إياد شماسنة[*]
وقعت مدينة القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، واستكملت إسرائيل جهودها لتحويلها إلى مدينة يهودية إسرائيلية، فتم سن قوانين إسرائيلية لزيادة عدد المستوطنين اليهود في القدس، وللتقليل من عدد السكان الفلسطينيين المقيمين في المدينة.
وأعلن موشيه ديان في السابع من حزيران عام 1967م أن الإسرائيليين قاموا بتوحيد المدينة، وعادوا إلى أكثر الأماكن قداسة، وأنها لن تعود مُقسمةً مرةً أخرى، ووعد بحرية العبادة للجميع، وأكد بأنه “لم يأت إلى المدينة كي يستحوذ على الأماكن المقدسة للآخرين”، لكن الممارسات اليومية للجيش والمستوطنين تشير إلى عكس ذلك تماماً (Dumper,2013).
وقد اعتبر القانون الدولي إسرائيل قوة محتلة، وطالبها باحترام الاتفاقيات الدولية (Dinstein,2009) ومنها اتفاقية جنيف (رقم 56) المتعلقة بحماية الملكية الثقافية وقت الحرب أو تحت الاحتلال العسكري (Dumper,2013).
وخاض الفلسطينيون صراعاً دائماً رداً على الاحتلال، فقاوموا بناء المستوطنات، وقاوموا هدم البيوت، وحاولوا فتح المؤسسات الخاصة بهم مثل بيت الشرق، بالإضافة للمؤسسات الصحية والتعليمية، ولكن كل ذلك لم يحقق هدفه، لأن ميزان القوة كان يميل لصالح الاحتلال الإسرائيلي.
في النهاية قامت انتفاضة الأقصى؛ كرد فعل مباشر على انتهاك أرئيل شارون للمسجد الأقصى، لكن ذلك سرّع بفصل القدس عن محيطها بجدار الفصل وبناء المستوطنات والكنس اليهودية (Cohen, 2013).
واستندت السياسة الإسرائيلية إلى القوة الناعمة في مدينة القدس إضافة إلى قوة الدولة المحتلة الصلبة، فاستطاع الاحتلال إجراء التغييرات التالية، كما يأتي بالاستفادة من وحدة القدس: “مضاعفة السياحة اليهودية، حرمان المصلين والسائحين الفلسطينيين من الوصول إلى المدينة، تراجع كبير جداً في عدد المحلات التجارية العربية في المدينة، بروز النمط الاجتماعي المتأثر بالإسرائيليين من حيث العادات والتقاليد والممارسات، الاكتظاظ الهائل في الأحياء، تدني جودة الحياة، تجفيف عدد كبير من المؤسسات في المدينة مثل بيت الشرق ومستشفى الهوسبيس، تغيير أسماء الشوارع والطرق، الاعتداء على عدد من المؤسسات مثل الكهرباء، أسرلة القضاء، أسرلة التعليم، أسرلة النظام الصحي، محاولة هدم أو إحراق المسجد الأقصى”.
1.1 مفهوم القوة الناعمة
قال جوزيف ناي إنه لو اختار ياسر عرفات القوة الناعمة كما فعل غاندي أو مارتن لوثر كينغ بديلاً عن ممارسات القوة الصلبة لا بد أنه سيكون قادراً على جذب المعتدلين من الإسرائيليين، وإنجاز الدولة الفلسطينية، (George, 2010). ويضيف ريتشارد فولك في الذكرى الحادية عشرة لرحيل إدوارد سعيد أنه على الفلسطينيين الاستمرار في التمكين الذاتي ومتابعة العدالة القانونية، والمقاومة السلمية في الصراع الدائر مع إسرائيل (daily princetonian, 2014).
برز مفهوم القوة الناعمة قديماً عبر تجارب عالمية خاضتها شعوب وقيادات، إلى أن صاغ مفهومها وإطارها النظري جوزيف ناي مساعد وزير الدفاع الأميركي، في حكومة بيل كلينتون (NAEY,2012) وقد احتاجت القيادة الفلسطينية السياسية والشعبية؛ إلى وسائل متجددة ومبتكرة، ومتوافقة مع القانون الدولي للحفاظ على المدينة المقدسة، ومواجهة عمليات التهويد والأسرلة الاحتلالية، فبدأ التنظير الأكاديمي والسياسي لاستخدام القوة الناعمة وخصوصاً مع صعود حركة المقاطعة الدولية لإسرائيل.
نحت جوزيف ناي مصطلح القوة الناعمة في كتابه (الالتزام بالقيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأميركية، عام 1990) ثم طور المصطلح في كتابه (القوة الناعمة: السبيل إلى النجاح في عالم السياسة الصادر عام 2004) ثم شاع المصطلح، وتبناه العديد من قادة العالم مثل: الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني جين تاو، ووزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس. وتأتي الولايات المتحدة في الرقم الأول تليها ألمانيا ثم في ترتيب العشرة الأوائل تأتي بريطانيا واليابان وفرنسا وسويسرا وأستراليا والسويد والدنمارك وكندا وذلك وفق (Monocle soft power survey).
