يجمع شهر تشرين الأول/أكتوبر ذكرى عدة مجازر ارتكبها الجيش الإسرائيلي على امتداد سنوات الاحتلال. من بين هذه المجازر أربع لكل منها رمزيتها الخاصة. ففي الرابع عشر من تشرين الأول (أكتوبر) عام 1953 نفذت الوحدة 101 بقيادة أرئيل شارون أولى مجازر ما يسمى “عمليات الانتقام” أو “تِجمول” بالعبرية في قرية قبيا (شمال غرب رام الله)، وفي السابع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر عام 1955، هاجمت قوة من المظليين بقيادة شارون أيضا، وحدة عسكرية مصرية في الكونتلا، شمال شرق سيناء. وفي العاشر تشرين الأول/أكتوبر 1956 هاجم الجيش الإسرائيلي مركزا للشرطة الأردنية في مدينة قلقيلية، ليرتكب مجزرة أخرى، وفي 11 تشرين الأول/أكتوبر 1985 وبعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت بنحو ثلاثة سنوات؛ شن سلاح الجو الإسرائيلي غارة على ضاحية حمامات الشط جنوبي العاصمة التونسية حيث مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية ليضيف مجزرة أخرى في سلسلة جرائمه، ليجتمع الدم العربي الفلسطيني والأردني والمصري والتونسي في سلسلة مجازر هذا الشهر.

يقع بعض هذه المجازر في إطار عملية التطهير العرقي التي نفذت بحق الشعب الفلسطيني لإخلاء فلسطين من أهلها وإحلال المستوطنين اليهود مكانهم، والبعض الآخر في إطار الرد الدموي الإسرائيلي على العمليات الفلسطينية ضد الاحتلال. ورغم أن إسرائيل رسميا ترفض الخوض في عملية التطهير العرقي وتصر على نفي وقوع تطهير عرقي مخطط له، وتدعي أن الفلسطينيين خرجوا من منازلهم إلى مخيمات اللجوء بإرادتهم، يؤكد مؤرخون فلسطينيون ومؤرخون يهود أن التطهير العرقي هو السبب الرئيسي في طرد نحو 900 ألف فلسطيني من الأراضي التي احتلتها الحركة الصهيونية وأعلنت عليها قيام دولة إسرائيل. وحسب الأرشيف الصهيوني الذي استخدمه مؤرخون إسرائيليون أمثال المعادي للصهيونية إيلان بابه في كتابه “التطهير العرقي في فلسطين” (2007)، أو الصهيوني بيني موريس في كتابيه “ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين” (1984) و”تصحيح خطأ: يهود وعرب في أرض إسرائيل 1936- 1956″ الصادر عام 2003، فإنه لا نقاش حول وقوع التطهير العرقي، لكن الفرق الأساسي بين بابه وموريس، هو أن بابه يؤكد أن التطهير العرقي الذي نفذ عبر ارتكاب المجازر، كان مخططا له من قبل قادة الحركة الصهيونية. فـ”في 10 آذار/مارس 1948، وضعت مجموعة من أحد عشر رجلا، مكونة من قادة صهيونيين قدامى وضابطين عسكريين شابين، اللمسات الأخيرة على خطة لتطهير فلسطين عرقيا، وفي مساء اليوم نفسه، أرسلت الأوامر إلى الوحدات على الأرض بالاستعداد للقيام بطرد منهجي للفلسطينيين من مناطق واسعة في البلد”. وهذا ما وقع فعليا.

