ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم
Gaza… jusqu’à quand ?
المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS)
بقلم ديديه بيون، متخصص في تركيا والشرق الأوسط، ويدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد
(31 أيّار/ مايو 2024)
يتناول الكاتب في هذا المقال أحداث الحرب المؤلمة في غزة، مع تسليط الضوء على الحصانة المستمرة التي يتمتع بها الزعماء الإسرائيليون رغم قرارات الأمم المتحدة العديدة. يستعرض الكاتب دور المجتمع الدولي في التعامل مع الأزمة الفلسطينية، مؤكدا على الحاجة الملحة لتغيير النهج المتبع، خاصة في ظل تزايد الانتهاكات الإسرائيلية. كما يناقش موقف فرنسا وإيمانويل ماكرون من الاعتراف بدولة فلسطين، داعيا إلى اتخاذ خطوات فعلية لإنهاء المأساة وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. فيما يلي ترجمة كاملة للمقال:
يوما بعد يوم، تثير الأخبار القادمة من غزة فينا الحيرة والحزن والغضب. كيف يمكننا تحمل الرعب الذي يحدث أمام أعيننا يوميا؟ إلى متى ينبغي أن تستمر هذه المذبحة قبل أن تُتخذ إجراءات ملموسة، فعالة، وحقيقية لوقفها؟ القضية الفلسطينية مطروحة على الأجندة الدولية منذ عام 1948، 76 عاما، لكننا لم نشهد من قبل هذا العطش الجامح للانتقام الماحق. كيف وصلنا إلى هذا الوضع؟
يكمن السبب الرئيسي في شعور الزعماء الإسرائيليين بالحصانة المستمرة منذ عقود. لم يعيروا أي اعتبار لقرارات الأمم المتحدة العديدة بشأن هذه القضية، ولم يروا فيها أية إلزامية تستوجب الاحترام. كذلك، قوبلت اتفاقيات أوسلو التي وُقعت في عام 1993 بالرفض من بنيامين نتنياهو منذ توقيعها، وعمل على تفكيكها تماما فور وصوله إلى السلطة في عام 1996. بالطبع، لا يقتصر عدم احترام القانون الدولي على إسرائيل وحدها، لكن الفارق هو أنها لم تُعاقب أبدا على ذلك. ولهذا السبب تسمح لنفسها بتنفيذ سياسة تتعارض مع جوهر تلك القرارات. وهكذا، تجاهلت الحكومات المتعاقبة في تل أبيب على الدوام قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في نوفمبر 1967، والذي أدان الاستيطان الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. أسفرت هذه السياسة عن وجود 10 الاف مستوطن يهودي في عام 1972، و280 ألفا في عام 1993، ومن المحتمل أن يكون هناك بين 750 و800 ألفا حاليا في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
يمكن بالطبع ضرب أمثلة كثيرة تعكس هذا الشعور الدائم بالحصانة على مر السنين. لنلقِ نظرة فقط على تسلسل الأحداث في الأيام الأخيرة التي تعكس تماما استراتيجية القادة الإسرائيليين. في 20 أيّار/ مايو 2024، قدّم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية (ICC)، كريم خان، طلبات إلى قضاة الغرفة التمهيدية لإصدار خمسة أوامر اعتقال تتعلق بالوضع في فلسطين. تشمل هذه الطلبات وزيرين إسرائيليين وثلاثة قادة من حماس. تشكل هذه الخطوة قرارا تاريخيا لأنها المرة الأولى التي يواجه فيها قادة إسرائيليون، على رأس دولة تدعي الديمقراطية، خطر المحاكمة أمام العدالة الدولية. تشمل الاتهامات الموجهة إلى الأشخاص الخمسة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية موجهة إلى بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، بالإضافة إلى اتهامات مماثلة موجهة إلى يحيى السنوار ومحمد ضيف وإسماعيل هنية، وإن كانت الوقائع المزعومة مختلفة.
صدرت طلبات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في وقت تتزايد فيه عملية فحص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ 7 أكتوبر، حيث يتم التحقيق في العديد من القضايا من قبل محكمة العدل الدولية. وتصدر جهات أخرى تابعة للأمم المتحدة تقارير منتظمة ضد القادة الإسرائيليين، مثل التقرير الذي تناول حالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، الذي قدمته فرانسيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة حول الأراضي الفلسطينية.
أكدت محكمة العدل الدولية في 24 أيّار/ مايو أوامرها السابقة وأمرت إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية في رفح وفي جميع أنحاء قطاع غزة على الفور.
