردهم وهدم المساجد وسرقة ممتلكاتهم وتقطيع أشجارهم بذريعة دينية أن الله ورث الأرض لليهود والغرباء سكنوا فيها. ومن أهم هذه الفتاوى تخصيص مكان محدد لصلاة اليهود في الحرم القدسي الشريف بعد أن حرم حاخامات دولة إسرائيل الصلاة فيه لحين بناء الهيكل، وجواز قتل الفلسطينيين حتى لو كانوا أبرياء كونهم يدعمون الإرهاب بطريقة غير مباشرة[9]، وفتوى الحاخام مردخاي إلياهو التي تجيز سرقة مزروعات الفلسطينيين لأن الأرض المزروعة هي إرث لدولة إسرائيل، والكفار يزرعون في أرض غير تابعة لهم[10].
ولم تتوقف الفتاوى على قتل وطرد وسرقة الفلسطينيين بل امتدت لتشمل اليهود أنفسهم حيث صدر عن هذه الفئة من الحاخامات الفتوى المشهورة بـ “حكم المُطارد” التي أباحت قتل إسحاق رابين لأنه عرض للخطر حياة اليهود لتنازله عن أرض إسرائيل. وفتوى تحرم مشاركة الجنود إخلاء المستوطنات في قطاع غزة. وفتوى تمنع التنازل ولو عن بوصة مما يسمى بأرض إسرائيل[11].
ومن أهم حاخامات هذه اللجنة، الحاخام إسحاق غيينزبورغ، حاخام مستوطنة يتسهار ورئيس المدرسة الدينية “ما زال يوسف حياً” الذي صدر له العديد من الكتب من ضمنها كتاب “باروخ البطل” الذي امتدح فيه مذبحة الخليل، وتأييده لكتاب “توراة الملك” الذي ألفه الحاخام إسحاق شابيرا، الذي طالب بقتل العرب والترويج لذلك، والحاخامات داف ليئور وإسحاق ليبنون وإليعازر ملماد الذين صدرت عنهم فتوى بتحريم يسري على قادة دولة إسرائيل بمنعهم من التنازل عن “أرض إسرائيل”[12].
وعلى أية حال، تمول نشاطات لجنة حاخامات يهودا والسامرة وغزة، من جمعيات حكومية وشبه حكومية، ومن رجال أعمال يهود في الداخل والخارج، ومن أحزاب دينية وغيرها، ويعتبر كل أعضاء اللجنة موظفين حكوميين. بمعنى أدق تمول دولة إسرائيل الفتاوى والممارسات التي تبيح قتل وتشريد الفلسطينيين وسرقة ممتلكاتهم.
شبيبة التلال
بعد التوقيع على اتفاقية واي ريفر في الولايات المتحدة، وعودة الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي، خرج أريئيل شارون يناشد “الطلائعيين” في دولة إسرائيل بالسيطرة على تلال الضفة الغربية الخالية من الفلسطينيين، من أجل فرض حقائق على الأرض، تمنع تسليمها للفلسطينيين في حال التوصل لحل نهائي معهم. ونتيجة ذلك توجه عشرات الشبان من التيارات الدينية إلى تلال الضفة الغربية، مسيطرين على مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين الخاصة والعامة، وشكلوا ما أصبح يعرف بظاهرة “شبيبة التلال” الموزعين على 109 بؤرات استيطانية غير شرعية وفق التسمية الإسرائيلية -كأن بقية المستوطنات شرعية- التي بدىء في إقامتها في عصر رابين، ويبلغ عدد سكان هذه البؤر ما يقارب 4 آلاف نسمة غالبيتهم من الشبان، و80% من هذه المستوطنات مقامة على أراضي الفلسطينيين الخاصة[13].
وينتمي “شبيبة التلال” إلى: أبناء الجيل الثاني من المستوطنين، طلاب المدارس الدينية الحكومية وغير الحكومية المنتشرة في الضفة الغربية وفي إسرائيل، والبعض الآخر من الخارجين عن القانون في إسرائيل نفسها. وجاء البعض الآخر من الحركات الشبابية الدينية والدينية المتزمتة والعلمانية، مجمعين على هدف واحد فقط وهو عمل كل شيء من أجل تشريد الفلسطينيين. ولا تزيد أعمار هؤلاء الشبان عن 25 عاما بشكل عام، والكثير منهم لم يُنه المرحلة الإعدادية، ويسمحون بتدخين وشرب المخدرات والكحول، وهو الأمر الذي يدفعهم لممارسة العربدة ونشر الرعب في القرى والمزارع والحقول العربية، بمرافقة وحماية ومشاركة الجيش الإسرائيلي الذي يفترض به تنفيذ القانون. ومن أهم قيادات شبيبة التلال الرائد المتقاعد إيفري ران ومئير برتلر وإيتي زار (ابن أحد أهم العائلات التي تعمل على سرقة أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية).
ومن الناحية الأيديولوجية، يتبنى شبيبة التلال وجهة نظر دينية صوفية متزمتة، تتم صياغتها من قيادات التلال الأكبر سنا ومن الحاخامات المؤيدين لهؤلاء الشبان، مثل الحاخام غيينزبورغ حاخام قرية حباد الدينية والحاخام برنارد حاخام الحائط الغربي (حائط البراق)، وحاخام مستوطنة يتسهار دودقبيتس، وبعض الحاخامات الذين يؤمنون “بالثورة الروحية والمتحققة” الداعية لفرض حقائق على الأرض برغبة علوية. ومن الناحية السياسية يتبنى شبيبة التلال أفكار كهانا المؤيدة لطرد العرب ورفض مسيرة السلام.
