ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم
غزة – إسرائيل: الرهان المحيّر لدونالد ترامب
Gaza – Israël. Le pari déroutant de Donald Trump
مجلّة أوريان ٢١ الفرنسية
بقلم سيلفان سيبيل، صحفي وباحث فرنسي، شغل مناصب إدارية في جريدة لوموند ومجلة وكورييه إنترناسيونال، ومؤلف كتب نقدية للمجتمع والسياسات الإسرائيلية
17 كانون الثاني/ يناير 2025
يتناول هذا المقال تعقيدات المشهد السياسي في الشرق الأوسط في ظل الحرب على غزة، وتزايد الضغوط الأمريكية بقيادة دونالد ترامب لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. ويركز المقال على التداعيات الإقليمية لهذه التحركات، بما في ذلك تأثير السياسات الإسرائيلية على قطاع غزة والضفة الغربية، والتحديات التي تواجه تنفيذ الاتفاق. كما يناقش المقال الأولويات الأمريكية الجديدة في المنطقة، خاصة في ظل التنافس الدولي مع الصين، وتحليل الخطط الإسرائيلية لتوسيع نفوذها الإقليمي بدعم من إدارة ترامب. فيما يلي ترجمة تلخيصية للمقال:
شهدت الحرب على غزة تغيرات كبيرة مع تصاعد الضغوط الأمريكية بقيادة دونالد ترامب لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، شمل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين. ورغم مقاومة نتنياهو لهذه المطالب تحت تهديدات اليمين المتطرف، يبدو أنه استجاب أخيرا بضغط من واشنطن. تزامن ذلك مع تراجع إسرائيل عن خططها السابقة، مثل مشروع “خطة الجنرالات” الذي استهدف تدمير البنية التحتية في شمال غزة، وفرض تهجير قسري ومجاعة منظمة، مما أثار تساؤلات حول أهداف إسرائيل النهائية في القطاع.
لا تزال التساؤلات قائمة بشأن نوايا إسرائيل بعد وقف إطلاق النار، خصوصا مع استمرار مشروع تقسيم قطاع غزة إلى مناطق منفصلة ومحكمة السيطرة من قبل الجيش الإسرائيلي. ورغم أن الاتفاق يتضمن عودة السكان إلى شمال القطاع، إلا أن الغموض يحيط بالمناطق التي ستصر إسرائيل على الاحتفاظ بالسيطرة عليها، وسط شكوك حول التزامها بالانسحاب الكامل من القطاع.
بين الفرح وتحديات التنفيذ
يمكن بسهولة فهم مظاهر الفرح التي عبر عنها الفلسطينيون بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، حيث رددوا أغاني النصر وسط أنقاض غزة بعد 468 يوما من المجازر والدمار المروع. في المقابل، تبدو ردود فعل عائلات الرهائن الإسرائيليين أكثر تحفظا، نظرا لمخاوفهم من تصرفات بنيامين نتنياهو. لا تزال شروط تنفيذ تحرير الأسرى غامضة وغير مستقرة، إذ يتطلب الاتفاق تنفيذا بطيئا ومعقدا عبر ثلاث مراحل تستمر على الأقل ثلاثة أشهر، مع عدم وضوح المدة الزمنية للمرحلة الأخيرة المتعلقة بتبادل جثث القتلى من الجانبين. كما أن الاتفاق لم يحدد عدد الأشخاص الذين سيتم تحريرهم بشكل متبادل في المرحلة الثانية.
يواجه تطبيق الاتفاق صعوبات متعددة تتعلق بوتيرة انسحاب القوات الإسرائيلية، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وبناء مساكن مؤقتة للنازحين الفلسطينيين. يظل التساؤل قائما حول ما إذا كانت إسرائيل ستسمح بعودة وكالة الأونروا إلى غزة، وهي الجهة الوحيدة التي تمتلك الإمكانيات اللوجستية اللازمة للتعامل مع الكارثة الإنسانية. ومع ذلك، يبدو أن الاتفاق لم يذكر هذا النقطة، خاصة أن إسرائيل أصدرت قانونا يمنع أي نشاط للوكالة. من جهة أخرى، تشير تقارير إلى أن نتنياهو، الذي وافق على الاتفاق تحت الضغط، قد يسمح باستئناف الحرب بعد المرحلة الأولى. في المقابل، يبدو أن التركيز الإسرائيلي الحقيقي ينصب على الضفة الغربية، حيث وعد ترامب إسرائيل بتسهيل ضمها، مقابل التخلي عن طموحاتها في غزة. وتضمن الاتفاق نقاطا مثيرة للجدل، مثل السماح بإنهاء وقف إطلاق النار عند الضرورة، والموافقة الأمريكية على التوسع الاستيطاني، وإلغاء العقوبات على المستوطنين، وعرقلة الجهود الدولية ضد القادة الإسرائيليين المتهمين بجرائم حرب.