وقد وصف الأستاذ المساعد في جامعة هارفارد جوزيف ناي القوة الناعمة بأنها: القدرة على جذب، واستمالة، وإقناع الآخر؛ بنيل أمر ما كبديل عن استخدام الإكراه في نيل هذا الأمر، قد يصل الأسلوب إلى منحة مالية أو مقابل مصلحة ما. كما يستخدم المصطلح للتأثير على صناع القرار والرأي العام، والضغط من خلال المنظمات المختلفة، وقد أكد ناي أنه منحاز إلى القوة الناعمة في السياسة الدولية (NAEY,2012).
بينما قالت الهيرالد تربيون إن “القوة الناعمة هي القدرة على الحصول على ما تريد من خلال جذب وإقناع الآخرين على تبني أهدافك، والقدرة على استخدام العصا والجزرة الاقتصادية والعسكرية لجعل الآخرين يتأثرون بإرادتك. وأكدت أن استخدام القوة الصلبة مهم في الحرب على الإرهاب، ولكن العمل بالقوة الناعمة هو أرخص بكثير من الإكراه، (The International Herald Tribune, 10 January 2003.) كما ورد في ورشة عمل (Tel Aviv University,2005).
1.2 مكانة القوة الناعمة الفلسطينية
يعتقد مفكرون عرب وعالميون مثل ريتشارد فولك وجوزيف ناي أن القوة الناعمة تصلح كوسيلة للنجاح في الصراع مع إسرائيل؛ لانتزاع الحق الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية، أو تسويق حل الدولة الواحدة، (George, 2010) و(princetonian daily, 2014). ويضاف إلى هذا التصور النضال من أجل الحفاظ على المدينة المقدسة.
ويصف الكاتب مأمون أفندي أن القوة الناعمة توازي (soft power) في جهاز الحاسب الآلي، بينما تعتبر القوة الصلبة موازية للقرص الصلب، (السهلي، 2014).
وقد أكد الكاتب عبد الجهني، رئيس مركز الخليج للطاقة والدراسات الاستراتيجية (الجهني، 2004)، وأوصى الكثير من الكتّاب باستثمار هذا المفهوم وتفعيله، ففي مقالة “جدلية العنصرية والقوة الناعمة الإسرائيلية” يؤكد الكاتب نبيل السهلي أن القوة الناعمة الفلسطينية قد نجحت في نزع الاعتراف الرسمي الأوروبي بدولة فلسطين، والوصول إلى مقاطعة العديد من الشخصيات وهيئات المجتمع المدني في أوروبا وأمريكا للمنتجات والجامعات الإسرائيلية ومنتجات المستوطنات(fateh _gaza,2014).
من جهة أخرى، يبدو أن إسرائيل تمارس منذ اليوم الأول قوة ناعمة مضادة تجاه الفلسطينيين، كإسناد خطير وهام لقوتها الصلبة، فإسرائيل ترى أن القوة الصلبة قد لا تقدم حلولاً نهائية للصراع في مدينة القدس، لذلك قدمت مشاريع ذات ملامح ناعمة لاحتواء الصراع، ونزع قضية القدس من إطارها الاحتلالي، وذلك قد بدأ بتحويل ملف أي طفل معتقل من المقدسيين إلى يد بلدية الاحتلال للبحث عن مخالفات أو ديون متراكمة، في سعي ناعم لتحويل السلطة الأبوية إلى جهاز تابع للشرطة، ثم نزع خطاب التسييس المقدسي وتحويله إلى خطاب حقوقي عبر محامين أو مفكرين أو سياسيين أو ناشطين، ثم تأطيره بإطار حقوقي إنساني فردي حده الأعلى تحسين ظروف الحياة ومحاربة التمييز (قواسمي، 2015).
وأعلن نير بركات رئيس بلدية الاحتلال في القدس ضمن كلمته في معهد الأمن القومي الإسرائيلي أنه سعيد لأن الطريقة التي يحتج فيها المقدسيون على نقص الصفوف في المدارس هي الاعتصام أمام بلدية القدس قائلاً: إن المقدسيين يرون أن العنوان في تحصيل حقوقهم هو البلدية (قواسمي، 2015).
2.2 فرص القوة الناعمة في النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي
يسجل ضد إسرائيل وسياساتها عدد من النقاط، يمكن الانطلاق منها لبناء استراتيجيات المواجهة الناعمة، وهي ما يأتي:
1.2.2 أولاً: متلازمة ذنب ما بعد الاستعمار
الميل الدولي “شعبياً ورسمياً” لرفض الاضطهاد والظلم، ويشمل ذلك ميل الغرب لدعم أولئك الذين ينظر إليهم على أنهم مظلومون وضعفاء، وينبع من ذلك؛ تصوير الفلسطينيين كشعب مظلوم تحتله إسرائيل منذ أكثر من 40 عاماً. وذلك يرجع أساساً إلى الارتباط بـ”متلازمة ذنب ما بعد الاستعمار” الذي انتشر في الأوساط الأوروبية (اليسارية في المقام الأول) الأكاديمية والسياسية والثقافية؛ وفكرة أن إسرائيل هي معقل استعماري آخر على وجه الأرض. وقد كان الفضل الكبير في توضيح هذا المفهوم لأطروحات إدوارد سعيد، وخصوصاً حول الطبيعة الاستعمارية للصهيونية، وبالذات الصفة الاستعمارية الكولونيالية التي يحملها “شعار إسرائيل الكبرى” (Mazur,2012).
