ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم
كيف تستغل الصين الحرب بين إسرائيل وحماس؟
How China Is Leveraging the Israel-Hamas War
مجلّة فورين بوليسي الأمريكيّة
بقلم كريستينا لو، كاتبة في مجلّة فورين بوليسي وباحثة سابقة في معهد جنوب إفريقيا للأبحاث والسياسات
(١ شباط/ فبراير ٢٠٢٤)
تحلّل الكاتبة في هذا المقال جوانب استغلال الصين للحرب الإسرائيلية الجارية على غزة، مع التركيز على سعي الصين لتعزيز العزلة الدولية للولايات المتحدة الأمريكية، وعلى تعزيز بكين لعلاقاتها مع دول “الجنوب العالمي” من خلال التعويل على دبلوماسيتها القضائية على وجه الخصوص. فيما يلي ترجمة تلخيصية للمقال:
استثمرت الصين الانقسام المتزايد بين واشنطن والجنوب العالمي بفعل الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة، لدعم طموحاتها الخارجية. مع تجنب التورط المباشر في الصراع، عملت الصين على تعزيز علاقاتها مع الجنوب العالمي، منتهزة الفرصة لتقديم نفسها كداعم للسلام وإقامة دولة فلسطينية دون التأثير سلبا على علاقاتها الإقليمية. وفقا لجون ألترمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، تسعى الصين لإبراز الفجوة بين الولايات المتحدة والجنوب العالمي، من خلال تبني موقفا دبلوماسيا يجنبها الانتقادات الدولية؛ فقد تجنّبت الصين التي اتخذت موقفا حذرا منذ بداية الحرب، أي دور جوهري في الصراع، مفضلة التأثير من خلال الدبلوماسية والضغوط خلف الكواليس بدلا من التدخل المباشر.
في السياق ذاته، رفضت الصين التدخل العسكري في البحر الأحمر ردا على هجمات الحوثيين التي عطلت التجارة العالمية، مما يعكس استراتيجيتها الحذرة ورغبتها في عدم تعريض علاقاتها الإقليمية للخطر، حتى مع ضغطها خلف الكواليس على إيران للتدخل. تشير هذه الديناميكيات إلى سعي الصين لتعزيز مكانتها الدولية من خلال دبلوماسية متوازنة تتجنب التورط في النزاعات الإقليمية المباشرة، مع تحقيق مكاسب استراتيجية من خلال دعم الجنوب العالمي وتعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية.
الصراع الإسرائيلي الفلسطيني
في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تبنت الصين موقفا يتناقض بشكل حاد مع الدعم الأمريكي الثابت لإسرائيل، مستغلّة الانقسام المتزايد بين واشنطن والجنوب العالمي، ومع تصاعد الاستياء الدولي تجاه العمليات العسكرية في غزة، انتهجت بكين استراتيجية تقوم على تعزيز علاقاتها الدبلوماسية والإنسانية مع الدول المنتقدة لإسرائيل، بينما تجنبت التورط المباشر في الصراع. استثمرت الصين، التي لطالما تبنت نهجا حذرا في تعاطيها مع الشؤون الشرق أوسطية، في تقديم نفسها كوسيط للسلام، مقترحة خطة سلام من خمس نقاط وداعية إلى مؤتمر سلام إسرائيلي فلسطيني. وقد عززت موقفها الدبلوماسي من خلال مبادرات مثل إرسال مبعوثين إلى قطر ومصر، وتقديم مساعدات إنسانية بقيمة ٤ ملايين دولار لغزة، واستضافة وفود عربية وإسلامية، بالإضافة إلى مشاركتها في قمة مجموعة البريكس التي ناقشت الحرب الجارية.
