ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم
Israelis and Palestinians Both Lost Their Futures
مجلة فورين بوليسي الأمريكية
بقلم ستيفن كوك، كاتب في فورين بوليسي، وزميل أقدم في دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا بمجلس العلاقات الخارجية
24 كانون الثاني 2025
يتناول هذا المقال تداعيات الحرب في غزة على مستقبل الفلسطينيين والإسرائيليين، موضحا كيف أدى الصراع إلى تعقيد المشهد السياسي وتعميق الجمود القائم. يناقش أثر هجوم حماس ورد الفعل الإسرائيلي على فرص تحقيق حل الدولتين أو أي تسوية سياسية. كما يسلط الضوء على التحولات داخل المجتمع الإسرائيلي وتصاعد العزلة الدولية لإسرائيل. فيما يلي ترجمة كاملة للمقال:
عندما دخل وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ في وقت سابق من هذا الأسبوع، كان الفرح عبر خطوط الصراع ملموسا حتى من مسافة ستة الاف ميل. ورغم أن من غير المرجح أن يتم تنفيذ الاتفاق المعقد المكون من ثلاث مراحل بالكامل، إلا أنه سينقذ الأرواح، ويعيد بعض الرهائن إلى ديارهم، ويوفر للفلسطينيين في غزة مساعدات إنسانية هم في أمسّ الحاجة إليها. كما أن عملية إطلاق سراح الرهائن والأسرى الأولية تتيح لحظة للتفكير في العواقب الأوسع للحرب، ومن أبرزها كيف لم يؤد الصراع فقط إلى تغيير مسارات المجتمعات الإسرائيلية والفلسطينية، بل أجبرها بطرق مهمة على التراجع إلى الوراء.
لا شك أن حماس حققت جملة من الإنجازات الملحوظة منذ أن شنت هجومها الذي أطلقت عليه اسم “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023. فقد دفعت الجيش الإسرائيلي إلى قتال شرس في قطاع غزة، مما قوض شرعية إسرائيل العسكرية والدولة التي تدافع عنها على المستوى الدولي. ولم تكن القضية الفلسطينية في صدارة السياسة الإقليمية والدولية بهذه القوة منذ الإعلان عن معايير كلينتون والمحاولات لإنقاذ عملية أوسلو في منتجع طابا المصري في أوائل عام 2001.
لكن في الوقت ذاته، عندما أرسلت حماس مقاتليها عبر الجدار الفاصل بين إسرائيل وقطاع غزة، أعادت القضية الفلسطينية عقودا إلى الوراء، وربما جيلا أو أكثر. كان هناك وقت، ليس ببعيد، حيث كان من الممكن تخيل دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومع انهيار عملية السلام بشكل غير قابل للإصلاح، اعتقد بعض المراقبين أن “واقع الدولة الواحدة”، الذي يجمع المناطق الفلسطينية مع إسرائيل، قد يؤدي إلى “حل الدولة الواحدة” الذي يعيش فيه الفلسطينيون والإسرائيليون معا. بغض النظر عن مدى واقعية أي من الحلين، فإن السعي الذي انتهجته حماس قبل 15 شهرا لتحويل رؤيتها إلى واقع – بتحرير فلسطين من المطلة إلى إيلات ومن نهر الأردن إلى البحر المتوسط – جعل حل الدولتين وحل الدولة الواحدة مستحيلا على حد سواء.
إضافة إلى إراقة الدماء التي ارتكبتها حماس، أدى الغضب الدولي إزاء ما يراه الإسرائيليون دفاعا مشروعا عن النفس إلى تقليل عدد الإسرائيليين الذين لا يزالون يعتقدون بإمكانية التوفيق بين القومية الفلسطينية والصهيونية. قد يكون للفلسطينيين الحق في دولة، لكن بالنظر إلى عدم التكافؤ في موازين القوى، فإن الإسرائيليين يمتلكون القدرة على منعهم من تحقيق ذلك. وبعد 7 أكتوبر، يبدو هذا الاحتمال أقرب إلى الواقع أكثر من أي وقت مضى.
وبينما يشعر الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة بالفرح نتيجة وقف إطلاق النار، فإنهم لا يزالون تائهين سياسيا، ويشعرون بأن لا أحد يمثلهم حقا. وعلى الرغم من أن شعبية حماس تزداد أثناء الصراع مع إسرائيل، إلا أنها تتراجع عندما تتضح قسوة الحياة تحت حكمها لمن يعيشون في غزة. ومن الصعب ألا نستنتج من العقدين الماضيين أن نهج المقاومة المقدسة الذي تتبناه حماس لم يجلب للفلسطينيين سوى المزيد من الألم والمعاناة. نعم، هناك تعاطف دولي متجدد مع القضية الفلسطينية، بيد أن العالم أدرك منذ فترة طويلة أهمية تحقيق العدالة للفلسطينيين، دون أن يترجم ذلك إلى إنجازات ملموسة.
