ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم

عودة المستوطنين الإسرائيليّين إلى “حومش” بعد ثمانية عشر عاما من الانسحاب

A Homesh, le retour des colons israéliens, dix-huit ans après le retrait

جريدة “لوموند” الفرنسيّة

بقلم لويس أمبير، كاتب عمود في الجريدة وموفدها الخاصّ إلى القدس والضفة الغربيّة

٣١ أيّار/ مايو ٢٠٢٣

 

يسرد الكاتب في هذا المقال، قصّة مستوطنة “حومش” في شمال الضفة الغربيّة، ومن ثمّ يتناول بالتحليل أبعاد قرار سلطات الاحتلال الإسرائيليّ بإعادة المستوطنين إليها بعد ثمانية عشر عاما من خطّة شارون لـ ” فكّ الارتباط”. فيما يلي الترجمة الكاملة للمقال:

حومش ليست كغيرها من البؤر الاستيطانيّة. تعدّ هذه المستوطنة، التي شُرع في إنشائها منذ ٢٥ أيّار/ مايو في أقصى شمال الضفة الغربية المحتلة، آلة زمن يأمل مصمّموها في أن تصحّح مجرى التاريخ وتزيل أخطاءه. بموافقة الحكومة وتحت حماية الجيش، يعيد المستوطنون الاستثمار في المكان الواقع في منطقة نائية، حيث أخلاهم رئيس الوزراء أرييل شارون عام ٢٠٠٥، بالتزامن مع الانسحاب من قطاع غزة.

منذ ما يقرب من ثمانية عشر عاما، وهم يحاولون محو هذه الصدمة التأسيسية، التي لا تزال تقسّمهم بين أولئك الذين يقبلون بواقعيّة الدولة وأولئك الذين يرفضون هذه المؤسسات المذنبة لقيامها بتقييد سيطرتهم على “إسرائيل الكبرى”، وتأجيل قدوم المسيح الموعود.

أمرت الحكومة الإسرائيليّة، يوم الإثنين ٢٩ أيّار/ مايو، الجيش بالسماح لعمّال وآليّات شركة مكلّفة من المجلس الإقليمي بالعمل في هذا القسم من “السامرة”، الاسم التوراتي لشمال الضفة الغربيّة الذي تستخدمه دولة إسرائيل. ليهمّوا بعد ذلك بنقل مدرسة دينية أقيمت في المكان منذ عدة أشهر دون استشارة، إلى قطعة أرض مجاورة، احتكرتها الدولة منذ زمن بعيد كملكيّة عامة، بهدف جعلها مبنى دائم. شقّت الجرافات طريقا قصيرا أسفل منحدر مذهل، يتكوّن من الحجر الجيري الأبيض اللامع الذي يتلألأ تحت الشمس، ويمكن رؤيته من بعيد.

يوم الثلاثاء، انتهى الشبّان من إعادة تجميع المبنى الجانبي الذي يبلغ ارتفاعه ١٠٠ متر، ووضعوه على حافّة الجرف على كتل إسمنتية متراكمة بشكل غير متساو. وفي خضمّ ضجيج المولّد الكهربائي وطوفان من موسيقى التكنو، كانوا يسحبون الأسلاك بين أبراج الكهرباء ويوصلون مكان العمل بخزّان مياه. وفي ذات الوقت، كانت هناك مدحلة تعمل على تسوية الطريق، وجرّافة تقوم بتوسيع مسار رعاة الأغنام أدنى الجرف.

“بعيدة جدّا عن القدس”

يأتي معظم العمال من شيلو، وهي واحدة من أكثر المستعمرات أدلجة وعنفا في الأراضي المحتلّة، تقع على بعد بضع عشرات الكيلومترات إلى الجنوب وهي مدمجة جيّدا في شبكة المستوطنات والقواعد العسكريّة. ويَعِدُ هؤلاء العمّال بوصول وفد من يهود نيويورك الشباب، من المفترض أن يساعدوا في العمل. ووفقا لرئيس العمّال، فإن المقاول هو زئيف “زامبيش” هيفير، رئيس شركة “أمانا”، كبرى شركات بناء المستوطنات.