من خلال هذه الجهود، تسعى بكين إلى إظهار عزلة الولايات المتحدة على الساحة الدولية، مبرزة الفجوة بين المواقف الأمريكية وتوجهات الجنوب العالمي، ومشيرة إلى نفاق السياسات الأمريكية في التعامل مع القضايا الدولية. يرى المراقبون أن هذه الاستراتيجية تعكس مهارة الصين في متابعة سياساتها الخارجية، مع تعزيز قيم تشير إلى النقائص في النظام الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. بذلك، تبرز الصين كلاعب دبلوماسي رئيسي يسعى للتأثير في الشرق الأوسط من خلال تعزيز السلام والعدالة الدولية ومواجهة السياسات الأمريكية بنهج يجمع بين الحذر الدبلوماسي والمبادرات الإنسانية.
خلال جولته في إفريقيا، سلط وزير الخارجية الصيني الضوء على زيارته لمصر، مؤكدًا على دعوات بكين لوقف إطلاق النار وإقامة دولة فلسطينية. على الرغم من ذلك، يشير الخبراء إلى أن الجهود الصينية، التي غالبا ما تُعتبر استعراضية، لم تسفر عن نتائج عملية ملموسة. في هذا السياق، تُظهر الصين نفسها كوسيط للسلام، مقترحة خطة سلام وداعية إلى مؤتمر سلام، بينما تُحمّل مجلس الأمن الدولي مسؤولية حل النزاع. كما تستغل الصين الانقسامات الدولية لتعزيز موقفها كبديل دبلوماسي للولايات المتحدة، مستفيدة من الاستياء العالمي تجاه الدعم الأمريكي المتواصل لإسرائيل. بدلا من التورط المباشر، تركز بكين على نقد واشنطن وإبراز التباين في المواقف بين البلدين، خاصة في مجلس الأمن حيث تعارض الصين مشاريع القرارات الأمريكية التي لا تدعو إلى وقف العنف.
دبلوماسية الصين القضائية
من خلال رفضها للمقترحات الأمريكية وتقديمها لمشاريع قرار تدعم وقفا فوريا للحرب في غزة، تعيد الصين تأكيد دعمها للجنوب العالمي وتسلط الضوء على ازدواجية المعايير الأمريكية. يتيح هذا النهج لبكين طرح نفسها كقوة دبلوماسية رئيسية تعمل لصالح العدالة والمساواة الدولية، مستغلة الفرص لإظهار تناقضات السياسة الخارجية الأمريكية وعزلتها على الساحة الدولية.
في مسعاها لتوسيع نفوذها الدولي، تحالفت الصين مع الجنوب العالمي في قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل المرفوعة لمحكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية. يعكس هذا التحالف دعم بكين للضغط الدولي المتزايد ضد إسرائيل، معتبرة الإجراءات القضائية وسيلة لتقديم رؤيتها للعدالة الدولية وحقوق الشعوب. على الرغم من أن الحكم النهائي حول ارتكاب إسرائيل للإبادة الجماعية لم يصدر بعد، فإن استجابة المحكمة لطلب جنوب أفريقيا بتعليق العمليات العسكرية الإسرائيلية يُعتبر انتصارا مبدئيا، واستغلت الصين هذه الفرصة لتأكيد دعواتها للمجتمع الدولي بعدم تجاهل الأفعال الإسرائيلية في غزة، مشددة على ضرورة حماية المدنيين.
خاتمة
من خلال جولات وزير خارجيتها في دول الجنوب العالمي، تُظهر الصين التزامها بتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع هذه الدول، معتبرة الدبلوماسية القضائية أداة لتأكيد موقفها كقوة داعمة للحوكمة العالمية والأولويات الاستراتيجية المشتركة. تُعدّ هذه الاستراتيجية جزءاً من جهود الصين الرامية لتقديم نفسها كبديل دبلوماسي وقائد عالمي يعمل لصالح تعزيز العدالة والمساواة الدولية، مستغلة القضايا الدولية الراهنة لتعزيز تحالفاتها وتأكيد دورها كداعم رئيسي لدول الجنوب العالمي.