وتحاول فئات مختلفة (رسمية وغير رسمية) في المجتمع الإسرائيلي، إلصاق صفات ثقافية وأخلاقية واجتماعية ودينية، بهذه الفئة من الشبان، تحت حجج واهية مثل: تخلى المجتمع العلماني عن القيم اليهودية، ورغبة البعض بالتخلي عن أجزاء من أرض إسرائيل، وتبني ثقافة دينية جديدة وبساطة العيش وغيرها من الصفات[14].
خلاصة
التقاسم الوظيفي مصطلح اخترعته المؤسسة الإسرائيلية لتقاسم الأدوار والوظائف في الضفة الغربية بعد نكسة حزيران (يونيو) عام 1967. لكن ما يجري اليوم في الضفة الغربية هو تقاسم أدوار ووظائف بين اليهود أنفسهم حول أفضل الطرق للسيطرة على المزيد من أراضي الفلسطينيين وشن الهجمات المختلفة على الفلسطينيين وقراهم وتجمعاتهم السكانية، بهدف خلق ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية تفرض عليهم الترحيل والهجرة القسرية بنفس الطرق والأساليب التي اتبعتها الحركة الصهيونية قبل عام 1948 بدعم من الاستعمار البريطاني في فلسطين.
الأسلوب الذي ينفذ، ينص على قيام فئة من الشبان بالسيطرة والاعتداء وسرقة ممتلكات الفلسطينيين، فيما يقوم الجيش والشرطة الإسرائيليان بحماية المعتدين وما نهبوه، بينما يدعي الجهاز القضائي أنه لا يستطيع تطبيق القانون الإسرائيلي على الساكنين في الضفة الغربية، في حين يصرح المستوى السياسي أنه لا داعي لمواجهة مع المستوطنين حاليا فكل شيء مرحل لحين الحل النهائي مع الفلسطينيين.
ما يجري يتطلب من الفلسطينيين التحرك بمسارين، الأول: وضع برامج عملية لمواجهة ما يجري على الأرض بما في ذلك استغلال الاعتراف بالدولة الفلسطينية من أجل التوجه للمؤسسات الدولية لفرض عقوبات على إسرائيل وقيادتها. والثاني: تبني برنامج سياسي يأخذ بعين الاعتبار المعطيات الديموغرافية التي تميل لصالح الفلسطينيين في كل فلسطين.
* عليان الهندي: باحث في الشؤون الإسرائيلية ومترجم لغة عبرية، مقيم في رام الله.
* هذا ليس غريباً على تفكيرهم، ولا ننسى أنهم ساعدوا الرب في التخلص من الرئيس عرفات حسب تعبير شارون.
[1] كيدمان ناغه، عقد على خرق حقوق الإنسان، 1987-1997، بيتسيلم، ص 10، 1988.
[2]. إيتان بلنر ورولي روزين، راني تلمور محرر، تطبيق القانون على المدنيين الإسرائيليين في المناطق، ص 22، بيتسيلم 1994.
[3] . بروشتاين إيتي، شبيبة التلال –بين الاستمرار والتمرد، 30/6/2006.
[4] . الأمم المتحدة، مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، أوتشا، عنف المستوطنين في الضفة الغربية، تقرير عام 2011.
[5] . تقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، عنف المستوطنين في الأرض الفلسطينية المحتلة، ص13، 2013. ولا بد من الإشارة أن المعلومات الواردة عن عام 2013 قد تم أخذها من وزارة الدولة لشؤون الجدار نظرا لأنها تستكمل كل ممارسات المستوطنين خلال العام. وتم دمجها في الجدول أدناه.
[6]. اتصال هاتفي مع السيدة إيلانة الرمحي منسقة وحدة التنسيق الإنساني في مقوضية المندوب السامي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، 2013. ونظرا لبعض الاختلافات عن التقرير الصادر عن جهات فلسطينية فقد قررت إضافته للتقرير.
[7]. كوهين غيلي، الإعلان عن “جباية الثمن” اتحاداً غير مشروع في الضفة الغربية أيضا، هأرتس، 28/7/2013.
[8] . بيبر أنشيل، بين التوراة والسلوك، مركز فلورسهايمر للدراسات السياسية، ص 9، 2007. بحث مترجم ولم ينشر.
* مثل مجلس المستوطنات رفضت اللجنة إزالة غزة من اسمها بعد الانفصال الإسرائيلي عن قطاع غزة على أمل منها بالعودة إلى هناك.
[9] . فاييس إفرات، الحاخام داف ليئور: مسموح قتل الأبرياء، الموقع الإليكتروني لصحيفة يديعوت أحرنوت، 19/5/2004.
[10]. أوري بن إليعازر، الحروب الجديدة لإسرائيل، ص276، مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق، ترجمة عليان الهندي، 2014.
[11]. إفرات فاييس وأتيلا شومفلبي، الحاخام نبنتسال: من يسلم مناطق من أرض إسرائيل للكفار يستحق القتل. الموقع الإليكتروني لصحيفة يديعوت أحرنوت www.ynet.co.il، 30/6/2004.
[12]. كوبي نحشوني، حاخامات اليمين، يجب تنظيف البلاد من العرب، yent، 26/11/2007.
[13]. البؤر الاستيطانية، قليل من النظام في المشاكل، تقرير صادر عن حركة السلام الآن عام 2009.
[14]. يتي بروشتاين، شبيبة التلال –بين الامتداد والتمرد، Articles.co.il، 2006.