هؤلاء العمّال ليسوا ثرثارين ولا عنيفين، ولا يؤمنون كلّهم بجدوى هذه المستوطنة. يجيب إيليا مارون، ٢٥ عاما، عندما سُئِل عمّا إذا كان يمكنه الاستقرار هناك في نهاية المطاف، قائلا: “لا يوجد شيء هنا! إنها بعيدة جدّا عن القدس”. وضع الجيش فوقهم برج مراقبة متحرّك، وأغلق عشرات الجنود، الذين لم يتجاوزا أعمار العمال الذين يقومون بحمايتهم، الطريق الموصل لحومش، على الجانب الشرقيّ من التلّ، وينامون على قمّة التلّ المصنّف كمنطقة عسكريّة، في مبانٍ جاهزة وخيمة كبيرة قابلة للنفخ.

ويتردّد على حومش شبّان يُطلق عليهم “فتية التلال” بشكل منتظم. إذ كانوا يخيّمون منذ عام ٢٠١٠ في قطعة أرض محميّة من الرياح، في الجزء الشمالي من التلّ، في نهاية طريق متهالك تم حظر الوصول إليه بواسطة سيّارة يابانية قديمة، وتظلّلها أشجار النخيل الرائعة ونبات البوغانفيليا. هذه هي بقايا المستوطنة القديمة التي بنيت في عام ١٩٧٩، والتي لم تكن قابلة للحياة على الإطلاق، قبل فكّ الارتباط عام ٢٠٠٥، إذ كان بالكاد ثلاثون عائلة تقطن هناك.

يضايق هؤلاء المخيّمون سكّان قرية برقة الفلسطينية الممتدة أدناه في الوادي حيث يسكن أصحاب هذه الأرض. يمنعونهم من الصعود إلى هناك، على الرغم من الأحكام المتكرّرة الصادرة عن المحكمة الإسرائيليّة العليا. في الأسابيع الأخيرة، أحرقوا حظيرة أغنام على أطراف القرية (ماتت ستة أغنام، بحسب صاحبها، مجدي مسعود)، بالإضافة إلى شجرتي نخيل في مقبرة القرية. كما حطّموا نوافذ الفيلا الضخمة لمقاول البناء الفلسطيني غالب حاجي الذي يعمل في إسرائيل.

تأثير غير مسبوق

غسّان دغلس، وهو من سكّان القرية ومسؤول لدى السلطة الفلسطينيّة عن توثيق النمو الاستيطاني في جميع أنحاء الضفة الغربية، يتنبّأ بشكل قاتم قائلا: “سيكون الأمر أسوأ مما كان عليه قبل التفكيك، لأن الحكومة الإسرائيليّة نفسها تدعو اليوم إلى قتل الفلسطينيين والقضاء على القرى”.

كان لمروّجي العودة إلى حومش تأثير غير مسبوق في الائتلاف الحاكم منذ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠٢٢. فقد سمح بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية والمسؤول عن إدارة الضفة الغربية في وزارة الدفاع، بنفسه بإعادة إعمار حومش، بالاتفاق مع وزير الدفاع يوآف جالانت ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. في وقت مبكّر من شهر آذار/ مارس، قاموا بتعديل قانون ٢٠٠٥ الذي يفرض “فكّ الارتباط” عن غزة وحومش وثلاثة تجمعات استيطانيّة سابقة أخرى في شمال الضفة الغربية؛ إذ يسمح التعديل لليهود بدخول حومش، لكن ليس بالبناء فيها.

لخّص النائب عن حزب الصهيونيّة الدينيّة، أوريت ستروك، طموحهم الذي يتجاوز بكثير حالة حومش الرمزيّة، قائلا: “خطيئة فكّ الارتباط سيتمّ محوها. لا أعرف كم من الوقت سيستغرق هذا الأمر. للأسف، العودة إلى قطاع غزة ستؤدي إلى خسائر جمّة (…). لكن في النهاية هذا القطاع هو جزء من أرض إسرائيل وسيأتي اليوم الذي سنعود فيه إليه”.

وقالت واشنطن إنّها “منزعجة للغاية من الأمر الذي أصدرته الحكومة الإسرائيلية بالسماح لمواطنيها بإقامة تواجد دائم في بؤرة حومش الاستيطانية” ونددت بانتهاك الحكومة الإسرائيلية لالتزاماتها.

 

للتحميل اضغط هنا