2.2.2 ثانيا: التحيز الكامل الأميركي لإسرائيل:
يعتبر كثير من حلفاء الفلسطينيين أن أميركا هي سبب الحروب في العالم (Chomsky,1994) وهو يعني أن الفلسطيني صاحب الحق وهو الطرف الأضعف، مضطر أن يكون دائماً مظلوماً مرتين: من إسرائيل في المرة الأولى ومن الولايات المتحدة في المرة الثانية، يدعم ذلك سجل الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين الموثقة، وكذلك سجل الفيتو الأميركي لصالح إسرائيل والذي لم يكن مرة واحدة لصالح الطرف الذي يرزح تحت نير الاحتلال (Chomsky,1999).
3.2.2 ثالثاً: تراجع عبء ذكرى الهولوكوست في الوعي الأوروبي:
بعد أكثر من ستين عاماً على المحرقة التي ارتكبها النازيون؛ والتي سببت شعوراً بالألم تجاه اليهود وتعاطفاً معهم ومع قضاياهم، برزت تصرفات العديد من القيادات الإسرائيلية غير مبررة. بعد مضي هذا الوقت وخصوصا أثناء التعامل العسكري القاسي مع الفلسطينيين، وباتت حملات المناصرة العالمية، والدعم الدولي الشعبي والمنظماتي تتزايد؛ نتيجة شعور آخر بالذنب لتوريث الفلسطينيين ذنب المحرقة النازية التي حدثت في أوروبا (Bar, 2010).
4.2.2 رابعاً: العدوان العسكري الإسرائيلي المتكرر على الفلسطينيين المدنيين:
إن العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين واستخدام القوة العسكرية الفائقة مدعومة بالطائرات والدبابات في الضفة الغربية، ثم في ثلاث حروب متتالية على قطاع غزة، وانتشار عشرات الآلاف من الصور والفيديوهات التي تبرز إلى العالم الفظائع التي ارتكبت، جعلت الكثير من الصورة الحضارية التي روجت لها إسرائيل عن نفسها تتغير لصالح الفلسطينيين، بالطبع قامت إسرائيل برد فعل عبر مجموعة قرارات تم تنفيذها لتحسين صورتها (cordesman and Moravitz, 2005)، وهناك فرصة أكبر لاستمرار هذا التوجه وتنميته، باستخدام وسائل إبداعية عبر الفنون والآداب والسينما الناعمة من خلال دعم إنتاج آلاف الفيديوهات القصيرة عن التجاوزات التي يمارسها المستوطنون أو الجنود في فلسطين أو القدس المحتلة، يلزم ذلك إنشاء وحدة خاصة بالإعلام المقدسي المكثف.
5.2.2 خامساً: الرغبة الغربية وخصوصاً الأوروبية في التواصل مع العرب:
المصالح المتزايدة للدولة والشركات الأوروبية مع الدول العربية الآخذة في الازدهار، والاحتكاك بالعديد من الخبرات العربية والفلسطينية المهنية، وتوجه الدول إلى تحقيق المزيد من الفائدة عبر رعاية مصالحها، جعل الصورة عن الحالة الفلسطينية والحق الفلسطيني أكثر قرباً من الوعي الأوروبي الرسمي أو ذلك المؤثر في صناعة القرار السياسي (Bar, 2010).
6.2.2 سادساً: نجاح نماذج تحررية مماثلة لحالة الفلسطينيين:
إن النماذج المماثلة لحالة الفلسطينيين، مثل التحرر الهندي الناعم من الاحتلال البريطاني، وتجربة دولة جنوب أفريقيا ساهمت في فرض حالة الحرب بالتماثل (“war by analogy”,) على إسرائيل، بينما يشبه الفلسطينيون الأكثرية السوداء المضطهدة في جنوب أفريقيا، فقد تم التوجه إلى تشبيه إسرائيل بالنظام النقيض وهو نظام الفصل العنصري، وعلى هذا القياس تم دمغ الاحتلال بحكم مماثل، ومن نتائج هذا الأسلوب كان ما يأتي كما أشار (Bar, 2010) في ورقة النضال الإسرائيلي ضد الحرب الناعمة:
1.6.2.2 أولاً: تشبيه إسرائيل بالمملكة الصليبية بإمكانات تكنولوجية متقدمة:
وذلك ناتج عن تحالفها مع الولايات المتحدة التي تخوض حرباً في العالم الإسلامي مثل أفغانستان والعراق، وقد سبق وأن دعمت أنظمة استبدادية في المنطقة العربية (Ben Ami, 2006) ذلك التوجه جاء من نماذج إسلامية مثل الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، وهو وصف غير شائع وربما لا قناعة به لدى مصادر صناعة القرار الأوروبية ولا يلقى رواجاً إلا في الأوساط الدينية الإسلامية Bar, 2010)).
