ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم

هل ما زال بمقدور الولايات المتحدة منع حرب شاملة في الشرق الأوسط؟

?Can the U.S. Still Prevent an All-Out Middle East War

مجلة فورين بوليسي الأمريكية

بقلم، مايكل هيرش، باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط وكاتب عامود في المجلة

2 تشرين الأول/ أكتوبر 2024

 

في هذا المقال، يتناول الكاتب التوترات المتزايدة بين إسرائيل وإيران في أعقاب سلسلة من الهجمات العسكرية المتبادلة، بما في ذلك الهجوم الباليستي الإيراني الأخير على إسرائيل. يناقش المقال الخيارات الاستراتيجية المتاحة لإسرائيل، وتأثير هذه الهجمات على توازن القوى في المنطقة، والدور الحاسم الذي تحاول إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لعبه في منع تصعيد أكبر قد يؤدي إلى حرب شاملة. كما يتناول المقال التحديات السياسية والدبلوماسية التي تواجهها الولايات المتحدة في هذا السياق، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية. فيما يلي ترجمة كاملة للمقال:

بعد عام من هجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، انتقلت إسرائيل من وضع بدت فيه أكثر هشاشة مما كانت عليه منذ نصف قرن – عندما كانت على وشك الهزيمة في حرب 1973 العربية-الإسرائيلية – إلى استعادة تفوقها الاستراتيجي ضد إيران وحلفائها بشكل دراماتيكي. على غرار ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، “لقد غيّرنا توازن القوى في المنطقة لصالحنا لسنوات قادمة”.

هذا، باختصار، هو استنتاج العديد من الخبراء العسكريين والأمنيين بعد عدة أشهر من الهجمات الإسرائيلية المدمرة، والتي كانت في الغالب دون رد. منذ الربيع، قتلت هذه العمليات قادة بارزين في الحرس الثوري الإيراني، وأطاحت بالزعيم السياسي لحماس في قلب طهران، وقتلت أكبر جنرال للحركة في غزة. وبسلسلة من الضربات المتقنة والسريعة، تمكنت إسرائيل من تعطيل وإضعاف حزب الله.

يوم الثلاثاء، تم إعادة تأكيد التفوق العسكري والتكنولوجي لإسرائيل عندما فشلت إيران، رغم هجوم صاروخي باليستي واسع النطاق على القواعد الجوية الإسرائيلية ومقر الموساد في تل أبيب، في قتل أو إصابة أي إسرائيلي بجروح خطيرة (حيث أُعلن عن وفاة فلسطيني واحد فقط في أريحا). يُعزى هذا النجاح إلى الأنظمة الدفاعية الجوية المتقدمة متعددة الطبقات التي تمتلكها إسرائيل.

لكن ربما تكون الاختبارات الحقيقية قد بدأت للتو، سواء على الصعيد العسكري أو الدبلوماسي. بالتأكيد، سترد إسرائيل على هجوم الصواريخ الإيراني، لكن القرار الذي يجب اتخاذه هو إذا ما كانت ستستمر في القضاء على حماس في غزة وتحجيم حزب الله في لبنان، أو ما إذا كانت ستصعد الحرب ضد النظام الإيراني نفسه، بما في ذلك قيادته وربما برنامجه النووي.

أما بالنسبة لحليف إسرائيل الأول، الولايات المتحدة، فإن السؤال المطروح هو ما إذا كان الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس قادرين على منع هذا التصعيد الخطير سياسيا، مع تبقي أكثر من شهر بقليل على الانتخابات الرئاسية الأميركية شديدة التنافس.

يوم الثلاثاء، قال خصم هاريس الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترامب، إن الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل لم يكشف إلا عن ضعف القيادة في إدارة بايدن-هاريس، ودفع العالم نحو “كارثة عالمية”.

هناك الكثير من الأصوات في إسرائيل التي أضحت، بعد عام من القتال الذي يُعتبر وجوديا ضد إيران وحلفائها، ترغب في حرب أوسع ضد طهران. قال رؤول مارك غاريشت، وهو ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية الآن في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: “لقد حان يوم الحساب لإسرائيل”. وأضاف أن “الحجة لشن حرب شاملة أصبحت الآن أكثر قوة في إسرائيل. هجوم 7 أكتوبر وجرأة المرشد الإيراني علي خامنئي قد غيرت على الأرجح استعداد إسرائيل للمخاطرة”.