أما موريس فيرى أنه ارتكب خطأ شخصيا في النسخة الأولى من كتابه “ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين” عام 1984، يتمثل “في عدم إعطائه أهمية كافية لنزعة الترانسفير لدى القادة الصهاينة في تفسير ما حدث فعلا في فلسطين سنة 1948”. لكنه وبعد نحو عشرين عاما “لم يخرج في تصحيح خطئه بنتيجة حاسمة مؤداها أن ترحيل الفلسطينيين تم نتيجة تصميم مسبق أو خطة مسبقة، واكتفى برؤية كون الرابط بين الفكرة (الترانسفير) وبين تنفيذها في الواقع فعلا لا يرد على تخطيط مسبق بقدر ما يرد على ما يسميه (حالة ذهنية) قبلت الترحيل حلا مشروعا، وما أن بدأ الترحيل (طوعا حسب قراءته) حتى كانت القيادة الصهيونية جاهزة ومستعدة للعملية وعبر ممارسة الطرد أحياناً”.

ورغم أن موريس كشف عن جرائم الحركة الصهيونية، لكنه لا يرى أن التطهير العرقي جريمة حرب فـ”هناك خلال الحرب ظروف قد تجعل التطهير العرقي مبررا”، قال لصحيفة “هآرتس” في مقابلة عام 2004.

وبغض النظر عن الخلاف الأيديولوجي، والتاريخي بين المؤرخين، لكن روايتهما شكلا ردا على الرواية الإسرائيلية الرسمية التي ترفض الاتهام بتنفيذ التطهير العرقي. ولضمان عدم تسرب المزيد من الوثائق التي تؤكد حدوث التطهير العرقي والتخطيط له، فقد حجبت الحكومة الإسرائيلية أرشيف حرب عام 1948 ومنعت الاطلاع عليه، لما قد يكشفه من جرائم موثقة في سجلات الجيش والحكومة الإسرائيليين.

وفيما يلي أبرز مجازر شهر تشرين الأول/أكتوبر حسب أقدميتها، وكما نشرها مركز المعلومات الوطني الفلسطيني في وكالة الأنباء الفلسطينية وفا، وحسب مصادر عبرية.

مجزرة الدوايمة

29 تشرين الأول/أكتوبر 1948

كانت القرية تنتشر على قمة تل صخري في الجهة الغربية من جبال الخليل، وكانت مساحة البلدة تقدر بـ60560 دونمًا والأراضي المزروعة تقدر 30397 دونمًا، أما عدد سكانها عام 1945؛ فبلغ 3710. وبلغ عدد المنازل عام 1931، 559 منزلا (تشمل أربع خرب بالجوار)، وكانت 21191 دونمًا مخصصة للحبوب و1206 مروية.

وفي القرية 27 عشيرة وكل عشيرة تملك بين 200 إلى 300 رأس من الغنم. بالإضافة إلى مدرسة ابتدائية.

في 29 تشرين الأول/أكتوبر 1948 كانت القرية مسرحا لمجزرة كبيرة وقعت خلال “عملية يؤاف” التي نفذها الجيش الإسرائيلي.

 في موجة الهجوم الأولي قتل الأطفال بضربهم على رؤوسهم بالهراوات (كما ذكرت صحيفة تل همشمار الإسرائيلية). ويذكر أن ضابطا وضع امرأتين في غرفة وبينهما لغم وقام بتفجيره، كما ذكر أيضا أن أحد الجنود افتخر باغتصاب امرأة وقتلها، كما اخرج نحو 75 مسنا من مسجد الدراويش في القرية وتم قتلهم جميعا. وقد أبيدت عائلات بأكملها في المجزرة التي أسفرت عن مقتل 200 من أبناء القرية.

مجزرة عرب العزازمة (فى بئر سبع)

3 تشرين الأول/أكتوبر 1950

 يعتبر العزازمة لُب بئر السبع، ومنازلهم مترامية الأطراف؛ تمتد من بئر السبع حتى (وادي عربة) وحدود سيناء. وتقع بين أراضي التياها والترابين والسُّعَيْدِيَين. يعيش جزء منهم في الأردن وفي صحراء سيناء.

 في 3/9/1950 اقتحمت العصابات الصهيونية عرب العزازمة وقتلت 13 رجلاً وامرأة.