تخوف الفلسطينيين الأكبر
تواصل إسرائيل تنفيذ سياسات قمعية مدمرة في الضفة الغربية، حيث يعمل الجيش والمستوطنون جنبا إلى جنب في ممارسة العنف والتهجير. دعا بتسلئيل سموتريتش، الوزير المسؤول عن الإدارة المدنية، إلى عملية عسكرية واسعة تهدف إلى “تدمير مخيمات اللاجئين” في مدن مثل نابلس وجنين وطولكرم، مشيرا إلى خطة تهدف لتحويل هذه المناطق إلى أنقاض، على غرار مدينة جباليا في قطاع غزة التي دُمرت بالكامل. تتوقع مراكز الأبحاث الفلسطينية سيناريوهات تشمل تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين قسرا عبر نهر الأردن. في الوقت نفسه، تعمل إسرائيل على نزع الشرعية عن الأونروا لإضعاف قضية اللاجئين، بينما يعمق التطبيع مع الدول العربية، مثل السعودية، عزلة الفلسطينيين عن المجتمع الدولي.
تعكس هذه التحركات دعما واسعا من اليمين الإسرائيلي الذي يدعو إلى تنفيذ نكبة جديدة في الضفة الغربية. ومع دعم إدارة ترامب لإسرائيل، تُمنح تل أبيب الضوء الأخضر لتنفيذ سياساتها التوسعية، بما في ذلك تدمير البنية التحتية الفلسطينية وتجفيف مصادر الغذاء والطاقة، كما دعا برلمانيون إسرائيليون مؤخرا. كما تسعى إسرائيل إلى استغلال الفرصة لإعادة تشكيل الواقع الجغرافي والديموغرافي في الضفة، بهدف تعزيز سيطرتها وضم الأراضي الفلسطينية. هذا الدعم الدولي والسياسات الإسرائيلية التصعيدية يهددان بتحويل الضفة إلى ساحة دمار شامل، بينما يبقى الفلسطينيون معزولين دوليا وسط تراجع الدور الأممي في حماية حقوقهم.
الأولويات الأمريكية في الشرق الأدنى
تأتي عودة دونالد ترامب إلى السلطة في سياق تعقيد غير مسبوق للقضية الفلسطينية منذ عام 1948. وتمكن نتنياهو من إعادة تشكيل المشهد الإقليمي بطرق جذرية بعد تدمير غزة وإضعاف إيران وحزب الله، مما أدى إلى تداعيات كبيرة، أبرزها سقوط نظام بشار الأسد في سوريا وسيطرة جماعة “هيئة تحرير الشام”. وتفرض هذه التحولات تحديات جديدة على إدارة ترامب التي تواجه ضغوطا لإعادة ترتيب التحالفات الإقليمية، خاصة في ظل التنافس المتزايد مع الصين، ما قد يدفع واشنطن إلى تعزيز نفوذها من خلال صفقات كبرى كإحياء اتفاقات أبراهام أو توقيع اتفاقيات أمنية جديدة.
تواجه سياسات ترامب تجاه المنطقة توقعات بفوضوية أكبر ونهج غير تقليدي. ويسعى ترامب، وفقا لبعض المحللين، إلى إبرام صفقة نووية جديدة مع إيران، ما قد يضعه في مواجهة مع إسرائيل التي تحظى بدعم داخلي لشن هجوم شامل على إيران. ومع ذلك، تصطدم مشاريع مثل الاتفاق الثلاثي بين الولايات المتحدة، إسرائيل، والسعودية بعقبات جوهرية، خصوصا بسبب الموقف الإسرائيلي المتشدد تجاه القضية الفلسطينية. وقد يدفع هذا التعقيد نحو حلول بديلة، مثل اتفاق أمني ثنائي بين السعودية وأمريكا، لكنه يفتقر للرمزية التي تطمح إليها واشنطن.
في الختام، تركز النخب الأمريكية على فرض “سلام أمريكي” في الشرق الأوسط دون معالجة جوهر القضية الفلسطينية. وتُظهر التحليلات ميلا لتجاهل فكرة إقامة دولة فلسطينية أو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عقود، بينما تستمر السياسات الأمريكية في دعم الهيمنة الإسرائيلية وتجاهل التداعيات الإنسانية والسياسية. ومع غياب الضغط الأمريكي الحقيقي على إسرائيل، مثل وقف الدعم العسكري، يبقى الحل بعيد المنال. تُظهر سياسات ترامب المستقبلية مؤشرا لاستمرار التصعيد وغياب الحلول الحقيقية، مما يعمق الجرح الفلسطيني ويزيد من تعقيد المشهد الإقليمي.
للتحميل اضغط هنا