ترجمات: سوريا- المنقذ ونقطة الضعف لكل من إيران وحزب الله

ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم

سوريا: المنقذ ونقطة الضعف لكل من إيران وحزب الله

Syria: Iran and Hezbollah’s Savior and Achilles’ Heel

المركز الأمريكي للدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)

بقلم ناتاشا هول، زميلة أولى ومتخصصة في دراسات الشرق الأوسط

16 تشرين الأول/ أكتوبر 2024

 

يركز المقال على التدخلات العسكرية الإسرائيلية في الشرق الأوسط، ولا سيما في سوريا، وكيف أثرت على الصراع الإقليمي الأوسع. تحلل الكاتبة دور إيران وحزب الله في دعم نظام الأسد وتعزيز نفوذهما في سوريا رغم الخسائر التي تكبداها من الهجمات الإسرائيلية والأمريكية. تحاجج بأن الانتصارات التكتيكية لإسرائيل قد تكون قصيرة الأمد ما لم يرافقها حل سياسي شامل للصراعات في المنطقة، يشمل الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين. وترى أن تجاهل الحلول الدبلوماسية سيتيح لإيران وحزب الله استعادة قوتهما وإعادة فرض نفوذهما، ليس فقط في سوريا، بل في النزاعات الإقليمية الأوسع. فيما يلي ترجمة كاملة للمقال:

 

بينما تخوض حكومة نتنياهو حروبا عبر الشرق الأوسط لتقويض نفوذ إيران وميليشياتها المتحالفة، تشير تقارير إلى أن مسؤولي إدارة بايدن يصفون هذه الانتصارات العسكرية بأنها "لحظة محورية في التاريخ". لكن هل ستصبح هذه اللحظة محورية بالطريقة التي تأملها الإدارة الأمريكية؟ إذا لم يترافق هذا الانتصار مع حل سياسي يشمل الملايين الذين يتوقون إلى السلام والعدالة في الشرق الأوسط، بمن فيهم الفلسطينيون واللبنانيون والسوريون، فمن غير المرجح أن يكون الأمر كذلك، وستظل الانتصارات التكتيكية لإسرائيل والخسائر الإيرانية مؤقتة.

مهما اشتدت ضربات إسرائيل ضد خصومها في الشرق الأوسط، يظل كل من إيران وحزب الله قادرين على الاستفادة من مئات الأميال من الأراضي الممتدة من البحر المتوسط إلى إيران لإعادة تنظيم صفوفهما. يلعب حزب الله وإيران لعبة طويلة الأمد، في الوقت الذي تتعجل فيه الولايات المتحدة؛ إذ سمحت لهما هذه المثابرة بترسيخ نفوذهما في سوريا والعراق واليمن، وأيضا في لبنان. رغم التراجع الحالي لحزب الله وإيران، أثبتا مرارا قدرتهما على الصمود في مواجهة الخسائر التكتيكية من خلال المناورة في دول تعاني من الصراعات والهشاشة، حيث تخلت دول أخرى عن الساحة.

تعتبر سوريا مثالا واضحا على ذلك. تدخلات حزب الله وإيران في سوريا منذ بداية الحرب الأهلية أثبتت أنها ميزة وعبء في لحظات مختلفة. تشير تقارير حديثة إلى أن هذا التدخل جعل حزب الله وإيران عرضة لجمع المعلومات الاستخباراتية الأمريكية والإسرائيلية واستهدافهما. ومع ذلك، ليست هذه المرة الأولى التي يعاني فيها حزب الله وإيران من دورهما في الحرب، ولكنهما استمرا في هذا المسار لتحقيق مرونة استراتيجية طويلة الأمد.

في عام 2010، بدا "محور المقاومة" المدعوم من إيران - الذي يلعب حزب الله فيه دورا محوريا - قويا ومحقا؛ إذ تمتع حزب الله بدعم العالم العربي كجماعة مسلحة غير حكومية أجبرت إسرائيل القوية على الانسحاب من لبنان بعد احتلال دام 18 عاما. لكن الحرب في سوريا غيرت هذه الصورة، فقد اندلعت احتجاجات سلمية في 2011 تطالب بالإصلاح، لتتحول سوريا لاحقا إلى ساحة صراع دموي مفتوحة للفاعلين الإقليميين والدوليين. من بين هؤلاء الفاعلين كانت روسيا وإيران ووكيلها حزب الله.

عندما دعم كل من إيران وحزب الله نظام بشار الأسد بالقوة، أظهرا أن مقاومة الظلم في المنطقة كانت أولوية ثانوية بالنسبة لهما، بينما كان الهدف الأساسي هو بناء السلطة. قام حزب الله بتجنيد آلاف المقاتلين لحصار ومهاجمة المناطق المكتظة بالسكان في سوريا. وفي هذه العملية، تلطخت سمعته، فلم يعد يواجه "العدو الصهيوني"، بل أصبح يقاتل مسلمين آخرين كانوا يطالبون بالحرية من نظام استبدادي.

رغم تلك الخسائر الأيديولوجية، واصل حزب الله والحرس الثوري الإيراني مسيرتيهما. لعب تدخلهما دورا حاسما في بقاء الأسد، لدرجة أن السوريين تحدثوا عن احتمال وعد النظام لحزب الله بالسيطرة على مناطق في غرب سوريا مثل مضايا، حيث ساعدت قوات حزب الله في حصار وتجويع المدنيين. كما وسّعت إيران نفوذها بشكل غير رسمي في المناطق الشرقية وحول دمشق.

