ترجمة وتحرير: يسار ابو خشوم
Offensive contre Gaza. Premières fractures en Israël
مجلّة أوريان ٢١ الفرنسيّة
بقلم الباحث الفرنسي سيلفان سيبل، عضو سابق في هيئة تحرير صحيفة “لوموند”، وقبل ذلك مدير تحرير صحيفة “كورييه إنترناشيونال”، ومؤلف كتابي “المحاصرون: المجتمع الإسرائيلي في مأزق” وكتاب “دولة إسرائيل ضد اليهود”
(1 شباط/ فبراير 2024)
بعد مرور ما يقارب أربعة شهور على بدء هجوم شامل تحول تدريجيا إلى حرب إبادة جماعية، يحاجج الكاتب في هذا المقال المطوّل بأنّ الفشل العسكري للدولة العبرية غدا واضحا، إذ باتت غير قادرة على تحقيق أي من الأهداف المعلنة، وهي في مأزق يفاقم من الشعبية المتناقصة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ويثير التشقّقات والشقاق داخل مجلس حربه. فيما يلي ترجمة تلخيصيّة للمقال:
أهداف لم تتحقق
بدأت التشقّقات الأولى تظهر جليا في إسرائيل ليس فقط حول كيفية إدارة هجومها على غزة، بل أيضا حول ضرورة استمراره، وطالت هذه التشقّقات الحكومة الحربية التي شكلها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث تسود أجواء باردة، ويبرز الخلاف الرئيسي حول مصير الرهائن المدنيين والجنود الذين تحتجزهم حماس منذ السابع من أكتوبر في غزة، ما يخلق انقساما بين نتنياهو ومؤيديه من جهة، وبين اثنين من رؤساء أركان سابقين، بيني غانتس وغادي آيزنكوت من جهة أخرى. غانتس وآيزنكوت يرون أنه لا يمكن تحقيق انتصار دون الإفراج المسبق عن الرهائن، وهو ما يتطلب التفاوض مع حماس التي تطالب بوقف إطلاق نار دائم وإطلاق سراح جميع الفلسطينيين المحتجزين في إسرائيل، وهو ما يرفضه نتنياهو. تعقدت الأمور أكثر بعد مقتل 21 جنديا إسرائيليا في هجوم بالصواريخ من قبل مقاتلي حماس، مما زاد من شعور الفشل السائد بين الإسرائيليين منذ السابع من أكتوبر، وأثار تساؤلات حول إمكانية “خسارة” هذه الحرب.
تكشف آخر المعطيات عن تحديات غير متوقعة أمام إسرائيل في مواجهتها مع حماس، رغم أكثر من ثلاثة أشهر من القصف الجوي الشديد على غزة الذي أسفر عن مقتل أكثر من 27 ألف شخص، وتهجير قرابة 2 مليون آخر، وتدمير هائل للبنية التحتية والمساكن. تبيّن أن الخطة الأولية للجيش الإسرائيلي للسيطرة على المدن الرئيسية في غزة لم تحقق أهدافها، وأن شبكة الأنفاق التي تستخدمها حماس أوسع بكثير مما كان متصورا، مما يعقّد العمليات البرية ويزيد من خطر الخسائر. وفقا لتقارير “وول ستريت جورنال”، فإن فقط 20% من هذه الأنفاق قد تم تدميرها. كما أشير إلى أن الجيش الإسرائيلي مضطر لتسريح جزء كبير من جنود الاحتياط لأسباب اقتصادية. وبعد 117 يوما من العمليات، لم يتم الوصول إلى قادة حماس في غزة، ولا سيما يحيى السنوار ومحمد الضيف ومروان عيسى، ، مما يشير إلى صعوبة وتعقيد الحملة العسكرية التي تشنّها إسرائيل.
أعداء الشعب
من المفارقة أن يكون الشخص الذي يقود الجهود لإنهاء الحرب سريعا وتجنب الوقوع في مستنقع طويل الأمد، من خلال التفاوض لاستعادة الرهائن المدنيين والجنود الإسرائيليين، هو نفسه من “ابتكر” العقيدة العسكرية التي أدت إلى ارتكاب إسرائيل لجرائم فظيعة في غزة. إنه غادي آيزنكوت، الرئيس السابق لأركان الجيش الإسرائيلي، الذي صاغ “عقيدة الضاحية” التي تنص على أنه في الحروب غير المتكافئة بين دولة وعدو من غير الدول، الطريقة الوحيدة للانتصار هي فرض أقسى العقوبات على السكان المدنيين الذين يأوون “الإرهابيين”، هذه الرؤية تم تبنيها رسميا في عام 2008 في إطار الاستراتيجية العسكرية للجيش الإسرائيلي.
