ترجمة وتحرير : يسار أبو خشوم 

لماذا فشلت عمليّة أوسلو للسلام

Why the Oslo Peace Process Failed

مجلّة فورين بوليسي الأمريكيّة

بقلم آرون ديفيد ميلر، زميل بارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومحلّل سابق لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجيّة الأمريكيّة ومفاوض في الإدارات الجمهوريّة والديمقراطيّة.

١٣ أيلول/ سبتمبر ٢٠٢٣

في الذكرى الثلاثين لتوقيع اتّفاقات أوسلو، يدّعي كاتب هذا المقال فشل هذه الاتّفاقات ويعزو ذلك إلى ثلاثة أسباب رئيسيّة تتجلّى في التفاؤل غير المبرّر واختلال توازن القوى وغياب وسيط موثوق، إذ يتناول هذه النقاط بتحليل مستفيض. فيما يلي ترجمة تلخيصيّة للمقال:

تعتبر عمليّة السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين جهدا مستمرا مليئا بالتحدّيات والتراجعات والقليل من لحظات التقدّم. تشكّل اتّفاقات أوسلو، الموقّعة في أوائل التسعينيّات، فصلا هامّا ومعقّدا في تاريخ هذه الجهود. توفّر الدروس المستفادة من نجاحات وفشل أوسلو رؤى حاسمة حول التعقيدات المحيطة بالنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، وهناك نقطتان أساسيّتان تحتاجان لفحص نقديّ: مخاطر التفاؤل غير المُبرّر والمشكلات المستمرّة الناشئة من عدم التوازن في القوى وغياب وسيط موثوق.

الإغراء الكاذب للتفاؤل غير المُبرّر

عند توقيع اتّفاقات أوسلو، كان هناك جوّ من التفاؤل الشديد، إذ احتفى المجتمع الدوليّ بالحوارات الرائدة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. للمرّة الأولى، بدا أنّ الحلّ السلمي في متناول اليد، وبدت تشير العديد من الصور والمصافحات بين القادة إلى بداية عصر جديد من التعاون.

ومع ذلك، سرعان ما كشف هذا التفاؤل عن طابعه الإشكاليّ؛ كانت المفاوضات تنطوي على عدّة قضايا جوهرية تمّ تجاهلها في النشوة التي تبعت التوقيع. واحدة من أكثرها جلاء هو عدم وجود رؤية مشتركة لحلّ الدولتين. دخل الطرفان المفاوضات مع أفكار مختلفة حول الهدف النهائي، ممّا أدّى إلى مفاوضات كانت أكثر حول التهدئة وأقلّ حول تحقيق السلام المستدام، إذ فتح هذا الغموض الباب لكلا الطرفين للقيام بافتراضات حول ما يريده الطرف الآخر أو ما سيقبله، مما أدّى في كثير من الأحيان إلى سوء الفهم وفي نهاية المطاف، إلى تعطّل المفاوضات.

عزّز هذا التفاؤل الغامض جوّا ركّز فيه الطرفان على المكاسب قصيرة المدى؛ فقد ركّز الإسرائيليون والفلسطينيون على اتّفاقات مؤقّتة يُفترض أن تعزّز الثقة لكنّها غالبا ما أدّت إلى العكس. كانت هذه الترتيبات في بعض الأحيان تفتقر إلى المضمون ولا تولي الاهتمام الكافي لمعالجة الأسباب الجذريّة كوضع القدس، أو اللاجئين، أو المستوطنات، فتحوّل هذا النهج على المدى القصير إلى دورة مفرغة، ممّا أثّر على الثقة الهشّة أساسا وجعل الحلّ طويل الأمد أبعد أكثر فأكثر.

مأزق عدم التوازن في القوى والحاجة لوسيط موثوق

لطالما شكّلت ديناميّات القوّة بين الإسرائيليين والفلسطينيين عائقا كبيرا، إذ كان لدى إسرائيل اليد العليا، كونها القوّة القائمة بالاحتلال مع مزايا عسكريّة واقتصاديّة كبيرة. كان هذا التفاوت واضحا بطرق شتّى، من خلال توسيع المستوطنات الإسرائيليّة المستمرّ إلى سيطرة إسرائيل الإداريّة على مناطق كبيرة في الضفة الغربيّة وغزة. ومن ناحيتهم، لجأ الفلسطينيّون إلى ما يمكن وصفه بـ “قوّة الضعف” كشكل من أشكال المقاومة.

عزّز هذا التفاوت دور الولايات المتّحدة في العمليّة، وفي الوقت الذي سعت فيه الولايات المتّحدة لتكون وسيطا، كثيرا ما كان يُنظر إليها على أنّها منحازة إلى إسرائيل. وكان لهذا التصوّر مبرّراته؛ فغالبا ما كانت الولايات المتحدة تنسّق بشكل أوثق مع إسرائيل وكانت أقلّ استعدادا للضغط على القادة الإسرائيليين، خاصة فيما يتعلّق بقضايا حسّاسة مثل توسيع المستوطنات.

على الرغم من أنّ الولايات المتّحدة حاولت الحفاظ على عمليّة السلام، وخاصّة بعد اغتيال رابين، إلا أنّها فشلت في إرساء آليّة قويّة لرصد الانتهاكات ومحاسبة الأطراف على حد سواء. وكانت تشكّل هذه الحلقة المفقودة فجوة كبيرة ساهمت في تعطيل عمليّة أوسلو.

الطريق إلى الأمام: التفاؤل الحذر والاستراتيجيات الواقعية

على الرغم من التاريخ المتقلّب لجهود السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ظهرت فرص جديدة، مثل إمكانيّة التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربيّة السعوديّة. تهدف العديد من المبادرات الآن إلى إحياء جوانب من إطار أوسلو، مع التركيز على قضايا مثيرة للجدل كالسيطرة على مناطق (ج) في الضفة الغربية.

ومع ذلك، سيتطلّب أيّ تجديد لمحادثات السلام نهجا أكثر توازنا وواقعيّة، يشمل ذلك التزام القادة برفاهيّة شعوبهم وبعمليّة السلام، وبالإضافة إلى ذلك، من الضروريّ وجود وسيط موثوق محايد للحفاظ على توجيه الأطراف نحو اتفاق متوازن.

خاتمة

قد تكون اتّفاقات أوسلو قد فشلت في تحقيق التطلّعات العالية التي رافقتها، ولكنّها قدّمت دروسا لا تقدّر بثمن، فالتفاؤل غير المُبرّر وعدم التوازن في ديناميّات القوّة أثبتا أنّهما عائقان كبيران، وفي الوقت الذي يتبدّى فيه الطريق إلى السلام مليئا بالتحديات، تحتاج مواصلة هذه الرحلة إلى فهم متبادل وحلول عادلة.

للتحميل اضغط هنا