نتيجة لغياب اهتمام المجتمع الدولي بسوريا في السنوات الأخيرة، تمكن حزب الله وإيران من التحرك بحرية. كان النظام السوري اليائس يخضع لمصالح إيران، مما سمح للجمهورية الإسلامية بتعزيز نفوذها، رغم الهجمات الإسرائيلية المتكررة على الأصول الإيرانية في سوريا. حتى أولئك الذين قاتلوا النظام وحلفاءه المدعومين من إيران مثل حزب الله، أجبروا على الخضوع. في أماكن مثل درعا، التي كانت تحت سيطرة الجماعات المتمردة قبل استعادة النظام للمحافظة في 2018، تمكن حزب الله من تجنيد أعضاء من مجتمعات يائسة.

لكن في أجواء الصراع، يولّد اليأس السخط والفساد. ومع توسع نفوذ حزب الله وإيران، ازدادت المخاطر؛ فوفقا لتقرير نشرته صحيفة فاينانشال تايمز، بدأ حزب الله في التعاون ومشاركة المعلومات الاستخباراتية مع عدد أكبر بكثير من الأشخاص مقارنة بالماضي. أدى ذلك إلى تعريضهم لجمع المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية والأمريكية، مما قد يكون ساهم في الخسائر الكبيرة التي تكبدها حزب الله في الأسابيع الأخيرة. في غضون شهر واحد، خسر حزب الله زعيمه الروحي والسياسي والعسكري، حسن نصر الله، إلى جانب عدد كبير من النواب وآلاف المقاتلين. والأهم من ذلك، خسر الحزب هالته كحصن فعال ضد إسرائيل. كما تعرضت إيران للإذلال نتيجة الهجمات الإسرائيلية على مجمعات الحرس الثوري، واغتيالات قادته، والهجمات على دبلوماسييها، وفي 8 أيلول/ سبتمبر، خسر الطرفان مصنعا سريا للأسلحة في عمق الأرض بسوريا خلال غارة كوماندوز إسرائيلية.

يعتقد البيت الأبيض أن هذه الأحداث قد تمهد الطريق لمستقبل جديد للبنان، أو "نظام جديد"، الاسم الذي أطلقته إسرائيل على العملية التي اغتالت فيها حسن نصر الله. لكن إذا لم تمتلك الولايات المتحدة خطة حقيقية لنظام جديد يعالج جميع الجراح المتفاقمة في المنطقة، فإن سوريا والصراعات الطويلة الأمد الأخرى ستظل ميزة لإيران وحزب الله. سيتمكنان من استعادة قوتهما وفرض نفوذهما عندما يحين الوقت المناسب، دون الحاجة إلى مواجهة إسرائيل أو الولايات المتحدة المتفوقتين عسكريا بشروطهما الخاصة.

قد يولّد تواصل اليأس في الصراعات طويلة الأمد في المنطقة السخط والفساد الذي سيتحول ضد الولايات المتحدة في المستقبل. من لبنان إلى إيران، تمتلك الجماعات المسلحة أماكن لا حصر لها للاختباء، ومئات الأميال من الأنفاق تحت الأرض لنقل الإمدادات والأفراد. ومع العمليات الإسرائيلية الوحشية في غزة والضفة الغربية، والآن في لبنان، سيكون هناك عدد لا حصر له من المجندين المستقبليين من المنطقة وخارجها.

بدلا من مواجهة هذه الحقيقة السياسية، تحولت فكرة "اليوم التالي" لسوريا وغزة، والآن لبنان، إلى مفهوم ساذج مفاده أن الصراعات تنتهي من خلال إعادة الإعمار أو الحلول التكنوقراطية. عادة ما لا تنتهي الصراعات بهذه الطريقة. يظهر التاريخ الحديث في المنطقة أنه دون "يوم تالي" سياسي مقبول، لن يكون هناك سوى موجات متواصلة من العنف. سيكون لهذا عواقب وخيمة على إسرائيل في المستقبل المنظور، ولن يغير أي قصف للبنان أو أماكن أخرى هذا الواقع. في الواقع، ستخلق الحملات العسكرية الإسرائيلية فتحات جديدة لإيران وحزب الله في أماكن مثل سوريا بعد فترة طويلة من رغبة الولايات المتحدة في الانتقال إلى ملفات أخرى، كما حدث قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

تحتاج أي إدارة أمريكية مستقبلية إلى أن تكون صريحة بشأن استعدادها لخوض الحروب في الشرق الأوسط. بينما قد تكون إسرائيل متعطشة لذلك، فإن الولايات المتحدة ليست كذلك، ولأسباب وجيهة؛ إذ عندما ينقشع الغبار، قد ينجو نتنياهو ليوم آخر، لكن مصداقية وأمن الولايات المتحدة سيتحطمان دون تحقيق مكاسب طويلة الأمد ودون خطة للتعامل مع محور مقاومة أكثر شراسة ينبعث من الرماد. إذا لم تكن إسرائيل مستعدة للسلام، ينبغي على الولايات المتحدة استخدام نفوذها لفرض هدنة في هذه الحرب خدمة لمصالحها الاستراتيجية.

 

ترجمات: سوريا- المنقذ ونقطة الضعف لكل من إيران وحزب الله