2.6.2.2 ثانياً: وصف إسرائيل بأنها مستعمرة غربية:
تعتبر إسرائيل الاحتلال الوحيد المتبقي بعد انتهاء الفترة الاستعمارية، وتوصف في كثير من الأدبيات بأنها أُنشئت من قبل الغرب من أجل التكفير عن معاملتها لليهود خلال الحرب العالمية الثانية على حساب الفلسطينيين (Esposito,2004). والاستنتاج هو ضرورة انتهاء “المستعمرة” وانسحاب “المستعمرين” (أو المستوطنين) والعودة إلى أوطانهم. وباعتبار أن الكثير من الإسرائيليين يحملون جنسيات أوروبية، أو أجنبية، ويحتفظون بها فإن هذا التوجه يجد أحياناً آذاناً ومناصرين Bar, 2010)).
ويؤكد نوعام تشومسكي أن إسرائيل بعلاقتها القوية مع الولايات المتحدة تحولت إلى دولة يهودية تقوم على العدوان في ما بعد الفترة الاستعمارية (postcolonial aggressor) كما في (Chomsky,1994).
3.6.2.2 ثالثاً: اعتبار إسرائيل دولة للفصل العنصري:
قياساً على مبدأ الحرب بالتماثل، يجري وصف إسرائيل بما وصفت به دولة نظام الفصل في جنوب أفريقيا وخصوصاً بعد إنشاء السور الفاصل (Bar, 2010)، وقياساً على ذلك استنتجت الأوساط السياسية الفلسطينية أنه يمكن تجنيد دعم دولي لإلغاء الفصل وإنهاء الفصل العنصري، وهو وصف يلقى دعماً ورواجاً وخصوصاً مع تأييد نيلسون مانديلا للفلسطينيين بالحرية والاستقلال.
1.3 النضال ضد القوة الناعمة الإسرائيلية/ النعومة المضادة
يشير (Shmuel Bar) في تقرير مؤتمر هرتسيليا 2010، بعنوان: الحرب الناعمة ضد إسرائيل، الحوافز والحلول، أن إسرائيل منذ سنوات تواجه حرباً ناعمة تهددها، وقد دعا إلى اعتبار الحرب الناعمة تهديداً استراتيجياً وعدم الاكتفاء باعتبارها أحد أساليب العلاقات العامة ومناورات السياسة الدولية، وقد أوصى باعتبارها من العلامات الفارقة وليس مجرد أداة تضخيم وتعزيز الصورة الدعائية للدولة أو المشاكل التي رافقت إسرائيل منذ نشوئها (Bar, 2010).
كما أكد أن على إسرائيل في استعدادها للحرب الناعمة، وضمن استجابتها للتحديات، أن تقوم ببناء الأدوات الجديدة وأن لا تكتفي بالنظم القائمة، وإعادة تأهيل النظام السياسي، مع معالجة شاملة للأبعاد السياسية المختلفة بطريقة جوهرية وطالب مراكز البحث والتفكير (think tanks) أن تقدم حلولا جوهرية كاستجابة لهذا التحدي (Bar, 2010).
بالاستفادة من الإطار النظري لمفهوم القوة الناعمة، كما جاء في كتابي جوزيف ناي، يمكننا أن نستنبط مكونات القوة الناعمة الفلسطينية، وخصوصاً في الحالة المقدسية، ثم نبني عليها تخصيصاً للحالة ومواكبة للحالة الإستراتيجية للمدينة وتحليلها، ثم بالاستفادة من أدبيات وأوراق إسرائيلية تعتبر أن هناك حرباً ناعمة ضد إسرائيل تهدد وجودها، يمكننا الاستفادة من تكتيكات السياسيين ومفكري السياسة الإسرائيلية لبناء نموذج مؤسسي لخوض استثمار القوة الناعمة فلسطينياً ومقدسياً.
يقترح (Bar, 2010) في مؤتمر هرتسيليا أن على إسرائيل أن تعيد تنظيم النظام الحكومي وبناء نظام حكم يعالج الحرب الناعمة ضد إسرائيل، حيث أن إسرائيل تعامل الحرب الناعمة أو استراتيجيات القوة الناعمة كتهديد استراتيجي وليس خياراً يمكنها التعامل به أو تركه، في الحالة الفلسطينية يرى الباحثان أن الحالة أكثر احتياجاً لبناء استراتيجيات وطنياً ومقدسياً (Bar, 2010).
2.3 مقترحات البناء وأدوات الممارسة
بناءً عليه، لا بد من تجديد وسائل التعاون والتنسيق من قبل وبين الهيئات الحكومية الفلسطينية، الأمن الاجتماعي والأمن الفلسطيني، والأوساط الأكاديمية الفلسطينية الرسمية، وغير الحكومية، والمنظمات المدنية. والعمل على إنشاء هيئة مركزية تابعة لمكتب الرئيس أو رئيس الوزراء، تتولى التوجيه والإدارة والنضال بالتعاون مع المراكز الحكومية ذات الصلة. ويتم إعادة البناء المؤسسي عبر الآتي:
1.2.3 أولاً: تأهيل النظام المؤسسي الفلسطيني عامةً، والمقدسي خاصةً:
ينبغي توحيد جميع الأطر الفلسطينية التي تمثل القدس (محافظة القدس، المؤتمر الشعبي المقدسي، وحدة شؤون القدس، القدس عاصمة الثقافة العربية، الأوقاف والمقدسات) وإسناد المنظمات الشعبية النقابية والوطنية مع المؤسسات الرسمية من أجل توحيد الجهود ونبذ الهدر واستثمار الفرص الضائعة.
