ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم
فقدت أمريكا سيطرتها على إسرائيل والشرق الأوسط
L’Amérique a perdu tout contrôle sur Israël et le Moyen-Orient
مجلّة “Courrier International” الفرنسية
18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023
عبر دعمها للدولة العبريّة دون شروط، يعتقد المؤرخ والعالم السياسي الأمريكي ستيفن فيرثيم، المتخصص في السياسة الخارجية الأمريكية، بأن الولايات المتحدة في عهد جو بايدن قد حكمت على نفسها بالعجز. وإذا لم تشذّب موقفها، فسوف تجد واشنطن صعوبة في التأثير على تطبيق حلّ الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فيما يلي الترجمة الكاملة للمقال:
منذ الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، برز الرئيس بايدن كزعيم دولة واعٍ، مستخلصا من الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. “حتى وإن شعرتم بالغضب، لا تدعوه يتملككم”، هكذا نصح الإسرائيليين.
لكن بايدن لم يكتفِ بمجرد التهدئة، فقد سارع كبار المسؤولين في البيت الأبيض إلى التعبير عن قلقهم البالغ إزاء خطة إسرائيل لغزو قطاع غزة، مخافة ألا تؤدي العملية إلى القضاء على حماس وأن تتسبب في قتل وجرح المدنيين الفلسطينيين بلا مبرر، وأن تؤجج حربا أوسع نطاقا. ومع ذلك، كان هؤلاء المسؤولون يتحدثون دون الكشف عن هوياتهم. علنا، أظهر بايدن دعما مطلقا للعملية العسكرية الإسرائيلية، مع دعوة إسرائيل إلى احترام قوانين الحرب. يبدو أنه اعتقد أن دعم إسرائيل [وتكثيف الأحضان خلال زيارته لتل أبيب في 18 أكتوبر] هو أفضل طريقة للتحكم في حليفه – أو أنها الطريقة الوحيدة التي كان مستعدا لتجربتها.
لكن بايدن خاب رهانه، إذ شنت إسرائيل هجوما بريا، ودخلت قواتها إلى مدينة غزة، واستمرت الغارات الجوية والحصار على القطاع. يبدو أن عناق بايدن لم يحقق أي نتيجة تُذكر. لم يكن متوقعا أن يأخذ القادة الإسرائيليون، الذين كانوا لا يزالون تحت تأثير هجوم مروّع، في الاعتبار هذا التحذير البسيط من واشنطن. فهل كانت الولايات المتحدة ستغير من سلوكها بعد تلقي نصائح ودية من دولة أجنبية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر؟
لا عصا ولا جزرة
في الحقيقة، بايدن هو الذي لم يتعلم من أخطاء الولايات المتحدة وقد تسرع في هذه الحرب الجديدة. فمن خلال دعمه اللامشروط لإسرائيل وعدم الدفاع بالمثل عن حقوق الفلسطينيين، جعل الولايات المتحدة شريكة في كل ما تقوم به إسرائيل فيما بعد. الثمن الذي دفعته واشنطن بالفعل كبير من حيث الهيبة والقوة، وقد يصبح أعلى بكثير.
في الأيام التي تلت السابع من أكتوبر، كانت لدى بايدن فرصة لإعادة توجيه رد فعل حكومته تجاه سياسة إسرائيل، من خلال تحديد بشكل علني الأفعال التي ستدعمها الولايات المتحدة وتلك التي لن تدعمها. وفي الوقت الذي عبر فيه عن تضامنه مع إسرائيل واشمئزازه من حماس، كان يمكنه رفض دعم الحملة العسكرية الإسرائيلية ما لم تضع هذه الدولة خطة يعتبرها البيت الأبيض فعالة وعادلة وتعامل المدنيين الفلسطينيين بشكل مقبول. بدلا من ذلك، أعلن بايدن: “نحن مع إسرائيل” وتعهد بضمان الدفاع عنها “اليوم وغدا ودائما”. وإذ حثّ قادة إسرائيل بشكل خاص على التفكير مرتين قبل شن هجوم بري، طلب [من الكونغرس] حزمة مساعدات طارئة بقيمة 14.3 مليار دولار، دون أن يطالب إسرائيل بأي شيء في المقابل.