مجزرة كونتلا (مصر)

27 تشرين الأول/أكتوبر 1955

في هذه المجزرة انطلق نحو 200 من الجنود المظليين من الكتيبة 890 لتنفيذ عملية انتقامية على مصرع جندي إسرائيلي وأسر اثنين آخرين من قبل قوات الجيش المصري. وهذه العملية هي الأولى في العمق المصري حسب المصادر العبرية. وسميت العملية “عملية إيجد” التي تولى قيادتها أرئيل شارون وكانت تهدف إلى الدخول إلى عمق 20 كيلومترا في سيناء، ومهاجمة الموقع العسكري المصري المسمى “كونتلا”. ونتج عن العملية حسب مصادر مختلفة مقتل 12 جنديا مصريا وأسر 29 من الضباط والجنود.

مجزرة مركز الشرطة الأردنية في قلقيلية

10 تشرين الأول/أكتوبر 1956

حسب المصادر العبرية فإن العملية كانت تهدف لتدمير مقر الشرطة الأردنية في قلقيلية والقضاء على القوة الموجودة فيه، ردا على عمليات التسلل، وغض السلطات الأردنية الطرف عن عمليات الفدائيين عبر الحدود.

وتم خلال العملية توجيه ضربة مدفعية إسرائيلية إلى مركز الشرطة في قلقيلية تلاها عملية اقتحام للمنطقة والمركز شهدت معركة قتل فيها حسب المصادر العبرية أكثر من مئة من عناصر القوة الأردنية وأصيب 15 في المعركة الضارية التي خاضتها، فيما لقي ثمانية عشر جنديا إسرائيليا مصرعهم وأصيب 68، وانتهت العملية بتفجير المركز.

مجزرة كفر قاسم

29  تشرين الأول/أكتوبر 1956

عشية العدوان الثلاثي على مصر؛ وتحديدا في 29 أكتوبر 1956؛ تولت قوة حرس حدود تابعة للجيش الإسرائيلي تنفيذ حظر التجول على المنطقة التي تقع بها قرية كفر قاسم في المثلث على الحدود مع الأردن. وقد تلقَّى قائد القوة، ويُدعى “الرائد شموئيل ميلينكي”، الأوامر بتقديم موعد حظر التجول في المنطقة إلى الساعة الخامسة مساءً، وهو الأمر الذي كان يستحيل أن يعلم به مواطنو القرية، بخاصة أولئك الذين يعملون خارجها، وهو ما نبه إليه قائد القوة الإسرائيلية مختار القرية، كما تلقَّى ميلينكي توجيهات واضحة من العقيد يسخار شدمي بقتل العائدين إلى القرية دون علم بتقديم ساعة حظر التجول.”من الأفضل أن يكون هناك قتلى. لا نريد اعتقالات. دعنا من العواطف. “.وكان أول الضحايا أربعة عمال حيوا الجنود الإسرائيليين بكلمة “شالوم” فردوا إليهم التحية بحصد ثلاثة منهم، بينما نجا الفلسطيني الرابع حين توهموا أنه لقي مصرعه هو الآخر، كما قتلوا 12 امرأة كن عائدات من جمع الزيتون، وذلك بعد أن استشار الملازم جبرائيل دهان القيادة باللاسلكي. وعلى مدى ساعة ونصف سقط 49 قتيلاً و13 جريحاً هم ضحايا مذبحة كفر قاسم. ويُلاحَظ أن الجنود الإسرائيليين سلبوا الضحايا نقودهم وساعات اليد.