2.2.3 ثانياً: بناء عقيدة نضال وطني بإسناد القوة الناعمة للنضال التاريخي الفلسطيني:
يقترح ((Bar, 2010)) في ورقته المقدمة في مؤتمر هرتسيليا؛ بناء عقيدة نضالية ضد القوة الناعمة التي تهدد إسرائيل كما يلي:
(ينبغي أن تصاغ هذه العقيدة على المستوى الاستراتيجي، ويجب أن لا يترك لصراعات الساسة على السلطة بين مختلف الوزارات. وينبغي أن تتضمن عناصر العقيدة تحديد العدو. وتشكيل إستراتيجية بشأن العدو المذكور. اختيار وسيلة للتعامل مع العدو؛ إبراز أساليب لإدماج معركة “الحرب الناعمة” في جميع عمليات التخطيط السياسي والعسكري. وكذلك الربط بين العمليات السياسية والعسكرية والدبلوماسية العامة والإجراءات الاقتصادية. وتبني مبدأ حمل المعارك إلى أراضي العدو، وبناء التوقعات الاستباقية).
ويعتقد الباحث أن هذه الإستراتيجية لا يمكن مقاومتها إلا بمثلها، فعندما تتفتق العقلية الإسرائيلية عبر مراكز البحث والتفكير عن طرق إستراتيجية لبناء عقيدة قتالية ناعمة تعتمد عليها في مواجهة ما تعتبره تهديداً وجودياً فإن المقابل الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال لا يمكن، بل لا يجوز له تجاهل هذه الاستراتيجيات.
3.2.3 ثالثاً: بناء الذكاء المنافس الفلسطيني/ المقدسي:
مقابل ما يطالب به الخبراء من إنشاء وحدة استخباراتية لمقاومة القوة الناعمة ضد إسرائيل، فإنه من المستحسن إنشاء وحدة خاصة ذكية معلوماتية، داخل الهيئة العليا التابعة لرئيس أو مكتب رئيس الوزراء، بحيث تكون مسؤولة عن جمع وتوزيع المعلومات والأنشطة التنفيذية في المجالات ذات الصلة بالمعركة الدبلوماسية العامة حول مدينة القدس. هذه الوحدة يجب أن تتعاون مع الهيئات الأكاديمية المسؤولة عن جمع المعلومات الهامة والمؤثرة، بالإضافة إلى تحديد وتوزيع المعلومات والمواد التشغيلية التي يمكن أن تسهم في جهود الدبلوماسية العامة الدولية.
4.2.3 رابعاً: صياغة رسالة سياسية ذات قيم عالمية:
يجب إجراء تغييرات جذرية في الخطاب الفلسطيني، باعتماد قاموس ذكي لمفردات الخطاب والعلاقات العامة/ السياسة الدولية، عبر خبراء يدركون موقع هذه المفردات في القانون الدولي ومكانتها وتأثيرها، ثم إعداد رسائل داعمة للحق الفلسطيني وفاضحة للممارسات الإسرائيلية بعدد من اللغات العالمية، موجهة واستباقية للتحركات الإسرائيلية، والتركيز على التناقضات بين القيم العالمية التي تدعي إسرائيل أنها تنضم بها للعالم المتحضر ثم تمارسها ضد الفلسطينيين والمقدسيين مثل الديمقراطية والمساواة بين الجنسين، والعنصرية، وسيادة القانون، وحقوق الطفل، حرية العبادة، الحق في التعليم، الملكية الثقافية، وما تنتهكه إسرائيل من هذه الملفات.
5.2.3 خامساً: بناء قاموس سياسي فلسطيني ذكي:
يوصى (Bar, 2010) أن يتم الانتباه إلى المصطلحات القانونية المؤثرة في الرأي العام العالمي والرأي القانوني الدولي، ففي حرب إسرائيل على غزة عام 2008، سار المتظاهرون ضد إسرائيل وأحرقوا الأعلام الإسرائيلية في العديد من المدن الأوروبية. ونشرت الصحف مقالات ورسوم الكاريكاتير المهاجمة لإسرائيل، وأصدرت (المنظمات غير الحكومية) الإدانات. وتضمنت مصطلحات “العقاب الجماعي”، “الهجمات العشوائية”، “القوة المفرطة”، “انتهاكات للقانون الدولي” و”جرائم حرب”، ما جعل الدبلوماسيين الأوروبيين يقومون ببيانات مماثلة، وأطلق الأكاديميون حملات تجدد الدعوة لمقاطعة الجامعات الإسرائيلية (2009 Steinberg) وبذلك ظهرت حاجة ماسة إلى قاموس سياسي إعلامي فلسطيني موحد.
