
- عن المركز
- دراسات وأبحاث
- متابعات
- مراجعات
- إصدارات المركز
- وثائق
- مركز الإعلام
- مؤتمرات
ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم
نظام إسرائيلي مهيمن في الشرق الأوسط
An Israeli Order in the Middle East
مجلة Foreign Affairs الأمريكية
بقلم كل من عاموس يادلين، لواء متقاعد في سلاح الجو الإسرائيلي، شغل سابقا منصب رئيس الاستخبارات الدفاعية (2006-2010)، ويشغل حاليا منصب رئيس منظمة MIND إسرائيل. وأفنير غولوف، نائب رئيس المنظمة، عمل كمدير في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي بين 2018 و2023
(17 كانون الأول/ ديسمبر 2024)
يقدّم هذا المقال المطوّل تحليلا معمقا للتحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط بعد هجوم السابع من أكتوبر، مستعرضا ديناميكيات القوة المتغيرة بين إسرائيل وحماس، وصعود أدوار إيران وحزب الله وتراجعها، ومحاولات الولايات المتحدة إعادة صياغة حضورها الإقليمي. يركّز المقال على الاستراتيجية الإسرائيلية لاستثمار نجاحاتها العسكرية في بناء تحالف إقليمي جديد يتجاوز الأبعاد العسكرية، ليشمل رؤية سياسية واقتصادية تهدف إلى مواجهة التهديدات الإيرانية وتقليص نفوذ قوى الإسلام السياسي. كما يتناول المقال التعقيدات المحيطة بتوفير أفق سياسي للفلسطينيين في ظل التحديات الإقليمية والدولية، مشددا على أهمية التنسيق مع الشركاء العرب والولايات المتحدة لتحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة. فيما يلي ترجمة تلخيصيّة للمقال:
يشهد الشرق الأوسط اليوم صراعا حول تشكيل نظام إقليمي جديد، وقد ظهرت منذ هجوم السابع من أكتوبر ثلاث رؤى متنافسة: سعت حماس إلى إشعال حرب متعددة الجبهات لتدمير إسرائيل، بينما حاولت إيران بالتعاون مع حزب الله شن حرب استنزاف تؤدي إلى انهيار إسرائيل وإبعاد الولايات المتحدة عن المنطقة. من ناحية أخرى، دعمت الولايات المتحدة رؤية للاستقرار الإقليمي تعتمد على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، وتعزيز فرص سياسية للإسرائيليين والفلسطينيين، وإقامة اتفاق دفاعي مع السعودية.
فشلت هذه الرؤى الثلاث بسبب سوء تقدير الأطراف المعنية. أخطأت حماس وإيران وحزب الله في تقدير قوة الجيش الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي وصلابة التحالف الأمريكي-الإسرائيلي. بالغت الولايات المتحدة في تقدير قدرتها على توجيه سياسات إسرائيل تجاه غزة، ولم تضع التهديد الإيراني في الحسبان بشكل كافٍ. بدأت إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة في استغلال هذه الفجوة لتقديم رؤيتها الخاصة؛ إذ شنت عمليات عسكرية حاسمة، قضت على القدرات العسكرية لحماس، وأجبرت حزب الله على قبول وقف إطلاق النار بشروط إسرائيلية، ونفذت ضربات متقدمة داخل إيران. أدت هذه التحركات إلى تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، حيث فقدت إيران الممر البري الممتد من حدودها إلى إسرائيل، وهو ما يمثل تراجعا كبيرا لاستراتيجيتها الإقليمية.
تحتاج إسرائيل الآن إلى توظيف نجاحاتها الميدانية لتعزيز موقفها سياسيا، إذ ينبغي عليها الدفع نحو إطار سياسي جديد يدعم الأمن والاستقرار في المنطقة. يمكن لتحالف عربي-إسرائيلي مدعوم من الولايات المتحدة أن يواجه التهديدات من المتطرفين الشيعة والسنة، ويوفر أفقا سياسيا واقعيا للفلسطينيين، ويمنع أي هجوم مستقبلي على إسرائيل. لا يمكن لإسرائيل أن تفرض رؤيتها بمفردها، وينبغي أن تسعى للحصول على دعم دول رئيسية مثل السعودية، الأردن، مصر، والإمارات، بالإضافة إلى حلفاء غربيين مثل الولايات المتحدة، ألمانيا، والمملكة المتحدة. في ظل الظروف الحالية، تمتلك إسرائيل فرصة نادرة لإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالحها ومصالح حلفائها، ولكنها بحاجة إلى استراتيجية متماسكة تجمع بين النجاح العسكري والتوجه السياسي لتحقيق ذلك.
