ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم

من تل أبيب إلى حيفا: “هل تعتقد أنها نهاية إسرائيل؟

De Tel-Aviv à Haïfa : « Tu crois que c’est la fin d’Israël ? »

مجلة أوريان 21 الفرنسية

بقلم جان ستيرن، المبعوث الخاص للمجلّة لإسرائيل وفلسطين

28 نيسان/ أبريل 2024

في مقال مطوّل، يحلّل مبعوث أوريان 21 إلى إسرائيل وفلسطين، الذي التقى بشكل مباشر مع شخصيات إسرائيلية وفلسطينية من مشارب متنوّعة، الأثر العميق الذي تركته هجمات السابع من أكتوبر وما تلاها من عدوان هجمي على قطاع غزّة، على المجتمع الإسرائيلي وتماسكه، إذ كان فلسطينيو الداخل ضحيته الأولى، وجعل المجتمع الإسرائيلي يشرع بإعادة تفكير معمّق بالذات وبعلاقته مع الطبقة السياسية وطرح أسئلة وجودية. فيما يلي ترجمة تلخيصية للمقال:

بعد ستة أشهر من الحرب في غزة، أصبحت الحالة العامة في إسرائيل متوترة، حيث يشعر الرأي العام بالقلق والخوف، ويزداد النقاش حول مستقبل البلاد في ظل تأثير اليمين المتطرف الذي يدعو إلى التطهير العرقي. في الوقت ذاته، يجد اليسار صعوبة في تحديد موقفه واستعادة توازنه، بينما يعاني الفلسطينيون داخل إسرائيل من قيود شديدة على حرياتهم العامة. في موازاة ذلك، تتواصل الحياة على شواطئ تل أبيب، حيث يتنزّه الناس ويستجمّون تحت أشعة الشمس، رغم آلة الحرب المتواصلة.

في المجتمع، هناك زيادة ملحوظة في طلبات الحصول على جوازات سفر من القنصليات الغربية، مما يشير إلى رغبة عالية في الهجرة لدى الإسرائيليين، حيث يمتلك نحو نصف السكان جواز سفر ثانٍ. من ناحية أخرى، يعبّر المتظاهرون في أنحاء البلاد عن استيائهم من الحكومة التي يرونها فاشلة في إدارة الأزمات، خصوصا فيما يتعلق بالحرب وقضايا الرهائن، مطالبين بتغيير جذري في النهج الحكومي الذي يعتبرونه غير قادر على تحقيق الأمن والاستقرار.

“فليرحل! فليرحلوا جميعا!”

بعد ما يربو على ستة أشهر من الحرب، تصاعدت مشاعر الكراهية تجاه نتنياهو في إسرائيل إلى مستويات قياسية وغير مسبوقة؛ إذ بات الرأي العام الإسرائيلي مستاء بشدة عندما علم بأن يائير، ابن نتنياهو، قد توجه إلى ميامي ويحظى بحماية من رجال الموساد، في حين قامت زوجته سارة بإنشاء صالون تجميل في المقر الرسمي لتجنب الاضطرار لمواجهة الجماهير الغاضبة. يُظهر هذا الوضع مدى الانفصال بين القيادة الإسرائيلية ومواطنيها، الذين يشعرون بالتخلّي في ظل الأزمات الجارية.

من جانب آخر، تسود حالة من الغضب بين المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل الذين يخضعون لقيود شديدة على حرياتهم العامة؛ إذ يخشون التعبير عن تضامنهم مع أهل غزة خوفا من الانتقام أو القمع. في حين يمكن للإسرائيليين التعبير عن غضبهم، يتم فرض الصمت على الفلسطينيين، مما يسلط الضوء على التفاوت في المعاملة والحقوق داخل الدولة نفسها.

كما يطرح النقاد والمفكرون الإسرائيليون تساؤلات حول مستقبل الدولة في ظل استمرار العنف والهيمنة، معتبرين أن النموذج الحالي للبلاد قد استنفذ طاقته وأن الهزيمة قد تكون وشيكة. يعتقد العديد من الإسرائيليين، من مختلف الخلفيات والديانات، أنّ الوقت قد حان لإعادة تقييم القيم والأهداف الوطنية لتبني نهج يركّز على الحياة المشتركة والتخلي عن السيطرة الحصرية على الأرض، مما يعكس تطلعات جديدة نحو السلام والاستقرار المستدام.

“الجنرالات هم نقمة إسرائيل”

يسعى الجنرال يائير غولان، الذي شغل سابقا منصب نائب رئيس هيئة الأركان، إلى إحياء حزب العمل “هآفودا” اليساري الذي يعاني حاليا من ضعف شديد، حيث يمتلك فقط أربعة نواب. ويُنظر إلى غولان كشخصية تحولت إلى الحديث عن السلام بعد انتهاء خدمته العسكرية، وهو تحول شائع بين الجنرالات. على الرغم من تحوله للسلام، إلا أن ترشحه لقيادة تحالف يساري مستقبلي يواجه مقاومة كبيرة، خاصة بين الناشطين الذين يرون أن الجنرالات جزء من المشكلة في إسرائيل.

من ناحية أخرى، تُعبّر يائيل بيردا، أستاذة الأنثروبولوجيا، عن رؤية مغايرة تدعو للتعاطف مع الفلسطينيين ونقد الاحتلال والنهج الاستعماري للدولة. ترى بيردا أنّ الحرب ليست حلا وتدعو إلى إعادة تصور نموذج جديد للدولة يعترف بحقوق الفلسطينيين ويعزز العيش المشترك. تشدد على أهمية إعطاء الأولوية للحوار والتفاهم المتبادل بدلا من التمسك بسياسات الدفاع والهجوم المستمر.

“معاقبة الفلسطينيين لكونهم فلسطينيين”

يشير أري رميز، مسؤول التواصل في منظمة “عدالة” لحقوق الفلسطينيين، إلى أنّ وسائل الإعلام الإسرائيلية تعمل كأوركسترا حيث يعزف جميع الموسيقيين على نغمة واحدة، مع حضور فلسطيني محدود جدا في البرامج التلفزيونية. يُعتبر الاستماع إلى قناة الجزيرة ضروريا للحصول على معلومات متنوعة لدى الفلسطينيين والإسرائيليين، على الرغم من أن الحكومة قد صوتت لمنع بث القناة القطرية. ويعبّر العضو السابق في الكنيست جمال زحالقة عن استيائه من كيفية دعم وسائل الإعلام الإسرائيلية للعنف وتصوير الإسرائيليين كأبطال، مشيرا إلى الجهل العام أو اللامبالاة بحرية التعبير.

تتعرض حريات الفلسطينيين في إسرائيل للخطر، حيث يعتبر أي نقد للحكومة كخيانة، وتُجرّم المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، ويُحكم على الطلاب في الجامعات والكليات بالقمع الشديد في حال عبّروا عن تعاطفهم مع غزة، إلى حدّ اتهامهم بدعم الإرهاب. يناقش عدي منصور، المستشار القانوني لمنظمة عدالة، التحديات الكبيرة التي تواجه الحريات الأكاديمية وحقوق الطلاب في التعبير عن آرائهم، مشيرا إلى أن الحكومة تضغط على الأساتذة لضمان “ولاء” الطلاب، مما يخلق مناخا من القمع والرقابة في البيئة الأكاديمية.

يؤكد عدي منصور أنّ الهدف الأساسي هو منع الفلسطينيين من التعبير عن هويتهم، مشيرا إلى أن هذا الإجراء يهدف بشكل أساسي إلى كبت المجتمع الفلسطيني. يلاحظ منصور أنه بات من النادر أن يشعر العرب بالحرية والأمان في إسرائيل، وهذا يمثل تحديا آخر لليسار الإسرائيلي الذي يحاول الحفاظ على الحريات. في ضوء تداعيات حرب ضخمة أدت إلى مقتل أكثر من 35 ألف شخص وخسائر تقدر بـ 50 مليار دولار في غزة، يظهر الوضع قاتما مع استمرار الهجوم الذي يُنظر إليه على أنه إبادة جماعية، مما يقود إلى طرح تساؤلات حول ما إذا كانت نهاية إسرائيل “بشكلها الحالي” هي مسألة وقت لا أكثر!

خاتمة

تعكس التحديات الراهنة في إسرائيل العديد من الأبعاد السياسية والاجتماعية، حيث يتساءل الناس عما سيحدث في اليوم التالي لهذه الحرب. يطالب البعض في تل أبيب والقدس بتدخل دولي في غزة وإنهاء الاحتلال في الضفة الغربية، مشددين على أنّ الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر. يتطلب الوضع الراهن شجاعة ووضوحا في الرؤية، وهو ما تفتقر إليه الحكومة الحالية، وفقا للجنرال غولان. في هذا السياق، يظهر الفلسطينيون في الداخل مدى القمع والتقييد الذي يتعرضون له، بما في ذلك التعبير عن التضامن مع غزة، مما يسلط الضوء على التحديات الكبرى التي تواجه حرية التعبير والحقوق المدنية في المنطقة. لا أحد على الساحة السياسية الإسرائيلية مستعد للتوصل إلى تسوية، كما أن الأميركيين ليسوا مستعدين للتحرك، في حين أن الأوروبيين عاجزون، والروس والصينيون يكتفون بمراقبة الوضع المتقلب للغاية، أما حركة حماس فلا تتخلى عن قطاع غزة، والسلطة الفلسطينية لا تستطيع أن تعمل هناك، ويبقى المفتاح هو وحدة الفلسطينيين.

 

للتحميل اضغط هنا