6.2.3 سادساً: تجنيد أصدقاء المدينة المقدسة وحلفائها:
يجب وضع خطة مفصلة لتجنيد الدعم المالي والقانوني لمدينة القدس خصوصاً وفضائها عموماً، وذلك بالتواصل الفعال والدائم مع أصدقاء المدينة وحلفائها ومحبيها، من أجل العمل في الدول المؤثرة لمساندة المدينة المقدسة وتثبيت الحق الفلسطيني فيها، ومقاومة تحويلها إلى مدينة يهودية، ثم توفير المصادر اللازمة لترميم المنجزات الثقافية والدينية والمعمارية والوثائقية في المدينة والمحافظة عليها من التلف والضياع، ومحاولة استرداد المفقود منها أو منع ضياع ما يمكن أن يضيع أو يتسرب إلى الجمعيات الاستيطانية الإسرائيلية.
7.2.3 سابعاً: الأنشطة التعليمية والثقافية:
يجب إعارة الانتباه إلى السيطرة الإسرائيلية على المناهج وتوظيفها من قبل الاحتلال، وذلك بالعمل على تطوير مناهج فلسطينية تواكب التحديات وتحقق الطموح الفلسطيني بالتحرر وتتضمن قصصاً وأخباراً ومعلومات تدعم التصدي لعقيدة الحرب الناعمة الموجهة ضد الفلسطيني وضرورة النهوض العلمي والثقافي لمواجهتها، إضافة إلى تقوية إسناد مراكز الثقافة والفنون والعلوم والإبداع المقدسية باعتبارها تساهم في بناء الصورة الحضارية المقدسية، يبقى أن يعاد الاعتبار إلى صورة القدس قبل الاحتلال وتعريف الجيل الجديد بمركزية المدينة وأهميتها عبر نشر صور ووثائق ودراسات عن المدينة والنشاط العربي الفلسطيني والعلاقات الناضجة بين أطياف المجتمع المقدسي.
8.2.3 ثامناً: تدعيم النشاط الاقتصادي المقدسي:
يجب التعامل مع الحصار المفروض على مدينة القدس والمحاولات الدائمة لعزلها عن عمقها العربي وتوجيهها إلى الاقتصاد والتجارة والسياحة الإسرائيلية وذلك من خلال الأساليب والإجراءات المقترحة فيما يأتي:
.1.8.2.3 .الرصد وبناء أنظمة ممانعة ومضادة:
يجب على صناع القرار الفلسطينيين وضع نظم لتتبع ورصد الحرب الاقتصادية التي تستخدمها إسرائيل والشروع في تدابير مضادة، عبر بناء آليات أو جمعيات أو نظام تكافلي تعاوني يتحمل الخسائر المتراكمة للتجار والحرفيين وينهض بواقع الحرف المقدسية التقليدية عبر تطويرها واستثمار عراقتها بتصدير منتجاتها خارجياً.
2.8.2.3 بناء مجتمع مقدسي مقاوم ذي ميزة تنافسية:
يجب أن تُبذَل جهودٌ لتوجيه المساعدات الدولية المقدمة إلى الفلسطينيين من قبل المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة والاستفادة من هذه المساعدات في دعم الحياة المقدسية وبناء نموذج مقدسي مقاوم يعتمد ابتكار ميزات تنافسية، طبية وعلمية وغيرها.
3.8.2.3 المتابعة والإبلاغ:
يجب على الفلسطينيين الاستفادة من الميل الطبيعي للدول للمطالبة بالرقابة والإشراف على المساعدات المالية من أجل توضيح حجم الدمار الذي تقوم به إسرائيل للمشاريع الممولة دولياً من جيب مواطنيهم دافعي الضرائب.
4.8.2.3 يجب الإعلان عن حقيقة أن الغالبية العظمى من المساعدات المالية التي تقدمها الدول الأخرى للفلسطينيين والتي من المفروض أن تُستخدم في تعزيز عملية بناء الدولة الفلسطينية، تقوم دولة الاحتلال بتبديدها عبر إعاقة النمو الاقتصادي، وإطالة عملية الوصول إلى العمل أو المستشفى بحواجز وطرق التفافية.
9.2.3 تاسعاً: صياغة المبادرات القانونية:
إن القوة الناعمة الفلسطينية لا ينبغي أن تدافع عن نفسها فقط ضد الإجراءات القانونية الإسرائيلية وتقوم بنقضها وتفنيدها عبر مجموعة من الخبراء، ولكن ينبغي أيضاً رفع دعاوى ضد هذا التمييز العنصري والقانوني الإسرائيلي على كافة المستويات، عبر مبادرات من عدد من الجهات، منها السلطة الوطنية، جماعات حقوق الإنسان، الحلفاء الدوليون وذلك حول قضايا في الضفة الغربية بتقسيماتها المختلفة، وكذلك في القدس بشطريها ثم في المناطق المحتلة عام 1948 من قبل المواطنين العرب هناك.