خطط طموحة وإخفاقات مصيرية
شهدت منطقة الشرق الأوسط في أعقاب هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر تصاعدا للصراعات حول النفوذ الإقليمي. أمر يحيى السنوار، قائد حماس الراحل، بهذا الهجوم بغية إشعال انتفاضة جديدة لدى الفلسطينيين في الداخل وإطلاق هجمات منسقة من قِبل الجماعات المسلحة المدعومة من إيران. توقّع السنوار أن يُفضي هذا التصعيد إلى انهيار إسرائيل عسكريا. اعتمدت خطته على دعم حزب الله و”محور المقاومة” الإيراني. ومع ذلك، أخطأ في تقدير ردود الفعل الإقليمية. بدأ حزب الله قصف إسرائيل، لكن بقي نشاطه محدودا. أطلقت الميليشيات الشيعية من العراق وسوريا صواريخ وطائرات مسيرة، ولم تشكل تهديدا كبيرا لأنظمة الدفاع الإسرائيلية. انضم الحوثيون إلى الهجمات باستهداف السفن في البحر الأحمر وإطلاق صواريخ على المدن الإسرائيلية. رغم ذلك، امتنع النظام السوري بقيادة بشار الأسد عن مهاجمة إسرائيل مباشرة أو إشراك الجيش السوري، مما حدّ من فعالية المحور الإيراني.
واجهت إسرائيل تلك التهديدات بقوة، فقتلت آلاف المقاتلين من حماس، بمن فيهم السنوار، وشنت حرب استنزاف أضعفت التنظيمات المعادية. شجعت الحرب إيران وحزب الله في البداية، إذ رأوا فيها فرصة لزيادة الضغط على إسرائيل وتقليص نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة. توقع الإيرانيون أن واشنطن ستنسحب تدريجيا من الشرق الأوسط بسبب انشغالها بالتحديات الاستراتيجية مع الصين والحرب في أوكرانيا. واصلت الولايات المتحدة دعمها لإسرائيل وسعت لتعزيز تحالفات جديدة ضمن إطار “اتفاقيات أبراهام”. ضغطت واشنطن على السعودية للتطبيع مع إسرائيل، لكنها فشلت في معالجة المخاوف الإقليمية بشأن استمرار الحرب في غزة. رفضت السعودية المضي في التطبيع بسبب تعنت إسرائيل تجاه حل الدولتين. من جهته، أرجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنهاء الحرب، مراهنا على فوز الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لتخفيف الضغوط الأمريكية على إسرائيل.
تعززت المخاوف الإقليمية من فشل الاستراتيجيات المختلفة: أخفقت رؤية السنوار في تحقيق أهدافها، ولم تنجح إيران وحزب الله في فرض هيمنتهما الإقليمية، وواجهت الخطة الأمريكية عقبات كبيرة. رغم ذلك، يبقى الشرق الأوسط في حالة إعادة تشكيل متواصلة، حيث تظل الأطراف المختلفة تسعى لتحقيق مصالحها وسط بيئة متقلبة.
عرش فارغ
شهد الشرق الأوسط تحولات كبيرة مع تصاعد التوترات في الجبهة الشمالية لإسرائيل. بدأت الأحداث بهجوم صاروخي لحزب الله في تموز/ يوليو على ملعب في الجولان، مما دفع إسرائيل إلى تنفيذ عمليات عسكرية نوعية أسفرت عن اغتيال قيادات حزب الله، بمن فيهم حسن نصر الله، وتدمير آلاف الصواريخ. وردت إيران بإطلاق 181 صاروخا باليستيا في تشرين الأول/ أكتوبر، لكنها فشلت في تحقيق نتائج كبيرة. ردت إسرائيل بضربات جوية دقيقة استهدفت مواقع حيوية في إيران، مما كشف ضعف البنية العسكرية الإيرانية وأوقف التصعيد المباشر.