قد يكون فقدان آيزنكوت لابنه البالغ من العمر 25 عاما وابن أخيه البالغ من العمر 23 عاما، في القتال بغزة، هو ما دفعه للدعوة اليوم إلى التفاوض على وقف إطلاق النار مع حماس كحد أدنى. وفجأة، خفض تشاك فريليخ، الرجل الثاني السابق في مجلس الأمن الإسرائيلي، من حدة موقفه قائلا: “يبدو أننا لسنا في وضع يسمح بتحقيق أهدافنا”. ويعتبر أندرياس كريغ، خبير من “كينغز كوليدج” لندن، أن إسرائيل “في مأزق عسكري”. هذا الشعور بالفشل، الغريب والصعب التحمل لدى الكثير من اليهود الإسرائيليين، له تداعيات داخلية أيضا. أصبح أعضاء اليمين المتطرف، حلفاء نتنياهو، أكثر تصلبا؛ فمن كانوا يدعون للتفاوض مع حماس أضحوا يُنعتون بـ”المستسلمين”، وصارت عائلات الجنود الذين قُتلوا في غزة والذين ينضمون إلى المتظاهرين داعين لإنهاء الأزمة يُعتبرون أيضا “أعداء الشعب”. تقوم الحكومة بقمع “بيد من حديد” للأصوات الإسرائيلية المعارضة لهذه الحرب، التي لا تزال هامشية ولكن تظاهراتها في تزايد، كما يزداد الشعور بالإحباط في الرأي العام.
“ملك إسرائيل” يريد كسب الوقت
يسعى نتنياهو لاستعادة سلطته من خلال اللعب على عامل الوقت، لكن دون جدوى حتى الآن، حيث تشير التقارير الصحفية إلى وجود معارضة داخل حكومته، ويتم التشكيك في أهداف ومستقبل الحرب، ويُنظر إليها كوسيلة لتأجيل مواجهة مسؤوليات نتنياهو الشخصية. على الرغم من تكراره في الاجتماعات الحكومية بأن الحرب ستطول، يُعتقد أنه يدرك ضآلة فرص تحقيق أهدافه ويسعى فقط لكسب المزيد من الوقت. ويُشار إلى أن النجاحات التي تم تحقيقها في شمال قطاع غزة بدأت تتلاشى.
تُظهر استطلاعات الرأي تراجع شعبية نتنياهو وحزب الليكود، مما يعكس استراتيجية “الحرب التي لا نهاية لها” والتي يُعتقد أنها تخدم اليمين المتطرف أكثر من نتنياهو نفسه، مما يجعله أسيرا لحلفائه ومدفوعا بمصالحه الشخصية. تزايد القلق داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي بشأن السياسات الإسرائيلية، خاصة بعد دعوات للتطهير العرقي في غزة، مما يعمق الفجوة داخل الحزب ويضع الرئيس بايدن أمام حاجة إلى نجاح سياسي كبير لضمان إعادة انتخابه. تُشير بعض المعلومات المتداولة إلى أن دعم بايدن للحرب كان بغرض التوصل إلى اتفاق سياسي يفضي إلى حل الدولتين بعد انتهائها، فيما قبلت محكمة في كاليفورنيا دعوى قضائية تتهم بايدن ومسؤولين آخرين بـ”التواطؤ في الإبادة الجماعية”.
خاتمة
في السادس والعشرين من كانون الثاني/ يناير، شكّل قرار محكمة العدل الدولية حول شكوى جنوب أفريقيا التي وصفت الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة بـ”الإبادة الجماعية” صدمة كبيرة في إسرائيل، على الرغم من أن المحكمة لم تطالب بوقف القتال مباشرة، وهو ما استغله نتنياهو ليعلن عن “نصر” لم يره غيره في إسرائيل. وقد صرحت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، ناليدي باندور، أن القرار يعني ضرورة إعلان وقف إطلاق النار لتسهيل توصيل المساعدات والماء. وقوبل القرار بانتقادات شديدة من اليمين المتطرف ومعلقين آخرين في إسرائيل الذين وصفوا المحكمة بأنها “متحيزة” و”معادية للسامية”. في الوقت ذاته، دعت المحكمة إسرائيل إلى “بذل كل ما في وسعها لمنع حدوث إبادة جماعية”، ما يشير إلى احتمال وجود أفعال من هذا القبيل قيد التنفيذ أو أن هناك إبادة جماعية محتملة في المستقبل، وتم تقديم أدلة على نوايا الإبادة الجماعية من خلال تصريحات علنية لقادة إسرائيليين سياسيين وعسكريين. في المقابل، ردا على قرار المحكمة، نظّم اليمين الإسرائيلي مؤتمرا في القدس دعا إلى “نقل” الفلسطينيين خارج غزة، ودعا بعض المتحدثين إلى “نكبة” جديدة مبررة بقوانين الحرب، و”طرد” غير المقتولين معتبرين أنه “لا يوجد أبرياء”. هذه الأحداث وكلّ ما سبق يعكس عمق التشقّقات الداخليّة وتصاعد الخطاب المتطرف في إسرائيل.
للتحميل اضغط هنا