يشمل هذا المسعى الشروع في إجراءات قانونية (مذكرات، وحظر دخول بعض الدول، وما إلى ذلك) ضد كل أولئك الذين يمارسون المخالفات، وتكييف الإجراءات القانونية وفق القانون الدولي، وكذلك ملاحقة أولئك الذين يدعمون المحرضين من العسكريين أو المدنيين أو رجال الدين الإسرائيليين وأعضاء الكنيست.. الخ. لهذا الغرض يجب إقامة نظام للرصد ومراقبة الوضع القانوني في الدول المعنية من أجل تحديد الفرص المتاحة لاتخاذ الإجراءات القانونية. بالإضافة إلى ذلك، متابعة ورصد من ينحاز إلى “إسرائيل من التجمعات الحليفة لها والشركات أو المؤسسات أو الحكومات الداعمة لها، وتوجيه التنبيهات القانونية لمثل هذه المؤسسات عبر منشورات من خلال القنوات الدبلوماسية والقانونية المناسبة، ومن الجدير بالذكر أن قرار اليونسكو بنفي الحق اليهودي في المسجد الأقصى هو أحد الانتصارات للقوة الناعمة الفلسطينية التي ينبغي استثمارها والبناء عليها.
1.4 الاستثمار والغنيمة:
يجب الاستفادة من مجمل إصدار المراكز البحثية الإسرائيلية وتوصياتها حول القوة الناعمة، وكذلك الاستفادة من التجارب الدولية الشبيهة بتجارب التحرر أولاً، وبناء الدولة القوية ثانياً، وقد ورد في الورقة الصادرة عن جامعة تل أبيب عدد من الإستراتيجيات التي تبنتها دولة سنغافورة، في بناء قوتها الناعمة واستثمار الإمكانات التالية، كما يلي: (إدارة المواهب، التجارة، التكنولوجيا، إدارة التحمل والتسامح، إدارة الثقة).
قبل ذلك اقترح جوزيف ناي الاستراتيجيات التالية لبناء القوة الناعمة من أجل إسناد القوة الذكية وغنيمة التأثير والمكانة، وهي ما يلي:
1.1.4 أولاً: السياسات الخارجية:
نعتقد أن العلاقات الدولية عبر الممثليات في الخارج، وعبر نقاط التواصل مع الأصدقاء أو المناصرين يمكن أن تعمل على إعادة بناء وتطوير (مكانة القدس، وصورة القدس، وهوية القدس الأصلية والحق العربي والإسلامي، وتعزيز التوجهات نحو رفض الأسرلة والعزل وسياسة الأمر الواقع).
2.1.4 ثانياً: المنتجات الثقافية أداة للقوة الناعمة:
أشار جوزيف ناي أن المنتجات الثقافية بما تمثله من بعديها (الإبداعي، والعلمي) كما يعتقد الباحثان، تشكل أداة هامة من أدوات المواجهة الناعمة في المدينة المقدسة، حيث إن الجانب الإبداعي ممثلاً بـ(التعليم، والريادة والإبداع، والإعلام، والفن والأدب) إضافة إلى الجانب الديني (الإسلامي والمسيحي) وما يملكان من رصيد وتاريخ إمكانيات لرفض الأساطير وكشف التاريخ المزعوم، وما يستطيعان من تعايش مشترك ومؤازرة بين كافة الأطياف والمذاهب، كل ذلك يساند في الكفة الرابحة للنضال باستخدام القوة الناعمة كإسناد للنضال التاريخي.
3.1.4 ثالثاً: القيم السياسية الحضارية محور للقوة الناعمة:
يضيف جوزيف ناي أن القيم السياسية أداة هامة أخرى من أدوات أو محاور القوة الناعمة، ونعتقد أنها عندما تتكون من القيم السياسية العالمية والمبادئ الإنسانية مثل (حقوق الإنسان، والمشاركة، والمجتمع المدني، والديمقراطية، والحق في الحماية والحرية) بالإضافة للأدوات الهامة لتأمين حياة كريمة من (اقتصاد خاص وتعاوني، ودعم الحرف والصناعات وإيجاد أدوات وإمكانات تطويرها، ثم دخول سوق الاقتصاد السياحي عبر إعادة ترميم وتنظيم وتأهيل القطاع السياحي وتوجيهه بالهدف الوطني دون الإخلال بالهدف الربحي مع تقديم الأول على الثاني، ثم طرق باب الاقتصاد الطبي لدعم المؤسسات الصحية وتطويرها ودعم صمودها).
1.5 المكانة الإستراتيجية للقوة الناعمة الفلسطينية من وجهة النظر الإسرائيلية
في العشرين من كانون الثاني 2103 كتب الصحافي عاموس هاريئيل بالتعاون معJack Khoury في الصحيفة الإسرائيلية “هآرتس” على صفحتها الاليكترونية أن الفلسطينيين قد عثروا على قوتهم الناعمة، في معرض الحديث عن إقامة قرية باب الشمس كفعل لا عنفي ضد الاستيطان واعتبرت أنه فعل أكثر جدوى من الاصطدام بالجيش الإسرائيلي، وله تأثير دولي يحصل على التعاطف أكثر من الاشتباك العنيف (Harel, A, 2013.
وبالنسبة لمركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فإن القوة الناعمة الفلسطينية تمتلك القدرة على قلب وتغيير الديناميكية الدولية، مما يشكل أزمة شديدة العمق بالنسبة لإسرائيل. فيمكن للفلسطينيين أن يزعزعوا التوازن الديموغرافي لدولة إسرائيل بما يغير من طابعها الإثني، وخصصوا أن الصراع العربي الإسرائيلي له تأثير كبير في الشارع العربي والإسلامي، ويؤثر بالتالي على علاقة العالم العربي والإسلامي مع إسرائيل والغربHeller. M and etl, 2015):)
وتراوحت خطورة ومكانة القوة الناعمة الفلسطينية بين الخطر الوجودي الكامل، كما في حال القوة الديموغرافية، والتمدد السكاني في المناطق الفلسطينية المختلفة، وبين التهديد الإستراتيجي كما في حال المقاطعة bds، وبين المناورات الخطرة كما في السياسية والحملات الدبلوماسية الفلسطينية والذهاب إلى الأمم المتحدة والانضمام إلى المعاهدات الدولية.
كما ويظهر الإنكار لدور القوة الناعمة وتأثيرها كما في حالة مقاطعة الاقتصاد أو البضائع الإسرائيلية، فيما تزعم كاتبة مقال (مقاطعة البضائع الإسرائيلية تضر بالفلسطينيين) الكاتبة Carrie Sheffield حيث تقول في الموقع الاليكتروني لـForbes.com: “إن شركة صودا ستريم الإسرائيلية قد أقفلت مصانعها في مستوطنات الضفة الغربية، وتخلت عن المئات من عمالها العرب، وانتقلت إلى داخل الكيان الإسرائيلي، لكن رئيسها يكابر بقوله إن الأسباب التي أدت إلى نقل مصانع الشركة هي أسباب اقتصادية بحتة”.
1.6 الخطر الوجودي الكامل للقوة الناعمة الفلسطينية
يطالب (Shmuel Bar) في تقرير مؤتمر هرتسيليا 2010، بعنوان: الحرب الناعمة ضد إسرائيل، الحوافز والحلول، اعتبار الحرب الناعمة تهديداً استراتيجياً، وطالب مراكز البحث والتفكير (think tanks) أن تقدم حلولاً جوهرية كاستجابة لهذا التحدي (Bar, 2010).
ويشير (Shmuel Bar) إلى أن مكونات خطر القوة الناعمة الفلسطينية يتمثل في أنه يعمل على نزع الشرعية عن دولة إسرائيل وتصويرها بأنها دولة مارقة على القانون الدولي، وذلك بالتالي يؤدي إلى إنكار حق إسرائيل في الوجود باعتبارها دولة محتلة كولونيالية، كما ويؤدي ذلك إلى تبرير الأعمال الهجومية التي يمارسها الفلسطينيون بدعوى الدفاع عن حقهم في الاستقلال بعيدا عن إسرائيل.
ويؤكد أن ذلك الهجوم مبرر للذين لا يستطيعون الحصول على حقوقهم من المحتل الإسرائيلي، وذلك يمارس اليوم عبر عدة مسارات منها مقارنة إسرائيلية بدول ذات تجارب سلبية مثل الفاشية أو النازية أو نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سابقاً، نشر المعلومات في مناطق واسعة لقطع الدعم والتعاطف مع إسرائيل وجلب المزيد من التأييد للفلسطينيين، ومن ثم الحشد العالمي للمقاطعة الأكاديمية والاقتصادية والسياسية لإسرائيل التي تضيق الخناق عليها، وتؤدي إلى استسلامها.
ومن زاوية أخرى لا تزال مراكز الأبحاث والسياسات الإسرائيلية تصنف النمو الديموغرافي للفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1948 بالقنبلة الديموغرافية.
1.7 الخلاصة:
إن من يخسر في الحرب بجولتها الأولى بإمكانه أن لا يخسر كامل الحرب إن أعد ما استطاع من قوة ومن مسانداتها بينما من يخسر في الحرب الناعمة فإنه يخسر بالضربة القاضية ويخرج من الجولة دون فرصة للعودة، وهذا ما فهمته إسرائيل وأعلن عنه أو طالب به الباحثون في عدد من الأوراق البحثية في مؤتمر هرتسيليا وجامعة تل أبيب، وذلك عبر مناداتهم باعتبار القوة الناعمة تهديداً استراتيجياً يهدد وجود إسرائيل، ونادوا بضرورة بناء إستراتيجية مضادة للنضال ضد القوة الناعمة الفلسطينية والقوة العربية والإسلامية التي تعادي إسرائيل.
لا يوجد أمام الفلسطينيين في كل مكان عامة وفي القدس خاصة إلا تبني القوة الناعمة كأداة شرعية من أدوات إسناد النضال التاريخي وخصوصا أن القانون الدولي يدعم ممارساتها غير العنيفة، وقد أثبتت الإحصائيات عبر المقاييس التي تحدد القوة الناعمة أن الأقوى عسكرياً ليس بالضرورة هو ذاته الأقوى بالقوة الناعمة، فقد تفوقت ألمانيا على أميركا بمقياس القوة الناعمة، وجاءت الولايات المتحدة في المركز الثالث.
[*] ماجستير في بناء المؤسسات وتنمية الموارد البشرية.