في تشرين الثاني/ نوفمبر، وقّعت إسرائيل ولبنان، بموافقة إيران وحزب الله، اتفاقا لوقف إطلاق النار، بالتزامن مع عملية عسكرية للمتمردين السوريين المدعومين من تركيا، والتي أطاحت بنظام الأسد في دمشق خلال أسبوعين. أضعفت هذه التطورات النفوذ الإقليمي لإيران وحزب الله. خلقت هذه الأحداث فراغا قياديا في المنطقة، حيث تمتلك إسرائيل الآن فرصة فريدة لتشكيل تحالف جديد يعيد ترتيب أولويات الشرق الأوسط نحو السلام والاستقرار والازدهار.
تسعى إسرائيل إلى تعزيز انتصاراتها العسكرية من خلال بناء تحالف إقليمي معتدل يضم الدول العربية السنية بقيادة السعودية. تستهدف إسرائيل مواجهة التهديدات الأمنية الكبرى، وعلى رأسها إيران، والتصدي لمحاولات تركيا وقطر تعزيز نفوذ الإخوان المسلمين. تعمل الخطة على توفير مستقبل سياسي للفلسطينيين مع ضمان حماية إسرائيل من الهجمات الإرهابية. تحتاج إسرائيل إلى دعم الولايات المتحدة لقيادة هذا الجهد، وشراكة عربية تمنح التحالف شرعية إقليمية. من المفترض أن تبدأ الجهود بعقد قمة تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر والأردن والبحرين ودولا أخرى مثل عُمان، بالإضافة إلى ممثلين فلسطينيين، بهدف تعزيز التطبيع وتشكيل إطار أمني جديد ونزع التطرف في غزة. تسعى الخطة أيضا إلى تقليص نفوذ إيران والإخوان المسلمين في سوريا وزيادة مشاركة دول الخليج هناك.
كما ترمي القمة إلى تقديم رؤية فلسطينية جديدة تقوم على حوكمة فعالة ونزع السلاح في غزة قبل إعادة الإعمار. تشرف الولايات المتحدة على انتقال مدروس بقيادة لجنة فلسطينية عربية تعترف بإسرائيل، وتقضي على الإرهاب، وتوقف تمويله، مع تأمين الحدود مع مصر لمنع إعادة تسليح حماس. تستهدف القمة أيضا تسريع إنشاء بنية دفاع إقليمية دائمة لمواجهة الإرهاب وتأمين الملاحة البحرية وتعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية. كما تعمل إسرائيل والولايات المتحدة على تنسيق جهودهما لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية، مع تعزيز الردع الإقليمي لمواجهة أي تصعيد محتمل.
خاتمة
يتطلب تحقيق الأمن الإقليمي لإسرائيل وشركائها التزام إدارة ترامب بدعم الشرق الأوسط واستخدام القوة لردع التهديدات المشتركة. تواجه هذه الرؤية تحديات من داخل الإدارة الأمريكية التي تدعو لتقليص الدور الدولي. رغم تراجع موقف إيران وروسيا، يظل انسحاب الولايات المتحدة من سوريا مصدر قلق استراتيجي. أظهر هجوم حماس في تشرين الأول/ أكتوبر أن إسرائيل لا تسيطر بالكامل على مسار الأحداث الإقليمية. مع ذلك، أعادت الحرب في غزة خلال الأشهر الماضية لإسرائيل بعض النفوذ، لكن استمرار هذا الزخم يتطلب قيادة شجاعة. تعرقل تطلعات المتطرفين في حكومة نتنياهو، مثل ضم الأراضي وفرض حكم عسكري في غزة، هذا التقدم وتزيد من احتمال اندلاع صراع إقليمي أوسع يخدم مصالح إيران. تحتاج إسرائيل إلى تبني رؤية متماسكة تعالج التهديدات الإيرانية، وتعزز التكامل الإقليمي، وتوفر أفقا سياسيا للفلسطينيين. ينبغي أن تستند هذه الرؤية إلى خطة منسقة بدعم من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات. فقط من خلال هذه الخطوات، يمكن لإسرائيل استثمار نجاحاتها العسكرية لتحقيق شرق أوسط أكثر استقرارا وازدهارا، والاستفادة من الفرص الناشئة عن الحرب.