قد تكون هناك خيارات أخرى وأفضل للفلسطينيين؛ فثمة هناك حركة شعبية فلسطينية نشطة تسعى إلى إيجاد وسائل جديدة للتمثيل السياسي، مستغلة الأشهر الخمسة عشر الماضية من العنف لتعزيز الروابط بين القضية الفلسطينية والشبكات الدولية للتقدميين والمنظمات غير الحكومية والناشطين الإنسانيين والأكاديميين. هذا تطور مثير للاهتمام، لكن جزءا كبيرا من طاقة هذه الحركات يبدو موجها أكثر نحو نزع الشرعية عن إسرائيل بدلا من بناء واقع سياسي فلسطيني جديد. وفي ظل الدمار الذي لحق بغزة والطابع الوجودي للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذي سلط عليه الضوء هجوم حماس ورد الفعل الإسرائيلي عليه، قد يكون الإنجاز الأكثر ديمومة لهذا الهجوم هو إدامة حالة انعدام الدولة بالنسبة للفلسطينيين.
أما بالنسبة للإسرائيليين، فإن عصر “إسرائيل البرجوازية” قد انتهى. ستظل إسرائيل التي تضم متاجر Nike، واستوديوهات الدراجات الفاخرة، وسيارات Maserati التي تجوب طريق أيالون السريع، وأبراج الزجاج المبنية بفضل نجاحات Silicon Wadi قائمة، لكن هناك تحولا في المزاج العام بين المواطنين اليهود في إسرائيل. أعاد الهجوم الذي استهدف الكيبوتسات والبلدات الجنوبية قبل 15 شهرا إسرائيل إلى عصر مختلف، حيث الشعور بالضعف وانعدام اليقين. وزاد من وقع الصدمة الجماعية العداء غير المفهوم الذي واجهه الإسرائيليون من قبل الحكومات والرأي العام في الغرب.
لطالما اعتقد الإسرائيليون أنهم تجاوزوا عزلتهم التاريخية، لكن حدة المشاعر السلبية التي أظهرها المجتمع الدولي تجاه إسرائيل الجريحة كانت صادمة، وكأن القرار 3379 للأمم المتحدة، الذي اعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية، لم يتم إلغاؤه قط. خلال السنوات القادمة، ستواجه إسرائيل مزيدا من العداء من جهات مؤثرة، وإن لم تكن بالضرورة قوية، داخل منظومة الأمم المتحدة وعالم المنظمات غير الحكومية، التي أثبتت انتماءها إلى جبهة واسعة مناهضة للصهيونية. وعلى الرغم من أن إسرائيل تتمتع بعلاقات دبلوماسية مع معظم دول العالم، إلا أن الحرب في غزة أعادت فتح مسألة قبولها وشرعيتها الدولية.
لكن العواقب التي أفرزتها الحرب تتجاوز مجرد عداء البيروقراطيين في الأمم المتحدة ومنظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، وحكومات على غرار إيرلندا وإسبانيا. يبدو من غير المرجح أن تؤدي الدعوات إلى المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات إلى نجاح حقيقي، نظرا لكون إسرائيل مدمجة بقوة في الاقتصاد العالمي، خاصة في قطاعات التكنولوجيا الفائقة والصحة. لكن الإسرائيليين، الذين عززت الولايات المتحدة أمنهم وساعدت في تنمية اقتصادهم، سيضطرون إلى التعامل مع ميزانيات دفاعية أعلى وعداء متزايد من بعض أعضاء الحزب الديمقراطي الأمريكي، الذين ستُطلب منهم مواصلة دعم المساعدات الأمنية لإسرائيل. قد لا يكون لهذا الأمر تأثير عندما يسيطر الحزب الجمهوري على السلطة التنفيذية والكونغرس، لكن الديمقراطيين لن يبقوا خارج السلطة إلى الأبد، كما أن عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة، التي أدت إلى مقتل أكثر من 47 ألف فلسطيني (وفقا لوزارة الصحة في غزة)، تركت أثرا عميقا في الكونغرس الأمريكي. لقد بدأ الإجماع الحزبي حول دعم أمن إسرائيل بالتصدع بالفعل قبل هجوم حماس، وربما تكون ردة الفعل الإسرائيلية العنيفة على 7 أكتوبر قد كسرت هذا التوافق تماما.
لكن ماذا يعني هذا بالنسبة لمستقبل الإسرائيليين والفلسطينيين؟ يكاد لا يعني شيئا. كان هناك العديد من المحللين الذين قالوا مع بداية الحرب: “من رحم الأزمة تولد الفرص”. تبدو هذه الجملة جيدة، لكنها مجرد كلمات. كان السيناريو الأكثر ترجيحا على الدوام أن يعود الوضع إلى ما كان عليه في 6 أكتوبر 2023، بدلا من أي تحول إيجابي يعزز فرص تحقيق السلام. وكما أوضح إطلاق سراح جونين، داماري، وستاينبريشر، لا تزال حماس تحتفظ بقبضتها على غزة، مما ينذر بمزيد من الحصار الإسرائيلي على القطاع وبفترات عنف دوري شديد. وفي الوقت نفسه، يبتعد الفلسطينيون والإسرائيليون عن تحقيق أهدافهم الوطنية أكثر من أي وقت مضى.
للتحميل اضغط هنا