لو استخدم بايدن العصا والجزرة، لكان بإمكانه تحسين سلوك إسرائيل أو الابتعاد عن فشل مكلف. ومع ذلك، لم يحاول البيت الأبيض بل فضّل الالتزام أولا، ثم اكتشاف ما التزم به. اليوم، تجد الولايات المتحدة نفسها تتبع خطى إسرائيل في حرب بلا رحمة. صراع “ذو مدة غير متوقعة، وكلفة غير متوقعة، وعواقب غير متوقعة”، كما قال باراك أوباما عندما كان سيناتور آنذاك، عن الغزو العراقي قبل أن يبدأ. يشير المسؤولون الأمريكيون بشكل متزايد إلى استيائهم من العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة وتصاعد أعمال العنف من قبل المستوطنين في الضفة الغربية، لكن ليس لديهم تأثير كبير على تغيير مسار إسرائيل، طالما أنهم لا يهددون بأي شيء.
كلام لا طائل منه
قد يتمكن بايدن من الاستفادة من دعمه الحار لإحياء مشروع حل الدولتين الذي دعمه آخر مرة الدبلوماسيون الأمريكيون في عهد أوباما. فقد صرح الرئيس الحالي مؤخرًا بأنه “[لا يمكن]” العودة إلى الوضع السابق للحرب [مضيفا في 15 نوفمبر أنه لا يمكن تحقيق حل دون “حل الدولتين”]. ودعا وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى أن تقوم السلطة الفلسطينية، التي تدير جزءا من الضفة الغربية، بإدارة غزة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية. إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في تحقيق أي فرصة للنجاح، فعليها أن تهدد بتقليص المساعدات العسكرية والدعم السياسي لإسرائيل، وأن تتصرف بناء على ذلك. وإلّا، ستستنتج إسرائيل أن كل هذا عبارة عن كلام لا طائل منه. [لقد رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالفعل الدعوة لتسليم إدارة القطاع إلى السلطة الفلسطينية].
يؤدي الموقف المتحيز لبايدن إلى إغفاله لأولوياته الأخرى في السياسة الخارجية، فقد كانت الولايات المتحدة تواجه بالفعل صعوبة في تسليح أوكرانيا وتايوان قبل الحرب بين إسرائيل وحماس. ومن المحتمل أن تصرف هذه الحرب الذخائر وأنظمة الدفاع الجوي وغيرها من الإمدادات العسكرية الأمريكية. وسيصبح الأمر أكثر تعقيدا إذا انتقلنا إلى نزاع إقليمي، فقد تجد الولايات المتحدة نفسها متورطة مباشرة في النزاع، وهو خطر يبرز من خلال الهجمات المتزايدة على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا.
موقف يفرّق العالم
بات نفوذ واشنطن يتآكل على الساحة العالمية. كانت الولايات المتحدة تحث دول الجنوب على إدانة روسيا، القوة المحتلة التي تقصف البنى التحتية المدنية. أما اليوم، فقد بات واضحا عدم اكتراثها؛ حيث تتخذ مواقف متماشية مع إسرائيل بينما تحتل هذه الأخيرة أراضٍ فلسطينية وتحرم غزة من الغذاء والماء والكهرباء. في الجمعية العامة للأمم المتحدة، صوتت 120 دولة لصالح قرار يدعو إلى هدنة إنسانية. فقط 12 دولة انضمت إلى الولايات المتحدة وإسرائيل في رفض القرار. ونتيجة لذلك، وجدت الولايات المتحدة نفسها في عزلة شبيهة بتلك التي تعرضت لها روسيا عندما دعت الجمعية العامة، بأغلبية 141 صوتا مقابل 7، روسيا إلى الانسحاب من أوكرانيا.
على الجبهة الداخلية أيضا، قد يعضّ بايدن على أنامله ندما. فالناخبون الشباب، إلى جانب الأمريكيين من أصل عربي والمسلمين، وهم قاعدة انتخابية رئيسية ساهمت في انتخاب بايدن في 2020، منزعجون من طريقة تعامله مع هذه الحرب، وقد يمتنعون عن التصويت له في نوفمبر 2024.
“القيادة الأمريكية هي ما يحفظ العالم موحدًا”، هكذا يزعم بايدن. لكن يبدو أن هذه القيادة في نظره تعني دعم حلفائنا بشكل مطلق وتحمل تبعات نزاعاتهم كأنها نزاعاتنا، بغض النظر عن التكلفة والمخاطر. كان النهج القائل “إن لم تكونوا معنا فأنتم ضدنا” مدمرا قبل عقدين. واليوم، يجبرنا على تفتيت العالم وفقدان السيطرة.