وقد التزمت السلطات الإسرائيلية الصمت إزاء المذبحة لمدة أسبوعين كاملين إلى أن اضطرت إلى إصدار بيان من مكتب رئيس الوزراء عقب تسرُّب أنبائها إلى الصحف ووسائل الإعلام. وللتغطية على الجريمة؛ أجرت محاكمة لثلاثة عشر متهماً على رأسهم العقيد شدمي، وأسفرت المحاكمة عن تبرئة شدمي؛ حيث شهد لصالحه موشي ديان وحاييم هيرتزوغ، بينما عوقب ميلينكي بالسجن 17 عاماً وعوقب دهان وشالوم عوفر بالسجن 15 عاماً، في حين حُكم على خمسة آخرين بأحكام تصل إلى سبع سنوات، وحظي الباقون بالبراءة.

 وإذا كانت محاكمة المتهمين الصهاينة قد بدأت بعد عامين كاملين من المذبحة، فإنه قبل عام 1960 كانوا جميعاً خارج السجن يتمتعون بالحرية، حيث أصدر رئيس الدولة (إسحق بن تسفي) عفواً عنهم. والطريف أن الملازم دهان قد سارع بالرحيل إلى فرنسا معلناً سخطه على التمييز بين اليهود السفارد والإشكناز في الأحكام القضائية التي صدرت على مرتكبي مذبحة كفر قاسم.

مذبحة حمامات الشط

11 تشرين الأول/أكتوبر 1985

بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية وقواتها من بيروت بنحو ثلاثة سنوات؛ تعقبت الطائرات الإسرائيلية مكاتبها وقيادتها التي انتقلت إلى تونس؛ وشنت هذه الطائرات في 11 تشرين الأول/أكتوبر 1985، غارة على ضاحية حمامات الشط جنوبي العاصمة التونسية، وأسفرت عن 50 شهيداً ومئة جريح؛ إذ انهمرت القنابل والصواريخ على هذه الضاحية المكتظة بالسكان المدنيين التي اختلطت فيها العائلات الفلسطينية بالعائلات التونسية.

واستمراراً في نهج الإرهاب الصهيوني الإسرائيلي؛ لم تتورَّع تل أبيب عن إعلان مسئوليتها عن هذه الغارة رسمياً متفاخرة بقدرة سلاحها الجوي على ضرب أهداف في المغرب العربي.

 مجزرة الحرم القدسي (بداية الانتفاضة)

29 تشرين الأول/أكتوبر 2000

في 29/9/2000، قبيل انتهاء آلاف المصلين من أداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك في القدس الشريف؛ أطلق عليهم جنود الاحتلال النار مرتكبين مجزرة أدت إلى استشهاد ثلاثة عشر فلسطينياً، وجرح 475، من بينهم سبعة مصلين أصيبوا بالرصاص المطاطي في عيونهم؛ ما أدى إلى فقدهم البصر على الفور.

وقعت الأحداث على خلفية قيام زعيم المعارضة الإسرائيلية في الكنيست زعيم حزب الليكود ارئيل شارون باقتحام للمسجد الأقصى المبارك، في 28/9/2000، مع ستة أعضاء كنيست من الليكود في ظل حالة من الاستنفار شارك فيها 3 آلاف جندي وشرطي إسرائيلي، حيث تصدى لهم عدد كبير من الفلسطينيين وحدثت مواجهة بين الطرفين، جرح فيها 25 من أفراد “حرس الحدود” الإسرائيلي، بينما أصيب بهراوات الجنود 12 فلسطينياً.

للتحميل اضغط هنا

لمزيد من القراءات:

مركز المعلومات الوطني الفلسطيني – وفا، المجازر الإسرائيلية:

ايلان بابه، التطهير العرقي في فلسطيني، مؤسسة الدراسات الفلسطينية: بيروت. الطبعة الأولى. 2007.

المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية – مدار، تصحيح خطأ: يهود وعرب في أرض إسرائيل 1936- 1956: 

موقع المظليين، عمليات الانتقام، عملية ايجد: https://bit.ly/3GA64Zz

كوبي بن سمحون، مقابلة مع بيني موريس، في صحيفة هآرتس 2012:

موقع “بيت المدفعية”، اقتحام مركز شرطة قلقيلية: