ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم
What Columbia’s Protests Reveal About America
مجلة فورين بوليسي الأمريكية
بقلم هاوارد فرنش، مدرّس في كليّة الإعلام في جامعة كولومبيا وكاتب عامود في مجلّة فورين بوليسي
٢٦ نيسان/ أبريل
يتناول الكاتب في هذا المقال الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية وبالتحديد جامعة كولومبيا، مشيرا إلى كيفية تقديمها دروسا في الديمقراطية والمواطنة، ويركز على الطريقة السلمية التي يتبعها الطلاب في تعبيرهم عن الاحتجاج، ويناقش تأثير هذه الاحتجاجات على السياسة الخارجية الأمريكية، في ضوء دعمها للحرب الإسرائيلية على غزة. فيما يلي ترجمة تلخيصيّة للمقال:
تكشف الاحتجاجات الأخيرة في جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك عن أكثر من مجرد صرخات طلابية ضد سياسات معينة؛ فهي تعلمنا دروسا قيمة عن ماهية الديمقراطية في الولايات المتحدة. بينما يعتبرها بعض السياسيين تهديدا، يراها آخرون فرصة لتعزيز التعليم الديمقراطي في البلاد. الضجيج الذي أحدثته المروحيات المحلقة منخفضة فوق منطقة الجانب الغربي العلوي بمانهاتن قد أزعج نومي لعدة ليال، مما دفعني للتوجه نحو الحرم الجامعي حيث أدرّس وحيث بدأت حركة الاحتجاج الطلابية المهمة هذه.
تلقي الاحتجاجات التي تتكشف في حرم جامعتي الضوء على مشكلة أكبر تتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية وعلاقتها المستمرة مع إسرائيل. لا تعكس هذه الحراكات أزمة في ثقافة الطلاب أو التعليم العالي في أمريكا كما يزعم البعض، بل تشير إلى أزمة سياسية عميقة تمس جوهر السياسة الخارجية الأمريكية.
الصهيونية ومعاداة السامية
أود أن أشير هنا إلى أنني لا أدافع عن خطاب الكراهية بأي شكل من الأشكال؛ فمعاداة السامية وكل أشكال العنصرية مرفوضة بشدة، وهذا يشمل التاريخ المؤسسي للجامعة التي عملت بها، والتي كانت تقيّد قبول وتوظيف اليهود. وعلى الرغم من وقوع بعض الهجمات ضد الطلاب اليهود أو المؤيدين لإسرائيل في الحرم الجامعي، إلا أن تجربتي تخبرني بأن هذه الحوادث ليست شائعة بشكل خاص.
عزز انطباعي مشاهدات متكررة لمقاطع فيديو على قناة فوكس نيوز تظهر متظاهرا يصدح دعما لحماس في وجه رجل يهودي، وهذا يؤكد أن الصورة المقدمة للمحتجين قد لا تمثل الواقع بأمانة. الحرم الجامعي الذي أعمل به محاط بطواقم تلفزيونية تعمل لساعات طويلة يوميا، مما يدل على أنه لو كانت الحوادث شائعة لرأينا تغطية أوسع بكثير من مجرد إعادة عرض نفس المواجهات.
في حرم جامعة كولومبيا، يقدم الطلاب نموذجا للسلوك المدني المثالي من خلال إقامة مخيم منظم يستمر لأيام، حيث يتبادل الطلاب الأحاديث بأريحية ويتبعون قواعد سلوك صارمة تحث على النظافة، الامتناع عن تعاطي المخدرات أو الكحول، واحترام الحدود الشخصية. يعكس هذا النظام روح التعايش السلمي والاحترام المتبادل بين الطلاب، بما يعزز من قيم الديمقراطية والتعايش.
تثير الاحتجاجات الطلابية في كولومبيا أسئلة جوهرية حول ما يُفترض أن تشكله من تهديد للحضارة الغربية، الديمقراطية الأمريكية، أو حتى التعليم العالي. يبدو أنّ الخوف الرئيسي يأتي من جوهر خطاب الطلاب المحتجين بحدّ ذاته أكثر من مسألة إساءة استخدام هذا الخطاب، خاصة وأنّهم يتجنّبون التفاعل مع المتظاهرين الصهيونيين، مما يشير إلى تحديات أعمق في تقبل الرأي الآخر.
لم تنشأ الحركة الطلابية في كولومبيا من معاداة السامية كما يعتقد البعض، بل من صدمة العنف الذي مارسته إسرائيل ضد الفلسطينيين. ومع ذلك، فإن الصورة السائدة عن الطلاب المحتجين تُظهرهم كأدوات ساذجة وخطيرة لأعداء الولايات المتحدة، وقد تم تصويرهم بشكل خاطئ كمعادين لليهود، مما يعقّد فهم الأسباب الحقيقية وراء الاحتجاجات.
في الأيام الأولى من الاحتجاجات، تم التعامل مع الطلاب بقسوة، حيث تم اعتقال أكثر من مئة طالب ووجهت لهم تهم جدية. وقد تعرض الطلاب في جامعات أخرى للضرب والغاز المسيل للدموع، وهو ما يشير إلى تجاوزات قد تكون حدثت تحت ستار القانون. تسلّط هذه الأحداث الضوء على الحاجة الملحة لتقييم كيفية التعامل مع الاحتجاجات الطلابية.
من المهم أن تتساءل الولايات المتحدة عن كيفية تفاعلها لو كانت هذه الاحتجاجات تحدث في بلدان أخرى، خاصة إذا ما تم استبدال موضوع إسرائيل-فلسطين بقضية أخرى. سيكون الرد المتوقع على الأرجح الإدانة والنقد الحاد من جانب الصحافة والمسؤولين، مما يعكس التناقضات في التعامل مع الاحتجاجات الطلابية داخل وخارج الولايات المتحدة.
درس في الديمقراطية والمسؤولية المدنية
هناك العديد من الأسئلة الملحة الأخرى. على سبيل المثال، ما هو الرد المناسب للمواطنين على مستوى الرعب الذي نشهده في غزة؟ ولا سيّما في ضوء دعم واشنطن الصريح للهجوم الإسرائيلي هناك، وتزويد إسرائيل بكميات هائلة من الأسلحة الجديدة دون قيود حقيقية على استخدامها. بالطبع سيكون الردّ سلبيا. على الرغم من ذلك، يعامل بعض السياسيين الأمريكيين المحتجين كتهديد. ويحذر آخرون من أن المتظاهرين يتدخلون في تعليم الطلاب غير المتظاهرين، وهم أغلبية صامتة، لاستحضار احتجاجات الطلاب ضد حرب فيتنام.
هذا مجافٍ تماما للصواب. من خلال الاحتجاج السلمي، يقدم الطلاب في حرم كولومبيا وعدد متزايد من الجامعات الأخرى درسا في الديمقراطية والمواطنة للمجتمع الأمريكي والعالم أجمع. لقد شعرت بهذا بشكل شخصي في المحادثات التي أجريتها بمحاذاة الخيام مع الطلاب من الصين ودول أخرى الذين أعجبوا بقدرة طلاب كولومبيا على المقاومة من خلال الاحتجاج. في خضم الفظائع المرتكبة، يقولون كفى، ويفعلون ذلك بشكل سلمي في معظم الأحيان. يقولون إن الوقوف ضد الترويع يتطلب المزيد من الإلحاح أكثر من حملات كتابة الرسائل إلى أعضاء الكونغرس أو الانتظار بصبر للتصويت في الانتخابات القادمة.
غزة ليست الرعب الوحيد في العالم، ويمكننا جميعا الاستفادة من الإلحاح الأخلاقي والتحضر لهؤلاء الطلاب. إنهم يضغطون حيث يمكنهم ذلك بسهولة، على المؤسسات التي يشكلون، كطلاب، أساس مجتمعها. إذا لم يتمكنوا من دفع الحكومة الأمريكية لفعل شيء لوقف العنف في غزة وبشكل متزايد في الضفة الغربية التي غالبا ما يتم تجاهلها، فيمكنهم على الأقل دفع جامعاتهم لوقف دعمها. هذا هو جوهر المطالبة بالتخلي عن الاستثمار: رفض الدعم المؤسسي من خلال الاستثمار في الجهود الحربية الإسرائيلية حتى يتحقق السلام. يعترض العديد من النقاد على أن هذا غير واقعي ولا يمكن أن ينجح. لكن ما هو الرد السليم للمواطنين؟ الجلوس مستسلمين مكتوفي الأيدي؟!
خاتمة
أود أن أختتم بالسؤال حول الصهيونية. لعقود من الزمن، دعم الرأي العام في الولايات المتحدة وفي جزء كبير من العالم هذا المفهوم، وهو فكرة حق إسرائيل الخاص في الوجود كوطن عرقي ديني للشعب اليهودي. شخصيا، أتذكر الحماس الذي شعرت به عندما شاهدت أصدقائي اليهود في المدرسة الثانوية يذهبون بحماس إلى الكيبوتسات للمساعدة في بناء إسرائيل على هذا الأساس في عصر أكثر براءة منذ عقود. ولكن التهديد للصهيونية في عالم اليوم لا يأتي من الطلاب الذين يتظاهرون في حرم الجامعات الأمريكية. أود أن أجادل بأن أكبر تهديد للصهيونية لا يأتي حتى من حماس، رغم هجماتها الفظيعة على إسرائيل، بل إنّ أكبر تهديد ينبع من طمس أيّ خط بين الصهيونية وسحق حياة وآمال ومستقبل الفلسطينيين، وبالقدر الذي يرسل فيه الطلاب المتظاهرون هذه الرسالة، فهم أصدقاء أيضا لإسرائيل.
للتحميل اضغط هنا