وكالعادة، لم تأخذ الحكومة الإسرائيلية في الاعتبار هذه الآراء والمطالب، بل على العكس، أمرت في 26 أيّار/ مايو بقصف مخيم للنازحين في رفح يأوي ما يربو على 100 ألف فلسطيني. تسبب هذا القصف في مذبحة رهيبة، حيث قُتل عشرات الأشخاص بوضوح حرقا وهم أحياء. يعكس هذا التصرف تحديا صارخا للمحاكم الدولية التي تؤكد مرة أخرى على ميل الحكومة الإسرائيلية للاعتقاد بأنها تستطيع فعل كل شيء، حتى الفعل الذي لا يوصف.
ومع ذلك، يعمي هذا الازدراء المتعمد للمطالب الدولية المتكررة المسؤولين الإسرائيليين الذين لا يفهمون أن تراكم انتهاكات القانون الدولي يزيد من الانتقادات الموجهة إليهم ويترك آثارا لا تمحى. في الوقت الحالي، ينغمسون في هروب مميت إلى الأمام دون أن يدركوا أن العواقب ستكون ضارة لمستقبلهم الخاص. يُعتبر ادعاؤهم بالقضاء على حماس، الذي لا يزال أحد الأهداف الرئيسية للحرب، وهما يهدف إلى إخفاء عطشهم للانتقام ورغبتهم في الضم. تضعف حماس لكن لا يُقضى عليها. بالعكس، ستغذي هذه السياسة روح الانتقام بين أولئك الذين تضرروا بشدة من العمليات العسكرية الجارية والذين لا يرون نهايتها. لكن العقل السياسي يعني، كما يطالب بذلك جزء من المجتمع الإسرائيلي، فتح مفاوضات في أقرب وقت ممكن تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار الذي يتيح في البداية الإفراج عن الرهائن الذين تحتجزهم حماس والإفراج عن الأسرى السياسيين الفلسطينيين.
يبدو أن القانون الدولي والمؤسسات التي تجسده تواجه خطر التمزق وأن تكون غزة المسمار الأخير في نعشها. طالما لم تُفرض عقوبات صارمة، سيظل شعور الحصانة سائدا في صفوف الحكومة الإسرائيلية التي ستشعر بحرية مواصلة سياستها.
ومع ذلك، يتغير ميزان القوى ببطء شديد كما يتضح من اعتراف ثلاث دول أوروبية إضافية – إسبانيا، أيرلندا، النرويج – بدولة فلسطين في 28 أيّار/ مايو 2024.
من هذا المنظور، لا ترتقي سياسة فرنسا إلى مستوى مسؤولياتها. عبّر إيمانويل ماكرون عن استنكاره لمذبحة 26 أيّار/مايو. هذا حسن، لكنه لا يزال يرفض بعناد الاعتراف بدولة فلسطين تحت ذريعة سخيفة أنه لا ينبغي الاستسلام للعاطفة. لكن ماذا يتطلب الأمر كي يسود الوضوح أخيرا؟ الانتظار حتى ينهار نصف سكان غزة تحت القصف والمجاعة والأمراض؟ يعتبر الرئيس ماكرون أن هذا الاعتراف يجب أن يأتي في “لحظة مناسبة”، في إطار عملية تلتزم فيها دول المنطقة وإسرائيل بمفاوضات حقيقية. لذا، وبعبارات واضحة، يتم تأجيل الاعتراف إلى أجل غير مسمى لأن إسرائيل ترفض أي مفاوضات. ولو فعلت ذلك، ستعود فرنسا، كعضو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلى أسس سياستها الخارجية وستكبر باتخاذ مثل هذا القرار. بالطبع، لن يوقف ذلك الحرب بضربة عصا سحرية، لكن الإشارة السياسية ستكون قوية تجاه الدول الغربية وكذلك دول الجنوب. تشعر دول الجنوب بالغضب من ازدواجية المعايير التي، في نظرها، تميز سياسة العواصم الغربية ولا تتردد في إدانة المعاملة المختلفة تجاه الحروب في أوكرانيا وغزة.
يطلب إيمانويل ماكرون منذ عدة أسابيع وقف إطلاق النار في غزة، وهذا تقدم، لكن ما الوسائل العملية التي يقترحها لتحقيق ذلك؟
بغض النظر عن الطريقة التي نتعامل بها مع المأساة الحالية، تبرز ضرورة عاجلة لتغيير أسلوب التعاطي مع القضية الفلسطينية. إن إنهاء الحصانة المستمرة منذ فترة طويلة بات ضرورة قصوى. حكومة بنيامين نتنياهو لا تعرف سوى ميزان القوى، ويجب أن نأخذ ذلك في الاعتبار. يعتمد جزئيا مستقبل تنظيم العلاقات بين الدول والقانون الدولي على هذا الأمر الآن.
للتحميل اضغط هنا