يعتقد الكثير من الصقور في إسرائيل، على غرار رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، أن استعداد إيران لإطلاق صواريخ باليستية مباشرة على إسرائيل – ليس مرة واحدة بل مرتين منذ هجوم انتقامي في نيسان/ أبريل – ينبغي أن يكون دافعا لرد حاسم يزيل أي تهديد استراتيجي من طهران.

كتب بينيت على منصة “إكس” (تويتر سابقا) في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر: “لدى إسرائيل الآن أكبر فرصة منذ 50 عاما لتغيير وجه الشرق الأوسط. لدينا المبرر. ولدينا الأدوات. الآن وقد تم شل حزب الله وحماس، فإن إيران باتت مكشوفة”.

وقال غاريشت: “أعتقد أنه من المنصف القول إنه إذا لم تتخذ إسرائيل خطوة كبيرة بعد الدعوة الثانية من إيران لفعل ذلك، فإنهم يقبلون بالقنبلة الإيرانية”. ويرى أن مهاجمة البرنامج النووي الإيراني تعتبر أولوية استراتيجية. وأضاف: “إذا ضربت إسرائيل إيران بشكل كبير (مثل صناعة النفط، المنشآت العسكرية، القيادة العليا، بما في ذلك خامنئي) دون مهاجمة البنية التحتية للأسلحة النووية، فإنها قد تصيب النظام الثيوقراطي ولكنها تترك السلاح الوحيد الذي يمكنه ردع الانتقام الإسرائيلي للمؤامرات الإيرانية”.

لكن تصعيد بهذا الشكل هو آخر ما يرغب بايدن وهاريس في رؤيته الآن. إذ يمكن أن تؤدي هذه الحرب إلى حرب إقليمية كبيرة قد تجبر الجيش الأميركي على التدخل، ما قد يعرض فرص هاريس في انتخابات 5 تشرين الثاني/ نوفمبر للخطر. لذا فإن السؤال الدبلوماسي الرئيسي هو ما إذا كان بايدن سيتمكن من جمع ما يكفي من النفوذ لمنع سلسلة متصاعدة من الضربات الإسرائيلية ضد القيادة الإيرانية أو منشآتها الحيوية، التي قد تفضي إلى حرب شاملة.

في الواقع، من الممكن جدا أن تكون إيران قد اختارت توقيت هجومها يوم الثلاثاء، وهي تعلم أن بايدن وهاريس سيبذلان جهودا مكثفة لتجنب حرب أوسع. وقال بهنام بن طالبلو، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات وخبير في قدرات الصواريخ الإيرانية: “أعتقد أن الإيرانيين يراهنون على محاولة دبلوماسية يائسة من الولايات المتحدة لمنع اندلاع حرب شاملة”.

لا تبعث الأشهر الأخيرة على الكثير من الأمل في أن الدبلوماسية الأميركية قد تحقق تقدما – خاصة منذ أن أصبح بايدن رئيسا مؤقتا بعد إعلانه في 21 تموز/ يوليو أنه لن يترشح لولاية ثانية في عمر 81 عاما. حتى قبل ذلك، كان نتنياهو يتجاهل علنا مناشدات الولايات المتحدة لضبط النفس، ويبدو أنه وافق على اقتراح لوقف إطلاق النار في غزة، ثم قام بتقويضه.

مع ذلك، طوال العام الماضي تقريبا، بدا أن نتنياهو يؤجل فتح جبهة جديدة ضد حزب الله ولبنان استجابة لمناشدات واشنطن. كل هذا انتهى في أيلول/ سبتمبر عندما فتحت إسرائيل تلك الجبهة دون حتى إبلاغ واشنطن بخططها، باستخدام تقنيات حديثة لتعطيل أجهزة الاتصالات لحزب الله، مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 42 شخصا وإصابة الآلاف. ثم قامت باغتيال حسن نصر الله، زعيم حزب الله، وقائد رفيع المستوى في الحرس الثوري الإيراني، عباس نيلفوروشان، وتبعتها بغزو بري محدود لا يزال مستمرا.

تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف صعب، حيث قال نمرود نوفيك، مستشار سابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز: “واشنطن محاصرة في الزاوية”. وأضاف: “أي تباين في المواقف بين الولايات المتحدة وإسرائيل سيشجع جميع الأطراف المعادية، بما في ذلك إيران. لذلك يجب على واشنطن الوقوف إلى جانب إسرائيل حتى عندما تهاجم”.

وأي كان ما تفعله إسرائيل الآن، قال بن طالبلو: “أعتقد أنه سيكون هائلا”. على الرغم من أن إيران لم تتسبب في وقوع إصابات إسرائيلية كبيرة، إلا أنها تجاوزت خطا أحمر بإطلاقها “أكبر هجوم بالصواريخ الباليستية في التاريخ” ضد دولة أخرى.

يعتقد المحللون أن طهران سعت عموما إلى تنظيم ردودها بعناية على هجمات إسرائيل، خاصة مع حكومة جديدة أكثر اعتدالا بقيادة الرئيس مسعود پزشكيان، الذي يسعى لإعادة فتح المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة مقابل رفع العقوبات، مع الإشارة إلى أن نائب الرئيس لشؤون الاستراتيجية، محمد جواد ظريف، كان كبير المفاوضين في الاتفاق النووي لعام 2015.

على الرغم من أن الهجوم الصاروخي يوم الثلاثاء كان أكبر حجما – حيث تضمن حوالي 180 صاروخا باليستيا – إلا أنه كان جليّا بأن طهران سعت للحفاظ على توازن ترسانتها الهائلة المقدر بـ 3000 صاروخ. كما حاولت إيران، كما فعلت في نيسان/ أبريل، الترويج لإنهاء دورة التصعيد.

قال حسين بناي، باحث في جامعة إنديانا: “أساسا، تشير طهران إلى إسرائيل بأنها ستكون راضية بتبادل محدود يستهدف الأهداف العسكرية”. وأضاف: “إذا ردت إسرائيل بطريقة مشابهة، فإنني أعتقد أن خامنئي سيكون سعيدا بترك الأمور عند هذا الحد”.

ومع ذلك، قد يكون لدى إدارة بايدن نفوذ أكثر هذه المرة مما كان لديها ضد العمليات الإسرائيلية على حدودها. إذ إن حربا أوسع مع طهران تتطلب مزيدا من التعاون العسكري والاستخباراتي الأميركي. وكثيرون داخل الجهاز الأمني الإسرائيلي يحذرون من الثقة الزائدة، خاصة مع العلم أن المهمة ضد حماس وحزب الله لم تكتمل بعد.

قال نوفيك: “هؤلاء محترفون متمرسون وواعون”. وأضاف: “يعرفون مدى قوتنا – لكنهم يعرفون أيضا حدودها. وعلى عكس نتنياهو، فهم يحترمون المؤسسة الدفاعية الأميركية ويقدرون الدعم غير المسبوق الذي قدمته إدارة بايدن، ويأخذون بجدية الحاجة إلى التنسيق الوثيق مع واشنطن في الأمور التي تؤثر على الأمن القومي الأميركي”.

يوم الأربعاء، قال بايدن للصحفيين إنه لن يدعم ضربة إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية. وأضاف أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين يدرسون فرض عقوبات جديدة على إيران، على الرغم من أن المسؤولين الأميركيين يقولون إنهم يتوقعون أيضا نوعا من الرد العسكري الإسرائيلي.

وقال بايدن: “سنجري محادثات مع الإسرائيليين حول ما يعتزمون فعله”، مضيفا أن قادة مجموعة السبع “يتفقون على أن لإسرائيل الحق في الرد، لكن يجب أن يكون ردها متناسبا”. وأكد: “نحن نقدم لهم النصائح. سأتحدث مع نتنياهو قريبا”.

ستكشف الأيام والأسابيع القادمة ما إذا كانت تلك النصائح ستؤخذ بعين الاعتبار أم أننا سنشهد حربا أكبر.

 

للتحميل اضغط هنا